عشية انطلاق المؤتمر السابع لحركة مجتمع السلم «حمس»، والذي يستمر لثلاثة أيام، تتجه الأنظار إلى من سيتولى قيادة الحركة من بين ثلاثة أسماء مطروحة؛ هي أبو جرة سلطاني، عبدالرزاق مقري، نعمان لعور، ليتحدد مسار ومستقبل توجهات الحركة ما بين المعارضة للنظام أو المشاركة في الحكم.

حربٌ صامتة تدور رحاها بين أبناء الشيخ نحناح على قيادة بيته وترتيبه، انقسامات وانشقاقات تقابلها محاولات لترميم صفوف بيت الإخوان بالجزائر. لأكثر من عشر سنوات حافظ الشيخ نحناح على تماسك الحركة ونهجها وتوافقها مع النظام. سنوات عشر عجاف أعقبت رحيله، بقيت الحركة على نهجه لكن تفرق شمل أبنائه. في عقر داره من يقول للنظام لست شريكًا لنا.

ما يزيد عن عشر سنوات سيطرت جدلية المشاركة أو المعارضة على عقلية حركة حمس وممارساتها. ليأتي المؤتمر السابع ويجسد صراع تلك الجدلية داخل الحركة. فهل يفرز المؤتمر نظامًا للمعارضة أم المشاركة؟

هذا ما نحاول قراءته في السطور القادمة.


الشريك الوفي

تحت هذا العنوان جاء بيان حركة الموحدين – التنظيم السري الذي أسسه كل من محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني – ردًا على سياسات إقرار قوانين الاشتراكية والحديث عن شيوعية النظام الجزائري والحديث عن الإسلام البروليتاري وإسلام المستضعفين كتوجه للدولة الاشتراكية الجزائرية، وفي أعقاب مناقشة ميثاق 1976 توجه النظام إلى التنكيل بقيادات الحركة بعد أن طالبوا برفض نص الوثيقة والتمرد على النظام الحاكم والمطالبة بتطبيق الشريعة.

حُكم على نحناح بالحبس خمسة عشر عامًا لكنه خرج بعد أن قضى خمسة أعوام منها بعفو شامل من الرئيس الشاذلي بن جديد، عمل نحناح على تأسيس جميعة الإرشاد والإصلاح لتتولى وظائف العمل الدعوي والخيري في ظل صراع الصحوة الإسلامية مع النظام في الثمانينيات. كانت الجزائر في تلك الأثناء على موعد مع انتفاضة 1988 كرد شعبي على سياسات الانفتاح، وهو ما أجبر النظام على فتح المجال أمام التعددية السياسية بإصدار دستور 1989.

مع إصدار دستور 1989 توجه نحناح لتأسيس حزب سياسي تحت اسم «حركة المجتمع الإسلامي» وتم عقد أول مؤتمر للحركة في 29 مايو/ آيار 1991. تبنى نحناح منذ تأسيس حركته نهجًا يرتكز على ثلاثة مبادئ؛ هي الاعتدال والمشاركة والمرحلية. سعى نحناح وحركته الوليدة للتقارب مع النظام الحاكم وتجنب الصدام معه، داعيًا إلى رفض العنف كآلية للتغيير السياسي والاجتماعي.

تصاعدت حدة الصراع بين النظام القائم وجبهة الإنقاذ بعد فوزها في الانتخابات التشريعية لعام 1991 التي ألغيت في العام التالي نتائجها، وهو ما دفع الجبهة إلى حمل السلاح لتدخل الجزائر عشر سنوات من الحرب الأهلية عُرفت بـ «العشرية السوداء». عملت حمس في تلك الأثناء على الحفاظ على نهجها التقاربي مع السلطة وشاركت في تأسيس المجلس الوطني الانتقالي بخمسة أعضاء عام 1994.

وفي ظل توجه النظام الجزائري لاحتواء الإسلاميين في ظل العشرية السوداء، سمح لمحفوظ نحناح بخوض أول انتخابات رئاسية تعددية 1995 ليحل في المركز الثاني. استمر الانفتاح السياسي على الحركة كفرع معتدل، فشاركت الحركة في الحكومة الجزائرية عام 1996 بوزيرين، ثم شاركت بسبعة وزراء في العام التالي. حاول نحناح الترشح مرة ثانية في الانتخابات الرئاسية المبكرة 1999، لكنه

مُنع

بحجة عدم مشاركته في ثورة التحرير، ومع ذلك ظلت حمس على ولائها لمبادئها النفعية.


الطريق السهل للمعارضة


متغيرات دولية وذاتية دفعت إلى تراجع شعبية الحركة مطلع الألفية الجديدة، فحصلت الحركة في انتخابات 2002 على المركز الرابع بعد أن فقدت جزءًا أكبر من شعبيتها نتيجةً للمتغيرات الدولية بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001. كما كان لوفاة نحناح عام 2003 واختيار الشيخ أبو جرة سلطاني خلفًا له، والذي وعد بالسير على نهج سابقه، تأثيرًا أعمق على الحركة.

حاول أبو جرة سلطاني السير على نهج نحناح، وهو ما توج بمشاركة الحركة كعضو رئيسي في التحالف الرئاسي المكون عام 2004، لكن كان لنهج أبو جرة الأثر المعكوس على الحركة، فبدأت الحركة تشهد حالة من الانقسام والانشقاقات الداخلية. دعْم أبو جرة ترشح بوتفليقة في انتخابات 2004، والعمل على دعم التعديلات الدستورية التي سمحت لبوتفليقة بتمديد فترته في 2008 دفع عبدالمجيد مناصرة إلى الانسحاب من حمس وتأسيس حزب جديد تحت اسم «الدعوة والتغيير» عام 2009.

راهنت حمس على فراشة الربيع العربي وأملت في أن يصيبها بعض من نفحاتها، لكن أتت نتائج انتخابات 2012 بما لا تشتهي الحركة. نزيف تراجع وانحسار الحركة يتزايد؛ حصلت حمس على 48 مقعدًا من أصل 462 في الانتخابات التشريعية، ولم تفز إلا بـ 10 بلديات من أصل 1541 بلدية في الانتخابات المحلية من العام نفسه.

أدركت حمس حجم تراجعها الشعبي، فسعت إلى إحداث مراجعة لمنهجها السياسي. تلاقت تلك المساعي مع وصول عبدالرزاق مقري إلى رئاسة الحركة في 2013. فمنذ توليه رئاسة حمس رفض مقري نهج نحناح ومن بعده أبو جرة وفضل خط المعارضة على خط المشاركة. عمل مقري على الانضمام إلى «التنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي»، كما قرر مقاطعة الانتخابات الرئاسية في 2014 داعيًا إلى عدم ترشح بوتفليقة لفترة رئاسية رابعة.

تبنت الحركة منهجًا للإصلاح والتغيير في 2014 وأصدرت في ذلك وثيقة معنونة بـ «خطوات إصلاح الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد لتجاوز الأزمة الراهنة ومخاطرها»، دعت فيها إلى حل الحكومة الجزائرية وتشكيل حكومة وفاق وإجراء انتخابات رئاسية. وبالرغم من أن خط المعارضة قد هدأت حدته منذ عام 2015 وتبنى مقري الحوار مع النظام للخروج من الأزمة السياسية، فإنه مازال يراهن على

العودة

إلى السلطة بالتوافق في 2022 لا بالمشاركة المشهدية والتزيين.


سيناريوهات مطروحة

إلى أين يا بومَدين؟

إني أعدكم أن تحققوا نتيجة انتخابية تجعلكم في الصدارة في الانتخابات التشريعية في 2022، تعودون من خلالها إلى الحكومة معززين مكرمين، تتوفر لكم فيها الشروط لتكونوا في الحكم في إطار الشراكة مثلما كنتم تدعون إليه، وليس في الحكومة فقد للمشهدية والتزيين





عبدالرزاق مقري

تبني نهج المعارضة بقيادة مقري سرَّع من تصدع حمس، يتنازع الحركة جناحان رئيسيان هما جناح الحمائم بقيادة أبو جرة سلطاني المؤيد لمبدأ المشاركة والانخراط في تشكيل الحكومة والرئاسات الجزائرية، وجناح الصقور يقوده عبدالرزاق مقري، وهو يميل إلى نهج المعارضة والبحث عن توافق وطني وليس المشاركة، ونتيجة لصراع الجناحين ظهر تيار جديد مستقل بقيادة الدكتور نعمان لعور في محاولة للخروج من ثنائية مقري وسلطاني.

أيام معدودة قبيل انعقاد المؤتمر السابع نجح مقري في إتمام

عودة اللحمة

لبيت الشيخ نحناح، وذلك بتحقيق الوحدة مع جبهة التغيير ممثلة في عبدالمجيد مناصرة مع الحركة الأم حمس بعد أن انشق عنها في 2009، كما يسعى مقري لإعادة الطرف الآخر «حركة البناء الوطني».

بعودة جبهة التغيير إلى بيت الشيخ نحناح قطع مقري شوطًا كبيرًا لترجيح سيناريو استمراره في قيادة حمس، ومن ثم استمرار خط المعارضة للنظام. سيناريو المعارضة يتبعه آخر بعدم القطيعة، فالدعوة إلى حوار وتوافق وطني لا مشاركة يزيد من القواعد الجماهيرية للحركة ولا يجعلها تتصادم مع النظام.

السيناريو الثاني مرتبط بالعودة إلى المشاركة والاندماج مع النظام في صورة توافقية، وهو ما يمكن أن يتم إذا ما استطاع سلطاني الوصول إلى قيادة الحركة، لكن هذا سيتوقف على طبيعة النظام آنذاك ودرجة مرونته لاحتواء قوى الإسلام السياسي.