عندما تحاول تقدير ربح عربة الفول التي تتردد عليها فتكتشف أنها تُربح مئات الجنيهات يوميا، فتفكّر في إنشاء واحدة لتصبح من أغنياء المجتمع، ثم تبحث عن نماذج رائدة في هذا المجال فتجد مطاعم «البغل» و«الجحش» و«حمادة شيراتون» التي تحولت من عربات فول بسيطة إلى أسماء تجارية شهيرة. ولأن عقلك مدعّم بخاصية الجنيه المصري، فيجب أن تعرف النسخة المدعمة بالدولار وتطّلع على آخر تحديث يمكنك من ربح أكثر من 9 آلاف دولار يوميا من ساندوتش فول وآخر طعمية.


الخطوة الأولى: عربة وفاترينة وقدرة

يعتبر مشروع عربة الفول من المشروعات متناهية الصغر التي تشتهر بها مصر، خاصة في شهر رمضان، وتتفاوت تكاليف إقامة المشروع. كما تختلف المبيعات من منطقة لأخرى و – على عكس المُشاع – تتناقص المبيعات خلال شهر رمضان بقيمة حوالي 40% بسبب توقف بيع السندوتشات والطلبات والاعتماد على مبيعات السحور، خلال فترة لا تتجاوز 4 ساعات: من العاشرة مساء حتى الثانية بعد منتصف الليل.



تحتاج عربة الفول في اليوم إلى حوالي 25 كيلو فول و100 رغيف، فضلا عن الخضروات، وتتكلف العربة حوالي 6 آلاف جنيه

على عكس بقية أيام العام التي تمتد فيها حركة البيع من السادسة صباحا حتى الثانية ظهرا، فضلا عن أن مبيعات رمضان تقتصر على أكياس فول للسحور، أما في الأيام العادية تتعدد الطلبات والسندوتشات خلال الإفطار.

وتحتاج عربة الفول في اليوم إلى حوالي 25 كيلو فول و100 رغيف، فضلا عن الخضروات، وتتكلف العربة حوالي 6 آلاف جنيه. أما وضع «فاترينة» أعلى سيارة رُبع نقل يتكلف حوالي 300 جنيه، بالإضافة إلى أسطوانة غاز بحوالي 250 جنيها. و«القِدرة» بحوالي 500 جنيه، وبالنسبة لبقية المستلزمات، مثل: الصواني والأطباق والأواني والموقد تصل تكلفتهم إلى حوالي 10 آلاف جنيه.

أما عن أسعار المواد الخام، فهي متذبذبة؛ نظرا لتحكم التجار في الأسعار صعودا وهبوطا حسب رغبتهم وصِلة المشتري بهم، فضلا عن تغيّر سعر الدولار. ويتراوح ثمن «جِركن زيت أُولين» بين 170 و 200 جنيها وسعر «الطحينة» يتغير باستمرار بسبب أسعار السمسم المستورد، حيث بلغ سعر الكيلو أكثر من 18 جنيها، وكذلك ارتفع سعر كيلو الفول إلى أكثر من 10 جنيهات.

وعن حجم المبيعات فهو يختلف من منطقة لأخرى؛ فعربات الفول التي تعتمد على المدارس أو المستشفيات أو المؤسسات الحكومية تقل المبيعات فيها بشكل كبير بعد انتهاء يوم العمل، على خلاف العربات الموجود بالمناطق السكنية.


الخطوة الثانية: فريق عمل بشكل مبتكر

في رمضان الماضي، وعلى أرصفة أحد الشوارع الجانبية بحي مصر الجديدة، وتحديدا في ميدان سفير، كانت تقف عربة خشبية مطلية بألوان زاهية، مصممة بطريقة جذابة على عكس عربات الفول المعتادة في مصر.



توفر عربة فوليولوجي -حديثة الشكل- السحور لزبائنها على أنغام آلة الكمان من خلال بنتان وولد يديرون المشروع

توفر العربة حديثة الشكل السحور لزبائنها على أنغام آلة الكمان، وتحمل في واجهتها اسم «فوليولوجي». يقف خلف العربة بنتان – صانعتا الطعام – في سابقة مختلفة عما اعتاد المجتمع عليه، ومعهما شاب يساعدهما في تقديم الطعام.

إحداهما صافي تخرجت من كلية الإعلام جامعة 6 أكتوبر، وعملت في عدد من شركات السياحة والدعاية والإعلان. بينما تدعي الأخرى نهلة تخرجت من كلية الهندسة، وعملت كمهندسة في إحدى الشركات الخاصة. والشاب هو بيتر تخرج من كلية الهندسة، ويُدير «كافيهًا» خاص به.

قرر الثلاثة إقامة مشروع صغير بتكلفة معقولة، وبقدوم شهر رمضان كانت عربة الفول بطلة الفكرة؛ لأنها «الأكلة الأساسية على السحور في كل بيت مصري» كما قالت صافي، مضيفة أنهم بدأوا التفكير قبل بداية شهر رمضان بـ 5 أيام فقط، وتوضح نهلة أن الميزانية كانت في حدود 2000 جنيه، وبسبب ضيق الوقت لم يتمكنوا من شراء عربة فول، فاعتمدوا على عربة فول كانت موجودة في «كافيه بيتر»، وغير مستغلّة.

أرادت صافي أن يكون الاسم جديدا ومرتبطا بالفول في نفس الوقت، فتوصّلت إلى «فوليولوجي».

لاقت الفكرة استحسانا كبيرا وعبارات تشجيعية من الزبائن؛ بسبب الطعم اللذيذ المتميز والمحافظة على النظافة، مما جعلهم يفكرون في الاستمرار طيلة أيام السنة، ولكن بشكل أكبر وأوسع عن طريق تحويل العربة إلى مطعم دائم بأحد المحال. وأشاد الكثيرون بالفكرة مؤكدين أنها جيدة وشجاعة، فيما رأى آخرون أن قيام خريجي الجامعات بهذه الأعمال يدمر طموحات الخريجين ويؤكد غياب قيمة التعليم.


الخطوة الثالثة: الخلطة تزيد من الفروع

جون كاسن؛ السفير البريطاني في مصر

عجينة الطعمية المصرية الأصيلة مع حشوة باذنجان وطماطم، كانت هي خلطة الشيف مصطفى الرفاعي الذي انطلق مع فريق مطعم «زوبا» إلى لندن لمنافسة المطاعم السورية واللبنانية والإسرائيلية في «بطولة العالم للفلافل»، وبعد يوم كامل من المنافسة حصلت «خلطة زوبا» على المركز الأول.

كما لفتت أنظار السفير البريطاني لدى مصر، جون كاسن، الذي كتب مهنئا على موقع تويتر: «والله وعملوها الرجالة، أتقدم بالتهنئة لأبطال العالم في بطولة الفلافل في لندن». وحازت المسابقة على اهتمام الصحف العالمية، على رأسهم

الجارديان

حيث كتبت: «هناك جدال بين بلدان الشرق الأوسط حول أيها كان أسبق في اختراع الفلافل، ولقد أعطى مهرجان الفلافل فرصة المقارنة، والنتيجة كانت فوز المصريين». ووصف كاتب التقرير المصريين بـ «ملوك أصناف الفلافل» حيث جاءت الفلافل التي قدمها المصريون «لتهزم غيرهم شر هزيمة»، على حد وصفه.

وتُعدّ هذه المسابقة – التي نظمها الاتحاد العالمي للبقوليات – جزءًا من عام البقوليات الدولي 2016، الذي أقرته اليونسكو باعتبار البقوليات قوة من أجل الخير؛ لأنها متوفرة بصورة دائمة وأسعار منخفضة. وتعتبر بريطانيا من أكثر الدول المصدرة للبقوليات، ومن هنا جاءت الدعوة لتنظيم تلك البطولة، حيث يقول دانيال يانج الكاتب والناقد الغذائي الذي استضاف الحدث: «تعدّ الفلافل وجبة صحية إلى حد ما، وتصنّف ضمن الأغذية الشهية، مثل: التاكو والبرجر والدجاج المحمّر».

ورغم انتشار الفلافل في العواصم العالمية، إلا أنها تُقدّم بالنكهة السورية واللبنانية و«فوز المطعم المصري بالمركز الأول في المسابقة متفوقا على جميع المطاعم وعلى رأسها المطعم الإسرائيلي يعد نجاحا من نوع خاص»، على حد تعبير الرفاعي الذي اعتاد على خوض المغامرات. حيث بدأ حياته بغسل الصحون في الولايات المتحدة الأمريكية؛ ليتمكن من دراسة فن الطهي حتى حصل على بكالوريوس في الضيافة وفن الطهي من جامعة هنري فورد، بولاية ميتشجن، قبل أن يصبح مدرسًا بالجامعة. ثم ترك التدريس ليتشارك في إنشاء «مطعم زوبا» مع شريكه المصري الأمريكي كريستوفر خليفة، وتحول المطعم من فرع واحد إلى 5 فروع.


الخطوة الرابعة: علامة تجارية بحق امتياز

والله وعملوها الرجالة، أتقدم بالتهنئة لأبطال العالم في بطولة الفلافل في لندن

بدأت قصة «جست فلافل» كقصة أي مطعم صغير، أما طموحه الذي تخطى المنطقة العربية وصولا إلى أطراف العالم، فهي قصة فاقت كل التوقعات. فمنذ اليوم الأول وضع مؤسسو المطعم نصب أعينهم هدفا، وهو أن يجعلوا من الفلافل طبقا عالميا، وأن يجعلوا اسم «جست فلافل» مرادفا للفلافل في أي مكان، بنفس الطريقة التي اقترن بها اسم «ماكدونالدز» بشطيرة البرجر واسم «ستاربكس» بالقهوة.

وتبدأ القصة عام 2007، بمغترب لبناني في دولة الإمارات يُدعى محمد بيطار، حيث بحث عن مكان يقدم الفلافل لكنه لم يجدها بشكل مناسب، وكان كلما تعمق بالفكرة ازداد استغرابه؛ لعدم انتشار هذا الطبق كطبق السوشي (الطبق الوطني لليابان) والباستا (الطبق الوطني لإيطاليا)، وخاصة أن الفلافل طبق نباتي ولا توجد مطاعم كثيرة تقدم المأكولات النباتية.

رأى بيطار أن يؤسس مطعمًا متخصصًا في بيع الفلافل وقام بمشاركة علياء المزروعي – سيدة أعمال إماراتية رائدة في إنشاء الأعمال المتسلسلة – في افتتاح أول فرع لـ «جست فلافل» في أبو ظبي، ومع حلول عام 2010 كان للمطعم فرعان في أبو ظبي، ولكن نموه لم يقنع مؤسسيه.



استطاع جست فلافل الوصول للعالمية مع بداية أول فرع في أبو ظبي بتقيدم ثلاثة أنواع من سندوتشات الفلافل: تقليدي ويوناني وهندي

في تلك الفترة، التقى بيطار بـ «فادي ملص» الذي يمتلك خبرة كبيرة في مجال السندات الخاصة، وناقش معه فكرة التوسع ليس من خلال افتتاح فروع أخرى بل من خلال منح حقوق الامتياز التجاري، الذي يفتح الطريق أمام هذه العلامة التجارية للوصول إلى أكبر قدر من المستهلكين في أكبر قدر من المواقع الجغرافية.

وهكذا بدأ الرجلان تحقيق حلمهما الكبير فعكفا على دراسة كيفية الارتقاء بالمطعم إلى مرحلة العالمية، وعملا بشكل مكثف على جمع الإحصائيات والدراسات وإستراتيجيات الأعمال، كما قاما بدراسة مناهج عمل أكبر سلاسل المطاعم مثل «صب واي» (40 ألف فرع)، و«ماكدونالدز» (36 ألف فرع)، و«ستاربكس» (18 ألف فرع) حول العالم.

وخلصوا إلى نتيجة هامة أصبحت فلسفة الشركة، وهي: «إن أردت بناء علامة تجارية قوية فيجب أن تقوم بطرح متخصص ومفهوم مميز».

ويقول فادي ملص، الرئيس التنفيذي لـجست فلافل: «معرفتنا المزيد عن منح حقوق الامتياز التجاري، جعلنا نفكر في أن سلاسل المطاعم الغربية يمكن أن تأتي وتفتتح مطاعم هنا، فلماذا لا نفعل الشيء نفسه ونذهب ونتوسع في الغرب؟». واعتبر البعض هدفهما جنونيا فالطبق الشرقي المتواضع المعروف بأكلة الفقراء؛ لاعتماده على مكونات منخفضة التكلفة، كيف سيجعلونه طبقا عالميا؟

ولكنهم استطاعوا الوصول للعالمية فعند تدشين أول فرع لـ جست فلافل في أبو ظبي عام 2007، كان يقدم ثلاثة أنواع من سندوتشات الفلافل: تقليدي، وعلى الطريقتين اليونانية والهندية، والآن تقدم الشركة عشرة أنواع بأساليب عالمية مختلفة منها: الياباني، والمكسيكي، والإيطالي، والمصري. كما كانت انطلاقة المطعم ناجحة جدا، وبعد عام من الافتتاح كان للمطعم فرع آخر في أبو ظبي، ثم افتتح بعدها 3 فروع في دبي وبعد مرور حوالي 9 سنوات على البداية وصل عدد الفروع إلى 650 فرعا حول العالم: في بريطانيا، والولايات المتحدة، والهند، وكندا، فضلا عن أكثر من 10 دول عربية من بينها الإمارات والسعودية والكويت ومصر ولبنان.

وذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» أن الشركة تخطط لافتتاح 19 فرعًا في جميع أنحاء المملكة المتحدة وأيرلندا، عن طريق منح الامتياز لشركاء آخرين ضمن خطط لإطلاق أكثر من 900 فرع حول العالم بنهاية العقد الحالي. وحققت السلسلة أرباحًا بلغت أكثر من 7 ملايين درهم عام 2011 مقابل 2,6 مليون درهم عام 2010، وتضاعفت أرباح الشركة التي تقول إنها توظف 3 أشخاص يوميا، إلى نحو 3,5 مليون دولار عام 2012 بما يقارب 291 ألف دولار شهريا وأكثر من 9 آلاف دولار يوميا.

النجاح لا يعتمد على الفهلوة وحسن الطالع كما يعتقد البعض، فكل هؤلاء بدأوا بفكرة صغيرة والمشترك بينهم هو الابتكار. فلتعيد خططك المستقبلية وطريقة تفكيرك حتى تجعل من حياتك قصة نجاح جديدة يُقتدى بها.


المراجع




  1. مصر تفوز بكأس العالم في الطعمية.. الشيف الفائز: هزمنا المطعم الإسرائيلى
  2. “فوليولوجي” عربية فول مصنوع بالأيادي الناعمة
  3. أبطال صنعهم الفول.. “نهلة وصافي وبيتر”
  4. 10 آلاف جنيه تكلفة مشروع “عربية فول ”
  5. جست فلافل_ من أبوظبي إلى لندن

  6. مطاعم الفلافل تسعى لكسر هيمنة سلاسل الوجبات السريعة العالمية