أعاد الخلاف بين تركيا وإيران بسبب توزيع
تدفقات نهر آراس إلقاء الضوء على أزمات المياه التي تعم المنطقة، ومن المتوقع أن تزداد
هذه الأزمات خلال الفترة المقبلة مع تزايد العجز المائي والزيادة السكانية.

وتصاعدت الأزمة إعلامياً بعدما أعلن رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، أن القضية تمس الأمن القومي لبلاده، وشدد وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، على رفض بناء أنقرة سدوداً على نهر آراس متهماً إياها بالإضرار بشعبه.

وخلال حضوره جلسة برلمانية، بيّن عبد اللهيان أنه بحث هذا الموضوع مع نظيره التركي ثلاث مرات في الأشهر القليلة الماضية، وطلب تكوين لجنة مشتركة منذ أربعة أشهر لرصد تأثيرات هذه السدود نظراً لعدم وجود اتفاق بين الطرفين ينظم هذه المسألة.

جدير بالذكر، أن نهر آراس ينبع من الأراضي التركية ويمر بإيران وأذربيجان وأرمينيا، وقد زار فريق من الخبراء الإيرانيون أنقرة التي سترسل وفداً من خبرائها قريباً إلى طهران، لمناقشة الوضع في ظل وجود ثلاثة سدود على النهر أحدها يعمل بالفعل، والثاني قيد الملء، والثالث قيد الإنشاء.

أزمات
المياه

تبرر طهران عدم اتخاذها أي خطوات قانونية ضد أنقرة بأن الأخيرة ليست عضوة في

اتفاقية

نيويورك لعام 1997 بشأن الاستخدام غير الملاحي للمياه العابرة للحدود، مما يعيق مقاضاتها دوليًا، لأن هذه المعاهدة هي الاتفاق الوحيد الذي يغطي مسألة إدارة المياه العذبة المشتركة وتطبق بشكل عالمي، وتلزم الدول الموقعة لها بالعمل بما يلزم للحيلولة دون إيقاع ضرر ذي شأن للدول الأخرى التي تشاطرها في الأنهار الدولية وإخطارها بشكل مسبق قبل الشروع في أي مشروعات توثر على المجرى المائي.

لكن الجدير بالملاحظة هنا أن إيران أيضاً ليست عضوة في الاتفاقية لأنها تمارس عمليات استيلاء واسعة على المياه من دول الجوار فرغم وجود تفاهمات مع أفغانستان حول تقاسم نهر هلمند فإن الأفغان يتهمون جارتهم الغربية باستغلال أزماتهم ومشاكلهم والحصول على أكثر مما تستحق من مياه النهر، وأن من أسباب دعمها حركة طالبان سابقًا خلخلة الوضع الأمني في غرب أفغانستان وتفجير السدود على نهر هلمند مما منع كابل من التحكم بكمية المياه المتدفقة عبر الحدود.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي،

اعترضت

طهران على بناء سد إليسو الذي يُعد ثاني أضخم سد تركي على نهر دجلة، وطالبت الخارجية الإيرانية، أنقرة بالالتزام بقواعد إدارة المياه فيما يتعلق ببناء السدود على نهر دجلة، على اعتبار أن النهر يصب في شط العرب، الذي تتشارك فيه إيران مع العراق، ويتكون من نتاج التقاء نهري دجلة والفرات في مدينة القرنة في محافظة البصرة، لكن الإيرانيين تجاهلوا ضلوعهم في قطع المياه عن نهر دجلة أيضًا وبناء السدود على روافده لمنع وصولها إلى مجرى النهر داخل العراق،

ويرفضون مجرد التفاوض

مع بغداد حول حصتها المائية.

ومؤخرًا أعدت وزارة الموارد المائية العراقية

ملفًا لرفع دعوى قضائية

ضد إيران بسبب تحويلها مجرى 6 أنهار لمنع تدفق مياه الأنهار المشتركة إلى العراق حتى عند امتلاء سدودها، بعدما أدى قطع المياه عن أنهر وجداول سيروان والكارون والكرخة والوند والزاب الصغير والطيب، إلى جفاف الأنهر والأهوار (البحيرات)، وسبب

أضرارًا جسيمة

للعراقيين الذين يعتمدون على المياه المقبلة من إيران، بينما تزعم طهران مشروعية أنشطتها المائية اعتمادًا على أن لها الحق في التحكم بالروافد التي تنبع من أراضيها.

وأدت التغيرات المناخية و

المشروعات التي تفتقر للتخطيط

التي أشرفت عليها قوات الحرس الثوري في إيران إلى جفاف هائل عم البلاد ونزوح العديد من السكان، ولذا يلجأ النظام إلى الموارد المائية لدول الجوار لمحاولة تعويض هذا الأمر، فمثلًا بعد جفاف بحيرة أورميا لجأ الإيرانيون إلى نقل المياه من نهري الزاب الصغير وسيروان لها، ومنعوا تدفقهما إلى العراق.

ويلقي الأتراك بالمسئولية عن أزمة الجفاف في إيران على عاتق إدارتها السيئة التي تسببت في نضوب ثرواتها المائية، ويعتبرون أن اتهامات طهران لهم بالتسبب في الأزمة ما هي إلا محاولة لتحويل النقمة الداخلية على النظام إلى الخارج، وأعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، تانجو بيلجيك، في 12 مايو/ أيار عن

رفضه تحميل بلاده المسئولية

عن مشاكل إيران، واصفًا مزاعمها بأنها بعيدة تمامًا عن أي كلام علمي.

ومع دخول فصل الصيف، يخشى النظام الإيراني من الاحتجاجات
المرتبطة بأزمة المياه، فقد أصبح الصيف موسم سنوي للاحتجاج بسبب وصول بعض المناطق إلى
وضع الإفلاس المائي، وحتى مع استيلاء إيران على مياه الأنهار فإن الجفاف الذي أصاب
العراق نتيجة لذلك أثر بشكل سلبي على الأراضي الإيرانية على شكل عواصف ترابية تضرب المنطقة حاليًا ولا تتوقف عند خط الحدود.

من جهته قال خبير الشؤون التركية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كرم سعيد، إن هناك جملة من الخلافات وتوترًا مستترًا بين تركيا وإيران على مدار الشهور التي خلت أول دوافع هذه التوترات مرتبط بشكل أساسي بمسألة السدود واتجاه تركيا لبناء عدد من السدود على المجاري المائية المشتركة.

وأضاف أن هناك علاقة بين مسألة المياه والخلافات بين البلدين فيما يتعلق بالأزمة السورية؛ إذ تسعى إيران لتوظيف الانسحاب الروسي وكذلك تحاول تركيا تعزيز نفوذها في سوريا، وبالتالي هناك نوع من التصادم الآن بين البلدين، ولعل اتجاه إيران إلى قطع الغاز عن تركيا في يناير الماضي كان بمثابة رسالة سياسية لتركيا خصوصاً أن هذا التوتر بدأ يزداد بعد نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة والتي أسفرت عن تراجع التيار الشيعي وعدم رضا إيران عن التغلغل التركي في العراق وإقليم كردستان العراق ومحاولة تركيا الدخول في مشاريع شراكة في قطاع النفط في الإقليم، وقد كانت الهجمات الإيرانية على مطار أربيل في مارس الماضي رسائل سياسية إلى تركيا لأن هناك عدم رضا إيراني عن التوجهات السياسية التركية فيما يتعلق بالمصالح ومناطق النفوذ المتقاطعة مع إيران وهذا ينعكس على الملفات الأخرى كملف المياه.