الرأي والرأي الأخر.

بهذه الكلمات الثلاث أعلنت قناة الجزيرة شعارها بعدما انطلقت في الأول من نوفمبر لعام 1996م من الدوحة، لتثبت أن الأداة الإعلامية تصلح أن تكون منبرًا لممارسة السياسة الخارجية.

لتصبح الجزيرة بعد عقدين من الزمان القناة الأولى عربيًا، كما يعتبرها أكثر من 51% من المتابعين لأكثر من مائة وعشرين محطة إخبارية أجنبية تبث في الشرق الأوسط مصدر لمعلوماتهم، كما نصت على ذلك استطلاعات

الرأي

التي أٌجريت في جريدة الواشنطن بوست الأمريكية، والتي اعتبرتها دراسات أخرى بأنها رائدة تطوير الإعلام الفضائي في الوطن العربي.


من أين بدأت الجزيرة؟

جاء تأسيس قناة الجزيرة بعد تولي الشيخ حمد بن خليفة لقطر على إثر انقلاب ناعم على والده الشيخ خليفة آل ثاني، والتي كانت من أولوياته حين ذلك القيام بصياغة جديدة للسياسة الخارجية للدولة القطرية، وذلك من أجل تعزيز مكانة قطر الإقليمية والدولية.

فكان لابد للشيخ حمد الاستناد على قوة تساعده أن يبقى طويلاً في الحكم، كما يكون من شأنها دعم مشروعه الخارجي، فقام بتبني سياسة الانفتاح السياسي وتعظيم قدرات بلاده الاقتصادية.

كما أنه وعى لعظم الأداة الإعلامية وما تحدثه من تغيرات فكرية ورسم للسياسة الخارجية، فما كان منه إلا أن أنشأ قناة الجزيرة في الأول من فبراير عام 1996، معتبرًا إياها أهم الأدوات الدبلوماسية للدولة الصغيرة في تعزيز دوره إقليميًا ودوليًا، [1] ومن ثم دعمها بمبلغ 140 مليون دولار.[2]


تبني قطر خطابًا إصلاحيًا

جاءت قطر مغردة خارج السرب منذ تولي حمد بن خليفة للحكم عام 1995 ، ففضلت أن تتبنى نموذجًا إصلاحيًا تعزز فيه دورها إقليميًا وتحتل به مساحة في المشهد السياسي، وتلعب بذلك دورًا فاعلاً في المنطقة.

جاء تبني قطر سياسة الإصلاح على صعيدين لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر؛ أولاً الصعيد الديني الذي قررت قطر فيه تبني الوسطية الإسلامية ونبذ العنف وكان عمود هذا الفكر هو الشيخ يوسف القرضاوي الذي رحل لقطر وأقام فيها من ستينيات القرن الماضي، فأنشأت قطر

مركز القرضاوي

للوسطية الإسلامية والتجديد والتي قامت رسالته على إحياء المنهج الوسطي للإسلام وبناء مجتمع إنساني قائم على العدالة.

ثانيًا: الصعيد السياسي والذي قامت فيه قطر بتبني فكرة الانفتاح على القوى الإقليمية والعالمية وقامت بدور الوساطة مما عزز دورها عربيًا وعالميًا، واستخدمت منبر الجزيرة الإعلامي مروجًا لتلك السياسة الإصلاحية، كما أنها لم تترك المجال السياسي الأكاديمي بلا منبر فقامت بإنشاء

المركز العربي

للأبحاث ودراسة السياسات والذي يكون فيه عزمي بشارة مديرًا عامًا للمركز.

جاء المركز مهتمًا بالعلوم الاجتماعية والإنسانية وخاصًا جانبها التطبيقي، واعتُبر المركز منبرًا للمناقشة الأكاديمية لقضايا الأمة العربية عن طريق القيام بتحليل سياساتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكان هدفه الارتقاء بالبحث العلمي مؤمنًا بأهمية دوره في الطريق الإصلاحي.


الجزيرة: منبرٌ للجميع


اهتمت الجزيرة بكفاءة المنتسبين لها وانعكس ذلك في شكل تقاريرها ووثائقياتها كما عززت اللغة العربية فيها واستخدمت بشكل أكثر إتقانًا، كما أنها لم تكتفِ بذلك بل سعت

ناشرة

للعربية، كما تمتع معدو تقاريرها بكفاءات متميزة جعلت من فريق الجزيرة فريقًا محترفًا، فكان أحمد منصور وفوزي البشير وفاطمة تريكي علامات فارقة في عمر القناة.

سطع نجم الجزيرة منذ تغطيتها لحرب العراق 2003 والتي كان لها فيها النصيب الأكبر من التغطيات الصحفية، والتي كان عنوان التغطية «الحرب على العراق»، كما سمت الجنود الأمريكيين «بالغزاة» والتي كانت المرة الأولى عربيًا أن تكون الآلة الإعلامية للحرب ليست في يد الغرب، وكما

اعتبرها

الإعلامي يسري فوده حين ذك أن الأداة الإعلامية ليست حكرًا على الغرب، وذلك حين

قال:

كما اُعتبرت الجزيرة حين ذاك مصدر المعلومات لوكالات الأنباء الغربية، مما أحدث طفرة في الإعلام العربي وأكسبها ثقلاً معرفيًا لدى الجمهور العربي.

ومنذ سطوع الجزيرة حاولت أن تكون منبرًا للجميع باختلاف توجهاتهم، فقامت باستضافة مثقفين وإعلاميين وناشطين من مختلف التيارات السياسية والفكرية الليبرالية والقومية واليسارية والإسلامية، مما جعلها تغرد خارج سرداب الإعلام المعتاد وظهر ذلك الانفتاح خلال ثورات الربيع العربي.

كما أن

AJ+

عربي جاءت عارضة ذلك التنوع والتعددية عبر مشاركة القصص المختلفة من قبل المشتركين؛ مما أدى إلى تكون مجتمع تعددي أظهر نوعًا من التعايش الغائب عن المجتمعات العربية، كما أظهر نوعًا من تعددية الأفكار المختلفة.

ولم تكتفِ

الجزيرة

بالقناة الإخبارية بل أنشأت شبكة قنوات ومدونات ومراكز بحثية ماشية في إحداث التغيير على جميع الأصعدة سواء السياسية أو الوثائقية أو حتى الرياضية؛ مما كثف وجودها على الساحة الإعلامية، فكانت قوة تحقيقاتها وتماسك أطرافها أعطاها ثقلاً معرفيًا لدى المشاهد فجاءت وثائقيات مثل

الإسلاميون

كجامع لتاريخ الإسلام السياسي منذ نشأته مسلطة الدور على أبرز سلبياته وما أحدثته الحركة الإسلامية من تغيير في كثير من البلدان العربية والإسلامية.


الشارع العربي يتابع الجزيرة

وبفضل إقداماتها الجريئة لتغطية الحروب، نجحت في خلق منبر جديد للحرية السياسية والذي بلغ ذروته عندما دعمت الربيع العربي وساندته في ثورته على الأنظمة الديكتاتورية[3]، وهذا أكسبها نفوذًا قوية ظهرت مؤخرًا في الأزمة الأخليجية الأخيرة. ولم تكتفِ

الجزيرة

بالقناة الإخبارية بل أنشأت شبكة قنوات ومدونات ومراكز بحثية ماشية في إحداث التغيير على جميع الأصعدة سواء السياسية أو الوثائقية أو حتى الرياضية، مما كثف وجودها على الساحة الإعلامية.

كما عُزز موقفها لدى الشارع العربي من خلال دعمها للقضية الفلسطينية عن طريق أداتها الإعلامية الجزيرة؛ فتغطيتها للانتفاضة الفلسطينية في أواخر عام 2000 وبثها المباشرة للأحداث أعطاها دورًا مميرزًا في فلسطين خاصة والعالم العربي عامة.

وربما قل تواجد القضية الفلسطينية على شاشة الجزيرة خصوصًا بعد الربيع العربي وتسارع الأحداث والمواقف السياسية في كثير من بلدان الوطن العربي؛ إلا أنها كانت أول من غطى الحرب على غزة في 2012 وما بعدها من أحداث تخص القضية الفلسطينية، [4] وأخيرًا موقفها من دعم حركة حماس والذي جعل الأخيرة تصدر وثيقة للحركة

من داخل الدوحة.

وكان للجزيرة حفظ جزء كبير من الأحداث الفلسطينية عبر وثائقيات كثيرة جاءت كشاهد على تاريخ المقاومة الفلسطينية منها على سبيل المثال لا الحصر

فلسطين تحت المجهر

.



قطر والحركات الإسلامية (الإخوان نموذجًا)


تعاملت

قطر بشكل مختلف مع جماعة الإخوان المسلمين، ففي الوقت الذي ضُيق عليهم في مصر في الخمسينيات من الرئيس جمال عبد الناصر كانت قطر أول من ظلل عليهم، وكان التعامل بالمثل عندما طغى عليهم حافظ الأسد في أحداث حماه 1982، وكذلك عقب أحداث سبتمبر 2001 عندما رحل إخوان السعودية منها، ومؤخرًا بعد أحداث يونيو 2013 في مصر. ففي الوقت الذي اعتبرتها كل من السعودية والإمارات منظمة إرهابية كانت قطر تعتبرها نسيجًا وطنيًا وأنه لابد من دمجه سياسيًا في شتى بقاع الوطن العربي.

كما أن شعبية الجزيرة كقناة إخبارية راعية للربيع العربي شكلت جزءًا مهمًا من تكوين شعبيتها في الشارع العربي، فمنذ أحداث ديسمبر 2010 في تونس وقيام الثورة التونسية جاءت الجزيرة مساعدة في مساندة الثورة وتصديرها عبر إعلامها.

فاعتبر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة بتونس أن قطر بذراعها الإعلامي الجزيرة «شريك في نجاح الثورة التونسية». [5]

وكان للثورة المصرية حصة الأسد من تغطيات الجزيرة الإخبارية سواء عند قيام ثورة 25 يناير أو أحداث 30 يونيو، فأنتجت الوثائقيات وأُذيعت الحوارات الكثيرة والبرامج الحوارية. وبما أن العلاقة بين النظام السابق لمبارك والجزيرة كانت متوترة فكانت تغطية الجزيرة للثورة المصرية بمثابة الانفجار.

ويظهر دورها الجلي في دعم الثورة المصرية باستقبالها للفارين من مصر عقب أحداث 30 يونيو والذي اعتبره البعض أن قطر تحتضن الإرهاب كنتيجة عن احتضانها لجماعة الإخوان المسلمين

والإرهاب

والذي كان من ضمن المطالب في الأزمة الخليجية الأخيرة. [6]

أما الثورة السورية والليبية فقامت قطر بدعمها بشكل مباشر وغير مباشر من

أجل البحث

عن «حلول عربية للمشاكل العربية». كما أنها قامت بدور محوري من أجل تحرك المجتمع الدولي ضد الديكتاتور معمر القذافي والنظام الليبي. وفشلت بالقيام بنفس الدور في الثورة السورية، إلا أن تغطيتها للأحداث لتلك الثورتين لم تقل أهمية عن ثورتي مصر وتونس.

وهذا لا يعني أن الجزيرة تعمل بالضرورة من أجل مصالح الإنسانية بشكل مجرد عن أي مصالح خاصة بدولة قطر، التي تتخذ دورًا برغماتيًا في المنطقة، فهي تخدم في شق من سياساتها الإنسانية في بقاع شتى، هذا لا ينكره أحدـ ولكنها أيضًا تسعى للريادة في المنطقة على حساب المملكة العربية السعودية ومصر.

كما أنه وظفت الجزيرة من قبل الساسة القطريين للتعبير عن سياستها وذلك عبر التعليقات على الأخبار أو الحوارات السياسية أو استطلاعات الرأي. [7] والطبيعي أن الإعلام في أصله أداة من أدوات الأنظمة والتي تُوظف من قبلها، وأنه لابد له من انحياز وأن ذلك يظهر من خلال

إغلاق الجزيرة مباشر مصر

عندما تحسنت العلاقات نسبيًا مع مصر عقب أحداث يوليو.


الجزيرة وسياسة قطر الخارجية

ربما لأول مرة في التاريخ الحديث يحسب العالم حساب العرب، وينبني جانبٌ من السياسة الأميركية على وجود الإعلام العربي الحقيقي هذه المرة في بغداد.

اختلفت السياسة الخارجية لقطر بعد تولي حمد بن خليفة آل ثاني الحكم عام 1995، حيث تطلعت قطر أن تكون أكثر استقلالية عن دول المنطقة فأقامت علاقات خارج منطقة الخليج عن طريق اتفاقيتها مع الولايات المتحدة الأمريكية واحتضان أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة. [8]

فقبل تولي حمد بن خليفة الحكم كانت تمسك مقاليد

السياسة الإقليمية

مصر والسعودية وسوريا، ولكن بعد توليه تغير وجه السياسة جذريًا. فمن دور التابع للعملاق السعودي لدور الوسيط في الخلافات الإقليمية، فتوسط بين الحكومة المصرية وبين متمردي دارفور، وكذلك عندما توسط بين الحكومة اليمينة ومتمردي الحوثي، فحازت على ثقة الأطراف وأصبح لها

دور دبلوماسي

في المنطقة.

واتسمت سياسة قطر الخارجية بانحياز قطر للقضايا القومية والذي اعتمدت فيه الجزيرة على الجانب الإنساني ومطالب الشعوب الديممقراطية، ويظهر الطابع البرغماتي لسياسات قطر في تبنيها لموقفين متضادين بين دعمها للقضية الفلسطينية من ناحية وبين علاقتها الجيدة مع إسرائيل من ناحية أخرى.[9]

كما سُربت وثائق ويكيلكس والتي كشفت عن وثائق أمريكية دبلوماسية التي تعتبر فيها الولايات المتحدة الأمريكية أن قطر تستغل قناة الجزيرة كورقة مساومة في مفاوضات السياسة الخارجية وذلك يساعدها في دفع جدول أعمالها على المسرح العالمي [10]

لتلعب الجزيرة

دور وساطة عابر للحدود تدعم من خلاله سياسات قطر الخارجية.

فالجزيرة

عرضت

قضية جديدة لفهم دور الوسائط الإعلامية الحديثة العابرة للحدود في دعم السياسة الخارجية، كما أن دعم الجزيرة لثورات الربيع العربي جعل ذلك يرسم لقطر سياستها الخارجية ويحدد علاقات كثيرة مع دول أكثر.

وحين تبدل

موقفها

من دعم الثورات لعدم دعم الثورة في البحرين، والذي يعتبر تراجعًا وازدواجية في بعض المعايير المهنية، مما يدل على أن أي أداة إعلامية لابد أن يكون لها توجه وسياسات تنفذها، كما أنها وقعت في فخ عدم الموضوعية حين فتحت التأييد الشامل لمناهضي ما حدث في 30 يونيو وعزل الرئيس محمد مرسي في مصر، وأدى ذلك لاستضافة شخصيات غير مسئولة على الصعيد السياسي.

في حين أن الثورة في اليمن لم تغطى بالشكل المطلوب وأُخذ في الحسبان اعتبارات أخرى كالطائفية، والعلاقات الدولة وغيرها من التوازنات السياسية. ويعتبر تبدل مواقفها لاعتبارات سياسية غريبًا على الجزيرة التي يعتبرها الكثير منبر ما لا منبر له.

كما أن دعم الجزيرة لثورات الربيع العربي جعل ذلك يرسم لقطر سياستها الخارجية ويحدد علاقات كثيرة مع دول أكثر، ولكن تبدل

موقفها

من دعم الثورات للتخاذل في دعم الثورة بالبحرين، مما يعتبر تراجعًا وازدواجية في بعض المعايير المهنية، وهو ما يدل على أن أي أداة إعلامية لابد أن يكون لها توجه وسياسات تنفذها.

آلة الإعلام بمثابة آلة حرب فإذا أردت أن تفوز فعليك بخلق أداة إعلامية متميزة حتى تسود، وإذا أردت رسم سياسات فعليك لا بالإعلام، وإذا أردت أن تضغط على خصمك فعليك بالإعلام. فهو أداة الحرب التي إن استخدمت بطريقة صحيحة ساد من ظُن يومًا أنه لا يسود.


المراجع



  1. السياسة الخارجية القطرية تجاه بلدان الربيع العربي والقضية الفلسطينية
  2. قطر وتغيير السياسة الخارجية : حلفاء وأعداء