في نهار الثالث عشر من يوليو/ تموز الماضي خرج علينا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ضاحكًا من إحدى شرفات فندق قصر كوبورغ الشهير بفيينا عاصمة النمسا، والذي أُنجزت بين جدرانه اللمسات الأخيرة لمفاوضات إيران النووية مع دول العالم الست الكبرى.هذا المشهد المحفور في ذاكرة أغلب السياسيين العرب والذي أخرجه وحدّد ملامحه ظريف، معلنًا بشفتيه المبتسمتين عن ملامح جديدة تتحدد من خلالها سياسات المنطقة وخريطة التحالفات والعداوات في الشرق الأوسط من جراء الاتفاق النووي بين دول العالم الكبرى وإيران. بالطبع كانت أبرز التحالفات التي تهددها خطر الاتفاق النووي هو التحالف الأمريكي الخليجي. وساد لدى قادة الخليج وفي القلب منهم المملكة العربية السعودية شعور بالقلق إزاء تخلي الشريك التاريخي للخليج «أمريكا» عنهم وانصرافه إلى إيران أو حتى مجرد تراجعه للوراء قليلًا إلى حيث نقطة المنتصف بين الغريمين التاريخيين.


http://gty.im/480401624


تهديد خليجي: لن تنعم أمريكا نشرت نيويورك تايمز الأمريكية الجمعة 15 أبريل/نيسان 2016م

تقريرًا

يوضح حجم التهديدات الاقتصادية الخليجية للولايات المتحدة الأمريكية اعتراضًا من الأولى على قانون أحداث 11 سبتمبر والذي يسمح بمقاضاة المملكة العربية السعودية أمام المحاكم الأمريكية على خلفية اتهامها بالضلوع في الأحداث وتورط مسئولين بالحكومة السعودية في الهجمات على برج التجارة العالمي، وهو القرار المنظور حاليًا أمام الكونجرس.

وأوضحت مصادر في هذا الصدد، أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد سلم الإدارة الأمريكية في زيارته الأخيرة لواشنطن مارس/آذار الماضي رسالةً من الملك سلمان هدد فيها الولايات المتحدة، على طريقة «شمشون» ببيع المملكة لأصول تملكها داخل الولايات المتحدة تبلغ قيمتها 750 مليار دولار، وهو ما يهدد اقتصاد كلا البلدين.

ورغم أن التهديد السعودي يبدو مبالغًا فيه وربما غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع إلا أن فرضية حدوثه -إذا ما تم تمرير القانون- تبقى محتملة بدرجة ما، إذ تخشى المملكة من تجميد هذه الأصول على خلفية محاكمة بعض رجالها المحتمل تورطهم في أحداث 11 سبتمبر.

وبين مشهد جواد ظريف من شرفته، ومشهد عادل الجبير وهو يهدد ببيع الأوصول يمكننا أن نقرأ إعادة تشكيل خريطة السياسات الخارجية بين دول المنطقة بعضها البعض وبينها وبين قوى العالم الفاعلة.

في هذه الأجواء السياسية المشبعة بالريبة والقلق، تأتي القمة الخليجية الأمريكية «الخميس 21 أبريل/نيسان»؛ وسط تكهنات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقدم فيها صياغةً جديدة لعلاقاتها التشاركية مع دول الخليج وباقي دول المنطقة، أم سيحمل الرئيس الأمريكي خلالها رسالة اعتذار لدول الخليج إزاء خذلان حليفهم الأهم لتوقعاتهم منه. ثمة سؤال آخر أيضًا يطرح نفسه بخصوص ما إذا كان الرئيس الأمريكي الذي أوشك أن يودع البيت الأبيض، باراك أوباما، يفرض بهذه القمة سياسة أمريكية جديدة تجاه الشرق الأوسط على خلفه أيًّا كانت ميوله.

وسائل إعلام

عربية ودولية تناقلت -اليوم عشية القمة- تكليف الملك سلمان للأمير فيصل بن بندر أمير منطقة الرياض، ووزير الخارجية عادل الجبير باستقبال الرئيس الأمريكي في المطار واكتفى سلمان باستقباله في قصر عرقة بالرياض. هذا الأمر كان يمكن المرور فوقه إذا كانت الأجواء السياسية على خلاف ما هي عليه اليوم وأيضًا إذا لم يستقبل سلمان وفود الدول الخليجية بالمطار في ذات اليوم «الاربعاء 20 أبريل/نيسان». إذ استقبل الملك سلمان رؤساء وملوك دول الخليج اليوم في الصالة الملكية بمطار الملك خالد بالعاصمة الرياض.


الطمأنة الأمريكية للخليج: خداع أم رؤية ضبابية؟

نشرت مجلة فورين أفّيرز الأمريكية في الثاني عشر من أبريل/نيسان الحالي

تقريرًا

تطرح من خلاله رؤية توضيحية للعلاقات الأمريكية الخليجية وما يشوبها من سوء فهمٍ وخلطٍ كبيرين. وصدَّرت المجلة تقريرها بالقول بأن الولايات المتحدة بأي شكل من الأشكال لا تمتلك حلفاء في المنطقة سوى عضو الناتو «تركيا»؛ فالتحالف كخيار دبلوماسي بين دولتين أو أكثر يعني ضمنيًا وجود معاهدات دفاع مشترك بين الدولتين وأن كلاهما مضطرٌ للدفاع عن أمن الآخر وسلامته إذا ما تعرض لاعتداءٍ عسكري خارجي. هذا هو المفهوم العام والشامل لكلمة تحالف وهو ما لا ينطبق بالضرورة على العلاقات الخليجية الأمريكية؛ وهو الأمر الذي قصد التقرير إلى أن يوضحه.



التحالف كخيار دبلوماسي بين دولتين أو أكثر يعني ضمنيًا أن كليهما مضطرٌ للدفاع عن أمن الآخر، أما الشراكة فهي خيار آخر لا تضطر معه الدولتان لحماية مصالح بعضهما.

أما مفهوم الشراكة كخيار دبلوماسي آخر بين الدول بعضها البعض، فهو ما يمكن أن ينطبق على الحالة الخليجية؛ إذ لا تضطر معه الدولتان لحماية مصالح بعضهما البعض إذا ما تهددتها أخطار عسكرية. حتى وإن كانت الدول تشارك فيما بينها معاهدات لحفظ الأمن كما هو الحال بين الولايات المتحدة والشركاء العرب، فإن ذلك يعني فقط مدّ يد العون للقضاء على أخطار الجماعات الإرهابية والمهدِّدة لأمن هذه الدول الداخلي، لكن بالطبع لا تضطر أي من الدولتين الموقِّعتين على مثل هكذا اتفاق لخوض حرب عسكرية نيابةً عن شريكاتها، فقد تكتفي بتقديم الغطاء السياسي والدعم اللوجستي وغيرها من أساليب الدعم المختلفة.

والحقيقة التي لابد من الإشارة إليها هي أن الخلط بين المفهومين لم يكن فحسب سوء تقدير من السادة في الخليج أو الشرق الأوسط عمومًا؛ بل ساعد على ذلك الساسة الأمريكان.

ففي كلمة له في إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية في الخامس من أغسطس/آب الماضي، صرَّح أوباما قائلًا: «إن موازنة التسليح الإيرانية أقل ثمان مرات من موازنة التسليح الخاصة بحلفائنا الخليجيين مجتمعين».كذلك صرَّح وزيره للدفاع بنحو ذلك في ثلاث مناسبات متفرقة كان آخرها كان في يناير/كانون الثاني لهذا العام 2016م في ملاحظةٍ ألقاها في القمة الاقتصادية في دافوس، وهو ما سبق أن صرّح به في مقالة له في مجلة «ذي أتلانتك» بتاريخ الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقبلها في رحلته إلى تل أبيب 19 يوليو/ تموز 2015م؛ وللمفارقة فإن الرجل فقط في تل أبيب، كرَّر كلمة حلفاء، مشيرًا بها للخليجيين، أربع مرات. وكذلك صرَّح جون كيري وزير الخاريجة الأمريكي في الرابع والعشرين من يناير/كانون الثاني الماضي، في كلمته التي ألقاها من السفارة الأمريكية في الرياض، قائلًا: «لدينا نحن الأمريكان، تحالف واضح مع المملكة العربية السعودية كما اعتدنا». جدير بالتنويه أن الحديث عن هذا التحالف لم يتكرر فحسب في تصريحات الإدارة الأمريكية الحالية وحدها؛ بل أكَّدته مرارًا فالإدارات الأمريكية السابقة كإدارتي بوش الأب والابن، وإدارات رونالد ريجان وبيل كلينتون وغيرهما.



هناك ارتباك في توصيف العلاقة الخليجية الأمريكية، وهو ارتباك مشترك لدى الجانبين!

والسؤال هو إذا ما كان هذا الخطاب السياسي الأمريكي الموجَّه لدول الخليج أو الدول العربية قد انبنى على رؤية إستراتيجية أمريكية تجاه أحد أهم الشركاء الدوليين الفاعلين والمؤثرين بقوة في المصالح الأمريكية السياسية والاقتصادية، وهل يعتري تلك الرؤية ارتباك جذري؟ أم أنّ الأمر لا يعدو كونه مجرد طمأنة مبالغ فيها للخليجيين إيمانًا بأهميتهم بالنسبة للشريك الأمريكي؟

على أية حال، هناك ارتباك في توصيف العلاقة الخليجية الأمريكية، وهو ارتباك مشترك يصيب الجانبين، ربما لأسباب مختلفة لدى الطرفين، تعود إلى سذاجة أحد الطرفين أو البرجماتية المفرطة للطرف الآخر.الثقة الخليجية في الحليف الأمريكي ربما تكوَّن على خلفية حرب الخليج 1990-1991م بعد مشاركة الولايات المتحدة الحاسمة مع التحالف الدولي الذي تشكَّل للدفاع عن الكويت في مواجهة الغزو العراقي، رغم أن الكويت لم يكن بينها وبين الولايات المتحدة اتفاقية دفاع مشترك أو ما شابه، لكن ربما كانت المشاركة الأمريكية حاسمة لأن الغزو أتى من عراق صدام حسين ليس إلَّا. لذا فإن التعويل الخليجي على أية مشاركة عسكرية أمريكية للدفاع عن أمن الخليج سواءً في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو حتى في مواجهة إيران هو توقع في غير محله؛ ولا شك أن الاتفاق النووي الإيراني لم يدع مجالا لمثل تلك الأحلام في أذهان الخليجيين.

إن هذه الرؤية، وعلى النقيض من افتراض تحوُّل تاريخي في النظرة الأمريكية إلى الخليج، تكشف عن أن الموقف الأمريكي الحالي ليس تحوُّلا مفاجئا، بل هو موقف له جذوره في التصور الأمريكي.


الفراغ الأمريكي الذي أشعل الشرق الأوسط

لا يمكن تناول الحقبة الزمنية التي تولى خلالها الرئيس الأمريكي باراك أوباما الإدارة الأمريكية بمعزل عن سابقتها. فالرئيس أوباما تم انتخابه من قبل الشعب الأمريكي لعدة أسباب؛ من أبرزها موقفه المعارض لحرب العراق التي تورطت فيها إدارة جورج بوش الابن وورّطت معها الشعب والجيش الأمريكيين، وقد خسرت الولايات المتحدة جرّاء هذه الحرب خسائر فادحة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، بل والعسكري أيضا. على إثر ذلك، جاء أوباما إلى البيت الأبيض وهو يحمل للأمريكيين وعودًا بعدم التدخل العسكري خارج الأراضي الأمريكية، إضافةً للحد من التدخلات الأمريكية في الشئون الداخلية للعديد من الدول. لكن الحرص الشديد على إنفاذ ما وعد به الأمريكان، ربما يكون قد أوقع إدارة أوباما في عدة أخطاء جسيمة أودت بها إلى ذات المآزق التي عانت منها إدارة سلفه جورج دبليو بوش.


http://gty.im/459995058

صحيح أن الانسحاب الأمريكي من المشهد العربي أضر كثيرًا بمصالح المملكة العربية السعودية؛ إلا أن الأخيرة تباطأت من جانبها في شَغْل الفراغ المنوط بها ملأه في عراق ما بعد الحرب.



أخلَّ الانسحاب الأمريكي بموازين القوى داخل العراق، وباتت الجماعات الحزبية الموالية لإيران هي الأكثر قدرة على تحويل امتيازها الديموغرافي إلى نفوذ سياسي.

أخلَّ الانسحاب الأمريكي بموازين القوى داخل العراق، وباتت الجماعات الحزبية الموالية لإيران هي الأكثر قدرة على تحويل امتيازها الديموغرافي إلى نفوذ سياسي في ظل غياب عربي خليجي، والذي ربما أتى متأخِّرًا كالعادة، ومتمثلًا في دعم العشائر السنية المسلحة غربي العراق. هذا الانسحاب وما أعقبه من تنافس إقليمي على النفوذ بين المملكة العربية السعودية وإيران أشعل حربًا طائفية بالمنطقة العربية.

الخطأ الأمريكي الأبرز أيضًا تمثَّل في عدم التدخل في الأزمة السورية، والتي أخذت في التفاقم بشكل كبير، لا سيما وأن التدخل الإيراني والخليجي كان أسرع من حيث الاستجابة عما كان عليه الوضع في العراق، وتحوَّلت ساحة المعارك السورية إلى حرب بالوكالة بين إيران ودول الخليج. ومع التقدم الواسع لتنظيم الدولة في بداية الأزمة، كان التدخل الأمريكي حتميًا؛ إلا أن الوعود التي قطعها أوباما على نفسه، والمزاج الأمريكي العام الرافض للتدخل العسكري، جعلته مقيَّدًا في محاربة التنظيم حيث اكتفى بالطلعات الجوية وتقديم الاستشارات اللوجستية للشركاء الأوروبيين والعرب المنضوين تحت لواء التحالف الدولي لمحاربة داعش.

كل ما سبق جعل دول الخليج أكثر حنقًا على الولايات المتحدة وتحديدا على إدارة أوباما.

تأتي القمة الخليجية الأمريكية وتسبقها مساعي سعودية حثيثة لخلق تكتل سُني قوي قادر على فرض المصالح العربية/الخليجية على طاولة الأمريكان في الخميس القادم 21 أبريل/نيسان. يضيف ذلك تفسيرًا قويا للزيارات الأخيرة لملك السعودية لكلٍ من مصر وتركيا، وكذلك زيارة الأمير الشاب محمد بن سلمان لبعض الدول العربية الأخرى. فالتحالفات الخليجية كثيرا ما وُلدت مهترئة نتيجة الاعتماد فقط على سياسات الدفع بالأموال تارة والمواد البترولية تارة أخرى، دون رؤية متسقة ومصالح مشتركة متماسكة. فهل ستنجح السعودية في تخطي كافة التحديّات المعوِّقة لإتمام تحالفها الإقليمي أم أن تضارب المصالح والأهداف بين دول المنطقة سيحول دون تكوُّن هكذا تكتل؟


المراجع




  1. بين التراخي والتدخل: عواقب سياسة أوباما في الشرق الأوسط – معهد بروكنجز

  2. The United States Has No Gulf Allies – foreign affairs

  3. أوباما والشرق الأوسط – السفير

  4. Saudi Arabia Warns of Economic Fallout if Congress Passes 9/11 Bill – The New York Times