إذا رفرفت فراشة بجناحيها في الصين في أقصى الشرق، فإن تأثير هذه الرفرفة في حد ذاته ضعيف، شيء لا يذكر تقريبًا، وبمرور الوقت يمكن لهذه الرفرفة أن تؤدي إلى حدوث اضطرابات وتموجات في الهواء، وفي فترة زمنية معينة، بعد عام على سبيل المثال يمكن أن تساهم في حدوث إعصار في أمريكا في الناحية الأخرى من الكرة الأرضية، أو لعلها قد تساهم ألا يحدث إعصار في مكان آخر، تساهم في حدوث الإعصار أو تمنعه لكنها ليست السبب الرئيسي في أن يحدث بالطبع.


نظرية أثر الفراشة علميا

هل ترى أن هذا الأمر منطقي؟ هل يمكن أن تصنع أي فراشة في العالم مثل هذا التأثير؟ إذا كنت لا ترى ذلك حقيقة، فعليك أن تعرف بأن هناك نظرية علمية تتحدث عن «أثر الفراشة» وهذه النظرية لها إثباتات تتحدث عن الموضوع كما هو موجود بالأعلى، وهناك «فيلم» تم عمله بالاعتماد على هذه النظرية وأيضاً كتاب يتحدث عنها.


أي أن تغييراً بسيطاً تصنعه الفراشة، قد يؤدي إلى حدوث تأثير عظيم جداً، فماذا إن كان هذا ما يفعله الإنسان؟ ماذا إن كنا نحاول نحن أن نصنع أثراً بسيطاً من شأنه أن يخلق تغييراً كبيراً في المستقبل؟

الكثير منا يقف أمام سؤال «وهل الشيء البسيط الذي نصنعه سوف يحدث فارقاً؟ وما تأثير الشيء البسيط في مواجهة كل هذه المشاكل الكبيرة التي تواجهنا في حياتنا؟»

ربما دون قصد، جاءت هذه النظرية لتجيبنا عن هذا التساؤل، وتخبرنا أن الشيء البسيط الذي نحاول فعله طوال الوقت قد يصل بنا إلى شيء أكبر فيما بعد، وأن المعادلة تتأثر بوجود أثر كل واحد منا، حتى ولو كان وجوداً بسيطاً.


الإنسان لم يخلق في هذه الحياة عبثا!

يخاطبنا الله في القرآن ويقول «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ» وهو ما يؤكد لنا أن كل شخص منا موجود في هذه الحياة لحكمة، لا شيء عبثي أبداً، حتى لو كان التأثير الذي يصنعه البعض في الحياة مجرد تأثير سلبي، فهو كذلك مكتوب عليه، ولا يحدث من عبث، فلا بد أن تؤمن أن وجودك – حقاً – يؤثر في حياة غيرك وفي الحياة عموماً، سواءاً بالإيجاب أو السلب.

الكثير ممن حولك قد يقلل من شأن ما تفعله، ينظر لك ويقولها صريحة «ما تفعله مجرد تضييع للوقت، شيء لا فائدة منه ولن يؤثر» هؤلاء قرروا أن وجودهم هو الوجود السلبي فقط، لا تعبأ بهم ولا تنظر إلى ما يقولون، وتحرك إلى الأمام في طريقك، فهؤلاء وقع اختيارهم على التأثير السلبي، وأنت من قرر أن يكون تأثيره في الحياة إيجابي.

الكثير يقف مكانه، يكتفي فقط بالانتقاد، لا يعجبه شيء مما يحدث، لا يدرك أن وجودنا هنا لحكمة، وينسى أن كل منا لم يخلق في الحياة عبثًا، وهناك من يدرك مدى سوء الواقع الذي نحياه لكن برغم ذلك يؤمن أن له دور يجب أن يزاوله، مسؤولية تقع على عاتقه لابد وأن يؤديها في الحياة، وأن ما يحدث في الواقع هو بسبب تقصيرنا جميعاً، وبالتالي يحاول دائماً تعويض هذا التقصير وصناعة تأثير بسيط، يسعى لأن يرى أثره في المستقبل.


لك شيء في هذا العالم، فقم!

يقول الكاتب غسان كنفاني في واحدة من مقولاته: «لك شيء في هذا العالم، فقم!».

فإن كنا نريد أن نحيا حقاً علينا أن نتحرك من أماكننا، ونبحث عن الشيء الذي خلقه الله من أجلنا في هذا العالم، بالتأكيد قد تنهكنا الرحلة كثيراً، تتعبنا، وترهق أرواحنا، لكننا ندرك أن «الكنز في الرحلة» وأن ما يتعلمه الإنسان أثناء رحلته في الحياة شيء عظيم جداً، وفي النهاية فالله يعلم بأننا نحاول ونسعى لتحقيق الأفضل في الأرض، وسيجازي كل واحد منا على سعيه في الحياة، كما أخبرنا الله في سورة النجم «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى».

لا تقف في مكانك، حاول أن تدرك دورك في الدنيا، حاول أن تعرف أين سيكون لوجودك معنى وقيمة حقيقية، ولا تعبأ بمن يحاول أن يؤثر عليك سلباً، فنحن لا نهتم إلا بأن نفعل صحيح الأعمال، حتى نعيش حياتنا كما نتمنى، وتتغير حياتنا نحن للأفضل، ويكون لوجودنا تأثير فعلي في حياة غيرنا، وحتى نجزى «الجزاء الأوفى» من الله عز وجل في الآخرة.

اسأل نفسك دائماً «لماذا خلقني الله؟» وحين تفكر ستجد أن الإجابة هي أن الله خلقنا جميعاً لنعمر في الأرض، أي أن كل البشر مستخلفين هنا لأداء دور معين، وكل من لا يدرك هذا الدور فهو شخص مستهلك فقط، حين يدرك مثلك بأنه خليفة الله في الأرض سيعلم بأن له دوراً لابد وأن يؤديه، فأنت إن أدركت دورك في الحياة أصبحت كالبصير في وسط العميان، بصير عليه أن يسعى في الطريق دائماً ويحاول أن ينير الطريق لغيره، حتى يساعد كل من حوله في إدراك استخلافه ها هنا في الأرض، وحتى يتحرك كل واحد من مكانه، ليجد الشيء الذي له في هذا العالم.

لعل ما تفعله في الحياة في النهاية يكون مثل أثر الفراشة – كما يصفه الشاعر «محمود درويش» – لا يرى، ولكنه أيضاً – وتذكر ذلك جيداً – لا يزول، فآمن بما تفعله يؤمن بك الناس ويحقق لك الله ما تسعى إليه في الحياة.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.