تعد الجاذبية واحدة من أبرز الظواهر الطبيعية وأكثرها تأثيرًا على البشرية، والقانون الأول بها هو جذب الأشياء إلى نقطة يشار لها عادة بـ (الأسفل) مما يؤدي بهذه الأشياء إلى حالة السقوط. وبواسطة استخدام عناصر فريدة في أفلام الأكشن والخيال العلمي؛ وهي الزمن والحركة والجاذبية، أدخل كريستوفر نولان Christopher Nolan نمطًا حركيًا/قتاليًا جديدًا إلى سينما الأكشن.

النمط
القتالي المُقدم هنا يمنح المُشاهد في العادة متعة بصرية، ويزيد من أجواء الإثارة.

1. فيلم Inception (إنتاج 2010)

اتخذ نولان في فيلمه هذا (Inception) من الأحلام مسرحًا لأحداث قصته، حتى يتسنى له تقديم عناصر حركية مبهرة، لعل من أبرزها مشهد القطار الشهير. وقد صنع نولان نمطًا متفردًا ومنفصلاً عن أي بصريات أخرى، ومن هذه المشاهد:

طي الشوارع والمباني

كانت شخصية Ariadne هي النافذة التي شرح المخرج من خلالها للمشاهد قوانين العالم السينمائي لفيلمه دون أن يبدو الأمر مُقحمًا، لتكون مرشدًا لنا كما كانت الإغريقية (التي تجمل نفس الاسم) مرشدًا للبطل Theseus في متاهة Minotaur. وأثناء تدربها استطاعت بذكائها أن تتحسن وتتكيف مع أوضاع المهمة المُكلَف بها فريقها. وتحسن أدائها انعكس بصريًا على شاشة السينما لنشاهدها وهي تطوي الشوارع والمباني إليها كأن هناك مجالاً ما يجذبها، لتصنع من الأرض انحناءات مثل أقواس الدائرة.

تقلبات الجاذبية

واحد من أقوى المشاهد الحركية/القتالية (الأكشن Action) هو معركة Arthur داخل الممر، حيث تتقلب اتجاهات الجاذبية مع تقلبات السيارة وكأن المبنى يتقلب فوق وتحت رأسًا على عقب، ويمينًا ويسارًا على جنبيه، والواقع أنه كان يتقلب فعلاً داخل الفيلم وأثناء تصويره. ذلك المشهد المشهور باسم مشهد الممر Hallway قام نولان من أجل تصويره بصنع نموذج حقيقي بالحجم الطبيعي لرواق الفندق داخل أسطوانة موصلة بآلات متحركة تعمل على تدويرها أثناء الأداء الحركي من قبل الممثلين، في ظروف فعلية لتغير الأرضية الذي انعكس على المشاهد بأنه تغير للجاذبية.

هذه المشاهد هي التي ساهمت في صنع الهوية البصرية لسينما نولان وكان تأثيرها نافذًا على الأعمال الآتية بعدها ليضع -أي نولان- من خلالها بصمته في عالم الأفلام.


2. فيلم Gravity (إنتاج 2013)

بسبب حادث ارتطام حطام قمر صناعي بالمكوك، يَعلَق رائدا فضاء بدون أي قدرة على الاتصال بالأرض، ويحاولان النجاة بنفسيهما تحت ضغط نفاد الأكسجين.

كما هو واضح من الاسم (Gravity)، يصنع الفيلم حالة تشويقية مرتبطة بظاهرة الجاذبية، وبشكل أكثر تحديدًا بظاهرة انعدام الجاذبية، ليتخذ المخرج «ألفونسو كوارن» من الفضاء مسرحًا لأحداث قصته. ويستبدل بقوة الجاذبية قوة الطرد المركزي، والاثنان تياران متعاكسان بين الجذب والدفع. وليُعرَف الفيلم بأحد مشاهده الأيقونية؛ فعلى خلفية من الظلام المتفشي وفي مساحة لا متناهية من الفضاء يعرض المخرج مشهده النولاني، مُقدمًا فيه ما لم يأت به نولان نفسه، مُغلفًا المشهد بالصورة ثلاثية الأبعاد، ومُركزًا في مشهده –

وهي ذات الأسباب لروعة المشهد

– على تأثيرين:

  • الأول هو انعدام الجاذبية في ظل فيضان من الحركة الدورانية المشتتة بسبب
    حادث الارتطام.
  • الثاني هو الرعب المنبعث من الأشياء التي -ولأول مرة- تبتعد عن الشاشة وليس
    التي تقترب منها.

3. فيلم Interstellar (إنتاج 2014)

بينما الأرض تحتضر، تلوح فرصة لإنقاذ البشرية من خلال رحلة عبر النجوم للعثور على كوكب آخر صالح للحياة، ويتطوع بطل الفيلم ليخوض هذه المغامرة في الفضاء. وأثناء تجوالنا مع البطل وفريقه في الفضاء بين الكواكب، يستعرض لنا نولان عضلاته البصرية بين كوكب وآخر، مُتلاعبًا بقوانين الجاذبية والزمن كيفما شاء ولكن دون إسراف.

وعرض
نولان في فيلمه هذا (Interstellar) لنمط الأكشن الذي سُجل باسمه في عالم السينما، وذلك عبر ثلاث محطات
رئيسية:

  • الكوكب المتجمد: حيث يزورون كوكبًا تقع على جاذبيته تغيرات تسمح بانتشار قطع جليدية مثل الصخور كالسحاب في السماء.
  • الكوكب المائي: هذا كوكب مغلف بالكامل، بل منقوع في بحر كامل يحيط سطحه. يقدم هنا نولان مشهد الأمواج Waves الأيقوني الذي يُعرف به الفيلم. فالأمواج تصعد للأعلى كأسوار عظيمة من الماء مُهددة بأن تبتلع أي شيء وأي أحد، وعملية صعود الموجة وهبوطها تتم في حركة مغايرة لما يُعرف على جاذبيتنا الأرضية.
  • البعد الخامس: إن مشهد السقوط دون الوقوع يعطي تصورًا جديدًا وسط ملفات الذكريات الزمكانية، لما قد يكون عليه البعد الخامس.

4. فيلم X-Men: Days of Future Past (إنتاج 2014)

بالرغم
من كونه أضعف أفلام القائمة في عرض هذا الطراز الفريد من الأكشن، إلا أننا لا يمكن
أن نغفل ذكره لعدة أسباب:

  • الأول أنه جمع بين العناصر الثلاثة المكونة لهذا النمط الحركي/القتالي، وهي
    الجاذبية والحركة والزمن.
  • الثاني أنه تلاعب بحنكة نولانية على عنصر الزمن، ورفع من خلاله تيار
    التشويق لدى المشاهد إلى أقصاه.
  • الثالث أنه قدم بعض الصور المختلفة من نمط (الرقص في السماء) عن الأفلام
    المذكورة في القائمة.

وفيما يتعلق بالسبب الثالث نذكر إحدى تلك الصور (الدقيقة 104) والمتمثلة في عكس تيار الجاذبية بواسطة نوافذ بُعدية تتيح للداخل فيها التنقل بين الأماكن، ليقوم المعدني ذو الجلد الفضي Colossus بمساعدة رفيقته التي فتحت له بوابة بعدية في قلب الهواء بالقفز من علية الجبل إلى البوابة، محدثًا سقوطًا سريعًة ينتهي بالدخول إلى بوابة أخرى، تقوم بتحويل السقوط الرأسي إلى اندفاع أفقي.

صدر
فيلم X-Men: Days of Future Past عام 2014 للمخرج براين سينجر Bryan Singer.


5. فيلم Arrival (إنتاج 2016)

بالرغم من أن المساحة الضيقة لا تعطي مجالاً كبيرًا للمخرج أن يلعب على نمط الجاذبية في تقديمها لمشاهده الحركية، وهذا لأنه اتخذ إحدى المركبات الفضائية -ضمن أسطول من الغرباء رسوا بسفنهم على كوكب الأرض- مسرحًا لأحداث الفيلم، وكذلك مسرحًا للنماذج البصرية المبنية على التلاعب بالجاذبية. وذلك يجعل هذا الفيلم هو صاحب المساحة الأصغر بين أفلام القائمة في عرض هذا النمط، نظرًا لكون الأفلام الأخرى اختارت أبعادًا مفتوحة مثل الفضاء والأحلام والأبعاد الفوق البعد الرابع لتعرض فيها ألعابها مع الجاذبية.

بالرغم
من كل هذا

يستعرض المخرج
دينيس فيلنوف

في هذا الفيلم قدراته على خلق تجربة بصرية على نمط اللعب مع
الجاذبية، وفي أحد المشاهد التي تعتمد على تقلبات الجاذبية، يتغير السطح الذي يحمل
الجاذبية من أفقي إلى عامودي، ويسير أبطال الفيلم على السطحين متأقلمين على هذا
التغير، ويركز المخرج على نقطة التحول بين المستويين من الجاذبية.


6. فيلم Doctor Strange (إنتاج 2016)

قد يكون
فيلم Doctor Strange للمخرج سكوت ديركسون هو أكثر عمل يتم مقارنته مع فيلم Inception لدى رؤية
مشاهد الأكشن المقدمة به، وكما وصفته

الناقدة «إنجي أبو السعود»

،
فإن الأكشن المُقدم به هو مزج بين سلسلة هاري بوتر وفيلم Inception.

مجموعة رائعة من المشاهد القتالية بين السحرة داخل أبعاد لا تخضع لقوانين الفيزياء، خاصة الجاذبية. حيث نجد أبطال العمل في عوالم انعكاسية أشبه بفضاء داخل المرايا، وما يصحبه من خصائص مكانية ميتافيزيقية مثل تقلبات الجاذبية وطي المباني. تلك الأخيرة زادت عما قام به نولان في كونها عرضت الظاهرتين (تقلبات الجاذبية وطي المباني) داخل مشهد واحد. وزادت أيضًا بأن جعلت لطي المباني تأثيرًا مثل تقلبات الجاذبية وليس مجرد عرض بصري كما فيلم Inception.


7. فيلم Tenet (إنتاج 2020)

ونختم
قائمتنا بذكر فيلم لم يعرض بعد، ومع ذلك فإن العرض التشويقي (Trailer) الأول
والثاني بالإضافة إلى الملصق الدعائي (البوستر Poster) وكذلك عنوان الفيلم (عقيدة Tenet)، كل هذه
العناصر الإعلامية تحمل الكثير من التفاصيل.

في ظل تخوفات

باندلاع الحرب العالمية الثالثة

، تتكشف ظاهرة تشكل تهديدًا أكبر للعالم، ويتمثل خطرها في كونها تعكس الزمن أو تخلق بعدًا موازيًا يكون الزمن فيه معكوسًا، فنرى الأشياء تحدث قبيل حدوثها أو تحدث بالعكس. والظاهر لنا أن الشيء الوحيد الأخطر على البشرية من إبادة نووية هو كارثة كونية. ويتم تخصيص وحدة تجسسية دولية في مهمة لمحاولة احتواء الموقف ومنع الحرب العالمية الثالثة، عبر استخدام سلاح أو تقنية أو برنامج اسمه تينت Tenet. ويكون الفريق بقيادة (شخصية يؤديها جون ديفيد واشنطن John David Washington) الذي يملك مهارات استثنائية -أو موهبة فطرية- وتجارب فريدة تعطيه الخبرة والقدرة اللازمة لمواجهة الأزمة بعد تجنيده وتدريبه على التعامل معها. من التجارب التي مر بها نذكر حادثتين:

  • الأولى أنه واجه ظاهرة الزمن العكسي أو البعد الموازي ذات مرة، مما يكسبه
    معرفة غائبة عن رفيقه حين يسأله عما حدث فيجيبه بأنه لم يحدث بعد.
  • الثانية هي أنه مات وعاد من الموت، وبغض النظر عن الكيفية التي تم بها الأمر،
    فإن موته يحمل تبعات تؤثر على مسيرته في الجاسوسية.

والظاهر أن البعد/الواقع الموازي ربما يحتوى عالماً يكون كما المرآة انعكاسًا لعالمنا، ويوجد شبه تأكيد على أن القصة تدور حول أحداث تحدث في واقعين منفصلين ومتصلين؛ منفصلين في كونهما -أي الواقعين- يتحركان في اتجاهات معاكسة، ومتصلين في كونهما -أي الواقعين- مؤطران بنفس الزمكان Spacetime.

يحتوي
الفيلم على عناصر من نظرية التطور Rebirth والسفر عبر الزمن Time Travel والتلاعب بالزمن، مغلفة بأجواء جاسوسية. وبالطبع
يحوي على العناصر البصرية المسجلة باسم نولان، خاصة مع ولعه في التلاعب بالزمان
والمكان. وقد تم الإعلان أن نولان يستخدم عناصر من أعماله الثلاثة السابقة: Inception وDunkirk وThe Dark Knight، وقد اتضح ذلك
في مشاهد بارزة بالتريلر، مثل مشهد القطار ومشهد النادي حيث المعركة فوق الأجساد
النائمة أو الميتة.

يقدم لنا نولان تحفته الجديدة (التي لم تصدر بعد) وفيها تجارب بصرية جديدة من تلك التي تحمل بصمته، خاصة في تصميم أزياء الجاسوسية وتعاملهم مع الظاهرة الغريبة. ومن أبرز المشاهد التي تتمثل فيها تلك الظاهرة الانعكاسية الغريبة:

  • العودة من الموت.
  • الأشياء تتحرك للخلف.
  • المجندون يسقطون إلى الأعلى بدلاً من القفز للأسفل.
  • لا يتم إطلاق الرصاص بل إمساكه.
  • العمر لا يسير للأمام فلا يمكن أن تموت مُسنًا، بل ربما تموت طفلاً.
  • ربما التنفس يكون معكوسًا، لذلك تحتاج إلى أجهزة تنفسية خاصة في هذا البعد.
  • هذه المرة ليس الماضي هو الذي يؤثر على المستقبل بل العكس.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.