لو أنفقت المرأة من مجهودها على تنمية نفسها علميا وثقافيا وأدبيا عُشر ما أنفقته على حربها مع الرجل طوال تاريخها، لكان الرجل الآن من يطلب المساواة بالمرأة.

لكنها وللأسف لا تدرك حتى الآن كيف يمكن أن تقدم نفسها للمجتمع بصورة مغايرة غير التى ألفناها بها كمقهورة مكسورة مضطهدة، مع أن قوانين الدولة تكفل لها متسعا لا يقل عن الرجل للمنافسة، لكنها دائما تحوّل فرص المنافسة للقتال وتستخدم آهات الألم وصرخات الظلم المفتعلة لتعطل مسيرة الرجل بدلا من أن تهم فتسبقه.

تعترف النساء أن الرجال (الطباخون – دكاترة النساء والتوليد – مصففو الشعر – مصممو الأزياء) هم الأفضل من النساء، ومن العجيب أنك لن تسمع صوت المرأة هنا وهي تقول إن مجتمع الأزياء أو الطبخ مجتمع ذكوري، لأن هذه المهن قائمة على الفن وميدانها مفتوح ولا دخل للدولة في تنظيمها وظيفيا، أما الجانب التنظيمي والوظيفي ففيها يبرز صوت المرأة عاليا.

صحيح أن المرأة تعرضت للظلم والاضطهاد عبر التاريخ، ولا يمكننا أن ننكر ذلك، لكن الأولى ألا نجعل مأساة هذا التاريخ مادة لاستمرار المعركة، بل لمعرفة الحقوق، وكيف تُنتزع وتُسرق منها، وبالتالي اقتناصها.

ونقر أنها تعرضت لمآسٍ متنوعة مؤلمة من الرجل لأسباب نقص فيه، لكن تطور المجتمعات وسن القوانين المنصفة أزاح كل ذلك من أمام المرأة حتى بدا الطريق مفتوحا لا يعرقلها فيه شيء سوة نقل قدميها.

لكن هل استفادت المرأة من هذا التطور؟ ومدت يدها لتأخذ حقها بقوة؟

ففي الوقت الذي تشجب فيه الجمعيات النسوية طريقة المجتمعات التي تجعل المرأة تابعة للرجل فتدور في فلكه وتأتمر بأمره، نجدها لا تحرك المرأة فعليا لما فيه مصلحتها، ولا تعرض حلولا لها وكأن هذه الجمعيات تتغذى على آلام كل النساء وتستغلها لاستمرارها.

فالحروب المفتعلة مع الرجل من مساواة وما إليه قد انتهى، اللهم إلا في بيانات تلك الجمعيات، إنني أركز على القوانين لا على ما يفعله الرجل مع المرأة، وهنا ما أقصده من أن تستفيد المرأة من حقوقها والمناخ المناصر لها وتمد يدها لتنزع هذا الحق العالق بأشجار الرجل الجافة.

إن أغلب من يعانين من الرجل لو تم تلخيص مشكلاتهن فستكون مشكلة السلطة الممارسة عليهن بغشم ولا تَعَقُّل من قِبل الزوج أو الأب، وبالطبع ستجد من يناصر ممارس السلطة هذا (الزوج – الأب) في تصرفاته ويحمده عليها.

وللأسف فإن المرأة تظل على حالها من التبعية الإرادية، أو بمعنى -أقل تهذيبا- تظل على حالة من (العبودية المختارة) لأسباب هي في رأيها أهون مما يترتب عليها لو رفضت الظلم والقهر.

كبقائها مع زوج يضربها ويهينها ويذلها من أجل الأبناء، أو قبولها بأن يسرق أخوها ميراثها الشرعي القانوني الاجتماعي.

وبالطبع فإن المجتمع جُبِل على كثير من السخافات، فتجده ينصح المرأة بالتحمل ولا يأمر الزوج بحسن المعاشرة، وتراه يمتدح المرأة التى تتحمل الإهانة أكثر.

فلا بد أن يكون للمرأة خطط بديلة للتملص من المهانة والانزواء، وأن تتخلص من عقلية المجتمع ونظرته لها المبنية على أنها الدر المكنون والطلسم البلا بلا بلا.

في حالة الزوج المتغطرس فللمرأة أن تطلب الطلاق، فإن امتنع فلها أن تخلعه، أما الأب فليست له سلطة على ابنته أكثر من 21 سنة سن الرشد القانوني، وليس له الحق في التحكم في مصيرها ومستقبلها بإرغامها على الزواج من شخص يعجبه هو ويرضاه هو ولا يقيم لابنته رأيا، إذن فليتزوجه هو.

ثم أليس هناك محاكم لو تقدمت المرأة لإحداها بدعوى قضائية لأخذ حقها من أخيها فستحصل عليه؟

إذن لماذا لا تفعل؟

لأنها تقيد نفسها بتقاليد مجتمع بالية لا وزن لها، فلا يصح أن تشتكي أخوها أو تسجنه، ولن تسلم من كلام الناس، لكن هؤلاء الناس لن يتكلموا مع الأخ ويقولوا له إنه ظالم ولن يأمروه بإرجاع الحق لأخته.

في بعض جوانب هذه القضية (قضية اضطهاد المرأة) فستجد الاضطهاد قادما من أعماقها هي، هي من تضطهد نفسها، ليست لديها القدرة على اتخاذ القرار بانتزاع حقها، فكيف نلوم غيرها على ذلك.

فلها أن ترفض الظلم، أن تنافس في المجال الوظيفي، تستغل القوانين في أخذ حقها، لها الحق في أن ترفض استمرار زواجها المضني واقترانها برجل جلف لا يقيم للأنوثة وزنا، لها أن تختار شريك العمر بكامل إرادتها الحرة، حتى لها أن ترفض الزواج أساسا لو رأت لنفسها مصلحة في ذلك من الإخلاص لقضية علمية أو دينية كأن تترهبن وتلتحق بالأديرة.

أخيرا .. أنا لا أتحامل على المرأة، بل أوضح أن حقها متاح فلتأخذه، وأن تنطلق في المجتمع ككائن ناضج راشد له الأهلية في التحكم في حياته ومستقبله، وأن توفر القليل من الجهد المبذول في المعركة لتنفقه في المنافسة بدلا من القتال.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.