في الوقت الذي يبذل فيه الجميع أقصى ما لديهم في مجال العلوم، يتفرد الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بإعلانه عن محاولات جديدة لخفض التمويل الحكومي لمحطة الفضاء الدولية، وعلوم الأرض، والفيزياء الفلكية مستقبلًا.

ففي الـ12 من فبراير/ شباط الجاري، أعلن «ترامب» عن خطة التمويل الحكومي للعام 2019، متضمنة تمويل العديد من المشروعات في قطاعات مختلفة،

من بينها قطاع العلوم ووكالة الفضاء

«ناسا – NASA». فماذا تنتظر العلوم من إدارة ترامب؟


تمويل العلوم

وفقًا لما ذكرته الخطة الأصلية بخفض ميزانية قطاع العلوم؛

حصلت المؤسسة الوطنية للعلوم

(NSF) على نحو 5.3 مليار دولار مقارنة بـ6.01 مليار دولار في العام 2017. لكن أضيف 2.2 مليار دولار للخطة، بعد أن تقدم البيت الأبيض بمقترح لصندوق الدعم الوطني في لحظاته الأخيرة، وموافقة الكونغرس في الـ8 من فبراير/ شباط على رفع الإنفاق الإجباري للعامين 2018 – 2019؛ ليصبح تمويل المؤسسة في العام 2019 مقدرًا بـ 7.5 مليار دولار.

هذا المبلغ الإضافي (2.2 مليار دولار) وفقًا للخطة سيدعم البحث العلمي الأساسي، وبرامج التعليم، ودعم مرافق البحوث في القارة القطبية الجنوبية، وأنشطة بحثية جديدة في تخصصات متعددة وغير محددة.

وتقترح الميزانية أيضًا خفضًا بنسبة 56% في حساب صندوق الدعم الوطني، الذي يدعم إنشاء منصات بحثية، واقتناء أجهزة علمية، بما في ذلك التليسكوبات التابعة للمؤسسة. وبالتالي يقل تمويله من 215 مليون دولار في العام 2017، إلى 95 مليون دولار في العام 2019.

سيحصل قطاع «علوم الكواكب» على نحو 2.24 مليار دولار؛ أي بزيادة قدرها 22%، ومن شأن ذلك أن يتضمن برنامجًا «استكشاف القمر –

robotic lunar discovery and exploration programme

» الذي سيحصل على 200 مليون دولار من أجل

الدراسات الأولية على القمر

، ودعم الشراكات التجارية، والنهج الابتكارية لتحقيق أهداف الإنسان والعلوم في الاستكشاف.

ناسا – NASA

وفي خطة التمويل الجديدة، كان من نصيب وكالة الفضاء الدولية «ناسا – NASA» نحو 19.9 مليار دولار وحدها؛ أي بزيادة تقدّر 1.3% عن مستوى تمويلها في العام 2017. وحصلت إدارة العلوم في الوكالة، على 5.9 مليار دولار؛ أي بزيادة تقدر بـ 2.3%.

و

تدعم هذه الميزانية

التطوير المتواصل لنظام ناسا للفضاء الفضائي، والسفينة الفضائية (Orion) المخصصة لرواد الفضاء، التي كانت الوكالة تأمل في إطلاقها في رحلة اختبار أولية بحلول أواخر العام 2019. وتُبين الميزانية المقترحة أن الرحلة الفضائية في العام 2020 من أجل الحصول على عينات صخرية من سطح المريخ، وقمر كوكب المشتري (يوروبا)؛ تترافق مع بعثة ثانية لإرسال الوكالة لرواد فضاء حول القمر الأرضي في العام 2023.

وعلى الجانب الآخر،

ستلغي الميزانية الحالية المقترحة

تصنيع التليسكوب العملاق «

وفيرست – WFIRST

» الذي يهدف إلى البحث عن الكواكب الخارجية، والمادة المظلمة في الكون. كان هذا التليسكوب هو المهمة التالية من وكالة الفضاء ناسا في مجال الفيزياء الفلكية، بعد تليسكوب جيمس ويب الفضائي المقرر أن يبدأ العمل العام القادم.

وذكرت وثائق الميزانية تعليقًا على هذا المقترح؛ أن تطوير تليسكوب فضائي كبير آخر بعد الانتهاء من تليسكوب جيمس ويب الفضائي البالغ تكلفته نحو 8.8 مليار دولار؛ ليس من أولويات الإدارة!


محطة الفضاء الدولية – ISS

تحدث الكثيرون عن توقف تمويل المحطة ووكالة الفضاء ناسا، وتركها للتمويل الخاص على مدار سنوات بصفة نظرية، ليأتي إعلان يوم الاثنين الـ12 من فبراير/ شباط ليقطع الشك باليقين، ويضع الجميع أمام الأمر الواقع!

حيث يسعى البيت الأبيض لوقف عمليات تمويل محطة الفضاء الدولية (ISS) بحلول العام 2024، بعد انتهاء الالتزام الأمريكي بالمشروع المُبرم مع 15 دولة أخرى، والذي تم في الـ29 من يناير/ كانون الثاني عام 1998.

وترغب إدارة «ترامب» الحالية بشكلٍ أكبر في تحويل قطاع استكشاف الفضاء على متن المحطة الدولية إلى القطاع الخاص، والتوقف عن تمويل المحطة الذي يتراوح من 3 – 4 مليار دولار سنويًا بحلول العام 2025.

هذا لا يعني بالضرورة إنهاء مهمة المحطة في مدارها، أكثر ما هو إعلان عن البدء في خطة عمل جديدة على متن المحطة باعتبارها منصة تجارية! والبحث عن مشترٍ أو شركات خاصة يكون همّها واهتمامها الأوحد هو استكشاف الفضاء، وربما اهتمامات أخرى!

هذا الإعلان فجّر غضبًا عارمًا في أوساط كثيرة. حيث قال «بيل نيلسون» عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي من ولاية فلوريدا: أن مثل هذا التحرك سوف يدمر صناعة الفضاء التجاري في أمريكا، ويعوق إجراء التجارب العلمية في المحطة. أما عن رائد الفضاء «سكوت كِلي» الذي قضى عامًا كاملًا على متنها، وكانت مقر إقامته في الفضاء؛

فحذر من توقف نشاط المحطة

إذا ما خفضت الإدارة تمويلها بشكلٍ مفاجئ. وأضاف أنه مع استمرار انخفاض تكلفة الوصول للمحطة، إلى المدار الأرضي المنخفض، ستظهر المزيد من الفرص لـ«التجارة في الفضاء» على متن المحطة.

أما عن سبب مقترح «ترامب» عن توقف تمويل المحطة حكوميًا، فيرى أن الفضاء هو «الحدود الأمريكية العظمى المقبلة»، وأنه يرغب في إعطاء الأولوية للسفر البشري إلى القمر، وبناءً على ذلك أمر وكالة ناسا بالعودة إلى أبحاث القمر واستكشافه.


وأضاف في تصريحاته

بأن العودة الجديدة للقمر، لن تضع فيها الولايات المتحدة الأمريكية علمها على سطحه فحسب، بل ستضع الأسس لبعثات محتملة إلى المريخ، وربما في يوم من الأيام إلى عوالم كثيرة أخرى. كان تعليق «سكوت كلِي» على ذلك بأنه نوع من المقايضة قصيرة النظر!

الغريب في الأمر أن إدارة «ترامب» لم تقترح زيادات في الميزانية لتحقيق هذه الطموحات والأحلام البعيدة على سطح القمر. حيث سيتطلب التحول من الاستكشاف العلمي على متن المحطة، إلى بناء قاعدة قمرية على سطح القمر؛ إنفاق مليارات الدولارات الإضافية!

ووفقًا لناسا، يخصص ما يقرب من 10.5 مليار دولار لبعثة استكشافية مبتكرة ومستدامة، تؤدي إلى عودة البشر إلى القمر لاستكشافه واستغلاله على المدى الطويل. ثم تليها البعثات البشرية إلى المريخ والوجهات الأخرى في الكون.

وقال «روبرت ليتفوت» المسؤول بالنيابة عن وكالة ناسا

في تصريح

لعمال الوكالة؛ إن ذلك يعكس ثقة إدارة الوكالة بأن أمريكا ستقود الطريق نحو القمر، وأن تأخذ هي هذه القفزة العملاقة القادمة، منذ أن اتخذنا -ناسا- أول خطوة صغيرة للبشرية منذ 50 عامًا. وأضاف أن هذا سيعطينا وجودًا إستراتيجيًا في المنطقة القمرية، وسوف يساعد تعاوننا مع الشركاء التجاريين والدوليين على استكشاف القمر وموارده، وترجمة تلك التجربة لبعثات البشر إلى المريخ.

بالإضافة لذلك،

يوضح الاقتراح تخصيص

150 مليون دولار بحلول العام 2050، لتشجيع تطوير منصات تجارية مدارية أرضية منخفضة (محطات فضاء) جديدة، وتطوير قدراتها للاستخدام من قِبل القطاع الخاص، ووكالة ناسا، حيث ستدور هذه المحطات حول القمر، لتكون بداية الانطلاق نحو المريخ. يمكن أيضًا الإبقاء على محطة الفضاء الدولية الحالية من الناحية النظرية بعد عام 2025، إذا كان هناك شخص آخر يهتم بذلك.

هل تعمل المحطة الدولية بتمويل حكومي كامل؟

حسنًا، هناك فرق بين أن يكون المشروع بتمويل حكومي ما يضعه نصب عين الدولة، وبين أن تتكفل به شركات خاصة يمكن أن تنهيه في لحظة، إذا ارتأت أنه لا يقدم لها فائدة ملموسة وفقًا لنوع هذه الشركات وصناعاتها.

في إطار الخطوات التي اتخذها الرئيسان الأمريكيان السابقان «جورج بوش وباراك أوباما»، بالاستعانة بمصادر خارجية في رحلات توريد البضائع إلى المحطة، وضَع هذا الإجراء المحطة تحت تصنيف منصة للمؤسسات الخاصة. وقبل عامين من الآن، موّل الملياردير الأمريكي «روبرت بيجيلو – Robert Bigelow» إنشاء وحدة إضافية تم تصميمها وإرسالها للمحطة، لزيادة مساحة المعيشة على متنها.

وعن صناعات الفضاء الخاصة، كانت SpaceX رائدة في ذلك المجال من خلال إطلاق رحلات تزويد بالمؤن للمحطة، وإطلاق أقوى صواريخها فالكون هيفي (العملاق) مؤخرًا، حيث تم التعاقد مع شركة صناعة الطيران والدفاع الأمريكية لتقديم الإمدادات لها.

اقرأ أيضًا:

صاروخ Falcon Heavy: خطوة SpaceX العملاقة نحو المريخ

أما «فرانك سلازر» نائب رئيس النظم الفضائية لرابطة صناعات الفضاء فقال في

تصريح لصحيفة الجارديان

: إنه سيكون من الصعب جدًا تحويل محطة الفضاء الدولية إلى مؤسسة تجارية حقيقية، بسبب الاتفاقيات الدولية التي تشارك فيها الولايات المتحدة بخصوص هذا القطاع. وأضاف أنه من الطبيعي أن يكون هنا بناء دولي دائم يتطلب مشاركة الحكومة الأمريكية، والتعاون المشترك متعدد الجنسيات.

وقبل الإعلان عن هذه الخطة حذر «مارك مولكين»، مدير

برنامج محطة الفضاء بوينج

، من أن الابتعاد وصرف النظر عن أهمية محطة الفضاء الدولية سيكون خطأ يهدد القيادة الأمريكية، ويضر بالسوق التجاري، بالإضافة إلى الأضرار الجسيمة التي ستلحق بالمجتمع العلمي.

لماذا بيع المحطة دفعة واحدة، إذا كان تقسيمها ممكنًا؟

في أمر مستغرب،

يقترح «جيفري مانبر»

، الرئيس التنفيذي لشركة الخدمات اللوجستية الفضائية، التي تتخذ من ولاية تكساس مقرًا لها، أنه بدلًا من بيع المحطة دفعة واحدة لشركة ما، يمكن تقسيمها إلى قطع! فمن الممكن أن تقوم شركات ذات اهتمامات غير الفضاء، في التعاون لبناء فندق فضائي في المحطة، وتوفير مأوى ذي منظر خلاب للسياح الأثرياء!

وقد ترغب شركات في خوض المغامرة في مدار الأرض؛ مثل إنشاء معامل على متن المحطة الدولية في مدارها من أجل استخدام بيئة الفضاء لتطوير أنواع جديدة من موادها ومنتجاتها. على سبيل المثال؛ اختبار المستحضرات الدوائية.

وأخيرًا، وحتى يتقرر مصيرها وطبيعة عملها المستقبلية، تظل المحطة هناك قابعة على ارتفاع 400 كم فوق سطح الأرض، تدور حولها في مدارها بسرعة 28 ألف كم/ ساعة لتكمل بذلك دورة كاملة كل 90 دقيقة. تزن المحطة إجمالًا نحو 400 طن، بمساحة ملعب كرة قدم. قدمت المحطة الدولية منذ إنشائها وإطلاقها عام 2000، العديد من التجارب العلمية في مجالات علمية مختلفة.

اقرأ أيضًا:

طب وفيزياء وبيئة: أهم التجارب العلمية في الفضاء

.