يحل علينا آخر هذا الشهر معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو الحدث الذي يتطلع إليه كل المثقفين وطلبة العلم وجمهور القراء، وينتظرونه من العام إلى العام، وغير خافٍ عنك أهمية هذا المعرض كونه الأكبر عربيا، لضخامة الجمهور الزائر له، والذي يزيد على مليوني زائر، وكذا العدد الضخم من دور النشر التي يجمعها، والكتبيين الذين تستضيفهم جميعا أرض المعرض، فهو فرصة اجتماع دور النشر المتفرقة بين المدن وحدود الدول، فيجتمع للقارئ كل هؤلاء في مكان واحد، ناهيك عن العروض والخصومات، التي لا تكون إلا في فترة المعرض، ونشرات الكتب الجديدة التي لا تكشف عنها دور النشر إلا خلاله، وفرصة لقاء كاتبك المفضل في حفلات التوقيع، وغيره من مشاهير دنيا القلم والكتابة، أيضا الفعاليات والعروض التي تمتد طيلة أيام المعرض، فلأهمية هذه المناسبة أبين لك في هذه المقالة أمورا لا يسعك جهلها، ينبغي لك التنبه لها وأنت تستقبل هذا الحدث الفريد الذي لا يأتيك سوى مرة واحدة في العام، فاختصرت لك هنا الكلام اختصارا، مما استفدته من وحي التجربة والبحث والتدبير، وضمنته أمورا ثمانية، هي:

1. أعد قائمتك

أهمية أن تعد قائمة بالكتب التي ترغب في شرائها، وهذا أمر مهم جدا، فإنه يحميك من التشتت والنسيان وضياع الفرص، ويمكنك من تنظيم أولويات شرائك تبعا لما تملكه من مال، فينبغي لك أن تحدد مسبقا ما أنت ذاهب للبحث عنه وشرائه، فلا تضيع أو تتشتت بين الكتب المعروضة، ولا تقصر اعتمادك على تذكرك، أو رغبتك في كتاب واحد أو اثنين يملكان عليك فكرك، وأن الأخرى ستأتيك تبعا، فانتبه!

ووضع القائمة يبدأ عقب عودتك من المعرض ونهايته عندك، فإنك بعدها وطوال أيام السنة، ستعرض لك عناوين كتب جديدة بالنسبة إليك، ستتشوق لها، أو تجد حاجتك إلى شرائها، وحتى تلك الكتب التي لم يسعك أن تشتريها في المعرض الذي انصرم، فاتخذ لك دفترا تسجل فيه كل كتاب تحتاج إلى شرائه واقتنائه، وفي سبيل تنظيم هذا الأمر عليك قبل أن تضيف كتابا لهذه القائمة أن تتأكد جيدا من حاجتك إليه، وكذا جدارته باقتنائك له، وليس كل عنوان ملفت تضيفه دون تتبع أو استيضاح، ولتتعرف على الكتب الجديدة بالنسبة إليك، ولتتأكد من مناسبتها ومقابلتها لتوقعاتك منها، تتبع تعليقات من قرأوها وتقييماتهم بيسر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أو المواقع المختصة بتقييمات الكتب مثل موقع Goodreads.com، الذي يشارك في تقييم الكتب فيه قراء حقيقيون وبخلفيات ثقافية مختلفة، فهذا يساعدك في أن تبني لديك تصورا كافيا لحد ما عن هذا الكتاب، وانتبه جيدا لتعليقات الناس عليه، واستشف نفسياتهم ومآخذهم ومدائحهم في أي شيء في الكتاب كانت، ولو أمكن لك أن تتصفح بضع صفحات منه أو تتعرف جيدا إلى محتواه، وهو أمر أصبح يسيرا بذيوع وجود أغلب الكتب مصورة ومتاحة مجانا على الشبكة، فإن ذلك سيكوّن لديك اقتناعا أو رفضا لشراء هذا الكتاب، وجدارته بالاهتمام من قبلك أم لا.

2. تجول أولا

غاية في الأهمية ألا تندفع للشراء قبل أن تأخذ جولة بين دور العرض والمكتبات في المعرض، لتتعرف على جديد نشرات هذه السنة، مما قد يغير شيئا من أولويات شرائك، وكذا لتتعرف على أسعار وطبعات الكتاب الواحد لدى دور النشر المختلفة، لتحدد أي واحدة الأكثر مناسبة من ناحية السعر والجودة؛ لتتوجه إليها دون غيرها، وكذا فإنه يمنحك صورة عامة عن المعرض وأماكن دور النشر، وكثيرا ما سيلفت نظرك كتاب قد فاتك تذكره، فتضيفه إلى قائمتك، وتعيد تحديد أولوياتك.

ولو كنت من سكان القاهرة، فسيكون مفيدا جدا أن تخصص يومك الأول في التجوال بين دور العرض والنشر، تتتبع العناوين التي تستهويك، دون أي قرار مسبق بالشراء، إلا بعد أن تتعرف على أسعار الكتب وتحدد أولوياتك، وتضيف أو تحذف من قائمتك تبعا لما طرأ لك، ثم تتجه يومك التالي لشراء ما تحتاجه، وحددت مكان وجوده، وعزمك أمضى بجدارته، ودور النشر الأنسب للشراء منها، وكذا ما يمكنك تحمل تكلفته، ومقدار ما تقدر أن تحمله، ولا تنسى أن تصطحب معك حقيبة ظهر وأكياس تتسع لما تقصد إلى شرائه.

3. تفحص قبل الشراء

مما ينبغي لك التنبه له والعناية به عند الشراء أن تقلب صفحات الكتاب جيدا، وتتفحصه لتتأكد من خلوه من أي تلف أو عطب، من صفحات بيضاء، تعداها الطبع، أو عيب في تجليده أو قطع في صفحة أو صفحات، وكذا وأنت تشتري كتابا جديدا عليك انظر إلى فهرسه أو قائمة مواضيعه، كانت في أول الكتاب أو في آخره، لتتعرف على موضوعاته وما يحويه، وطالع بضع فقرات أو سطور متفرقة منه، لتطمئن إلى أسلوب كاتبه، ولا تحكم على الكتاب من غلافه الجذاب أو عنوانه الملفت للانتباه، فكثيرا ما يكون محتوى الكتاب ومضمونه على غير مماثلة لجاذبية غلافه أو مطابقة لعنوانه، ويخدع كثير من القراء في أنهم لم يجدوا الكتاب مطابقا لما توقعوه منه، لأنهم اعتمدوا فقط على جاذبية الغلاف أو عنوانه المثير، ولم يأخذوا في الاعتبار ما نبهت إليه من ضرورة التعرف على محتوى الكتاب، وكذا من هو مؤلفه.

4. احذر الكتب الممسوخة

يتصل بما سبق ويكمله أن تنتبه للكتب التي عليها (جمع وترتيب فلان)، و(دراسة وتقديم فلان الآخر)، وهي الكتب التي تنشرها دور النشر والمكتبات لمجرد البيع وتحقيق الربح، اعتمادا على التغرير بالقارئ وخداع غير المنتبه أو المختص، حيث يعمد بعض المختصين بـ(التحقيق!) في دار النشر لرغبة منه، أو لطلب منها، إلى تجميع مقتطفات من كتب شتى، وقد يقتصر حتى على كتاب واحد، ثم يؤلف بين ما جمع واقتص، ليناسب العنوان الذي وضعه للكتاب، وعلى قدر قدرته وصنعته يخرج إليك عمله هذا الممسوخ، مموها بعنوان خداع، قد وضعه لجذبك، أو انتحله من عنوان كتاب آخر ذائع الصيت والشهرة، فينحرف بك عن أصل الكتاب الذي تبحث عنه، وكثيرا جدا ما ألقى هذه الأعمال الممسوخة في دور نشر تصنف على أنها دور ناشرة للتراث، فانتبه جيدا، فقد انتشر هذا البلاء، وصارت دور نشر تختص بهذه الكتب الممسوخة، ولولا الترفع عن التشهير بها لذكرت لك من أسمائها الكثير.

5. اقتني ما تقرأه

أنصحك أن تقتصر في شرائك على ما تصبو إلى مطالعته، وما ستعمد إلى قراءته، وألا تنفق مالك فيما تختزنه عندك دون حاجة أو استعمال في قراءة أو تعلم، فتزري بما كان يستحق منك شراءه، وما كنت ستقبل على مطالعته.

وإن كان كل خير، فلابد سيأتيك يوم تتطلع فيه لذلك الكتاب في مكتبتك، الذي لم تكتشف أغواره بعد، أو حتى قد يعنى به غيرك، من ولد لك كان، أو زوجة، أو قريب، أو صديق، ولكن ينبغي لك أن تهتم بالمهم لك الآن، وما تتشوق إلى مطالعته، فإن كثرت الكتب التي تعزف عن قراءتها الآن، مخوف أن ترغب عن شراء كتب جديدة، بسبب تلك التي عندك ولما تقرأها بعد.

6. تعرف على ما اشتريته

يتصل بما سبقه، فإني أنبهك إلى ضرورة ألا تضع أي كتاب جديد اشتريته في رفك قبل أن تطالع ولو بضع صفحات منه، وتمر على فهرسه، تستكشف مواضيعه، فإن أنت أهملته لحينك، كنت على دراية بما فيه ويفيدك ويلزمك بعد حين، فترجع حينها إلى قراءته.

7. شكل الكتاب

أن تعتني عند الشراء بشكل الكتاب وطريقة إخراجه، فلا تقنع نفسك بأهمية المضمون دون الشكل، فإن إخراج الكتاب وشكله من ناحية عدد الأسطر بالصفحة وحجم الخط، ونوعية التجليد، وشتى أمور الإخراج، لها دور في أن تعينك أو تصدك عن المضي في مطالعة الكتاب، وتكرار قراءته إذا جذبك موضوعه، وكذا فإن المظهر الجميل لإخراج الكتاب وتجليده سيدفعك إلى العناية به، وحفظه في مكان لا يزحزح عنه في رف كتبك، وكذا الاهتمام بدار النشر ما هي، إذا كان للكتاب نشرات متعددة من أكثر من دار نشر، فاهتم بمن هو محققه، وسمعة تلك الدار من ناحية عنايتها بالكتب تحقيقا ومراجعة وتدقيقا وإخراجا، وخاصة كتب العلم، في علوم الدين أو في اللغة، في الشعر أو في الأدب، التي تحتاج إلى ضبط ومراجعة وخلو من التصحيف، وأحيانا شرح وتفسير بعض الألفاظ، وكذلك إذا وجدت أكثر من طبعة للكتاب، فاتجه للطبعة الأحدث، فغالبا ما يراجع الكتاب في طبعته الجديدة لتصحيح ما كان من خطأ أو تصحيف أو تحريف وقع في طبعته السابقة، وهذا ما تفعله دور النشر صاحبة السمعة في العناية بنشرات الكتب، واختر الطبعة ذات عدد الصفحات الأكثر إذا ارتبط ذلك بقلة عدد الأسطر في الصفحة الواحدة وبوضوح رسم الحروف والكلمات، مما سيشجعك ويزيد شهيتك للقراءة، وكذا سيسهل عليك معاناة التدقيق في الخط الصغير، وسيفيدك إذا تقدمت بك السن.

8. المعرض ليس كل شىء

لا تكن صلتك بالكتب والكتبيين مقتصرة على المعرض فقط، تلك الأيام المعدودة في السنة، فإن المكتبات والكتبيين موجودون طول العام، فإذا لم يسعك وقتك أو مالك فأعط الأولوية أولا لدور النشر البعيدة عنك، سواء كانت من دول أخرى، أو من مدن بعيدة عنك، والتي لا يتيسر لك زيارتها، إلا إذا أتتك في معرض الكتاب، ويمكنك بعد ذلك أن تشتري الكتب التي لم تسعف بشرائها، والتي تتوفر في المكتبات التي لا يصعب عليك الوصول إليها، فافهم هذا الأمر جيدا، ألا تنفق كل مالك على كتب يمكنك الوصول إليها في أي وقت من العام، فيمتنع عليك بذلك أن تشتري كتبا أخرى لا يسهل عليك الوصول إليها إلا خلال فترة المعرض.

وأخيرا، نجمل ما تحدثنا عنه في أنه ينبغي لك أن تعد قائمة بما تريد شراءه، وتوازن بين ما تريد وما تملكه من مال، وترتبها تبعا لأولوياتك، واذهب قبلا إلى المعرض لتتعرف على دور النشر وأسعارها، وتجهز بالحقائب لحمل ما ستشتري، ولو كانت قائمتك كبيرة فقسم زياراتك أو اصطحب معك غير واحد من أصدقائك، وحبذا لو كان لهم نفس اهتماماتك لئلا تتفرقوا، وانتبه جيدا لشكل الكتاب ومضمونه عند الشراء، وأقصد بشكله خلوه من العطب والتلف، وبالمضمون موافقته لما تتوقعه منه، واشتر ما ستقرأه وستقبل على مطالعته، وأعط الأولوية للكتب التي سيصعب عليك الوصول إليها في غير فترة المعرض، وأسأل الله لي ولك التوفيق والعون، وأن يجعل المعرض مناسبة خير عليك، تتشوق لها من العام إلى العام، والسلام.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.