للكوليرا

تاريخ


طويل

في الفتك بالإنسان، مما صنع لاسمها في آذان القدماء والمعاصرين صدىً مرعبًا مفجعا. وقد خلَّد اسمها بعض الأدباء، فلجابرييل ج. ماركيز رواية مشهورة عنوانها «الحب في زمن الكوليرا»، وافتتحت الشاعرة العراقية الراحلة «نازك الملائكة»، الشعر العربي الحر عام 1947 بقصيدة «الكوليرا». وفي رواية «الأيام» لطه حسين، فصلٌ مأساويٌّ عن وفاة أخيه الأثير بالكوليرا.

سنحاول الولوج إلى عالم الكوليرا الأسود من بوابة الطب والعلم، لنعرف معًا أنها تستحق هذه السمعة المرعبة، لكن سنعرف أكثر أنه عارٌ على الإنسانية بعد كل هذا التقدم الطبي والعمراني أن تستمر أوبئة الكوليرا في الفتك بإخوة لنا، وآخرها وباء اليمن الحزين.


1. ما هو وباء الكوليرا؟

كلمة

وباء


epidemic

تعني زيادة حادةً غير معتادة في عدد الإصابات بمرضٍ مُعدٍ ما في مكانٍ وزمانٍ معيَّنيْن. ويمكن لوباءٍ أن يصبح

جائحة


ً

دولية

Pandemic

إذا أصاب مناطق مختلفة حول العالم في نفس الوقت. كما تستوطن الكوليرا

endemic

بعض المناطق الفقيرة المزدحمة متواضعة خدمات المياه والصرف في أفريقيا وسواها.

و

الكوليرا

نوع من الإسهال المائي

watery diarrhoea

الحاد الشديد، قد يصل إلى 30 مرة إسهال يوميًا، ينتج عن إصابة الأمعاء الدقيقة ببكتريا الفيبريو-كوليرا

vibrio-cholera

.

و

تقد


ِّ


ر


منظمة


الصحة


العالمية

عدد حالات الكوليرا سنويًا بحوالي 1.3 إلى 4 ملايين حالة، يتوفى منهم أكثر من مائة ألف. كما

تذكر

أنه في العام 2015 فقط، سجل حدوث أوبئة الكوليرا في كثير من بلدان أفريقيا والأمريكتيْن. ففي الكونغو الديموقراطية تعرضت 32 مقاطعة للوباء. وفي تنزانيا سجلت أكثر من 11 ألف حالة، لحسن الحظ كانت الوفيات أقل فيها من 150.2.


2. هل الوضع شديد السوء في اليمن؟

للأسف نعم. فقد تجاوز عدد الحالات المشتبه في إصابتها بالكوليرا حاجز الـ 100 ألف إصابة بنهاية الأسبوع الأول من شهر يونيو 2017،

توفي


منهم


أكثر


من


600

خلال شهر مايو 2017، وانضم إليهم

500


حالة

وفاة أخرى خلال الشهر الجاري. وتوقع مسئولون بالأمم المتحدة أن

يتضاعف


عدد


الإصابات


إلى


300


ألف

خلال الأسابيع القادمة إذا لم يتم تدارك الأمر.


3. ماذا عن الكوليرا في السودان؟

في السودان الشقيق الذي يعاني تحت وطأة المجاعات والحروب خاصة في جنوبه ودارفوره، تدور رحى خلافٍ طاحن بين الحكومة والمعارضة، عنوانه هو

الكوليرا

. خاصة بعد أن

أصدرت


السفارة


الأمريكية

في الأول من يونيو تحذيرًا إلى مواطنيها من وجود حالات إصابة مؤكدة بالكوليرا في أجزاءٍ عدة من السودان ومنها ولاية الخرطوم. فأطراف المعارضة تضغط على الحكومة للإعلان رسميًا عن وجود وباءٍ للكوليرا بالسودان، وذلك لتحذير الناس، ولدفع المؤسسات الصحية الدولية للتدخل.

ومنذ أغسطس الماضي حتى يونيو 2017،

سجلت

في 11 ولاية سودانية أكثر من 16 ألف حالة إصابة بإسهال مائي حاد (منها أكثر من مائتي حالة وفاة)، ترفض الحكومة السودانية تسميتها بالكوليرا. وكانت ولاية النيل الأبيض هي

أشد


المناطق


تضر


ُّ


ر


ً


ا

، فحتى آخر مايو، سجل فيها ما يقارب الألفيْ حالة، توفي منهم أكثر من خمسين.

وكانت

آخر


صولات


الوباء

ما سجل من وفاة أكثر من 15 لاجئًا في مخيمات للاجئي جنوب السودان في شرق دارفور في خلال أيامٍ قليلة. وللأسف، فإن الوضع مرشحٌّ للتفاقم نتيجة تدهور البنية التحتية الصحية والخدمية في السودان، ونقص مصادر المياه النظيفة، واستمرار الحرب الأهلية في جنوب السودان وما يصاحبها من تدميرٍ وتهجير، بالإضافة إلى حالة الإنكار من الحكومة السودانية، ومحاولة التهوين من شأن الوباء الحالي.


4. كيف ينتقل مرض الكوليرا إلى الإنسان؟

قد تنتقل البكتيريا عبر الأكل الملوث خاصة الوجبات البحرية، لكن

المصدر


الرئيس

لها هو مصادر مياه الشرب الملوثة، خاصة عندما تختلط خطوط مياه الشرب بالصرف الصحي. تذكر

الإحصاءات

أنه كان شائعًا في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أكثر من مائة عام، لكن بعد تطوير شبكات المياه والصرف، أصبح عدد الحالات المسجلة سنويًا

أقل


من


10


حالات

، غالبًا من القادمين من الخارج.

ولذا فالكوليرا في العصر الحديث هو رفيق الكوارث التي تدمر الخدمات الأساسية، كما هو الحال في اليمن الحبيب. فالحروب، والمجاعات، والفيضانات تمهد له الطريق بشدة.


5. لماذا ينتشر وباء الكوليرا بهذه السرعة المخيفة؟


تمتاز


بكتيريا


الكوليرا

بخصائص تسمح لها بالانتشار السريع، وسرعة إحداث الفعل المرضي بالأمعاء:

1. سريعة الانقسام بمعدلات جنونية، وتمكنها الأعداد الضخمة من عبور بيئة المعدة الحامضية القاتلة لها. فيصل إلى الأمعاء القدر الكافي لإحداث المرض.

2. سريعة الحركة لامتلاكها ذيلًا محرِّكا

flagella

.

3. إفرازها لسم معوي شديد.

4. خروج كميات كبيرة من البكتيريا مع الإسهال، لتكرر دورة الإصابة مجددًا.

يتنشر الوباء كالنار في الهشيم، خاصة لو وصلت الإصابة إلى محطات توزيع مركزية للمياه. فالجميع بلا استثناء يستخدم مياه الشرب. كما أن القائمين على رعاية المرضى سواءً كانوا أطباءً أو ممرضين أو أسر المرضى، وبالطبع عمال النظافة والتطهير .. إلخ، يمكن أن ينقلوا المرض أكثر لأنفسهم وغيرهم، إذا تعرضت أيديهم للبراز الملوث، ولم يقوموا بغسلِها وتعقيمها جيدًا، ثم وضعوا يدهم في فمهم، أو قاموا بإعداد الطعام بها.


6. ماذا تفعل الكوليرا بجسم الإنسان؟

تدخل بكتيريا الكوليرا عبر شرب الماء الملوث إلى الفم فالمريء فالمعدة، ثم الإثنى عشر فالأمعاء الدقيقة حيث ساحتها الرئيس.

تطلق

سُمًا


معويًا


entero-toxin

يسبب التهابًا شديدًا بجدران الأمعاء، يؤدي لإفراز كميات كبيرة من المياه والأملاح الذائبة الحيوية كالصوديوم والكلوريد والبوتاسيوم .. إلخ إلى تجويف الأمعاء ومنها إلى البراز، فيفقد الجسم الكثير من المياه في ساعات قليلة، ويحدث

الجفاف

، والذي يؤدي إلى هبوط حاد في الدورة الدموية، والفشل الكلوى الحاد، والوفاة.

كما تحدث اضطرابات شديدة في أملاح الدم

electrolyte disturbances

خاصة

نقص


الصوديوم

و

البوتاسيوم

، فتحدثُ اختلالاتٌ شديدة في وظائف المخ والقلب والكلى.


7. هل كل أدوار الكوليرا مميتة؟

لحسن الحظ، قد لا تصل كمية كافية من البكتيريا للأمعاء لإحداث إصابة شديدة في كل الحالات، ولذا فكثير من الأدوار خاصة لدى أصحاب المناعة والتغذية الجيدة، تكون محدودة لا تسبب الجفاف واختلالات الأملاح. لكن رغم ذلك، ففي الأوبئة الشديدة، وبدون العلاج العاجل، تتجاوز نسب الوفاة 50% من المصابين.


8. كيف نتغلب على وباء الكوليرا؟

  • تناغم على النطاق الكبير بين أجهزة الدولة لتطهير مصادر المياه، والعلاج العاجل للحالات الطارئة، والتخلص الآمن من النفايات والفضلات .. إلخ.
  • حملات مكثقة

    لتوعية


    المرضى

    بالأعراض الأولية، وبكيفية التنظيف الجيد لليد والطعام، والتخلص من الفضلات .. إلخ.
  • يمكن الاستعانة بتطعيم الكوليرا الفموي

    OCV

    ، لكن نسبة نجاحه منفردًا ليست كبيرة.

  • الحد


    من


    انتشار


    الوباء

    بالتوقف عن استخدام مياه الصنبور سواءً للشرب أو الغسيل أو إعداد الطعام .. الخ، والاقتصار على المياه المغلية لدقيقة على الأقل، أو المياه المعقمة المعبَّأة، وتجنب الأطعمة النيئة وغير المطهوَّة جيدًا خاصة الأسماك.
  • الركن الركين في

    علاج


    المصابين

    هو التعويض بالسوائل الفموية والوريدية فورًا

    fluid resuscetation

    خلال الساعات الأولى؛ مما قد يهبط بنسب الوفيات لأقل من 1%.
  • تضاف

    المضادات


    الحيوية

    للعلاج، لمساهمتها في سرعة الشفاء، وتقليل كمية البكتيريا في البراز، فتقلِّل فرص الانتقال. وأشهرها الدوكسيسيكلين

    doxycycline

    للكبار، والأزيثرومايسين

    azithromycin

    للحوامل والأطفال.