يعيش «الإيزيديون» في شمال العراق، وأحياناً يُطلق عليهم «اليزيديون»، وكانوا قديماً يسمون «الصحبتية»، وهي ديانة غير تبشيرية يتركز أتباعها بشكل أساسي في نينوى وجبل سنجار. وبرغم عزلتهم وصغر عددهم، باتوا محط أنظار وسائل الإعلام الدولية بعد استهدافهم من قِبَل تنظيم داعش.

ففي 3 أغسطس/آب 2014، اقتحم عناصر التنظيم
الإرهابي مناطقهم بعد انسحاب قوات البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان، واستمرت
سيطرة التنظيم في العراق حتى تم دحره عام 2017.

وبحسب الأرقام التي جمعها ناشطون من الطائفة،
أعدم داعش أكثر من ثلاثة آلاف منهم في أكثر من مجزرة، وتسبب في نزوح عشرات الآلاف،
وسبى آلافًا من النساء والفتيات، وفي المقابل انضمت العديد من الإيزيديات إلى القوات
الكردية التي حاربت التنظيم الإرهابي في شمال العراق.

قضية أطفال «داعش»

تعرضت الفتيات الإيزيديات للسبي والبيع كجوار إلى عناصر داعش، وأنجبن منهم أطفالاً قبل أن يتم القضاء على التنظيم ويختفي هؤلاء الآباء إلى غير رجعة إما بالقتل أو الاعتقال أو المصير المجهول، بينما بقيت سباياهم مع أطفال خرجن من أرحامهن لا يعترف بهم شيوخ الطائفة، إذ تنص العقيدة الإيزيدية على أن الطفل لا يكون منها إلا إذا كان والداه الاثنان كذلك، وإلا فلا يمكن له اعتناق الديانة على الإطلاق، وتنص العقيدة الإسلامية على أن أي مولود يولد مسلماً.

فبقى أمام هؤلاء الأمهات خيارين صعبين: إما التخلّي عن أطفالهن «المسلمين»، أو التخلي عن عوائلهن اللاتي نشأن بينهم والانتقال للعيش في مخيمات اللجوء أو أي مكان آخر.

وأعلن المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى

في العراق رفض قبول المواليد من أبناء الدواعش.


فاختارت بعض الأمهات

مكرهة التخلي عن صغارهن تحت ضغط زعماء الطائفة، وقررت أخريات العيش مع طفلها بعيداً عن قسوة الأهل،

وبعضهن خسرن الاثنين

فتخلوا عن الأطفال لدور الأيتام لتتبناه أسر أخرى، ولم يشفع لهن ذلك عند الأهل فنبذوهن وقطعوا صلاتهم بهن.

وقد تركت التجربة القاسية آثارها العميقة في نفوس هؤلاء النسوة واختلفت درجات استجابتهن، فالبعض هربن منذ البداية، وأخريات وقعن في عشق الداعشي الآسر ورفضن العودة إلى قراهن وفضلن العيش في مناطق سنية فراراً من لعنة العشيرة، وأخريات قررن اعتناق الإسلام بعد تحريرهن وعودتهن إلى بلادهن، وبعضهن ازددن نفورًا من المجتمع المسلم بعد تلك الرحلة المريرة.

قانون الناجيات

أقر البرلمان العراقي في الأول من مارس/آذار 2021 قانوناً خاصاً بضحايا المأساة يصنف أفعال داعش بحق بنات الأقلية كـ«جرائم ضد الإنسانية».

وينص القانون على تقديم دعم مادي لضحايا داعش من النساء الإيزيديات وغيرهن ممن عانين من الاختطاف والعنف، عن طريق صرف مبالغ شهرية وتوفير مساكن لائقة وتخصيص كوتة لتعيينهن بنسبة تصل إلى 2% من الوظائف الحكومية، واعتبار الثالث من أغسطس/ آب يوماً وطنيًا، وافتتاح مكتب حكومي في نينوى يعنى بشؤون الإيزيديات. لكن رغم إقرار القانون فإن تفعيله على أرض الواقع يبقى موضع شك كبير، ومن المبكر الحكم على مدى نجاحه.

عقيدة الطائفة

للإيزيديين كتابان مقدسان هما الجلوة ومصحف رش، وهما مفقودان، ويقال إنهما تعرضا للحرق والتلف على يد الحملات العسكرية التي استهدفتهم قديمًا، ويقع المعبد الإيزيدي الوحيد في وادي لالش، وهي منطقة جبلية شمال غربي مدينة الموصل تضم أيضاً قبر الشيخ عدي بن مسافر المقدس لدى أتباع الديانة ومقر المجلس الروحاني للإيزيدية في العالم.

ويحج الإيزيديون مرة واحدة خلال حياتهم على الأقل إلى لالش حيث يستمر الحج سبعة أيام، أما القاطنون بالمنطقة فيحجون خلال فصل الخريف كل عام، وتنقسم الطائفة إلى ثلاث طبقات: طبقة «الشيوخ» تليها «البير»، ثم طبقة «المريدون» الذين يشكّلون عامة الناس.

وتختلف الأقاويل في الأصل العرقي للإيزيديين فالبعض يرجح أنهم من العرق الكردي، فالرئيس السابق لكردستان العراق، مسعود برزاني، وصفهم بأنهم «أعرق الكرد»، في حين يرى البعض أن لهم أصولاً عربية، ويرجح هذا القول اتفاق المؤرخين على أن عدي بن مسافر، الذي يُعتبر مؤسس الطائفة، يرجع أصله إلى منطقة بعلبك اللبنانية، كما تذكر بعض المراجع أن عدداً من الأمويين هاجروا إلى جبال الأكراد بعد قضاء العباسيين على دولتهم، وكانوا يعظمون الخليفة الأموي يزيد بن معاوية حتى تسموا باسمه، في حين يصر البعض على عدم وجود علاقة لهم بيزيد وأن اسم «الإيزيديين» تعني «عبدة الله». ويصنفهم البعض خطأً كفرقة شيعية، متجاهلاً الأصول العقدية لهم التي تناقض التشيع بشكل صارخ، إذ يُذكر عنهم تاريخياً أنهم كانوا يسبون علي بن أبي طالب جرياً على عادة أسرة بني أمية القديمة التي أبطلها الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز في عهده.

ويذكر الكاتب العراقي عباس العزاوي في كتابه «تاريخ اليزيدية وأصل عقيدتهم» الصادر عام 1930 عن مطبعة بغداد، أن اليزيدية كانوا في الأصل من أهل السنة والجماعة، ولكن غلوهم في حب يزيد وتعظيمه واعتقادهم أنه شخصية مقدسة، جعل منهم فرقة دينية مختلفة، وكذلك غلوهم في تعظيم شيخهم عدي بن مسافر بعد موته، فكانوا يتعبدون عند مزار لهم يسمى «تخت يزيد»، ثم ظهرت عقيدة اعتبار يزيد في مرتبة الألوهية.

وينقل العزاوي أن معتنقي المذهب ضاعت منهم الأسس الأصلية لمعتقداتهم وتعرضت للتحريف حتى أن الآيات القرآنية التي يعلقها بعضهم يُنظر إليها على أنها من باب التقية، لكن العزاوي يؤكد أن بعضهم لم ينس الأسس السنية تماماً وأنهم متفاوتون في ذلك، ويشيع بينهم الاعتقاد بأن شعبهم ودينهم قد وُجدا منذ وجود آدم وحواء على الأرض، ويتفقون مع الإسلام في قصة رفض إبليس للسجود لآدم، لكنهم لا يعتقدون أن رفض إبليس أدى إلى عقابه، بل يؤمنون بأن الله كافأه بجعله رئيساً للملائكة لأنه نجح في الاختبار لأن الله كان قد طلب من الملائكة بعد خلقهم ألا يسجدوا لغيره، ثم طلب منهم السجود له كنوع من الاختبار الذي لم ينجح فيه إلا إبليس؛ وبالتالي استحق أن يجعله الله رئيساً للملائكة، أي «طاووس ملك» الذي يصلون له خمس مرات في اليوم، لذلك يصفهم الناس بـ«عبدة الشيطان»، لأنهم أيضاً يرفضون نسبة الشر إلى الشيطان أو ذكره بسوء.

وفي الجزء الأول من مجموعة «الرسائل الكبرى» وصف ابنُ تيمية، عديَ بن مسافر، بأنه «العارف القدوة» وصاحب «الفضل والدين والصلاح والاتباع للسنة» مما يدل على أن أصول هذا المذهب ترجع إلى الطائفة السنية، ويقول ابن تيمية إنهم غلوا في حب يزيد بسبب لعن الشيعة له هو والصحابة فظنوه «من كبار الصالحين وأئمة الهدى وصار الغلاة فيه على طرفي نقيض»، بينما تتلخص النظرة السنية التقليدية ليزيد في العبارة الشهيرة «لا نُحبه ولا نسبّه».

ويحفل التاريخ اليزيدي بالنزاعات العسكرية مع الدول والممالك الإسلامية، فالمقريزي في كتابه «السلوك لمعرفة دول الملوك»، يذكر في وقائع سنة 817 هجرية، واقعة حرق قبر عدي بن مسافر بعد اتهام اليزيدية بعبادته فيقول: «قد تجمع هؤلاء على قبره وقد سموا بالعدوية فاتخذوه قبلة لهم وهم كثيرون وصار يتهافت الناس لزيارته.. وصار محل اعتمادهم واحترامهم وبعد مدة غلوا فيه وبالغوا في اتباعه لدرجة أنهم صاروا يعتقدون فيه أنه يرزقهم وأنهم لا يقبلون رزقاً من سواه ويحكون أن عدياً جلس مع الباري تعالى وأكل معه .. وأسقط عن أتباعه الصلوات الخمس»، ويحكى أن أمراء الأماكن القريبة منهم جمعوا حملة عسكرية وأغاروا عليهم وهدموا القبة على قبر عدي في لالش: «فحفروا القبر فأخرجوا عظامه فأحرقوها بمرأى من أسرى الصحبتية وقالوا لهم انظروا إلى عظام من تدعون ألوهيته كيف تحترق ولا يستطيع أن يمنعنا»، ثم إنهم أعادوا بناء القبة مرة أخرى بعد رحيل الحملة.

وتذكر المراجع التاريخية أن العثمانيين كثيراً ما حاربوهم بسبب تحالفهم مع أعدائهم الروس، وأحيانًا بسبب رغبة الولاة في جباية الأموال والضرائب منهم، وفي بعض الأوقات كانت الحروب تشتعل بسبب اتهامهم بالتعدي على القبائل التجارية التي تمر بشمال العراق، وتسببت تلك الحروب المتتالية في زيادة انعزال أبناء الطائفة وبالتالي اتساع الهوة الفكرية والعقدية التي تفصل بينهم وبين عموم المسلمين بمرور الأجيال.