للحركة الاشتراكية تاريخ كبير في مصر، فقد ساهمت في إحداث تغييرات سياسية واجتماعية منذ بدايات القرن العشرين، وإليها يرجع الفضل الكبير في رفع الوعي عند طبقات وفئات مختلفة للشعب المصري بالقضايا المختلفة. فهنا نُلقي الضوء سريعًا على أهم ملامح هذه الحركة.

1- ظهرت بدايات الفكر الاشتراكي في مصر مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وذلك نتيجة الإنفتاح على الثقافات الغربية التي بدأت في عهد الخديوي إسماعيل.

2- ساهمت الحركة الاشتراكية مبكرًا في تكوين الوعي بحقوق العمال، مما ساعد في تكوين التنظيمات العمالية سواء النقابية أو السياسية، وكانت مطالبها تتمحور حول تحديد ساعات العمل، والحصول على الترقيات، وتحسين الرواتب والمعاشات.

3- في عام 1921، تأسس «الحزب الاشتراكي المصري» على يد سلامة موسى المصلح الاجتماعي ورائد الاشتراكية المصرية. وكانت أهم مبادئ الحزب: تحرير مصر من الاستعمار، تأييد حرية الشعوب وحق اختيار المصير لكافة الأمم، التوزيع العادل للثروات على العاملين طبقًا لقانون الإنتاج والكفاءة الشخصية، العمل على تحسين الأجور والمعاشات، العمل على تحرير المرأة الشرقية.

سلامة موسى

سلامة موسى

4- ظهر أول صدام بين الفكر الاشتراكي وبعض رجال الدين الإسلامي عندما أصدر محمد بخيت، مفتي الديار المصرية آنذاك، فتوى بتحريم الاشتراكية وعدائها للدين؛ إلا أن مناصري الاشتراكية لم يبالوا بمثل هذه الاتهامات في هذا الوقت، وركّزوا نضالهم بين صفوف العمال والحركة النقابية.

5- في عام 1923، تم تغيير اسم الحزب ليصبح «الحزب الشيوعي المصري»، وأصدر برنامجًا جديدًا نادى فيه بجلاء الإنجليز عن مصر وجعل قناة السويس ملكًا للأمة، والاعتراف بالهيئات العُمالية وحقها في الدفاع عن مصالحها، وتمثيل العُمال وفقراء الفلاحين في البرلمان، ومحاربة الأمية وجعل التعليم إجباريًا للبنات والبنين.

6- ساهم الحزب الشيوعي المصري بفعالية في الحياة الاجتماعية، فعمل على فتح مدارس مجانية لتعليم العمال وأبنائهم، كما أرسل الكوادر إلى جامعة «كادحي الشرق» بموسكو. ومن ناحية أخرى، كان للحزب حركة كبيرة وسط العمال ليقوموا بالعديد من الإضرابات في المصانع، مثل عمال إضاءة مصابيح الغاز بالإسكندرية، وعمال الغزل بالمحلة، وعمال مصنع إيجوله للزيت.

7- في محاولة لتقويض الحركة الشيوعية في مصر، قامت إدارة الضبط والربط بالإسكندرية بالهجوم على الحزب الشيوعي المصري بعد أن وجهت له اتهامات بالحصول على تمويل من موسكو. وفي 28 سبتمبر/أيلول 1924، بدأت محاكمة كبار قادة الحزب أمام محكمة الجنايات بتهم التآمر وقلب نظام الحكم، ليحصلوا على أحكام تتراوح من 6 أشهر إلى 3 سنوات. وأصدرت حكومة زيوار باشا قرارًا بمنع بيع الكتب الشيوعية، و قرارًا بإطلاق يدها في تعقب الشيوعين في عام 1926. وفي عام 1928، أصدرت وزارة الداخلية تعليمات بالقبض على 21 شيوعيًا. وقد تفكك الحزب نتيجة للضربات الأمنية المتلاحقة.

8- مع تواصل الظلم والانتهاكات ضد العمال والفلاحين، عادت الحركة الشيوعية مرة أخرى للمشهد الاجتماعي، ولكن على يد الأجانب، وبشكل خاص: الإيطاليين ذوي الاتجاه اليساري. أما على صعيد المشهد السياسي، فقد تأسست العديد من الحركات والمنظمات الشيوعية في الفترة من 1939 وحتى عام 1958، ولكنها كانت تعاني من الانقسامات والانشقاقات، مع توسع في نشاطها ليشمل الطلبة والموظفين والمثقفين خلال فترة الأربعينيات، ومنها منظمة تحرير الشعب، والعصبة الماركسية، والحزب الشيوعي المصري الموحد، وغيرها.

9- بدأ الشيوعيون في الاهتمام بأفراد الجيش، خاصة بعد أن أصدر النحاس باشا قانون الجيش عام 1936، مما زاد من أعداد الشباب المصريين المتقدمين للالتحاق بالكلية الحربية وكان منهم المتأثرون بالحركة الشيوعية، وكان من بينهم سيد سيلمان رفاعي، وأحمد حمروش، وخالد محي الدين.

10- في عام 1947، تقدم «الاتحاد العام للصولات وضباط الصف»، وهو أحد التنظيمات الشيوعية داخل الجيش، بعريضة إلى الملك فاروق، القائد الأعلى للجيش، لتحقيق مطالب تتفق مع الإنسانية؛ إلا أن السرايا قامت بتصفية الاتحاد من خلال النفي والتشريد والفصل. وفي بداية عام 1952، قامت بتصفية عبد القادر طه، أحد كوادر الحركة الشيوعية.

11- لعب الشيوعيون دورًا كبيرًا في تأسيس النواة الأولى لتنظيم «الضباط الأحرار» عام 1949 ، فكان خالد محي الدين يكتب المنشورات الخاصة بالتنظيم. كذلك اعتمد «الضباط الأحرار» بشكل كامل على الجهاز المركزي للطباعة الخاص بالحزب الشيوعي المصري لطباعة المنشورات.

12- بعد قيام حركة الضباط في 23 يوليو 1952، أيّد الحزب الشيوعي المصري الحركة بشكل كبير، وسط اختلاف مواقف باقي الأحزاب والحركات الشيوعية؛ إلا أن حادث كفر الدوار في 12 أغسطس/آب 1952 الذي أدى إلى مقتل ثمانية عمال ومحاكمة عاملين اثنين أمام محكمة عسكرية عليا/ والحكم عليهم بالإعدام – إلى إرباك مواقف الحركات الشيوعية التي كانت مؤيدة للضباط.

13- شارك الشيوعيون في الكفاح ضد العدوان الثلاثي، فقاموا بالنضال إعلامًيا ضد الحرب في أوروبا، وساهموا في تنظيم الحركات المسلحة الشعبية في بورسعيد لصد العدوان.

14- سعى النظام الناصري إلى التخلص من الشيوعين منذ عام 1958، ليشن حملة اعتقالات واسعة وتعذيب في معسكر أبوزعبل، أدت إلى وفاة شهدي عطية الشافعي وفريد حداد، وهما من كبار قادة الحركة الشيوعية. ولم يتوقف التعذيب في السجون ضد الشيوعيين إلا عندما وجه مندوب يوغسلافي الانتقاد لعبد الناصر بسبب التعذيب في السجون، خلال زيارة رسمية له للقاء الزعيم اليوغسلافي تيتو.

15- أيّد الشيوعيون قرارات التأميم والإصلاح الزراعي التي اتخذها عبد الناصر، واعتبرها الشيوعيون خطوة كبيرة في تحقيق مطالب الشعب. وفي عام 1955، تم حل الحزب الشيوعي المصري لينضم جزء كبير من أعضائه للاتحاد الاشتراكي، ويبتعد بعضهم عن العمل السياسي بعد أن أنهكتهم السجون والتشرد. ولكن بعد هزيمة 1967، ابتعد العديد من الشيوعيين عن النظام الناصري لينخرطوا في الحركات الطلابية والطبقات العاملة، لينالوا الجزء الأكبر من البطش.

16- شهد عهد السادات توسعًا كبيرًا في نشاط الحركة الشيوعية وسط الطلاب، حيث اندلعت المظاهرات بجامعتي عين شمس والقاهرة ضد الضبابية في قرار الحرب ضد إسرائيل. وشهد عام 1972 العديد من التظاهرات للطلاب داخل وخارج الحرم الجامعي. كما واجه الشيوعيون القرارات الاقتصادية التي اتخذها السادات عام 1977، و شن الأمن حملت واسعة ضدهم وحمّلهم مسئولية الاحتجاجات. كما عارضوا زيارة القدس عام 1978، ورفضوا معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، و شن السادات حملة شرسة للقضاء على الشيوعيين بلغت ذروتها بعد أحداث الزاوية الحمراء، لتحدث اعتقالات سبتمبر ضد كل معارضيه، سواء أكانوا من اليمين بقيادة الإسلاميين، أو من اليسار بقيادة الشيوعيين، حتى تم اغتياله خلال احتفالات أكتوبر عام 1981، وخلفه محمد حسني مبارك.

بدأ مبارك عهده بعقد مصالحه واسعة مع الجميع ليثبت أقدامه في الحكم ، ليظل نشاط الشيوعيين مستمرا في الجامعات و المصانع مع إستمرار الضربات الأمنية ضدهم حتى عام 1989 ليظهر النظام وجه الحقيقي للمعارضة ، ووقف اليسار أمام بيع القطاع العام و قوانين الحريات العامة و الحريات النقابية و غيرها من القضايا الوطنية ، كما تصدى للحركات الدينية المسلحة التي انشغلت عن القضايا الحيوية للمجتمع.

17- مع بداية الألفية الجديدة، شهد المشهد السياسي تغيرات كبيرة، لتظهر الحركات الليبرالية مثل «كفاية» التي أسسها جورج إسحاق، واستجاب لها 300 شخصية سياسية من مختلف الأطياف، ورفضت التجديد لمبارك وهدفت منذ تدشينها إلى تأسيس شرعية جديدة، وطالبت بتنحيته عن الحكم. وظهرت بعدها الحركات الشبابية، مثل حركة 6 إبريل التي كانت بدون أي توجهات إيدلوجية، وتهدف إلى تحقيق مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية، وذلك حتى ثورة يناير 2011، لتظهر أشكال أخرى من التنظيمات الإشتراكية، مثل مركز آفاق للدراسات الاشتراكية الذي يدعو للثورة ويطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية، وفصيل الاشتراكيون الثوريون الذين يسعون لإقامة الدولة العمالية التي تقوم على أسس الاشتراكية والعدل الاجتماعي، و أخيرا فصيل الأناركيون الذي يطالب بإلغاء سلطة الدولة والتعاون الحر بين أفراد المجتمع.


1. يوسف محمد: الحركة الشيوعية في مصر من 1921 إلى 2011.

2. مجموعة مؤلفين: إلى أين يذهب العرب – رؤية 30 مفكرا في مستقبل الثورات العربية، مؤسسة الفكر العربي، 2012.

3. فريد زهران: الحركات الإجتماعية في مصر، مركز القاهرة لحقوق الإنسان، 2007.

4. محمد شعبان:

بالأسماء والأماكن .. خريطة توزيع الشيوعيين في مصر

، مجلة الشباب، 7 أبريل 2012.

5.

الاشتراكية الثورية

، موقع الاشتراكي.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.