شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 84 محتوى مترجم المصدر bigthink التاريخ 2022/2/20 الكاتب سكوتي هندريكس لقد رأى كامو أن الحياة لا تنطوي إلا على العبث، لكنه حدد تلك الحقيقة لتكون بداية الانطلاقة الجديدة للحياة، وليس نهايتها. فبمعرفة أن كل مساعينا عبثية، تتاح لنا الفرصة من أجل التمرُّد على حالة اللا معنى الكامنة في الحياة. وهناك العديد من الفلاسفة الذين اهتموا بنفس القضية، ومن أهمهم «سورين كيركيجارد» الذي كان له رأي مغاير كثيرًا. لو لم تلحظ ذلك، فالحياة عبثية. نحن البشر نناضل في سبيل إيجاد معنى في هذا العالم، بينما لا نجد من العالم في المقابل سوى اللا مبالاة والصمت. هذا التباين الكبير الذي يتجلّى عندما نصطدم بمأساة أو كارثة لا محل لها من الإعراب مدفون بعمق في كينونة العلاقة التي تجمع أغلب البشر بالعالم. بينما يمكن أن تكون فكرة أن الحياة لا تنطوي على معنى متأصّل جوهريًا مزعجة للكثير من البشر إلى حد الشعور باليأس والضياع، يظن الكثير من الفلاسفة الذين ناقشوا تلك المعضلة أنه لا يجب علينا أن نتعاطى مع تلك المشكلة على هذا النحو. وقد أيّد ألبير كامو هذا الرأي، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث قال إن «قبول عبثية كل الأشياء من حولنا يجب أن يتم على مرة واحدة، وبخطوة واحدة، فهي تجربة ضرورية، ولا ينبغي علينا أن نتعامل معها على أنها طريق مسدود يفضي بنا إلى اليأس، بل بالأحرى يمكنها أن تكون شرارة الثورة التي ستعود علينا بكثير من المكاسب». ولكن ماذا يعني ذلك؟ والأهم، كيف يمكننا تحقيق ذلك؟ كيف نحول الفزع الوجودي إلى حياة مثمرة؟ لقد اقترح كامو العديد من الأساليب للتعاطي مع عبثية الحياة في كتاباته المختلفة. بيد أنه أشار إلى أن معظمهم لم يواجه المشكلة بشكل مباشر بقدر ما التف حولها. بدأ كامو بإعلان أنه لا وجود إلا لمشكلة فلسفية حقيقية وحيدة، ألا وهي الانتحار، وقال: إن التعامل مع حالة غياب المعنى الكامنة في جوف العالم من خلال رفض الحياة ببساطة والتوقف عن العيش، أي الانتحار، لا يعد حلًا للمشكلة، بل هو فقط محاولة لعدم الاضطرار لمواجهة المشكلة. ثم يستعرض محاولات اللجوء إلى مصادر متعالية أخرى لاستخلاص المعنى الغائب عن العالم، لكنه يتدارك الأمر سريعًا ويرفض تلك المصادر المفارقة والتي أطلق عليها لفظ «الانتحار الفلسفي»، تلك الأنساق المعرفية التي تحاول تجنُّب مشكلة العالم المكتظ بالسخف من خلال إضفاء مسحة من النظام عليه، كالمسيحية والشيوعية على سبيل المثال، والتي ستقودنا في النهاية إلى الوقوع في فخ عبثية الوجود مرارًا وتكرارًا بالإضافة لحرماننا من محاولة إيجاد وصناعة الحلول بأنفسنا. هذا يتركنا أمام حل وحيد وأخير؛ وهو قبول مسألة عبثية الحياة كحقيقة بسيطة عن العالم. فالشخص الذي يستطيع القيام بذلك دون الوقوع في اليأس، يصبح ما أطلق عليه كامو «البطل العبثي». وقد عرض كامو تلك الفكرة في واحدة من أشهر أعماله «أسطورة سيزيف»، حيث شبّه معاناة الجنس البشري بملك إغريقي حُكم عليه بدحرجة صخرة كبيرة لقمة جبل إلى الأبد. بالرغم أن تلك المهمة التعيسة الخالية من أي معنى والتي لا نهاية لها تُعد عقابًا للملك، يقترح كامو أن سيزيف يمكنه التغلب عليها من خلال قبوله بحقيقة أن مجهوداته كلها عبثية، حيث يقرر هو بنفسه الطريقة التي عليه أن يعيش بها داخل جدران عقوبته الأبدية. فهو يعلم أن الصخرة ستستمر في السقوط إلى ما لا نهاية، ولكنه يستمر في رفعها للأعلى مجددًا على أي حال. ومن خلال استنشاق رحيق السعادة الكامن في النضال المستمر يتمكّن من تجاوز عبثية الوضع ويتقبّله، وللحظة واحدة خلال كل دورة من دورات معاناته الأبدية، يتوقف، وينظر إلى الصخرة وهي تتدحرج إلى سفح الجبل، ويشعر بامتلاء صدره بالحرية والسعادة، إنه «البطل العبثي». وقد قال كامو في خاتمة أسطورة سيزيف: سأترك سيزيف عند قاعدة الجبل! فالمرء دائمًا يجد عبئه ثانية. ولكن سيزيف يعلمنا الأمانة الأسمى، التي تنفي الآلهة وترفع الصخور. وهو أيضًا ينتهي إلى أن كل شيء حسن. وهذا الكون الذي يغدو الآن بلا سيد، يلوح له غير عقيم، وغير تافه. فكل ذرة من ذرات تلك الصخرة، وكل صخرة معدنية من صخور ذلك الجبل الذي يخيم عليه الليل، بحد ذاتها تؤلّف عالمًا. الصراع نفسه نحو الأعالي يكفي لملأ قلب الإنسان. فليس على الإنسان إلا أن يتخيّل سيزيف سعيدًا. وهكذا، يتقبل سيزيف عبثية وجوده ويستمر في المضي قدمًا في حياته بشجاعة، ولذلك يعتقد كامو أنك أيضًا يمكنك فعل ذلك، بل وأكثر، يتحتّم عليك القيام بذلك، لأنه، وعلى حد تعبيره: «الإدراك بأن الحياة عبثية لا يمكن أن يكون نهاية المطاف، بل البداية». متى علينا أن نبدأ بالتمرُّد؟ يقول كامو إن امتلاك الوعي بالإضافة لقبول عبثية الواقع عادة ما يدفع الناس إلى التمرد، حيث الشعور بالغضب والامتلاء بروح التحدي للظروف الحياتية المعاشة يمثلان الوقود الذي يشعل نار المقاومة. هذا ما يدفعنا لتحقيق وجود أفضل، حيث قال كامو في هذا الصدد: «إن الثورة واحدة من المواقف الفلسفية الأكثر تماسكًا. إنها مواجهة مستمرة بين الإنسان والغموض الذي يحيط به، إنها سعي لا ينتهي نحو نقاوة مستحيلة. إنها تحدٍ للعالم في كل ثانية وفي كل لحظة.. إنها ليست طموحًا لأنها خالية من الأمل، بل هي اليقين بالمصير المأساوي، ولكن دون محاولة الفرار منه». وكما يشرح «جيمس إي. كاراوي» عضو هيئة التدريس بجامعة بنسلفانيا الأميركية في كتابه المعنون بـ«ألبير كامو وأخلاقيات التمرُّد» اللحظة التي يدرك فيها الإنسان المتمرد الحرية التي يستطيع أن يقتنصها من خلال تمرده، حيث يقول: يرى الإنسان الحرية على نحوٍ جديد، حيث إنها غدت لا تستمد من الإله أو من أية أفكار أو كيانات متعالية ومفارقة، ولا هي أيضًا الحرية التي تدفعنا للسعي نحو مستقبل أفضل، ولكن تصبح الحرية قائمة على يقينين لا ثالث لهما، هما الموت وعبثية الحياة. ومع إدراك الإنسان يقينًا أنه لا يمتلك إلا هذه الحياة فقط، بالإضافة لإدراكه استحالة تجاوز قوانينها العبثية، حينها تشرق شمس الحرية التي تضيء الحياة الآنية. وهذا لا ينفي أهمية الانتباه والاهتمام بالمستقبل، ولكنه لا يسمح للمستقبل بسرقة الإنسان من حاضره. يشير كامو إلى أن الثورة عادة ما تقودنا إلى ما يطلق عليه بالتمرد، الذي يلهمنا ومن ثَم يدفعنا للسعي نحو الاتحاد الذي يتجاوز العبثية من خلال إدراك أن الجميع يواجه نفس التحديات والصعوبات. ولكن، إذا لم تتم تلك العملية بالطريقة الصحيحة، فإنها يمكن أن تقود إلى نتائج مروعة. فقد اعتبر كامو أن النازية والستالينية والماوية يعدون من أشكال «التمرد العدمي»، والتي أسفرت عن قتل ملايين الأشخاص حول العالم، حيث حاولت تلك الأيديولوجيات استبدال الإله، والذي اُعتبر ميتًا بالتعبير النيتشوي، بأنساق فكرية تقدم معاني بديلة. وبدلًا من ذلك، يشجعنا كامو على ما يطلق عليه «التمرد الفعال»، فهذه الصورة من التمرد يمكن أن نجني ثمارها بشكل حقيقي، ولكنها تتطلّب منا الإيقان بأن جميع البشر على قاربٍ واحد، ويؤكد أن التمرد يجب أن يُنمّي فينا الشعور بالتضامن واحترام كرامة الآخرين الذين يتصارعون مع عبثية حيواتهم كما نفعل بالضبط. وأخيرًا، هذا لا يعني بالضرورة أنه يجب عليك أن تقضي كل وقتك في التفكير في كيفية جعل العالم يتقبّل حقيقة افتقاره للمعنى، حيث يُرجّج كامو أن المتمرد سوف يُقدم على الحياة فقط من أجل الحياة نفسها ممتلئًا بالشغف. فإذا لم تكن واثقًا من معنى للحياة أو لم تكن مؤمنًا بالحياة الآخرة، فإن كل ما يتبقى لك هو الحياة التي تعيشها الآن، فلما لا تعيشها بأقصى درجات الجموح؟ ولقد قام كامو بذلك بالفعل، حيث اعتاد الاستمتاع بالرياضة، ومواعدة الجميلات، ومتابعة الأعمال الدرامية والأدبية، وغيرها من متع الحياة التي لا تندرج تحت نطاق عمله. ماذا يمكن أن يخبرنا الفلاسفة الآخرون؟ لقد واجه الفيلسوف الدنماركي «سورين كيركيجارد» والذي يعد مؤسس الوجودية قضايا مماثلة في القرن التاسع عشر. ولكن ما يميز كيركيجارد عن كامو وعن جميع الوجوديين اللاحقين تقريبًا أنه كان متدينًا، واعتقد أن حل مشكلة غياب المعنى عن العالم يكمُن فيما أطلق عليه «الوثبة الإيمانية». تلك القفزة، تعد رفضًا للتسلح بالعقل في المعركة ضد العبثية، حيث يتطلب الأمر أن يعترف الإنسان بأن العقل وحده لن يستطيع تقديم إجابة في تلك المساحة الضبابية، وفي المقابل على الإنسان قبول الإيمان، فهذا يسمح للإنسان من الناحية النظرية بالقيام بأفعال لا يمكن للعقل أن يبررها بالكامل، والتي اعتقد كيركيجارد أنها تمثّل معظم الأفعال التي يقوم بها الإنسان في العالم. إن ما طرحه كيركيجارد بشأن الإيمان بصفته المنقذ الوحيد من براثن العبثية، هو تحديدًا ما أطلق عليه كامو «الانتحار الفلسفي». وبينما رفض كامو وكيركيجارد كلاممما الحل الذي اقترحه الآخر، فإن حلولهما الخاصة تتطلب مجموعة من الشروط والإجراءات الصعبة من أجل الاستفادة منها. إما التنازل عن العقل نهائيًا وإنكار قدرته على تحمل أعباء الحياة، أو القبول الكامل بأن كل ما نقوم به في الحياة قد ينتهي إلى لا شيء، وأن الحياة فقدت جميع معانيها منذ زمنٍ طويل. ربما يكون من الصعب القبول بفكرة أن الكون لا معنى له، وأن محاولاتنا المستمرة لإيجاد معنى تصطدم دائمًا بجمود وبرودة ولا مبالاة من العالم. وقد يدفع هذا البعض إلى العدمية واليأس أحيانًا. ولكن على الرغم من ذلك، يذكرنا ألبير كامو أنه من الممكن أن نحتضن عبثية حيواتنا بحب ونقف عليها لنجعل منها قاعدة لنقطة انطلاق نحو علاقة جديدة مع البشرية جمعاء، وأساسًا لتجربة جسورة نسبر من خلالها أغوار الحياة. وختامًا، لم يوجد من قال يومًا إن هذا سهلًا، ولكن البديل قد يكون أكثر صعوبة في عالم يزداد عبثية يومًا بعد يوم. قد يعجبك أيضاً مصطفى حمدي: والدي «مايسترو نشر» أعاد الشباب للقراءة الإمام عبد الحليم محمود: محمد الإنسان الكامل في أحد الشعانين الدامي إندونيسيا وحراك الحداثة شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram مايكل ماهر Follow Author المقالة السابقة العمارة الإسلامية: عندما يحلم الملوك بالخلود المقالة التالية ميدوري ناكا: صراع أمريكا واليابان على بقايا «ضحايا هيروشيما» قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك «فالكون»: إمبراطورية تتشكل أم ظل جديد للنظام؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك دوران المقدس: كيف نفهم روحانية العالم اليوم؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الحرب الأهلية الإسبانية: قصة كتالونيا العنيدة 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك العدل في دولة حبيب العادلي 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك دينيس ديدرو ومدخل إلى فكر التنوير الفرنسي 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فتح أم غزو؟ شهادة ابن إياس عن دخول العثمانيين مصر 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الأنوثة الرحبة في مجتمع ضيق: عندما بنتني أمي بيتًا من... 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف يطالب المجتمع بحقوقه؟ ثلاث تجارب من الصعيد تحكي لك 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف تحكمت أمريكا والدول الغربية في جائزة نوبل للسلام 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك نموذج الدولة الحديثة 28/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.