«يا أبناء شعبنا العزيز، يا أبناء محافظة نينوى، لقد دقت ساعة الانتصار، وبدأت عمليات تحرير الموصل. أعلن اليوم ابتداء هذه العمليات لتحريركم من بطش وإرهاب داعش». كانت هذه

كلمات

رئيس الوزراء العراقي حيد العبادي والتي أعلن فيها بداية معركة تحرير الموصل يوم 17أكتوبر\تشرين الأول الحالي، وسط تراجع كبير للتنظيم في العراق وسوريا. المعركة التي تعتبر متداخلة بشكل كبير ليس فقط بسبب التشرذم العراقي، وتجاوزات الميلشيات الشيعية، لكن أيضًا ثمة تداخل وتنازع دولي وإقليمي بشأن المعركة من المتوقع أن تُخلف متغيرات عدّة بشأن مستقبل العراق بل ومستقبل المنطقة وصورة التواجد الدولي في المنطقة.


هل تكون الموصل «فلوجة» أخرى؟


http://gty.im/451658818

أعلن أبو بكر البغداي في يونيو\حزيران 2014م، من الموصل قيام دولة الخلافة الإسلامية والتي سيطر فيها على مساحة واسعة من أراضي العراق. أما الآن فلا تتعدى مساحة سيطرته 10%، حيث تم تحرير عدة مدن هامة ومنها، الرمادي وتكريت وعين العرب والفلوجة.

وشهدت عملية تحرير الفلوجة في يونيو \حزيران الماضي وغيرها مشاركة ميلشيات شيعية في القتال أبرزها الحشد الشعبي، والذي قام بانتهاكات طائفية جسيمة، بحسب ما أثبتته

مذكرة

أعدتها لجنة حكومية شُكلت في 9 يونيو\حزيران الماضي، حيث قتل الحشد الشعبي 49 مواطنًا أثناء تسليم أنفسهم، وبلغ عدد المفقودين من النازحين الذين سلموا أنفسهم للحشد الشعبى 643 رجلًا، بالإضافة إلى عمليات هدم وتفخيخ للمنازل ومساجد السنة وتهجيرهم.

ونظرًا لانتهاكات الحشد الشعبي رفضت العديد من القوى الإقليمية والدولية مشاركته في عملية الموصل، وأكد العبادي أنها لن تشارك، لكنها

أعلنت

بالفعل مشاركتها رغم كل هذه الاعتراضات، ورد التحالف الدولي على ذلك بتقليل دعمه للقوات العراقية بسبب سماحها للحشد بالمشارك، ولهذا فإنه من المتوقع أن تحدث تجاوزات كبيرة من قبل الميليشيات الشيعية في هذه المعركة.

بالنظر إلى القوات المشاركة في العملية هناك تضارب في الأرقام المعلنة، ولكن

أوضح

مسؤولون من قوات البشمركة أن إجمالي القوات حوالي 102.6 ألف مقاتل، منهم 54 ألفًا يتبعون الحكومة العراقية، و40 ألفًا يتبعون البشمركة، إضافة لقوات أمريكية وقوات من التحالف الدولي، وذلك في مقابل 5000 مقاتل داعشي، إضافةً لما تأكد بشأن مشاركة مقاتلين من الحشد الشعبي.

ويأتي الرفض الدولي والإقليمي من مشاركة الحشد الشعبي خوفًا من تجاوزاته الطائفية على غرار الفلوجة والتي إن حدثت ستسيء للمشاركين في المعركة، وهو ما يعطي داعش مزيدًا من الزخم بتعاون البعض معه من أهالي الموصل هربًا من بطش هذه الميليشيات الطائفية.


تصارع الأجندات الخارجية

تعتبر معركة الموصل فاصلة بالنسبة للكثير من القوى الإقليمية والدولية، فكل له أهدافه التي تختلف عن الآخر رغم أن المعركة واحدة، في ظل معاناة المدنيين التي تسبب فيها النظام العراقي، وفتح الباب للتدخلات الخارجية، والوجود الداعشي، يجد البعض الفرصة سانحة لتحقيق مآربه الخاصة.

ومن جانبها تتبع الولايات المتحدة في هذه المعركة نمط القيادة من الخلف إذ لم ترد إشراك قواتها في الصفوف الأمامية ولكن اختارت الدعم الجوي والاستخباراتي، فهي تريد أن تثبت نجاحها في دحر داعش، وفعالية مواجهتها للإرهاب، كما يريد أوباما تحقيق الانتصار في هذه المعركة من أجل دعم مرشحة حزبه للرئاسة الأمريكية، إضافة لتوصيل رسالة إلى روسيا؛ لتؤكد قدرتها على استعادة السيطرة مرة أخرى.

أما روسيا فتخشى من أن تدفع الولايات المتحدة بالتنسيق مع حلفائها داعش إلى الحدود السورية وبهذا يمثل ضغطًا على عملياتها هناك، ولهذا

دعا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التحالف إلى مراعاة المدنيين خلال المعارك متجاهلًا دوره في ذبح وتشريد السوريين. ومما يؤكد التخوف الروسي ما

أعلنه

أحد مسؤوليها بأن واشنطن والرياض اتفقتا على ضمان خروج آمن لجميع المسلحين باتجاه سوريا.

وانتقالًا لتركيا التي تريد إيجاد موطئ قدم لها في العراق من أجل منع سيطرة الأكراد على المناطق الحدودية، إضافة لإقامة حزام سني حولها متمثلًا في الموصل، ورغم المعارضة العراقية إلا أنها أعلنت أكثر من مرة مشاركتها في القتال. ففي رد للرئيس التركي رجب أردوغان، على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي،

دعاه

لأن يعرف حدوده وأكد أن جيشه لن يأخذ أوامر من العراق.

ولكن الدور التركي مقارنة بنظيره الإيراني في العراق هو الأضعف، بل هناك مساعٍ لتقليصه وإنهائه، حيث

أصدر

القضاء العراقي مذكرة للقبض على قائد الحشد الوطني (حرس نينوى) محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، بتهمة التخابر مع تركيا، وهذا ما تؤكده تصريحات رئيس الوزراء التركي بأن هناك قوى تريد إنهاء وجود أنقرة في العراق، لذا تم رفض مشاركتها في العمليات إضافة لاستهداف الموالين لها.

وانتقالًا لإيران ذات النفوذ الأقوى في العراق، والتي تميل الأمور لصالحها حيث

استطاعت

إنشاء ودعم أكثر من ميلشيا داخل العراق ليس فقط شيعية ولكن هناك ميلشيات مسيحية «الحشد المسيحي» وميليشيا قاسم ججو الإيزيدية وغيرهم، ولهذا تشارك في معركة الموصل بشكل كبير من أجل منع انتقال داعش إلى سوريا حتى لا يؤثر على جهودها هناك، إضافة لتثبيت هيمنتها على العراق.

وبالنسبة لموقف السعودية الذي يأتي داعمًا للموقف التركي حيث فشلت المملكة في العمل بالعراق على غرار الدور الإيراني، بل إنها فشلت دبلوماسيًا في تطوير علاقتها بها حيث

طالبت

بغداد الرياض في أغسطس\آب الماضي باستبدال سفيرها ثامر السبهان احتجاجًا على تدخله في شؤونها الداخلية، رغم أنه حديث عهد بالمنصب بعد عودة التمثيل بين البلدين منذ فترة.

ولهذا اقتصر الموقف السعودي على دعم النازحين ودعم الموقف التركي والخروج ببيانات تندد بتصرفات الحشد الشعبي، حيث

أوضح

وزير الخارجية السعودي في تصريحات له أن «الحشد الشعبي مؤسسة ميليشيا طائفية انتماؤها لإيران، وسببت مشاكل وارتكبت جرائم في أماكن مختلفة في العراق، وإذا ما دخلت الموصل قد تحدث كوارث لأنه عندما دخلت الفلوجة ارتكبت جرائم هائلة وقتلًا للأبرياء».


الصراع الداعشي لأجل البقاء

رغم كثرة المشاركين في معركة الموصل إلا أن داعش ما زال قادرًا على المناورة وإنهاك خصومة، فقام بهجمات مضادة من أجل تخفيف الضغط عليه. نفذ مقاتلوه يوم 21اكتوبر\تشرين الأول الحالي هجومًا على

كركوك

وأسفرت هجماته عن مقتل حوالي 46 فردًا وإصابة حوالي 133 آخرين غالبيتهم من القوات الأمنية، وذلك للتخفيف عن مقاتليه في الموصل وليثبت أنه ما زال قادرًا على القتال.

كذلك استطاع التنظيم

شن

هجوم واسع يوم 23 أكتوبر \تشرين الأول الجاري على قضاء الرطبة والذي تحرر منه في السابق وهو منطقة حدودية بين العراق والأردن، وكان الهجوم من ثلاثة محاور واستخدمت فيه أسلحة متطورة ضد القوات الأمنية هناك.

يؤكد التنظيم بهذه الهجمات أنه لا يزال قادرًا على المناورة، لكنها لن تطول، فهو محاصر من جبهات عدة وخاصة في الموصل حيث توجد رغبة حقيقية في إنهاء تواجده في هذه المرحلة.


مستقبل الموصل بعد داعش



السعودية، التي لم تُجِد اللعب في الداخل العراقي، اكتفت بدعم الموقف التركي والتنديد بالتجاوزات ودعم النازحين السُنة.



ينبغي الحديث عن القضاء على الطائفية بنفس الرغبة للتخلص من داعش، وإلا فداعش وإن انتهت عسكريًا فستبقى فكرتها حاضرة في الأذهان وفي العبوات الناسفة.

مهما استمر صمود داعش فإنه سيسقط في الموصل، ولكن هذه المدينة التي تعتبر ثاني المدن العراقية من حيث عدد السكان وغالبيتها من السنة. تريد كافة الأطراف تحقيق مشروعها فيه، فالحكومة العراقية ومعها الحشد الشعبي يريدون تفتيت المدينة لمنع وجود أغلبية سنية فيها حتى لا تكون حاضنة لجماعات أخرى تعادي نظامهم السياسي التابع لطهران.

ولهذا من المحتمل أن تغض الحكومة العراقية الطرف عن التجاوزات التي ستحدث في المدينة، كما ستعمل على استمرار عملية تهجير المتواجدين فيها لتحقيق هذا الهدف، وتدعمها في هذا الشأن إيران التي تشارك بقوة في دعم هذه المعركة، والتي ستعزز نفوذها أكثر وهذا سيسهل عليها مهمتها في سوريا وباقي دول المنطقة لتتخذ منهم قاعدة لتوسيع تواجدها في الدول العربية المجاورة.

أما تركيا ستعتبر أكبر الخاسرين في هذه المعركة، فالولايات المتحدة لم تدعمها للعب دور كبير في هذه المعركة إضافة إلى ضعف وكلائها في القتال وهم الحشد السني، وهذا يوضح سر الغضب التركي إذ

أعلن

رئيس الوزراء علي يلدرم يوم 22 أكتوبر\تشرين الأول الحالي أن بلاده لن تصمت على ما يجري في الموصل؛ لأن أنقرة لم تقتنع بتعهدات واشنطن وبغداد بأن المسلحين الأكراد والميليشيات الشيعية لن تشارك في القتال الدائر حاليًا في الموصل.

أما الولايات المتحدة لن يهمها كثيرًا التنكيل بالسنة، فهي تجاوزت في السابق عن الانتهاكات الطائفية، ومن المتوقع أن تتجاهلها مستقبلا فكل ما يهمها إنهاء التنظيمات الإرهابية والتي تحمل السنة مسؤوليتها، لذا تتغاضى عن انتهاكات الحشد الشعبي وغيره، كما أنها ستستفيد من خروج داعش إلى سوريا ليكثف الضغط على روسيا.


وختامًا يمكن القول إن داعش وإن هزم عسكريًا في هذه المعركة فإنه سيستمر في القتال في مناطق أخرى وسيستطيع تنفيذ هجمات مضادة وانتحارية، حتى وإن قضي عليها نهائيًا خلال شهور أو سنوات فإنه كفكرة سيظل باقيًا، وإن استمرت طائفية النظام العراقي مستقبلا فستكون هناك جماعات أخرى مثل داعش والذي وجد حاضنة له من جراء الطائفية العراقية.