شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 62 بدأت منذ الستينيات تتجمع بعض العناصر من الفكر الماركسي الكلاسيكي مع بعض الاجتهادات المُتنوعة المُستجدة لتشكّل ما سُمي بأطروحات الماركسية الجديدة Neo-Marxist أو الإطار الأوسع لما سُمي بالاقتصاد السياسي الراديكالي Radical Political Economics، لتنتج في إطار التنمية ما اشتهر بنظرية التبعية. وقد تجسّدت في أطروحات «بول باران» عن الثنائية الاقتصادية والرأسمالية الاحتكارية، و«شارل بتلهايم» حول الاختلافات التاريخية المُعيقة لتكرار النمو الرأسمالي التاريخي، و«أندريه جوندر فرانك» عن المراكز والتوابع، و«سمير أمين» عن الرأسماليات المركزية والطرفية، و«أليغري إيمانويل»، و«جيوفري كاي» عن معدلات التبادل اللامتكافئ، و«فيرناندو كاردوسو»، و«دييتر سنغاس»، و«أولريتش منزال» عن العوامل الداخلية المحركة لطبائع الاقتصادات، و«إيمانويل فاليرشتاين» ونظريته في الأنظمة العالمية، و«بيل وارين» وطرحه عن التصفية الذاتية للنظام الإمبريالي. فأكد بول باران[1] سمة الثنائية الاقتصادية في البلدان المتخلفة ما بين قطاع زراعي أو أولّي كبير ذي إنتاجية عمل منخفضة تقترب من الصفر وقطاع صناعي صغير بإنتاجية عمل مرتفعة، كما أكد مصلحة الطبقات الرأسمالية في العالم الأول في / وقدرتها على إدامة حالة التخلف في بلدان العالم الثالث؛ سواء باستنزافها الفائض الاقتصادي المُنتج في تلك البلدان أو بتوجيهها لطرائق تخصيصه من خلال مصالحها المشتركة مع الطبقات الطفيلية المهيمنة على تلك البلدان، أو من خلال كبح التصنيع بها لصالح حاجاتها الاحتكارية من المواد الخام وصادراتها من السلع المصنوعة بالتواطؤ مع نفس تلك الطبقات الطفيلية التي ليست لها مصلحة في تصنيع تلك الدول وتطوير اقتصاداتها. أو من خلال ما تصدّره لتلك البلدان من نظريات تنمية ومقولات فكرية لا تحقق مصالحها الفعلية، كما لم يغفل باران العوامل الداخلية في تخلف البلدان المتخلفة، فأشار لاختلال موازين القوة لصالح الطبقات الطفيلية السابقة وهيمنتها على الفائض الاقتصادي بما يمكّنها من تبديده وعدم توظيفه بالشكل الأمثل. يرى بتلهايم أن عوامل استمرار تخلف الدول النامية تكمن في التبعية السياسية والاقتصادية، والاستغلال الإمبريالي التجاري، وكبح التطور الاقتصادي لتلك الدول. وقد اقترح باران استراتيجية تنمية تقوم على تدخل الدولة بشكل قوي وكثيف لدعم التصنيع واسع النطاق على المستوى القومي، ورفض أي استراتيجية تنمية تدريجية؛ لأنها لن تفلح في تحقيق الهدف كون نتائجها لن تجاري معدلات نمو السكان من جهة، ولأنها تعني استمرار هيمنة الطبقات الطفيلية على الفائض الاقتصادي ومن ثم استمرار تبديدها له. بينما أكد شارل بتلهايم[2] جوهرية دور التطور التاريخي الذي فُرض على البلدان التي اُستعمِرت في تخلفها، وكيف أن اختلاف تجربتها التاريخية عن البلدان المتقدمة يوم كانت تبدأ ثورتها الصناعية يعوق كليا تكرار نموذج النمو الرأسمالي التقليدي كما تزعم بعض نظريات التنمية الرأسمالية وعلى رأسها نظريات مراحل النمو التي تتصدرها نظرية «ويتمان روستو». وأجمل عوامل استمرار تخلّف البلدان النامية في التبعية السياسية والاقتصادية، والاستغلال الإمبريالي المالي والتجاري، وكبح التطور الاقتصادي لتلك البلدان باستنزاف فوائضها وكبح نمو قواها الإنتاجية والعمل على إدامة عوامل تخلفها داخلية الطابع؛ وبنى على ما سبق أن شروط أي تنمية في تلك البلدان إنما تبدأ في مواجهة الخارج بالاستقلال السياسي والاقتصادي، وفي مواجهة الداخل بالقضاء على الطبقات الطفيلية التي تبدد الفائض وترتبط بمصالح مع الخارج. وقد عمّق أندريه جوندر فرانك[3] تحليل باران، معتبرا التخلف عملية تاريخية نتجت عن طبيعة العلاقات الاقتصادية الاستغلالية بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة، واصفا النظام الرأسمالي العالمي باعتباره شبكة واحدة من العلاقات بين المراكز والتوابع، تتجسد عبر سلاسل تتصل بها المراكز الرأسمالية الكبرى بتوابعها في الدول المتخلفة، التي تعمل بدورها كمراكز في تلك الدول تستخلص من توابعها في الريف والمدن الصغيرة ما يُنتج فيها من فائض اقتصادي؛ لتحوّله إلى المراكز الأولى بعد أن تأخذ منه نصيبها كشريكة وحليفة استغلال. وهكذا فالتوابع مُقيدة بالمراكز، ولا يمكنها أن تنمو إلا في إطار وفي حدود مصالح الأخيرة، بل إنه كلما ضعفت الروابط بين التابع والمركز كان أفضل للأول، بدليل أن أكثر التوابع تخلفا هي التوابع التي كانت أكثر ارتباطا بمراكزها؛ وعليه يقترح فرانك استراتيجية تنمية محورها فك الارتباط بالنظام الرأسمالي وسوقه العالمية. وأخذ سمير أمين[4] خطوة أبعد في تطوير وتفصيل نموذج المراكز والأطراف بدرجة أكبر، دارسا علاقات وشروط الإنتاج ليميّز بين نموذجين اجتماعيين، أحدهما يوازي المركز وهو الاقتصاد المُتمركز حول ذاته، الذي يستطيع تجديد نفسها اجتماعيا كونه معتمدا على ذاته باعتباره يمتلك قطاعا صناعيا لكلٍ من السلع الاستهلاكية والسلع الإنتاجية، لكنه ليس مكتفيا بذاته. يرى سمير أمين أهمية وضع استراتيجية تنمية تتمحور حول التعاون الإقليمي بين البلدان النامية باتجاه تنمية ذات توجه اشتراكي، لمواجهة الهيمنة الرأسمالية. أما الآخر فيوازي الطرف وهو الاقتصاد الطرفي المحيطي التابع، الذي يهيمن عليه قطاع تصدير متقدم وصناعة استهلاكية دون صناعة للسلع الإنتاجية توفر شروط تجددها محليا؛ ما يجعله اقتصاداً غير مُعتمد على ذاته، بل معتمد على السوق الدولية وعلى الارتباط إنتاجيا ورأسماليا بالمراكز الرأسمالية. وهذه الهيمنة الرأسمالية على الأطراف لا تمتد بالضرورة لتتجاوز نطاق التبادل إلى نطاق الإنتاج؛ فيمكن أن تتضمن الاقتصادات الطرفية أشكالا للإنتاج ما قبل الرأسمالي ضمن هياكلها المُشوهة نتيجة تاريخها الاستعماري الذي أقحم العلاقات الرأسمالية على ما قبلها من علاقات إنتاج غير رأسمالية، كما كبح نمو تلك البلدان إنتاجيًا وصناعيًا؛ وعليه يحبّذ سمير أمين استراتيجية تنمية تتمحور حول التعاون الإقليمي بين البلدان النامية باتجاه تنمية ذات توجه اشتراكي. أما إيمانويل أرغيري[5] فركّز على أسباب تدهور شروط التجارة للدول المتخلفة بالاعتماد على نظرية العمل في القيمة لكارل ماركس، حيث تستطيع البلدان الصناعية شراء السلع بأسعار أقل من تكلفة إنتاج مثيلاتها لديها؛ بسبب الانخفاض الشديد في الأجور في البلدان المحيطية، ما يمثل نوعا من الاستغلال المفرط للبلدان التابعة والفقيرة بما يتجاوز حتى الاستغلال المرتبط بنهب الفائض الاقتصادي منها من خلال احتكار التجارة. بينما يرى جيوفري كاي[6] أن ذلك الشكل من التبادل اللامتكافئ كان الآلية المُفضلة لاستخلاص الفائض الاقتصادي لدى طبقة اجتماعية محددة هي البرجوازية التجارية ما قبل الرأسمالية، التي تستفيد من تشوهات الأسعار لا من فائض القيمة الناتج عن العمل؛ وعليه فبناء رأسمالية صناعية في البلدان المحيطية سيمهد الطريق لنمو برجوازية رأسمالية عادية، يغدو معها التبادل اللامتكافئ غير ضروري. وفي المقابل رفض فيرناندو كاردوسو[7] معاملة البلدان الطرفية كمجموعة واحدة من الاقتصادات التابعة؛ حيث إن العوامل الداخلية المتنوعة والمختلفة بين بلد وآخر هي الأكثر أهمية وليس العوامل الخارجية شبه المشتركة، والتي تتفاوت وتتنوع آثارها بحسب تفاوت وتنوع العوامل الداخلية، كما أكّد الدور المحوري للعوامل السياسية من طبقات اجتماعية وتوزيع للسلطة وشكل للدولة، وحاول إدماجها مع العوامل الاقتصادية، وانتهى إلى إمكانية وجود تنمية تابعة تعتمد على / وترتبط بالسوق الدولية والمراكز الرأسمالية. وعلى المنوال نفسه سار دييتر سنغاس، وأولريتش منزال نحو التأكيد على العوامل الداخلية التي قادت لمسارات وتفارقات الاقتصادات عالميا ما بين التمرّكز والتطرّف؛ وقدّما عددا من التوصيات بخصوص كيفية مساهمة العوامل السوسيواقتصادية الداخلية والمؤسسات السياسية المحلية في تحديد إمكانية تحوّل اقتصاد تصدير تابع إلى اقتصاد متمركز حول ذاته، ومُتكامل مع نفسه. يرى بيل وارين أن المنافسة بين الدول الصناعية والشركات متعدية الجنسيات، ستساهم مع تنمية نماذج قومية أكثر استقلالا في القضاء علي التبعية في الأجل الطويل. وقد رفض إيمانويل فاليرشتاين[8] صاحب نظرية الأنظمة العالمية تقليل كاردوسو ورفاقه من أهمية العوامل الخارجية لحساب العوامل الداخلية، عاكسا الموقف لصالح الأولى؛ حيث يرى أن تخلف وركود البلدان التابعة والفقيرة يتطلب فهم الإطار العالمي وطبيعة النظام الاقتصادي العالمي بأكثر من فهم الهياكل الداخلية للبلدان المتخلفة. وعليه فآفاق التنمية تتحدد بحسب الموقع الوطني من النظام الاقتصاد والسياسي العالمي، مُفصّلا تنوعات ذلك الموقع إلى ثلاثة مستويات: مراكز وأشباه أطراف وأطراف؛ بما وضع آفاقًا مسدودة شككت في الفاعلية الداخلية لأي استراتيجية تنمية محلية في إطار النظام الرأسمالي العالمي. أما بيل وارين[9] فيطرح طرحًا أكثر تفاؤلا، يرى بموجبه أنه كما خلقت الإمبريالية نظامًا استغلاليًا وغير عادل، فإنها أيضًا خلقت الظروف الملائمة لانتشار الرأسمالية في العالم الثالث، كما ارتأى ماركس في وقت ما، وستساهم المنافسة بين الدول الصناعية المختلفة والشركات متعدية الجنسيات، مع تعزيز نماذج تنمية قومية أكثر استقلالا، في القضاء على التبعية في الأجل الطويل، وربما لا يكون هناك عائق، اللهم إلا العوامل الداخلية الخاصة بكل بلد. المراجع بول باران، الاقتصاد السياسي للتنمية، ترجمة: أحمد فؤاد بلبع، دار الحقيقة للطباعة والنشر في بيروت، بدون سنة نشر. د. السيد الحسيني، التنمية والتخلف .. دراسة تاريخية بنائية، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثانية، 1982م، ص 106 : 108. د. السيد الحسيني، التنمية والتخلف .. دراسة تاريخية بنائية، ص 104 : 106 ملف عن «سمير أمين»، مجلة «الطريق» اللبنانية، العدد الثاني، مارس-إبريل 1996م، السنة الخامسة والخمسون. Emmanuel Arghiri, Unequal exchange..a study of the imperialism of trade, New York, Monthly Review Press, (1972). Geoffrey Kay, Development and Underdevelopment..A Marxist Anaysis, Palgrave Macmillan UK, 1975. Fernando Cardoso, Current theses on Latin American development and dependency: a critique, Boletín de Estudios Latinoamericanos y del Caribe, No. 22 (Junio de 1977), pp. 53-64. Immanuel Wallerstein, The capitalist world-economy. Cambridge: Cambridge University Press, (1979). Bill Warren, Imperialism..Pioneer of Capitalism, Verso, (1980). قد يعجبك أيضاً حد الحجارة: من الإنسان الرجيم إلى شرعة الرحمة كرة القدم: أعظم من مجرد لعبة دليلك المبسط في فهم الموازنة العامة للدولة وثيقة الاعتقاد القادري: الإلزام العقدي في التاريخ الإسلامي شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram مجدي عبد الهادي Follow Author المقالة السابقة تاريخ العلم عند الأتراك العثمانيين المقالة التالية ملاحظات شخصية حول تعلم اللغة العربية في مصر (1-2) قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك الغازي خسرو بك والعهد الذهبي لـ «قدس أوروبا» 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هل لا تزال أطروحات «ما بعد الإسلاموية» ذات جدوى؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك مشروعية التأويل عند نصر حامد أبو زيد (1-2) 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك مصر في أسبوع: قروض جديدة ورفع أسعار الكهرباء والبنزين 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك اللعبة القذرة: الإفراج عن المتطرفين لوأد الربيع العربي 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك من يملك وسائل الإعلام في مصر؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك ليبيا: ملعونون إذا ما تدخلنا، وإذا لم نتدخل 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك لماذا لم يستعرب أتراك الأناضول؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك بين العقيدة والسلطة: كيف نشأ مذهب المعتزلة؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فورين بوليسي: خراب مكة 28/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.