أتمنى أن أصحو من نومي فأجد البحر قد ابتلع غزة.





إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيلي سابق.

منذ أيام بثت شبكة الجزيرة الإعلامية تحقيقًا بعنوان «أربعون دقيقة»، يحكى تفاصيل تسلل قوة خاصة إسرائيلية إلى داخل قطاع غزة، لم تكن فرقة إعدام، كان الهدف شبكة الاتصالات في القطاع. وسأتناول في هذا المقال جوانب لم يذهب التحقيق إليها.


ألعاب التجسس تُعيد نفسها

بحسب تحقيق الجزيرة، في مايو/آيار 2018، هز انفجار غامض منطقة الزوايدة وسط قِطاع غزة، اُستشهد فيه ستة من مُقاتلي القسام. وقالت القسام في

بيان مقتضب

إنه «في إطار عملية أمنية واستخبارية معقدة قامت بها الكتائب لمتابعة حدث أمني خطير وكبير أعده العدو الصهيوني للمقاومة الفلسطينية، وقعت مساء اليوم جريمة نكراء بحق مجاهدينا الأبرار في منطقة الزوايدة».

ماذا كانت العملية الأمنية والاستخبارية المعقدة؟

يكشف تحقيق الجزيرة أن غرفة سرية أسفل الأرض كانت تتنصت على مكالمات حماس، انفجرت حينما شعرت بالخطر وأن مُهندسي حماس اكتشفوا أمرها ويحاولون اقتحامها بالقوة، كانت الغرفة مُفخخة.

أهلًا بكم في عالم الاستخبارات، حيث أشخاص وعملاء وآلات مُصرح لهم بالقتل، فلا قيمة للأرواح مُقابل المعلومات والحفاظ على سريتها.

مُهمة الأجهزة في الغرفة السرية كانت التنصت على المُكالمات التي تسري في كابل ما، يُعاد توجيه المُكالمات إلى هوائي مخفي بشدة فوق شجرة بالقرب من الغرفة السرية، يبث الهوائي المُكالمات في الهواء، يلتقطها شخصٌ ما أو جهة ما في الأراضي المحتلة.


بحسب
سكاي نيوز عربية

فإن الانفجار المقصود في مايو 2018 وقع داخل أحد المنازل في
منطقة الزوايدة، فهل كانت منظومة التنصت مخفية داخل أحد المنازل؟

الهاتف الأحمر

يتفق جميع الخُبراء على أن التنصت على شبكات الهواتف الخلوية أو النقالة ليس بالأمر المعقد، حيث إن المكالمات والبيانات تُحَوَّل إلى موجات راديو، ثم تُنقَل عبر الهواء، والهواء عبارة عن وسط مفتوح، يستطيع أي شخص قريب استقبال موجات الراديو وانتزاع ما بها بيانات سرية، وذلك بضبط جهاز الاستقبال على تردد مناسب وفك الشيفرة.

أي أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تستطيع في مكانها التجسس على شبكة الهواتف الخلوية في غزة، عكس المُكالمات التي تتم عن طريق كابل wired مثل الهواتف الثابتة، فإنه للتنصت على المكالمة ينبغي الوصول إلى الكابل الذي تسري فيه المكالمة أو زرع جهاز تنصت في سماعة الهاتف أو في عُقدة الشارع أو داخل السنترال، يستطيع الجهاز تمرير المكالمة إلى طرف ثالث، لذا تأمين شبكة هاتف ثابت تحتاج إلى طريقة تقليدية غير مُعقدة، والمراقبة 24/7 لمنع وصول أشخاص غير موثوق فيهم إلى الهاتف أو الكابل أو عقدة الشارع (الكابينة) أو السنترال[1].

تتم الاتصالات السرّية الحكومية عن طريق شبكة هواتف ثابتة خاصة مثل التي في بيوتنا، ولكنها تكون مُشفرة، حيث يتم تشفير الكلمات وإعادة فك التشفير بين الطرفين، بحيث لو استقبل طرف ثالث المكالمة فإنه بسبب التشفير لن يفهم شيئًا، ويُسمى الهاتف المُشفر بـ «الهاتف الأحمر».

عادةً يستخدم رؤساء الدول الهاتف الأحمر في المكالمات بينهم أو الحديث إلى قادة الجيش والمُخابرات خصوصًا في أوقات الحرب، فالحاجة إلى السرية تكون مُلحة، ويكون الهاتف الأحمر فوق صوانة سرير النوم أو فوق المكتب.


المراسيل

استخدم بن لادن نظام اتصال بدائيًّا وهو «المراسيل»، وهم أشخاص موثوق فيهم ينقلون منه وإليه الرسائل، وذلك جعله آمنًا لمدة عشر سنوات، وكان يُرسل ويستقبل الرسائل بحرية.

تُعدُّ الأنظمة البدائية أرخص وأكثر أمنًا من الأنظمة الإلكترونية، حيث لكل تكنولوجيا هناك تكنولوجيا مُضادة، فمع تطور أنظمة التشفير والأمن security، تتطور أيضًا تكنولوجيا التنصت.

يحتاج قادة ومقاتلو حماس نظامًا آمنًا يتحدثون خلاله، فهل نظام المراسيل مناسب في قطاع غزة؟

نظام «المراسيل» يعمل كالسُلحفاة، تُبلِّغ رسالتك شفهيًّا إلى رسول موثوق فيه، يركب الرسول دراجة، سيارة أو طائرة وينقل الرسالة إلى الطرف الآخر، أحيانًا يستغرق الأمر دقائق أو ساعات أو حتى أيامًا. البُطء، هو العيب القاتل لنظام «المراسيل»، إنه ليس مُناسبًا لرسائل «سري للغاية وعاجل جدًّا»، وتحت قصف طائرات F16 الإسرائيلية تكون جميع الرسائل عاجلة، وتحتاج أن تصل أسرع من السهم.

نظام «المراسيل» مُناسب لنقل رسائل غير عاجلة أو في إطار جغرافي صغير يُقلل زمن سفر الرسالة والرسول.

الأفضل لحماس صنع نظام مُختلط بين «المراسيل» و«شبكة هاتف كبلية Wired خاصة»، العاجل في شبكة الهاتف وما يقبل التأجيل عن طريق المراسيل، وعلى أية حال، يجب أن تُقلل اعتمادها على التكنولوجيا الحديثة في نقل المعلومات السرية، فأعداؤها متفوقون من ناحية تكنولوجيا التجسس ولهم تاريخ طويل.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.


المراجع



  1. براهام يوست، “تكنولوجيا التجسس: نظرة شاملة إلى وسائل التجسس الحديثة”، ترجمة: على جواد حسين، بيروت، الدار العربية للموسوعات، 1999، ص 267.