أنفق برشلونة

حوالي 270 مليون يورو

على أجور لاعبيه في عام 2020، ما جعلهم يتصدرون قائمة الفرق

الأعلى دفعًا للأجور

في كل الرياضات حول العالم. لا تحاول البحث عن المحصلة النهائية لذلك، فماذا تنتظر من فريق يدفع

12 مليون يورو سنويًا

لـ«عثمان ديمبلي» لحسن إقامته بمشفى النادي؟

هل يضمن لنا بايرن ميونخ الحلم بوجود المدينة الفاضلة؟

كل ما يجب فعله تجاه تلك الحالات الإدارية الغريبة هو تمني العيش في عالم أفضل، عالم يكافئ من يستحق، ولا يضرب بالمنطق عرض الحائط من أجل بعض الثوابت التاريخية.

فلا يحدث فيه أن يدفع ريال مدريد في كل عام حوالي

20 مليون يورو للاعب

يشاهد المباريات من المدرجات، ويأتي نفس اللاعب ليحتفل بكأس أوروبا في خاتمة الموسم، لمجرد أنه يمثل فريقًا اعتاد الفوز بتلك البطولة كروتين.


حين تبحث عن عالمٍ أفضل مثل هذا، تتشبث بأي دليل على ثبوت كفاءة النظرية الباحثة عن العدل الكروي، كالغريق حين يمسك بالقش. ولذلك، فإننا نعتقد في فوز فريق بايرن ميونخ ببطولة دوري أبطال أوروبا لعام 2020 كونه الإشارة الأكبر على تحسن واقع كرة القدم في السنين القادمة.

كيف بدأت النظرية؟

يعتبر دوري أبطال أوروبا جزءًا من كل في سيطرة بعض الفرق بعينها على كل شيء في الكرة الأوروبية. أسماء محددة تفوز بالدوري المحلي، وفرق بعينها لها فرص أكبر في البطولات القارية، والعوائد المادية الضخمة تعرف طريقها دائمًا بلا أي ضلال.

خلال الـ20 عامًا الأولى من القرن الجاري، قدم الدوري الإسباني

30 فريقًا من أصل 84 فريقًا

وصلوا إلى الدور نصف النهائي من بطولة دوري أبطال أوروبا، ووصل 22 فريقًا آخر من الدوري الإنجليزي، يعني أكثر من نصف الفرق في ذلك الدور قد سيطرت عليه دولتا إسبانيا وإنجلترا، ناهيك عن تكرار أسماء بعض الفرق بعينها.

وهو ما يجعل الأمور أسهل في التوقع، فحين تجمع مباراة بين ريال مدريد وأياكس، فالفريق الإسباني يملك فرصًا أكبر بالطبع، ولا ينظر لذلك التوقع بصورة فنية، فالتاريخ له دور هُنا. أو أن تفوز أتالانتا على أتلتيكو مدريد فنعتبر ذلك مفاجأة، دون حتى محاولة واحدة لإيجاد شيء مميز في فريق العاصمة خلال السنين الأخيرة، غير اسمه الذي تكرر في تلك المرحلة من البطولة.

يتحدث «جاك بيت بروك»، محلل «ذا أتلانتيك»، عن أن الموسم الحالي قد شهد عصرًا جديدًا للفرق الخارقة

بحد تعبيره

. إذ تغيرت فكرة دور نصف النهائي المعتاد، وبعد سنوات من تكرار الأسماء الموجودة بذلك الدور، حدث ما هو جديد. شاهدنا ليون، وشاهدنا لايبزيج ومن قبلهم أتلانتا.

حيث فشلت الأندية الإسبانية كلها ومعها الإنجليزية في بلوغ نصف النهائي تاركين الفرصة لألمانيا وفرنسا لاحتلال ذلك الدور بفريقين من كل دولة. في الغالب كان يمكن أخذ ذلك الحدث كصدفة، فمثلًا صعود ليون توقف على إهدار «ستيرلينج» لفرصة محققة لإحراز هدف التعادل لصالح مانشستر سيتي.

أي شيء في الواقع يحدث لسبب ما في الحقيقة، لكن لمحاولة خلق هالة من المنطق حول النظرية التي نأمل تطبيقها واقعيًا، دعنا نعود لأصل الفكرة من البداية.


الأمل البافاري

ما يدفعنا للإيمان أن كل ذلك لم يحدث بمحض الصدفة، هو وجود سوابق قد مهدت لتلك الحقيقة، بعضها سلبي والآخر إيجابي، لكن جميعها يُشير إلى سقوط التاريخ الأجوف المدعوم بالنقود أمام المشروع المنظم سواء كان مكلفًا أو لم يكن.

دعنا نطلق افتراض أن فوز بايرن ميونخ على باريس سان جيرمان في النهائي الذي أقُيم في لشبونة، له بُعد فلسفي يؤكد أن المشروع أهم وأقوى في تأثيره من بذخ النقود الجوفاء.

هل شعرت أن الطرف الألماني أكثر عددًا في أرض الملعب أمام برشلونة؟ هل تكرر ذلك الشعور أمام بي آس جي؟ شخصيًا كنت أعتقد أنه إذا كان هناك فرصة تغيير 11 لاعبًا بين شوطي المباراة، لَتمكن بايرن ميونخ من تحقيق نتيجة أكبر، ذلك لأنهم يملكون عمقًا أكبر في التشكيل، ما يعني عدد أكثر وأفضل من البدلاء المتاحين.

ألا يجب أن يتحقق ذلك بتكلفة كبيرة؟ حسنًا، التشكيلة التي لعبت مباراة النهائي كأساسية قد تكلفت

106.6 مليون يورو فقط

، يعني تقريبًا أقل بنصف ما دفع في «نيمار» وحده. والحديث هُنا لا يدور عن فريق صغير قد أحدث مفاجأة ببطولة الكأس المحلية، لكنك تتحدث عن بايرن ميونخ الذي يحقق لقب دوري الأبطال للمرة الـ6 بتاريخه.

مع ذلك، فإن الأمر لم يكن مفاجأة أصلًا، ولم يُبنى طموحنا في العملاق البافاري قبل مواجهة الطرف الفرنسي فقط، حتى وإن كانت نتيجة الفوز بثمانية أهداف ضد برشلونة نتيجة أغرب للتصديق ومستحيلة التوقع، لكن بايرن ميونخ نفسه كان مرشحًا للفوز بالبطولة قبل حتى من أن تبدأ، وهو ما يدفعنا للتصديق بأن شيء قد استجد في تلك اللعبة خلال العام الجاري.

الكيف يقتل الكم

قبل نهائي البطولة بعام كامل تقريبًا، في شهر أيلول/سبتمبر 2019، تنبأ موقع «FiveThirtyEight» والذي تُديره شبكة «ESPN» أن يفوز بايرن ميونخ بدوري أبطال أوروبا بنسبة 16%،

كثاني أعلى نسبة

من بين كل المرشحين. نسبة برشلونة في نفس المؤشر كانت 8% فقط، بالرغم من امتلاكهم ميسي، و7% لليوفي بالرغم من امتلاكهم لرونالدو.


في المؤشر المذكور نفسه، كان مانشستر سيتي هو صاحب النسبة الأعلى

بـ26% للفوز بالبطولة

، يعتمد ذلك المؤشر على بعض المُعطيات الهجومية والدفاعية كالأهداف المتوقع استقبالها ونسبة نجاح الفريق في تحقيق النقط المتاحة وقدرتهم على اقتناص الفوز من المباريات الصعبة.. إلخ.

الأكيد أن أي شيء سيُذكر عن مانشستر سيتي في ذلك المعيار سيتم نسبه لـ«جوارديولا»، باعتباره خالق الهوية الفنية للفريق الإنجليزي في الوقت الحالي، وهو عكس ما سيحدث مع الطرف الألماني، فحين أصدر ذلك المؤشر تنبؤاته،لم يكن «هانس فليك» قد تولى القيادة الفنية أصلًا.

والربط بين تواجد كلا الفريقين في قمة ذلك المؤشر الرقمي، هو أن كليهما يعتمد في الأصل على مشروع من أجل خلق الهوية أو محاولة الحفاظ عليه، بمعنى أكثر وضوحًا، لم يكن السيتي وبايرن من الفرق الكسولة التي اعتمدت على الصرف. والمعنى هنا أكثر وضوحًا، الأمر غير معتمد على الأموال وحدها.

فمثلًا نجح ليفربول في الفوز بالبطولة عام 2019 وهو أكثر فريق يقوم بدفع نقود للحصول على البطولة، بصافي

أكثر من 182 مليون يورو،

بينما فريق برشلونة الفائز بنفس اللقب من عام 2006 كان معدل الصرف فيه يساوي صفر!

ولتدرك كم الفشل والتحول الذي طرأ على سياسات الأندية في السنين الأخيرة، والذي بلغ بالتكرار إلى حد بات فيه الظلم هو العادة، والظلم هنا المقصود بها هو حدوث كل شيء غير منطقي في أندية القمة، وأن يكون النجاح هو نتيجة كل خوارج المنطق تلك، عليك أن تنظر إلى شواهد إسبانيا وإنجلترا بالتحديد.

تأصل الفشل

بالعودة إلى

التحليل المالي

لقطبي الكرة الإسبانية عام 2018، تكتشف أن كليهما قد عانى من سوء إدارة مالية على كافة الأصعدة تقريبًا، لم تكن الرواتب هي العائق الوحيد في وجه كليهما، بالرغم من تصدرهما قائمة الأعلى دفعًا للأجور خلال عامي 2018 و2019، بل كان الأمر أكثر تعمقًا من ذلك.

إذ يجمع المثل الأنسب لتلك الواقع بين برشلونة وبين بايرن ميونخ، حيث أنفق الأخير 8.5 مليون يورو فقط من أجل الانتفاع بخدمات «كوتينيو» لمدة عامين كمُعار، وقد نجحوا في تطويعه ضمن فريق حقق البطولة الأوروبية الأبرز في ختام تلك الفترة.

بينما في برشلونة قد أنفقوا 142 مليون جنيه إسترليني، لكي يتمرد البرازيلي على ناديه السابق ويأتي لعامٍ ونصف دون أدنى إضافة منطقية. يمكنك أن تُعدد فوق اسم كوتينيو عديد الأسماء في برشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد، يمكنك أن تضعه ضمن

800 مليون يورو قام برشلونة

بصرفها على 30 لاعبًا لم يحققوا أي شيء جديد للفريق.

إن قررنا أن ننتقل إلى الجانب العاصمي من إسبانيا فالحديث عن صفقة هازارد وحدها كفيل لأن يُنهي أي نقاش قبل أن يبدأ، والأمور في إنجلترا لم تكن أفضل، بل ربما أسوأ قليلًا، إذ يتوزع الفشل على عدة أندية وبعوائد مادية أكبر، وكأن إدارة الكرة بالمملكة قد أهملت إدارة الكرة وكرسّت حياتها لإحصاء عوائد البث.

فكانت النتيجة أن ثوابت الستة الكبار في إنجلترا قد هُدمت قبل انطلاق موسم 2019/2020، والأدلة والشواهد أكبر على أن ينتهي موسم 2020/2021 بفرق جديدة في المراكز الـ6 الأولى، الفرق ذات الطموح، ذات المشروع، ذات الهوية الحقيقية أو حتى الهوية المأمولة.

كل ما يمكن أن تأمله الآن، أن يطول تأثير الفرق ذات الهوية الواضحة، الباحثة عن مشروع حقيقي أمثال ليفربول ومانشستر سيتي وبايرن ميونخ وأياكس وأتلانتا ولايبزيج، وأن ينهي تأثير الفرق الباحثة عن الصرف الصافي الخالي من أي تفكير. نبحث عن عالم أفضل، أو مدينة فاضلة مليئة بالعدل المصحوب بالمتعة، فهل يظل بعدًا فلسفيًا؟ أم يكفل لنا فوز بايرن ميونخ تحقيقًا واقعيًا في القريب؟