محتوى مترجم
المصدر

Philosophy Now
التاريخ
2016/10/01
الكاتب
مات أوفورتوب

ولد أرسطو،ابنًا لأحد الأطباء في مدينة ستاجيرا في مقدونيا عام 384 ق.م،وتعلم في أكاديمية أفلاطون. وعندما توفي أستاذه أفلاطون عام 347 ق.م،ذهب المقدوني إلى موطنه وأصبح معلمًا للإسكندر، ابن الملك فيليب عاهل مقدونيا. تلميذه الذي حاز لاحقًا لقب «الأعظم»، كان مولعًا بمعلمه، ويزعم البعض أنه قال: «إنني أدين بحياتي لأبي، لكنني أدين لمعلمي بمعرفة كيف أحيى كما ينبغي».

بقي أرسطو في بلاط الإسكندر حتي عام 335 ق.م، عندما أسس أكاديميته الخاصة (الليسيوم) في أثينا. وقد ظل هناك حتى عام 323 ق.م، حتي أجبرته النزعات المعادية للمقدونيين على الرحيل. وقد قال آنذاك: «لن أسمح للآثينيين بالخطيئة في حق الفلسفة مرتين»، مشيرًا إلى إعدام سقراط، وهرب إلى جزيرة شاليسيس، حيث توفي بعد عام واحد، في عام 322 ق.م.



إن القراءة لأرسطو أسهل مما قد تعتقد،حتى أولئك الذين لا يستطيعون القراءة له باليونانية الأصلية، لا يستطيعون أن لا يفتنوا بحماسته واتقاده.

إن القراءة لأرسطو أسهل مما قد تعتقد،حتى أولئك الذين لا يستطيعون القراءة له باليونانية الأصلية، لا يستطيعون أن لا يفتنوا بحماسته واتقاده. والشيء الساحر حول بوليتيكا أرسطو، (تترجم في الإنجليزية عادة إلى: السياسة)، هو كيفية استطراد هذا الجهبذ في محاضراته. فعلى سبيل المثال، لم يستطع أرسطو أن لا يخبر تلاميذه عن هيبوداموس، ابن أريفون، فآثيني القرن الخامس ق.م، كان أول رجل لم يشتغل بالسياسة يتناول موضوع الدستور الأمثل. تبعًا لأرسطو، كان هذا أول فيلسوف في السياسه، وكان غريب الأطوار بشكل ما في نمط حياته العام، ويرجع ذلك إلى رغبته في التميز، فقد عاش بشكل مدلل،مع عناية بشعره، وقدر من الحلي الثمينة ومن الملابس المبهرجة «ليس فقط في الشتاء، ولكن أيضا في الصيف» (

The Politics

II, 1268a).

لعل هذه لمحة عن كيف كان أرسطو طريفًا أثناء إلقاء محاضراته في أكاديميته، الليسيوم. كيف كان بإمكانه أن يسحر مستميعيه بحكايات غير ذات صلة مباشرة بموضوعه، ولكنها شيقة للغاية. لكن حديثه الجانبي عن هيبوداموس يوضح أيضًا أن أرسطو، مؤسس علم النفس والعلوم السياسية والمنطق والسياسة وعلم العروض والفيزياء وعلم الأحياء، والعديد من المجالات الأخرى، كان لديه حس دعابة طفولي في إخبار مستمعيه عن كل ما يعرف – ولا عجب أن شيشرون (106-43 ق.م)، رجل الدولة والفيلسوف الروماني، وصف كتابات أرسطو بأنها «كانسكاب الذهب veniet flumen orationis aureum fundens». لكننا ما زلنا بعد لا نملك أعمال أرسطو: فكتبه الوحيدة الباقية هي مسودات من محاضراته.


أرسطو والسياسة التقدمية

إن أكثر ما يفتن حول فلسفة أرسطو، هو إلى أي مدى كان أرسطو حديثًا وتقدميًا. إن آراءه تتردد عبر الأزمنة، ويمكن أن تلهم أولئك الذين يقرأون له بعد أكثر من2200 عام .لم يكن ارسطو مجرد فيلسوف كتب عن المؤسسات التي عاصرها والدستور المثالي (رغم أنه فعل ذلك أيضًا)؛ بل كانت لديه بصيرة، أو هكذا يبدو اليوم.



كما لو كان سياسيًا غربيًا من يسار الوسط، كان أرسطو داعيًا لإعادة توزيع الثروة على أساس أن هذا سيكون أفضل للدولة وللأمة ككل.

فالعديد من القضايا التي تناولها هي أيضا تعنينا اليوم، الإرهاب، عدم المساواة، وأخطار الطمع المفرط في فئة صغيرة من الأفراد الأثرياء. وعلاوة علي ذلك، حلوله وتحليلاته ذات صلة ملحوظة بعصرنا. إنه مدهش واستثنائي على حد سواء، كيف أن علم الحكومة لدى أرسطو –بوليتيك ابيستم – بُني على مثل العليا يمكن القول أنها قد تم التعبير عنها عن طريق ناشطي اليسار في الغرب اليوم. على سبيل المثال، ربما من المدهش أن الرجل الذي علّم ملكًا لم يكن صديقًا للأغنياء ولا ذوي السلطة. عوضًا عن ذلك، صرح هذا الذي أسس علم السياسة، بجسارة، بأن «رجل الدولة الديموقراطي حقًا يجب أن يدرس كيفية إنقاذ الأغلبية من الفقر المدقع» (Politics, 1320a).

هذا ما يجعله مصدرًا ملهمًا للتقدميين اليسارين المعاصرين الذين يضعون المساواة والعدالة الاجتماعية مرة أخرى في قلب الكفاح السياسي. يمكن القول إلى حد كبير أن ارسطو كان اشتراكيًا ديموقراطيًا منذ ألفي سنة قبل أن يتم إنشاء هذا المذهب الاقتصادي. وأصر عل أنه«يجب تدبير كل الإجراءات التي تجلب الازدهار الدائم للجميع»، وكما لو كان سياسيًا غربيًا من يسار الوسط، كان أرسطو عازمًا على الدعوة لإعادة توزيع الثروة على أساس أن هذا سيكون أفضل للدولة وللأمة ككل. حتى أنه أفصح عن كيفية حدوث هذا: فكتب أن النهج الصحيح هو جمع كل إيرادت الدخل في صندوق واحد وتوزيعها كحصيلة واحدة.

في الحقيقة، كانت حتي لديه سياسة تقترح كيف أن المحتاجين يجب أن «يُموَّلوا برأس مال ليديروه في تجارة» (1320a). إن هذا ليس على بعد مليون ميل من ما يتبناه الليبراليون المستنيرون والاشتراكيون الديموقراطيون اليوم. وكما لو كان تقدميًا معاصرًا من يسار الوسط، كان يصر على أن مبدأ إعاده التوزيع وتدخل الدولة «له فائدة، ليس فقط للفقير؛ لكن أيضًا للثري» (1320a).

لم يكن أرسطو مناهضًا للأعمال التجارية، لكنه كان واضحًا دائمًا أن «المال أُحضِر إلى حيز الوجود لغرض الإنفاق» وليس كغاية في حد ذاته (1258b). وقد أقام تمييزًا شهيرًا ما بين الأويكونوميا Oikonomia (فن إدارة الأسرة) (1258b) والكيرماستيك Kermastike (فن الوصول للثراء) (1253b). فتخوفاته حول ازدياد المصالح الشخصية انعكست على تشريعاته السياسية: «فأول شيء بين الخدمات الضرورية (تدار من قبل الدولة) هو هيئة الرقابه على الأسواق» (1321b)، فقد كتب تعليقًا، ربما يكون تنبوئيًا، عن مخاطر غياب التخطيط الاقتصادي.



من يودّون أن يقرأوا رائعة توماس بيكتي «رأس المال في القرن الحادي والعشرين»، أو أعمدة بول كروجمان، متى يكون بإمكانهم أن يقرأوا أيضًا «سياسة» أرسطو.

من يودّون أن يقرأوا رائعة توماس بيكتي «رأس المال في القرن الحادي والعشرين»، أو أعمدة بول كروجمان، حامل جائزه نوبل في الاقتصاد، في النيويورك تايمز، متى يكون بإمكانهم أن يقرأوا أيضًا «سياسة» أرسطو. يجب أن يكون أرسطو مصدر إلهام ليسار الوسط اليوم، وذلك بالأساس لأن المقدوني ذا اللحية الكثيفة أسس فكره السياسي على أساس أخلاقي متين واهتمام بشأن ذوي الدخول القليلة. هذه الأسس الفلسفية تجعل أرسطو متفوقًا على العديد من المفكرين المشهورين المعاصرين.

في الوقت الحاضر، عادة ما يميل السياسيون إلى المصلحة الشخصية والمنفعة. أما بالنسبة لأرسطو، في المقابل، «فالبحث عن المنفعة في كل مكان لا يليق بالرجال الأحرار» (1338b). فعوضًا عن ذلك، ينبغي أن يُبنى علم السياسة على الاعتراف بأن «الحياة الكريمة هي الغاية الأسمى للمجتمع» (1278b). من هنا، كتب ارسطو أن «عمل المشرع هو خلق مجتمع صالح». وكما كتب في «الأخلاق النيقوماخية»، ومقدمة «السياسة»، فالسياسة، كونها امتدادًا للأخلاق والآداب العامة، «تبيِّن ما يجب علينا فعله وما يجب علينا الامتناع عنه، والهدف من علم السياسه يجب أن يكون خير الإنسان» (الأخلاق النيقوماخية، 1904a).

بطريقة أخرى، نحن نتناول السياسة، وندرِّس الفلسفة السياسية، لأننا نريد أن نخلق سعادة حقيقية أو eudaimonia (كلمة يونانية تعني الغبطة)، وأن ننجز وضعًا تتوافق فيه «أفعالنا مع الفضيلة، ومع مخزون كافٍ من أعمال الخير من أجل حياة كاملة» (الأخلاق النيقوماخية، 1101a).

ثم إن السياسه لا تتعلق فقط بالمصالح الشخصية والمطامع، إنها متعلقه بمعرفة أن «الدولة هي في الأساس جماعة» (السياسة، 1260b)ـ بعبارة أوضح، «الدولة ليست فقط مشاركة بقعة واحدة من أجل منع الضرر المشترك وتبادل البضائع» (1280b). يقر أرسطو أن أنظمة التبادل والأمور المالية «شروط مسبقة ضرورية لوجود الدولة، لكن حتى في وجود تلك الشروط، هذا لا يصنع دولة، لأن الدولة هي شراكة بين العائلات والعشائر التي تعيش حياة كريمة، وهدفها هو حياه كاملة مستقلة» (1280b).


أرسطو والعنف السياسي

بالطبع، لم تصمد كل آراء أرسطو أمام اختبار الزمن؛ فآراؤه بشأن العبودية والنساء بالتحديد مثيرة للجدل. ولكن هذا لا يعني أننا يجب أن نتجاهل فلسفته. فبرغم كل شيء، القليل من المسيحيين هم من يتفقون كليًا مع الكتاب المقدس، كلا العهدين القديم والجديد، وأغلبية الداروينيين الجدد يسمحون لأنفسهم بالاختلاف مع أجزاء من «أصل الأنواع».

كان أغلب فلاسفة السياسة، بشكل غريب، أحاديي أو ثنائيي التوجهات؛ فركز توماس هوبز بشكل حصري تقريًبا على السلام والأمن، وعُنِي جون لوك بالمِلكية والحرية، وركز كارل مركس على مهاجمة النظام الاقتصادي غير العادل. على النقيض، كان أرسطو، حتى لدرجة أكبر من أفلاطون من قبله، المفكر السياسي الذي تناول جميع القضايا الرئيسية وهي: التعليم، والمساواة، والديموقراطية، والعدالة، والحرب، والسلام، والاضطرابات الاجتماعية. وبسبب عنايته بالانتفاضات والثورات تحديدًا، كانت فلسفته ذات صلة قوية للسياسة وصناعة السياسات اليوم.

يسم العنف السياسي والثورات والإرهاب نقاشاتنا السياسية الحالية. وهذه القضايا قد تم نقاشها بسخونة أيضًا في عصر أرسطو، فمن الواضح أنه توصل إلى بعض الاستنتاجات التي قد اكتشفها علماء السياسة اليوم. فقد اكتشف أن الإرهاب ناجم عن الحرمان من الحقوق المعترف بها. وكما لاحظ علماء السياسة أن الإرهاب يسببه عدم المشاركة السياسية، فأرسطو أيضًا قد اعترف بأن عدم القدرة على التأثير السياسي ينشر الغضب والعدوانية،والعنف في نهاية المطاف؛ فقد كتب: «يقوم الناس بالثورات عندما يُحرَمون من المكانة، وإذا عوملوا بظلم أو بإهانة» (1316b)، و«الرجال الغاضبون يثورون بدافع الانتقام وليس بدافع الطموح» (1311a)، وطرح السؤال البلاغي: «كيف يمكن للأفراد اللذين لا يشتركون في حكم دولة أن يكونوا ودودين تجاه دستورها؟» (1268). وكانت الإجابة بالنفي بالتأكيد.

لذا ،في الأساس،كان أرسطو يرى أن الناس (الرجال، بالنسبة له) المستبعَدين من النفوذ السياسي، يلجأون في نهاية المطاف إلى العنف. في وقت لاحق، كرر نيقولا ميكيافيلي (1470-1587) وجهة نظر أرسطو ،عندما أكد «أنه من الضروري أن يكون للجمهوريات قوانين تمكِّن أغلبية المواطنين من التنفيث عن حالة العداء التي يشعرون بها، لأنه عندما لا توجد مثل هذه الآلية، سوف يتم استخدام أساليب خارج القانون، ودون شك، فهذه سيكون لها عواقب أسوأ بكثير من تلك القانونية» (الحوار، 1531، ص102).

لذلك يعتقد أرسطو أنه للحفاظ على نظام سياسي سلمي، من الضروري إشراك جميع المواطنين، وهكذا يترسخ النظام السياسي لأن أولئك الذين يكونون في السلطة «يعاملون أولئك الذين هم خارج المؤسسة بشكل جيد»، ويفعلون ذلك «عبر ضم رجالهم البارزين إلى مؤسسة الحكم» (1308a). قد يبدو ذلك مثاليًا وساذجًا، غير أنه ليس كذلك، ففي دراسة أخيره لأحد أبرز علماء السياسة في العالم، أريند ليبهارت Arend Lijphart،وجدت أن أكثر الدول ديموقراطية هي الدول التي تشترك فيها الأقليات في عملية صنع القرار الديموقراطي، وهي أقل بست مرات في احتمالية مواجهة هجمات إرهابية قاتلة من تلك الأقل ديموقراطية (أنماط الديموقراطية، 2012، 270). وهكذا دون استشهاد بأرسطو، (علماء السياسه المعاصرين يبدون مناوئين، بغرابة، للاستشهاد بالكلاسكيات)، يصل علم السياسة المجهز بأحدث الأدوات العلمية إلى نفس استنتاج أرسطو منذ اثنين وعشرين قرنًا.

إن منطق المفكر القديم بسيط مباشر وفرضيته واضحة. إن مزيدًا من الانخراط الديموقراطي يؤدي إلى التقليل من التفاوت الاجتماعي ومستويات عنف (إرهاب) أقل أيضًا. فمن الصعب أن لا تبالغ في تقييم مدى تقدمية وتبصرية وجهة النظر هذه، خاصة عند مقارنتها مع ما تمر به السياسات العامة اليوم.

بالنظر وراء للخمسة عشر عامًا الماضية في العديد من الدول، اتسمت السياسات المتبعة بالرقابة المتزايدة (في بريطانيا، في شكل «الاحتفاظ بالبيانات وقانون سلطات التحقيق» عام 2014)، وتُفضل التعامل مع الإرهاب والعنف عن طريق العمل العسكري .لم تكن نتائج هذه السياسات مثيرة للإعجاب، وهذا ما عرَّضها للنقض. وإذا استخدمنا الأرقام الصادرة عن معهد الاقتصاد والسلام لمؤشر الارهاب العالمي، واذا استثنينا سوريا ونيجريا، شهد العالم زيادة بنسبة 80% في أعداد الهجمات الإرهابية. وإن كان لنا أن نضم هاتين البلدين لكانت هناك زيادة سبعة أضعاف (الإحصائيات مستندة لـ

تقرير مؤشر الارهاب العالمي

2015).

في هذا الوقت الذي أضحى فيها الرد المفضل على العنف السياسي هو الانتقام، الرقابة الشرطية، والحرب على الارهاب، ينبغي أن نتأمل في هذا السطر الذي كتبه أرسطو: «الرجال الذين يقاتلون تحت تأثير الغضب، لا يملكون سلطانًا على أنفسهم» (1315a). فبالفعل، ما زال لم يتم بعد ردع الإرهابيين عبر طريق العنف ،كما أظهرت الإحصائيات المذكوره آنفًا. بإمكاننا القول أنها شهادة على عظمة ارسطو حيث أنه أدرك أن إشراك المواطنين وتأثير السياسة لا القوة، هم ما يمنع العنف الاجتماعي. والنزاع السياسي. وهو دليل على منهجه التجريبي، حيث بحث عن برهان لمزاعمه في الوقائع الفعلية.


أرسطو والديموقراطية الدستورية



يعتقد أرسطو أنه للحفاظ على نظام سياسي سلمي، من الضروري إشراك جميع المواطنين.

أرسطو،التجريبي دائمًا، جمع كل شيء، من علم تصنيف الحيوان إلى الحقائق السياسية: فقد كتب تعليقات على ما يقدر بـ 170 دستورًا قديمًا. لسوء الحظ، حُفظ واحد فقط منها، هو دستور آثينا الذي تم اكتشافه في أوكسيرينخوس في صعيد مصر في عام 1879 [أوكسيرينخوس، هو الاسم القبطي لمدينة البهنسة بمحافظة المنيا بمصر].



تميز دستور أرسطو النموذجي بأرستوقراطية منتخبة، لكنها أرستوقراطية تقوم على الحكمة والذكاء، وليس على الثروة.

ليس من المفاجئ، نظرًا لهوسه بالحقائق، أن حجة أرسطو الرئيسية على الأثر المفيد لما أسماه «الطبيعة الديموقراطية» (1308a) كان مستخلصًا من دراساته التجريبية، خاصة من تحليل مقارن مع قرطاج، الدولة الديموقراطية الرائعة. كتب أرسطو أن الدليل على أن «دستورها منظم بشكل جيد، هو أن سكانها لا يزالون بمحض إرادتهم أوفياء للنظام السياسي، وأنه لم يظهر نزاع مدني على أي مستوي، ولا حتى طاغية» (1272b)، وأن قرطاج كانت ناجحة في تجنب الثورات، وما يمكن أن نسميه اليوم: «الإرهاب» وقال أن نجاحها يعود إلى دستورها المتوازن،حيث يتم فيها انتخاب البرلمان («برلمان الأربعة ومائة») – «من مختلف الطبقات» و«وفقًا للاستحقاق» (1272b). وعلاوة على ذلك، ففي هذا النظام الديموقراطي المدهش، فالممثلون المنتخبون تمت موزانتهم بـ «مجلس الشيوخ»،واختيروا من قبل الشعب، ومن قبل رئيس الحكومة الذي «بصفته السلطة الأعلى، قد تم انتخابه أيضًا» (1272b).

في حين حذر أرسطو من أن حكومة يؤلفها الشعب يمكن أن تتحول الى حكم الغوغاء، إلا أنه ظل مصرًا على أنه «من الأفضل في ظل الديمقراطية… أن يكون لجميع المواطنين حق انتخاب المستشارين واستدعائهم للمحاسبة» (1318b). في الواقع، هو حتى قد تحدث عن «عقد بين المحكومين» (1318)، وهذا سطر نسخه لاحقًا توماس جفرسون في إعلان الاستقلال الأمريكي.

تميز دستور أرسطو النموذجي بأرستوقراطية منتخبة، لكنها أرستوقراطية تقوم على الحكمة والذكاء، وليس على الثروة. ولكن حتى في ظل هذا النظام للحكومة، سيكون للناس كلمة أعظم من ما كان في ظل أكثر نظم الديموقراطية غير المباشرة: ففي دولة ارسطو المثالية، «عندما يعرض الملوك عملا في اجتماع، فهم لا يتروكون الناس فقط يجلسون ويستمعون للقرارات التي اتخذها حكامهم، لكن سيكون للناس القرار السيادي» (1278a).

لماذا يضع هذا المفكر العظيم مثل هذه الثقة في أناس عاديين؟ لماذا وثق بهم لأخذ قرارات صحيحة؟ لقد كان مدركًا أن بعض الناس أذكى من بعضهم، لكنه أدرك أيضًا أن مجموعة من الأفراد يتباحثون سويًا سيكونون أكثر معرفة حتى من أحكم إنسان. حجته هنا تستحق الاقتباس المسهب (1281b):

يكون الكثرة، عندما يجتمعون معا، الأفضل، ليس بشكل فردي ولكن بشكل جماعي، تمامًا كما في الموائد العامة حيث يسهم الكثيرون، مقارنة بتلك المأدبة التي يتكلَّفها رجل واحد. حيث بالنسبة للكثرة التي يمكن القول أن كل فرد فيها على حدة يمتلك جزءًا من الفضيلة والحكمة، عندما تجتمع سويًا كما لو كانت حشدًا أضحى رجلا واحدًا له أقدام وأيادٍ وحواس عديدة، تصبح هي أيضًا شخصية واحدة فيما يتعلق بالأخلاق والقدرات الفكرية.

هذا وقد خلص إلى أن «هذا هو السبب في أن العامة هي قاضٍ أفضل»، حيث أن «رجالا مختلفين يمكن أن يحكموا من مناظير مختافة» (1281b). لهذا السبب، «من الضروري للجميع أن يشاركوا بعضهم البعض في الحكم وفي المحكومية» (1332b).

إنه من الصعب أن تجد تشخيصًا للديموقراطية أكثر دقة واختصارًا من هذا. صحيح أن نفس الشعور عبّر عنه أمثال مارسيلوس من بادوفا (1343-1275)، فـ «القوانين» كما كتب ذاك الإيطالي عام 1324، «يجب أن تعرض على مجلس المواطنين للموافقة أو الرفض. حيث أن المواطن الاقل تعليما يمكن في بعض الاوقات ان يرى شيئا ينبغي تصحيحه فيما يتعلق بالقانون المقترح ،على الرغم من أنه قد لا يكون على علم بكيفية وضع القوانين من البداية» (دفاعًا عن السلام، ص80). لكن يجب علينا أن نتذكر أن هذا المفكر، مثله مثل ميكيافيلي، تربى على جرعة مكثفة صلبة من تعاليم أرسطو، وغرق في كتاباته. كلا الرجلين قد تعلم من الأستاذ المقدوني كما ينبغي علينا أن نفعل اليوم.

يصلح أرسطو لكل زمن، فكتاباته دليل على أن فلسفة الأساتذة القدماء ليست أثرًا تاريخيًا، بل مرجع خالد (إن كنا بحاجة لتقديم دليل على ذلك). كديموقراطي مدافع عن المساواة الاجتماعية، ومعارض للدولة الاستبدادية، ينبغي أن يكون أرسطو على قائمة القراءة لكل هؤلاء الذين يدعمون الراديكالية أو القضايا التقدمية.