شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 62 محتوى مترجم المصدر Foundation for Economic Education التاريخ 2016/11/01 الكاتب توم ج. بالمر أصل هذه المقالة هو كلمة ألقاها توم جوردون بالمر، وهو كاتب وأكاديمي ليبرتاري معروف، في الفريدوم فيست 2016، وهو احتفال ثقافي ليبرالي يعقد سنويا، ولا يتبع أية جهة. تتناول تلك الكلمة ثلاثة من أبرز الفلاسفة الذين تسببوا في نظره بشكل خطر في العداء للحرية.وقد قمنا بترجمة تلك المقالات على الرغم من تحيز كاتبها الشديد للأفكار الليبرالية/الليبرتارية، إذ أنها تقدم مدخلا جيدا لاثنين من أهم ملهمي الحركات اليمينية وهما الألمانيان مارتن هايدجر وكارل شميت، علاوة على رائد النيوليبرالية فريدريك فون هايك. هذه المقالة هي الجزء الأول من ثلاثة أجزاء، كل منها مخصص لأحد هؤلاء المفكرين، وهذه المقالة عن هيدجر.الهوامش المنجمة هي من إضافتنا لتوضيح بعض المفاهيم التي يستعملها الكاتب في مقالته بكثافة. كثير من المشكلات التي تواجهنا اليوم هي من صنع الفلاسفة. اتضح أنه من ضمن أكثر الأشياء خطورة في العالم، فيلسوف يملك سلطة. التفكير منهجيًا في الأشياء والتوصل إلى الأفكار الخاطئة يمكن أن يؤدي إلى أفكار سيئة منهجيًا: الشيوعية، والفاشية، والإسلام السياسي، وأيديولوجيات أخرى عديدة ساهمت بشكل كبير في المعاناة الإنسانية، لأنها فلسفات تفعل هذا بمنهجية أكبر بكثير من مجرد أفعال عشوائية للقسوة أو الغباء. كتب هؤلاء الفلاسفة الثلاثة بالألمانية، رغم أن الثالث كتب كثيرًا من أهم كتبه المتأخرة بالإنجليزية. أول اثنين مهمان بالنسبة إليّ لاعتقادي بأننا نستطيع استشفاف تأثيرهما في كل التحديات الثقافية والسياسية الكبيرة المنظَّمَة ضد القيم والمبادئ الليبرتارية حول العالم؛ في الجماعانية** السياسية الحديثة، والقومية، والشعبوية، والاعتداءات اليسارية بحجة اللياقة السياسية* على حرية التعبير، والإسلام السياسي الراديكالي، والفاشية الصاعدة، والاشتراكية الوطنية (النازية) في أوروبا. سأتحدث عما قد يبدو مسائل تقنية في الفلسفة، بعضه بلغة ملغزة، لكن ستكون هناك مكيدة، وحرب، و – بما أن هذا هو كوكب هوليوود – نازيون أشرار أيضًا. مارتن هايدجر أول فيلسوف هو أكثرهم صعوبة في القراءة والفهم لأنه كتب بأسلوب، في رأيي، غامض بشكل متعمد. كان اسمه مارتن هايدجر، وهو يُعتبر في رأي الكثيرين واحدًا من أكبر المفكرين تأثيرًا في القرن العشرين. حقق شهرته الكبيرة في الفلسفة عام 1927 بنشر كتابه الكينونة والزمان، بداية لعمل أطول لم يكتمل قط. في كتابه، بدا أنه يتبع برنامج الرجل الذي شاع الاعتقاد بأنه معلمه، لكن عرفنا بعد ذلك أنه احتقره وتخلى عنه بمجرد أن استخدمه لتأمين موضع قوي لنفسه كخليفته في الجامعة. كان ذلك الرجل هو إدموند هوسرل، يعتبر مؤسس التيار الفينومينولوجي في الفلسفة، وهي طريقة علمية تتم بواسطتها الدراسة الموضوعية لما كان بدونها يُعدُّ أمورًا ذاتية، مثل الوعي، وهذا الوعي يعمل كإدراك وحكم ومقارنة، وهلم جرا. فلسفة هايدجر يتساءل هايدجر عن معنى الكينونة، وهو مصطلح جرى اعتباره إمّا عامًا للغاية أو خاويًا للغاية، فيستعصي على الوصف. مع ذلك، وقد ظهر أنه يبتدئ بطريقة فينومينولوجية، ينظر هايدجر في نوع الكائن الذي يتساءل بشأن الكينونة، وذاك هو نحن، وهو ما يعطيه مصطلح Dasein، بالألمانية، (الدازين/الكائن). يزعم بجراءة أننا نستطيع فهم معنى الكينونة بدراسة سؤالنا ذاته عنها. دشّن هايدجر ما سيصبح معروفًا باسم الوجودية، حيث يجادل بأننا نستطيع استخدام أدوات القياس لتسمية الطرق التي نستطيع من خلالها التحدث عن الشيء خلال ذلك، دشّن ما سيصبح معروفًا باسم الوجودية، حيث يجادل بأننا نستطيع استخدام أدوات القياس لتسمية الطرق التي نستطيع من خلالها التحدث عن الشيء، مثل مادة وكمية ونوعية وعلاقة ومكان ووقت، إلخ، لكن على العكس، الكائن تشكله الوجوديات. ينفي أن يكون للـكائن جوهر، أو «ماهية»، لأن جوهره يتعين بالأحرى في حقيقة أنه في كل حالة له كينونته، وتكون تلك الكينونة خاصة به. يكتب: «الكائن دائمًا يفهم نفسه من حيث وجوده هو – من حيث احتماليته ذاته: أن يكون ذاته أو لا يكون ذاته». بدا هذا الكلام مثيرًا جدًا وقتها وبدا أنه يتيح لنا البدء بالبشر كما نحن حقًا في العالم، قبل أن نصل لدراسة أنفسنا باستخدام الطرق العلمية. وهكذا، نعيش في عالم حيث نرتبط بعلاقات، لا مع أشياء موصوفة علميًا، لكن مع الأشياء كما هي جاهزة لاستخدامنا. حين أرتبط بعلاقة مع منصة قراءة، لا أرتبط بها كما يمكن وصفها بقوانين فيزياء نيوتن أو الكم، لكن كشيء مفيد أريح ذراعيّ فوقه. إنه بالبناء على تلك العلاقة الابتدائية، بأن نتواجد في العالم كموطننا، ربما نستطيع الوصول إلى فهم أفضل لأشياء مثل الفهم العلمي، لأنه هو نفسه متجذر في شيء أكثر أوّلية. على النقيض من إيمانويل كانط، الذي بدأ بالتأكيد على حقيقة الرياضيات الإقليدية وقوانين نيوتن الفيزيائية ثم حاول الكشف عما يجب أن يكون حقيقيًا من الناحية الميتافيزيقية بالنسبة لتلك العلوم كي يكون صحيحًا، اقترح هايدجر البدء بتراكيب الوجود الإنساني، بغير افتراضات عن الأشياء كما تُفهم علميًا، ثم بناء فلسفة عن الوجود الإنساني. إذن فالتصنيفات تشكل تصوراتنا عن الأشياء، لكن الوجوديات تشكل وجودنا نحن. اللافت للنظر، مع ذلك، هو كم من تلك الوجوديات المزعومة وتراكيبها مستمد من الأدبيات التي انبثقت عن الحرب العالمية الأولى وتجربة القتال والموت، كالأصالة، والحزم، والصمود، والكينونة باتجاه الموت. قدّم هايدجر رداءً ميتافيزيقيًا للموضوعات الثقافية كالعنف والقسوة والهيمنة التي بزغت من الحرب، خصوصًا كما مجدها الروائي وكاتب المقالات إرنست يونغر، الذي كان له تأثير كبير على هايدجر. تاريخ هايدجر من المشهور أن هايدجر انضم علنًا لحزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني عام 1933 بعد استيلاء هتلر على السلطة. نظّم وأشرف على المنظمات العسكرية للطلاب وهيئة التدريس، وأصر على الولاء العام لمبدأ القيادة أو الـ Führerprinzip، وأكثر من هذا. بعد الحرب، أنكر أنه كان نازيًا، قدم نفسه كفيلسوف ساذج ومرتبك خاب أمله في الحزب بعد عام واحد فقط، وتراجع إلى نوع من المعارضة الخاصة… إلخ، إلخ. لم تكن لأفكاره أبدًا معانٍ متضمنة في الاشتراكية الوطنية (النازية) ويجب الحكم عليها بشكل مستقل، وما إلى ذلك. كانت كلها أكاذيب كلها. بعد الحرب، عندما كانت مسيرته المهنية كلها معرضة للخطر، أنكر هايدجر أنه كان نازيًا أو حتى متعاطفًا، وقال إنه لم يقرأ كتاب «كفاحي» بسبب بشاعة الأفكار التي وجدها فيه، وهو ما كان كذبًا بوضوح. كما اكتشف المؤرخ هيوغو أوتّ بجامعة فرايبورغ أثناء تفحصه لمقالات صحف ذلك الوقت، ومذكرات خاصة، وسجلات الحزب، ومراسلات شخصية، وكثير غيرها، أن كل ما قاله هايدجر علنًا بعد الحرب تقريبًا كان كذبًا. في الحقيقة، لم يكن هايدجر أستاذًا ساذجًا اختاره وزير التعليم ليأتي ويتولى عبء الإدارة بعد أن أبعدت السلطات سلفه. كشفت سجلات الحزب أنه كان عميلًا ومتعاونًا نشطًا مع الحزب الاشتراكي الوطني (النازي) قبل أن يتم تعيينه كرئيس للجامعة، وقد تآمر معهم بنشاط للاستيلاء على الجامعة. أبلغ أستاذٌ من أعضاء الحزب الاشتراكي الوطني مسؤوله الحزبي يوم 9 أبريل/نيسان 1939 في مذكرة مكتوبة أنه: تناولًا للنقطة الأولى التي أثيرت في آخر مناقشة لنا، بخصوص تحالفات أساتذة الجامعة الاشتراكيين الوطنيين، لقد تأكدنا أن الأستاذ هايدجر قد دخل بالفعل في مفاوضات مع وزير التعليم البروسي. إنه يتمتع بكامل ثقتنا، ومن ثم نود أن نطلب منك اعتباره المتحدث بلساننا هنا في جامعة فرايبورغ للوقت الحالي. الأستاذ هايدجر ليس عضوًا في الحزب، وهو يظن أنه من الأفضل عمليًا أن يظل هكذا للوقت الحالي حفاظًا على حرية أكبر أمام زملائه الآخرين أصحاب المواقف غير الواضحة أو المعادية بصراحة. إنه مستعد تمامًا، مع ذلك، للانضمام إلى الحزب إذا اعتُبر هذا مفيدًا لأسباب أخرى. لكنني سأرحب بالأمر على وجه خاص إذا تمكنتَ من إقامة اتصال مباشر مع الأستاذ هايدجر، وهو على دراية تامة بكل النقاط التي تهمنا. هو تحت تصرفك في الأيام التالية، لكن يجدر بي قول إنه سينعقد اجتماع في فرانكفورت يوم الخامس والعشرين وقد يفيدنا بحضوره كالمتحدث باسم جامعتنا. (أوتّ، ص144) الأكاذيب التي قالها هايدجر لإنقاذ حياته البائسة روّج لها عدد كبير من المثقفين المعادين للتحرر الذين احتشدوا لإنقاذه في الأيام الأخيرة من الحرب ولعقود تالية حتى وفاته عام 1976 وبعدها. المدافعون عنه كان من أبرزهم التفكيكي الفرنسي جاك دريدا الذي دافع بثبات عن هايدجر حتى وفاته عام 2004. كان مارتن هايدجر واحدًا من أصعب الفلاسفة على الفهم لأنه، من ناحية، كان ماهرًا جدًا في إخفاء أفكاره وراء غيوم من النثر المستغلِق، ومن الناحية الأخرى، قادرًا على تزوير سجله خلال الحقبة النازية [1] . كان في الوقت نفسه واحدًا من أقوى هؤلاء الفلاسفة تأثيرًا؛ تسربت أفكاره المناهضة للفردانية وحفزت أقصى اليمين، وأقصى اليسار، و«الإسلام السياسي» [2] الراديكالي العنيف، والحركة البيئية الراديكالية – التي منحها قوتها مقاله المؤثر «السؤال عن التقنية»، و«مقاتلي» العدالة الاجتماعية الذين يراقبون ويُسكتون الآخرين باسم «اللياقة السياسية» – وحركات جمعوية*** أخرى. عشرات من قراء ما بعد الحرب العالمية الثانية الذين حيرتهم كتاباته عن «الوجود» ظنوا أن هايدجر كان يكتب عما يعنيه أن «تكون» كائنًا إنسانيًا فردًا أو أن توجد أنت أو أنا كبشر. في الحقيقة، كما أوضح خلال فترة الاشتراكية الوطنية (النازية)، عندما كان يستطيع التحدث بصراحة أكبر عن أفكاره، الدّازين (الكائن) هو شيء نستطيع التحدث عنه فقط بالضمير الجماعي «نحن»، وخصوصًا، الدّازين الخاص بشعب معين، الشعب الألماني. كما أعلن هايدجر في محاضراته بعد استيلاء الحزب الاشتراكي الوطني على السلطة: يعني هذا، أنه «بعثوره على قيادته»، سيقرر القائد (الفوهرر der Führer) لكل الشعب. وحقًا، هذا الدّازين الجماعي، بعثوره على قيادته، ستُبث فيه القوة: «فقط عندما نكون ما نحن صائرون إليه، من عظمة استهلال الدّازين الخاص بروحنا وشعبنا، حينها فقط نكون جديرين بقوة الهدف الذي يكافح تاريخنا للوصول إليه» [4] . رينيه ديكارت المشهور بصياغته لجملة «أنا أفكر إذن أنا موجود Cogito ergo sum» استهجنه هايدجر لأنه، بالنسبة إلى ديكارت، «أنا الكائن الإنساني المفكر تنتقل بالتالي إلى مركز المعرفة البشرية الممكنة حقًا» [5] . ابتغى هايدجر استبدال الـ «أنا» بالـ «نحن» الجماعية. كما صرح في سلسلة محاضرات غريبة جدًا عن المنطق ألقيت في ظل النظام الاشتراكي الوطني، والتي لم يكن يربطها إلا القليل بما هو معروف عادة كالمنطق والكثير جدًا بعنصرية هايدجر المتحمسة والاشتراكية الوطنية، «نملك … ميزة أن التساؤل عن وجودنا نحن قد حان وقته، وهو المختلف عن وقت الليبرالية، وقت-الأنا. الآن هو وقت-النحن» [6] . لم تكن الـ «نحن» مجرد هذا أو ذاك «الحشد المجهول» أو «الحشد الثوري»، لكن الشعب الألماني. كما هو الحال مع ماركس، بالنسبة لهايدجر، لم يكن الدّازين وجود فرد «منعزل» و«بائس»، ولا مجرد تجمعات منهم، لكن مجموعًا واعيًا بذاته. في حالة ماركس كان هذا الطبقة والدولة، وفي حالة هايدجر الشعب الألماني والدولة: «يصير واضحًا سبب عدم اتساق طبيعة النفس مع انعكاسية الأنا، الخاصة بالنزعة الذاتية؛ لأن نسف السلطة الزمنية للأنويّة والذاتية هو بالضبط ما ينقل الدّازين، من حيث كان، بعيدًا عن نفسه، إلى الكينونة وبالتالي يجبره على التحقق» [7] . أداؤه كله غارق في الاستنباطات غير المنطقية، واللغة المبهمة، والقفزات الاستدلالية غير المبررة (أحيانًا يبررها تشابه الكلمات في اللفظ)، وحركات أخرى، لكن هايدجر عدّه واحدًا من أهم أعماله، مع أنه لم يُنشر إلا بعد سنوات كثيرة من وفاته، عندما بدأت أعماله النازية الصريحة في الخروج من السجلات. تأسيس اللياقة السياسية يمر الشعب الألماني حاليًا بلحظة عظمة تاريخية: يعرف شباب المؤسسة الأكاديمية هذه العظمة. فما الذي يحدث إذن؟ يستعيد الشعب الألماني ككلٍ ذاته، ما يعني، أنه يعثر على قيادته. في ظل هذه القيادة، الشعب الذي استعاد ذاته يصنع دولة.[3] مهد هايدجر الطريق لرفض الحرية والمسؤولية الفردية في العقود الأخيرة بإصراره على أن المنصة المحورية ينبغي أن تحتلها الـ نحن، في حالته الـ نحن الخاصة بالشعب الألماني، الذي اعتبره شعبًا تاريخيًا بمهمة تاريخية. رفْعُ هايدجر لمفهوم «الأصالة» كاختبارٍ للوجود الحقيقي مهد الطريق لمجموعة كبيرة من الحركات المضادة للفردانية: الموجة الوطنية، والعنصرية، والاشتراكية، والعرقية، وحتى الموجة الحديثة للهويات «اللائقة سياسيًا». قام آخرون ببساطة بإبدال تجمعات أخرى محلّ الشعب الألماني، تمشيًا مع فكرة هايدجر عن التعدد المنطقي (فكرة وجود حقائق مختلفة لمجموعات مختلفة) ورفضه للحقائق الكونية. [8] وفي كل الأحوال، هو وجود أصيل يتأكد بكونه جماعيًا، ويختلف عن الـ «أنا» البسيطة في صحبة الأفراد الآخرين التي تميز الليبرالية الكلاسيكية. الجمعوية الميتافيزيقية، التأكيد على أن الوجود ذاته جماعي في الأصل، تبناها بحماسة متطرفون عدوانيون مناهضون للفردانية من اليسار واليمين، كلهم يؤكدون أن غمرهم الأيديولوجي للفرد في الكل الأكبر هو التبني للدّازين «الأصيل»، وكلهم مشتركون في رفضهم لفكرة الحرية والمسؤولية الفردية. بالطبع، هذا الاستحواذ على الفرد بداخل الـ «نحن» يعني دائمًا خضوع بعض الأفراد، عادةً الأغلبية، لأفراد آخرين، عادةً عصبة صغيرة جيدة التنظيم استولت على السلطة لصالحها باسم المجموع. يجدر أن أضيف، لوضعه في إطار المشهد الأمريكي، أن موجة اللياقة السياسية مشتقة أيضًا من أحد أشهر تلاميذ هايدجر، المُنظّر الماركسي هربرت ماركوز، الذي رأى في هايدجر الأسس الميتافيزيقية للجمعوية الماركسية. كما كتب بحماسة عام 1928 عن الكينونة والزمان: «يبدو أن هذا الكتاب يمثل نقطة تحول في تاريخ الفلسفة: النقطة التي تُبطل الفلسفةُ البرجوازيةُ عندها نفسها وتفسح الطريق لعلم جديد و ’صلب‘». ما أثار حماسة ماركوز كان الطريقة التي ستذوب بها القواعد الرسمية في حياة صلبة، جماعية حتمًا، وهكذا يمكن إزاحة سيادة القانون التي تميز الليبرالية بعيدًا. كما اقتبس في كتابته متدفقة العواطف عن عمل هايدجر: بإدراكه للإلقاء التاريخي للدازين وحتميته ورسوخه التاريخي في ’مصير‘ المجتمع، دفع هايدجر استقصاءه الراديكالي إلى أكثر نقطة متقدمة حققتها الفلسفة البرجوازية حتى الآن – وتستطيع تحقيقها. وجد أن أنماط السلوك الإنساني ’اشتقاقية‘، مؤسسة في الاستعداد، وبالتالي أوضح أن الممارسة هي مجال القرار. حدّد لحظة القرار – العزم – لتكون موقفًا تاريخيًا، والعزم نفسه ليكون سيطرة على المصير التاريخي. مقابل المفاهيم البرجوازية عن الحرية وتقرير المصير، طرح تعريفًا جديدًا للحرية باعتبارها القدرة على اختيار الضرورة، القدرة الأصيلة على انتزاع الممكنات التي تم فرضها وتحديدها مسبقًا. علاوة على ذلك، عيّن التاريخ كالسلطة الوحيدة بالمقارنة مع هذا ’الإخلاص لوجود المرء الخاص. فيما بعد، في الولايات المتحدة، أصبح ماركوز قائدًا لأقصى اليسار، وجادل بأن الرأسمالية والليبرالية قد تخللتا كل أنماط الحياة لدرجة أن الطريقة الوحيدة للتحرر منهما، للوصول إلى الحرية الحقيقية، هي بإلغاء التسامح. في كتابه الصادر عام 1965، «التسامح القمعي»، أعمق مصادر اللياقة السياسية ومقاتلي العدالة الاجتماعية، جادل بأن تحقيق التحرر سيتطلب: سحب التسامح مع حرية التعبير والتجمع من الجماعات والحركات التي تروج للسياسات العدوانية والتسلح والشوفينية والتمييز على أساس العرق والدين، أو التي تعارض تمديد الخدمات العامة والتأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، إلخ. علاوة على ذلك، قد يقتضي ترميم حرية الفكر قيودًا جديدة وصارمة على التدريس والممارسات في المؤسسات التعليمية التي، بطرقها ومفاهيمها، تخدم تقييد العقل بداخل العالم المُعْتَمَد للحديث والسلوك — وبذلك تعيق بداهةً التقييم العقلاني للبدائل. وبقدر اشتمال حرية الفكر على النضال ضد الوحشية، ترميم تلك الحرية سيستلزم أيضًا عدم التساهل مع البحث العلمي الذي يخدم أدوات الردع القاتلة، والتحمل البشري غير الطبيعي في ظروف غير إنسانية، إلخ. فكرة الأصالة التي روّج لها هايدجر هي فكرة رئيسية أخرى نشرتها الحركات المناهضة لليبرتارية، والتي تكون فيها الذات الجماعية الأصيلة متحررة حسب ادعائهم من النهج الليبرالي التجريدي القائم على القوانين. كل حركة فاشية وطنية حديثة، كل حركة شعبوية حديثة في الوقت الحالي، لها جذور منغرسة عميقًا في التربة التي أعدها هايدجر، الذي عثر على الوجود الأصيل في الجماعية التاريخية، التي يمكن اعتبارها جماعية وطنية-لغوية-عرقية، كالصفات الألمانية، أو الأمة الإسلامية، أو مجتمع المؤمنين. أفكار هايدجر محورية بالنسبة لـ «حركة من أجل هنغاريا أفضل» النازية الجديدة، وحركات «الفجر الذهبي» في اليونان، والحركة الأوراسية الجديدة النازية في روسيا، وفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والإسلام السياسي الراديكالي عمومًا. الجمهورية الإسلامية هي أشد الحالات إثارة للاهتمام، لأن القادة الفكريين وراء تأسيسها كانوا هايدجريين ملتزمين للغاية. * اللياقة السياسية أو الصواب السياسي Political Correctness: يستخدم الكاتب هذا التعبير بكثافة في مقالته هنا، وهو يعود إلى الفيلسوف الماركسي الذي أقام في الولايات المتحدة، الذي رأى أن علينا ألا نتسامح مع الأفكار العنصرية واليمينية المتطرفة، وأن نفرض بالتالي لغة لائقة على المجال السياسي تستبعد تلك الأفكار، ما اعتبر من قبل اليمين تقييدا لحرية الرأي.** الجماعانية Communitarianism: هي الفلسفة التي تركز على ارتباط الفرد بالجماعة.*** الجمعوية Collectivism: هي الفلسفات التي تؤكد أولوية الجماعة، وهي بالتالي ضد الفردانية، والجماعانية في تأكيدها ارتباط الفرد بالجماعة ليست بكل أطيافها جمعوية بالضرورة تؤكد أولوية الجماعة عليه، وإنما أحيانا تنتقد فحسب فردانية الليبرالية الكلاسيكية المتطرفة.[1] انظر إيمانويل فاي، هايدجر: إدخال النازية في الفلسفة (The Introduction of Nazism into Philosophy) (نيو هيفن: دار نشر جامعة ييل، 2009) وهيوجو أوتً، مارتن هايدجر: حياة سياسية (Martin Heidegger: A Political Life) (نيويورك: بيزك بوكس، 1993).[2] للقراءة عن تأثير هايدجر على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، انظر: Ali Mirsepassi, “Religious Intellectuals and Western Critiques of Secular Modernity,” Comparative Studies of South Asia, Africa, and the Middle East, Vol. 26, No. 3 (2006), pp. 416-433.[3] مارتن هايدجر، الكينونة والحقيقة (Being and Truth, trans. by Gregory Fried and Richard Polt (Bloomington, In.: Indiana University Press, 2010), p. 3.) ألقيت المحاضرات التي بالكتاب عاميّ 1993-1934، بعد تولي الحزب النازي السلطة في ألمانيا.[4] المرجع السابق، ص. 6. كما يعلن بوضوح: «الدّازين الألماني الغربي الخاص بنا» يشير إلى «وجودنا التاريخي مع الآخرين في العضوية البشرية». وما إذا كانت «الثقافة الزائفة الاشتقاقية ستنهار على نفسها أخيرًا … يعتمد كليًا على ما إذا كنا كشعب ما نزال مصممين على هذا، أو لم نعد مصممين». (ص11)[5] المرجع السابق، ص33.[6] Martin Heidegger, Logic as the Question Concerning the Essence of Language, Wanda Torres Gregory and Yvonne Unna, trans. (Albany: State University Press of New York, 2009), p. 45.[7] المرجع السابق، ص139.[8] التعدد المنطقي، في كل من نسختيه النازية والماركسية المختلفة عنها ظاهريًا فقط، وجه إليه انتقادات لاذعة لودفيغ فون ميزس في كتب Omnipotent Government: The Rise of the Total State and Total War (1944)، Theory and History (1957)، Human Action: A Treatise on Economics (1966). يمكن شراؤها أو الوصول إليها على الإنترنت، على الرابط التالي: http://oll.libertyfund.org/people/ludwig-von-mises. قد يعجبك أيضاً لماذا يحب اليمين المتطرف نيتشه؟ جنود طيبة: أقباط المهجر في ملكوت السياسة انقلابات المغرب الفاشلة ضد الحسن الثاني والمخزن (2-2) من الخانكة ١٩٧٢ لطنطا والإسكندرية ٢٠١٧: من يتحمل المسؤولية؟ شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram سارة العناني Follow Author المقالة السابقة دليلك لدراسة العلوم السياسية في مصر بعد الجامعة المقالة التالية 5 كتب للمفكر «علي شريعتي» تفتح لك آفاقًا فكرية جديدة قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك من كولومبيا إلى لبنان: كيف حرك «مارك» الملايين إلى الشارع؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك ليس مجرد فقاعة: أحمد قنصوة كما يعرفه فيسبوك منذ 8... 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك المسلمون في الهند: اذهبوا لباكستان أو إلى الجحيم 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك المطبوعات الجديدة: ما الذي كان يقرؤه المصريون والعرب منذ أكثر... 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الجبل الجليدي: نظرة على اقتصاديات المخدرات 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «محمود شيت خطاب»: عربيٌ رائد للمدرسة العسكرية الإسلامية 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك المدينة، دمشق، بغداد: كيف أصبحت عواصم للدولة الإسلامية؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك السيرة الذاتية مصدرًا للتاريخ: القدس في مذكرات أهلها 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الاجتهاد الديني: من رحابة الوحي إلى تنظيم المؤسسة 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك ذاكرة يناير: من يكتُب حكايات الثورة؟ 28/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.