شاب وفتاة يقعان في الحب فجأة، فتاة تحب شابًا لا يحبها، شاب يحب فتاة لا تعبأ به، زوجة تحب زوجها، زوج يخون زوجته، أغانٍ لفيروز وأخرى لأم كلثوم، لا مانع من بعض كوبليهات لوردة، أحبك بفتح الباء وأخرى بكسرها، الكثير من الورد وفناجين القهوة والكافيتريات الشيك، فساتين وفتيات يدرن حول أنفسهن «بروتة» وعيون تحلق في الفراغ وصدور تتنهد.

مفردات كليشيهية جدًا للحب، الأغرب من استخدام تلك الكليشيهات إلى الآن هو كونها مازالت تحظى بنفس الجماهيرية، فتجد الروايات التي تتحدث عن قصص الحب، والخيانات، والخذلان، تحتل قوائم الأكثر مبيعًا، بل إنها تتحول لأعمال درامية ناجحة تحظى بأعلى نسب المشاهدة وتنهمر مشاهدها الرومانسية على رأسك ما أن تطل على مواقع التواصل الاجتماعي، مع الكثير من الاحتفاء، والقلوب، والتمنيات بالحصول على نفس هذا الحب.


في البدء كان «أريد رجلًا»

«نور عبد المجيد» كاتبة سعودية ولدت في مصر، حاصلة على ليسانس الآداب من جامعة أم القرى، وبكالريوس التربية وعلم النفس من جامعة عين شمس، انخرطت في المجتمع المصري بحكم المولد والتعليم، رواياتها اهتمت بها الشابات في مصر بشكل خاص، حيث إنها دارت في العوالم التي يجدن أنفسهن فيها، روايتها أريد رجلًا كانت الأعلى مبيعًا، ثم تحولت لمسلسل تليفزيوني ناجح جدًا عام 2015 من بطولة «إياد نصار» و«مريم حسن».

كان نجاح أريد رجلًا ساحقًا، لا يمر يوم دون أن ترى مشهدًا لبطل العمل يوبخ بطلته على ملابسها لأنه يحبها جدًا ويغار عليها، وهي تنظر للأرض مبتسمة تكاد تطير فرحًا من فرط الهيام، أو مشهدًا آخر لنفس البطل يخبر نفس البطلة أن تطل من الشرفة لتجده بسيارة مغطاة بالورود، فتكاد تطير للمرة الثانية، مع الكثير من كلمات الرومانسية التي وجدتها الفتيات المتابعات للمسلسل ملهمة جدًا رغم فرط عاديتها وتكرارها.

كانت قصة المسلسل/الرواية عادية جدًا في تفاصيلها، نفس خطوات الوقوع في الحب، نفس طريقة الغيرة، نفس طريقة التعبير عن الحب، نفس الكلمات المتداولة بين الأزواج السعداء ربما منذ عهد إحسان عبد القدوس، ثم نفس الحماة المتسلطة التي تفسد حياة ابنها وزوجته، نفس الكذبات على الزوجة، ونفس صراعات الدفاع عن الحب والتخلي عنه، لا جديد يحدث، ورغم ذلك تنبهر الفتيات كل الانبهار، ويشهقن في استغراب، ويتمنين ولو حتى ربع ما يحدث على الشاشة.


ثم جاءت شهيرة والخائن


مسلسل أريد رجلًا كان يعرض حصريًا على قناة MBC مصر، ومع ذلك حظي بنسبة مشاهدة غير معقولة، مما شجع مجموعة قنوات «أو إس إن» أن تسعى لعرض مسلسل نور عبد المجيد الجديد «أنا شهيرة أنا الخائن» حصريًا مرة أخرى، ولكن على قناتها المشفرة التي تحتاج اشتراكًا شهريًا لمشاهدتها، ومع ذلك حظي المسلسل بردة فعل واسعة، مما دفع مجموعة «سي بي سي» لشراء حقوق العرض الثاني على قنواتها. والمسلسل من بطولة «ياسمين رئيس» و«أحمد فهمي».

في أريد رجلًا كانت تفاصيل الرواية/المسلسل معادة ومكررة، الاختلاف الجوهري كان في تفصيلة ردة فعل الزوجة على خيانة زوجها، تفصيلة بنت عليها نور عبد المجيد الرواية لتكون جديدة في مضمونها، واعتبرتها ذريعة مناسبة كي لا تجدد في أي كليشيه من كليشيهيات تفاصيل الرواية، متجاهلة أن التفاصيل هي ما يميز العمل، ولكن هذا الكلام النقدي لا يساوي شيئًا أمام النجاح الساحق الذي حققته الرواية ثم المسلسل.

هذه المرة استخدمت الكاتبة نفس التكنيك، اختلاف جوهري في الرواية/المسلسل يجعلها تتغاضى عن كل التفاصيل التقليدية التي تعج بها، الاختلاف أن الرواية من جزأين يحكيان نفس الحكاية مرة من منظور البطل ومرة من منظور البطلة، والمسلسل كذلك ينقسم لحكايتين حكاية شهيرة، وحكاية الخائن.

هذا هو الاختلاف الذي سوف يجعلنا نتغاضى عن أغاني فيروز ووردة، وفساتين ياسمين رئيس، وقصة الحب المفاجئة، ووعود السعادة، وقوالب الشخصيات التي تشبه إلى حد كبير قوالب أريد رجلًا، فهناك أم متسلطة وابن منساق وزوجة متمزقة بينهما، هناك قصة حب من طرف واحد، وقصة خيانة، وقصة نجاح ملفقة تنهي فيها البطلة رسالة الماجيستير في الصيدلة في ستة أشهر، هناك نزهات نيلية، وبيوت واسعة، ووعود بالحب والرفاء والبنين، تفاصيل مكررة ومعادة ولكنها مضمونة.


لم تكن المرة الأولى

لو كان رهان نور عبد المجيد على التجديد في طريقة عرض روايتها من وجهة نظر بطليها، فقد سبقتها إلى ذلك مواطنتها الكاتبة «أثير عبد الله النشمي» بروايتيها «أحببتك أكثر مما ينبغي» وجزئها الثاني من وجهة نظر البطل «فلتغفري»، الطبعة الأولى لرواية النشمي صدرت في 2009، في حين صدرت أنا شهيرة في طبعتها الأولى عام 2013، وبغض النظر عن الرواية فنحن نتحدث هنا عن الدراما التليفزيونية التي يجب أن تتطور حتى إذا كانت تتحدث عن موضوع سرمدي مثل العلاقات، فلا بأس من التجديد، الذي لم نجده في مسلسل أنا شهيرة أنا الخائن.

المسلسل من إخراج «أحمد مدحت»، والرواية مأخوذة عن أحداث حقيقية سجلتها الكاتبة نور عبد المجيد وبنت عليها أحداث روايتها المكونة من جزأين، ولكن كل ذلك لا يبرر أن تكون دراما المسلسل بتلك التقليدية، حيث جاء الكثير من الأخطاء الدرامية والمبالغات في تقديم الشخصيات وعدم منطقية الكثير من الأحداث، ولكن لأن الخط الأساسي للمسلسل هو الرومانسية، فقد تم ابتلاع كل السقطات في سبيل الحب.


الاستسهال هو اسم اللعبة

رغم أن الخط الأساسي للمسلسل دراما رومانسية، فإن الحوارات التي تدور بين كل أطراف قصص الحب في المسلسل تقترب جدًا من الركاكة، ناهيك عن تقليديتها الشديدة، فأحمد فهمي عندما يريد أن يبهر ياسمين رئيس يغني لها أغنية لفيروز، وعندما يلتقطان الصور في شهر العسل يخبرها أن هذه الصور سوف تكون ذكرياتهم في زواجهم الذي سيمتد لخمسين سنة، وهكذا فعندما تريد أي شخصية أن تعبر عن أي شيء فإنك يمكن أن تكتم صوت التلفاز وتردد أي كليشيه محفوظ، ولن يختلف ذلك عن الحوار الأصلي كثيرًا.

أما عن الشخصيات فقد نالها الاستسهال هي الأخرى بشكل لا يمكن إغفاله، فشخصية خالد زكي الذي يقوم بدور والد أحمد فهمي المعقد من النساء فإنه يردد كليشيهات غاية في السطحية والسذاجة والمبالغة لدرجة يمكن أن تجعله كوميديًا، فهو لا يسمح بدخول الخادمات للمنزل لأنهن نساء، ويخبرها بصرامة أن تلد ولدًا عندما تخبره بحملها، ويذكر في كل مناسبة – ودون مناسبة أحيانًا – أن عائلة عبد الجواد لابد أن تكون كلها أولاد.

أيضًا من الشخصيات التي نالها الاستسهال الدرامي شخصية زياد، والتي نعرف من الرواية أنها سوف تكون محورية جدًا في الأحداث، الشاب الفقير الذي لا يرفع عينه في الأستاذ مدحت والد شهيرة، والذي يتلقى هو ووالدته المساعدات، فجأة ودون سابق إنذار يساهم في مشروع الصيدلية لا نعرف كيف، ويذكر عرضًا أن مساهمته تلك كانت كل تحويشة عمر والدته، والدته التي كانت تتلقى دواء الصرع مساعدة من زوجة الأستاذ مدحت الذي أصبح شريك زياد في الصيدلية، هذا غير أخت زياد التي عندما ملت من اضطهاد حماتها وسلبية زوجها أمكنها أن تستأجر شقة مفروشة في مصر الجديدة، هذا رغم أنهما في المقام الأول سكنا مع والدته لأنهما لا يملكان ما يستأجران به شقة.

الكثير من المغالطات المنطقية التي لم يكن من اللائق أن تكون بمسلسل ناجح ناهيك عن رواية، ورغم أن الضرورات الدرامية تبيح الخيال فإن هذا خرج عن نطاق الخيال ليدخل منطقة الاستسهال من أوسع الأبواب. رغم كل ذلك فالمسلسل يحظى بشعبية لا بأس بها، والمشاهدون سعداء بما يرونه على الشاشة، والروايات المأخوذ عنها المسلسل تباع على نطاق واسع، فلذلك ربما يجب أن نكف هنا عن الحديث، ونلحق بالحلقة الجديدة قبل أن تبدأ رغم أنه لن يفوتنا الكثير.