خرج

رامي ريان كعادته لأداء واجبه المهني، لم يكن يعلم وهو يرتدي بزته الزرقاء أن تلك آخر مرة يصوب كاميرته التي طالما كشفت ما أُريد أن يظل طي الكتمان، قبل أن يجد سيلًا من رصاص الاحتلال الإسرائيلي يقصف السيارة التي تحمل شارة (TV) ويرتقي شهيدًا، كغيره من عشرات الصحفيين الذين قضوا نحبهم، ليكلل عام 2014 الأسوأ في تاريخ الصحافة الفلسطينية.واقع العمل الإعلامي للصحفيين الفلسطينيين يختلف عن أي مكان في العالم، مما يجعل لمهنة العمل الصحفي في فلسطين طعمًا خاصًا.ولم تكن الحكومة الإسرائيلية وحدها المتسببة في انتهاك حريات العمل الصحفي بفلسطين، حيث أمعنت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بارتكاب المزيد من الانتهاكات الدولية لحقوق الإنسان، ليصبح سجلها حافلا بجرائم الانتهاكات اليومية، بدءًا من ممارسة الإخفاء القسري والاعتقالات التعسفية، ومروراً بالسجون السرية وأقبية التعذيب، وختاماً بمحاولاتها لتثبيت أركان النظام عبر حجب المواقع الإلكترونية الإخبارية الفلسطينية التي تنتقد أداء السلطة أو التابعة لأطراف سياسية معارضة للسلطة برام الله.


تحت قبضة الاحتلال

حتى إسرائيل ذاتها والتي تدعي أنها دولة ديمقراطية، تواجه اتهامات بممارسة التغول على حرية الصحفيين الفلسطينيين، إن الصحافيين المعتقلين في سجون إسرائيل، خير مثال على حرية الصحافة المصنوعة في إسرائيل.





الكاتب إيدو أمين في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية

يضرب الصحفي الفلسطيني رقمًا قياسيًا في عدد الجهات المنتهكة لحريته في التعبير وممارسة عمله، في حين تبقى ممارسات جيش الاحتلال هي الأشد قسوة، حيث يمارس انتهاكاته ضد حرية الصحافة ضمن سياسة رسمية تعنى بحجب الحقيقة، ومصادرة الصورة الحقيقية لتل أبيب، بينما تصدرت جرائم قتل 17 صحافيًا وعاملًا في الإعلام من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، سلسلة الجرائم والانتهاكات التي تعرضت لها الحريات الإعلامية في فلسطين.حيث أفاد

التقرير

السنوي لمركز غزة لحرية الإعلام أن عام 2014 كان الأسوأ والأخطر في تاريخ الصحافة الفلسطينية، حيث عرف إصابة 110 صحفيين، بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة وما رافقه من عمليات استهداف مباشرة ومتعمدة للصحفيين ومؤسساتهم وممتلكاتهم، وأبرز التقرير أن قوات الاحتلال والمستوطنين ارتكبوا 295 انتهاكًا، تشمل منع التغطية والسفر واقتحام منازل ومؤسسات إعلامية ومصادرة معدات صحفية.وعمدت

نيابة

الاحتلال العسكرية في أكتوبر/تشرين الأول 2015 إلى اتخاذ ما يسمى بـ «التحريض» ذريعة تستوجب السجن بأحكام قاسية وكفالات باهظة، وجهت على إثرها تهديدات بإغلاق وإيقاف بث خمس مؤسسات إذاعية وعدد من مكاتب القنوات الفضائية، إلى جانب اعتقال العشرات من الصحفيين من أبرزهم الصحفي «محمد القيق» والذي خاض جملة من الإضرابات الطويلة احتجاجًا على اعتقاله الإداري.


نظرة على واقع الصحافة في الداخل

عاشت الحالة الفلسطينية حروبًا إعلامية طاحنة بين الإعلام الرسمي الناطق باسم السلطة الفلسطينية، وأجهزة الإعلام التابعة لحركة حماس، فقد لعبت هذه الوسائل الإعلامية دورًا كبيرًا في تأجيج الصراع، في ظل احتدام الاستقطاب بين حركتي حماس وفتح. وتبدي الأوساط الإعلامية الفلسطينية قلقها على حرية العمل الصحفي جراء تنامي الاعتداءات على الصحفيين، وتهديدهم من قبل جهات سيادية فلسطينية، إذ يسعى فيها كل طرف لإبعاد نفسه عن بقعة الضوء الناقدة للسياسات.يُلاحظ أن ما يمنح الفرصة لمرتكبي الانتهاكات للتمادي في استهداف الحريات الإعلامية، غياب دور المؤسسات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، في الوقت الذي يفتقر فيه الصحفي الفلسطيني إلى أبسط الحقوق، مثل الحرية في السفر والتنقل، أو امتلاك أدوات الحماية والأمن والسلامة.وساعدت ضبابية

القوانين

الإعلامية الضالعة بممارسة الرقابة في تعقيد الأمور، حيث أصدر الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» مرسوماً في 2006 يضع «هيئة الإذاعة والتلفزيون» تحت سيطرة الرئاسة بدلاً من وزارة الإعلام، كما يوجد مواد بالقانون تقيد حرية الصحافة، بالإضافة إلى احتوائه كلمات ومصطلحات غير واضحة وقابلة للتأويل والتلاعب. فمثلاً، في المادة السابعة، يحظر القانون «المواد التي تتعارض مع مبادئ المسئولية الوطنية واحترام الحقيقة»، وفي المادة 19، يشترط القانون على المواد الإعلامية أن تحترم «المسؤوليات الوطنية».وتعاني غالبية وسائل الإعلام من قضية نقص

التمويل

إذ تقوم بعض المؤسسات الصحفية بطرد موظفين لديها أو تخفيض معاشاتهم، هذا الوضع أدى إلى تراجع مستوى الإعلام الفلسطيني، وابتعاده عن المعايير المهنية، مما أدى إلى تواصل هروب القراء والمستمعين والمشاهدين إلى متابعة الوكالات الإخبارية.حتى الآن، لم تنجح سوى بعض المواقع في أن تصبح مصادر لنقل الأخبار، من أهمها: وكالة الأنباء الرسمية «وفا»، و«معا»، وموقع «عرب 48»، الذي تميز بترجمته القوية للمواقع الإسرائيلية.


حجب المواقع

لم تكتف السلطة الفلسطينية بكل ما سبق، ولكن، بشكل مفاجئ، ودون الإبلاغ عن الأسباب، أصدر النائب العام في الضفة الغربية أحمد برّاك، يوم الخميس 15 يونيو/حزيران 2017، قراراً بحجب 14 موقعاً إلكترونياً، وهم: (المركز الفلسطيني للإعلام، وكالة شهاب، فلسطين الآن، موقع أجناد، موقع صوت فتح الإخباري، موقع فراس برس، صحيفة فلسطين، موقع أمامة، موقع كرامة برس، موقع وكالة شفا، وكالة فلسطين برس للأنباء، كرامة برس، كوفية برس، وموقع أمد).وفي اليوم التالي تم حجب ستة مواقع إضافية هي: (شبكة قدس الإخبارية، شبكة فلسطين للحوار، وكالة الصحافة الفلسطينية صفا، فضائية الأقصى، موقع ان لايت برس، وشبكة قدس برس).

وعن ردود الفعل على قرار النائب العام برام الله، أدان المرصد الدولي لرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، ما وصفه بالاستهداف الممنهج لحرية الرأي والتعبير، ولقي الأمر سخرية في مواقع التواصل الاجتماعي، في حين عبرت شريحة عن استيائها، إذ إن الحجب لم يمس أحد المواقع الإسرائيلية التي تحرض على الفلسطينيين والمقاومة.

من جهتها، طالبت

نقابة

الصحفيين، النائب العام بالعدول عن قراره، وأدانت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» القرار، وعدته يعكس النهج «الديكتاتوري» لعباس وسلطته. ورغم الجدل الكبير حول حجب المواقع، فإن السلطة الفلسطينية ووزارة الإعلام والجهات الرسمية التزمت الصمت، ولم يدلِ أي مسئول بتصريح حول الإجراء.

ويرى خبراء القانون، أنه لا يجوز لأي جهة من الجهات حجب مواقع إخبارية دون الحصول على حكم قضائي من المحكمة، إضافة إلى أن قانون الهيئة الفلسطينية لتنظيم الاتصالات لعام 2009 وبموجب المادة 44، نص على أنه؛

لا يجوز فرض حظر المواقع الإلكترونية إلا في حالات محددة، إذا ما ألحقت ضررًا بالشبكة الإلكترونية، أو لم تلتزم بدفع رسومها المالية، على أن يتم إنذارها مسبقًا بموجب كتاب خطي قبل أن يتم الحجب.

ويرى مراقبون أن القرار جاء ردًا من السلطة على مستجدات الأمور في غزة، حيث إنه صدر بعد أيام قليلة من وقف السلطة الفلسطينية رواتب نحو 300 أسير محرر من صفقة وفاء الأحرار التي أبرمتها حركة حماس مع إسرائيل عام 2011، وتعمد رام الله وقف دفع ثمن الكهرباء لغزة، واقتطاع 30% من رواتب الموظفين.كما جاء بعد أيام من الحديث عن تفاهمات بين حركة حماس والقيادي المفصول من حركة «فتح» محمد دحلان في القاهرة حول إدارة الملفات في غزة، التي تشهد تدهورًا في القطاع الاقتصادي وتواجه أزمة الكهرباء. ويشكل تصاعد نفوذ دحلان وحماس تهديدًا على السلطة الفلسطينية ينبغي العمل على وقفه، ومن هنا يتضح تعمد حجب المواقع الإخبارية التابعة لكل من القيادي المفصول من فتح وحركة المقاومة الإسلامية.