السعودية تعيش على صفيح ساخن، حيث عادت الأزمة الخليجية لمربعها الأول، وتم اعتقال رموز مؤثرة اجتماعياً ودينياً، ناهيك عن دعوات الاحتجاجات السلمية ضد سياسات الدولة والظلم والفساد.

كل ذلك يفعله النظام بآلة القمع، يدفع المجتمع نحو الثورة ظناً منه أن الحكم تحت وطأة الظلم سيجعل الشعب صامتا. كما أن رعونة السياسات الداخلية والخارجية تجعل المشهد في حالة عدم استقرار بشكل مستمر.


الأزمة الخليجية

دخلت الأزمة الخليجية شهرها الثالث، حُصرت فيها دولة من داخل الخليج، قُطعت فيها علاقات دبلوماسية واتخذت اجراءات أشبه بحالات الحروب. وبين تصاعد المواقف تارة وهدوئها تارة أخرى، استقرت الأزمة الخليجية بين دول الحصار وقطر حتى

المكالمة الهاتفية التي أجراها الشيخ تميم

بن حمد آل ثاني أمير قطر مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وما أن انتهت المكالمة وصرّحت الوكالة القطرية للأنباء بمضمونها الذي قالت فيه إن المكالمة جاءت برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلا أن قامت السعودية برد شديد اللهجة

منهيةً أي حوار

قبل بدايته، معتبرة أن قطر تفبرك الحقائق، وأصدر مسئول في وزارة الخارجية السعودية بيانا، قال فيه: «بأن ما نشرته وكالة الأنباء القطرية لا يمت للحقيقة بأي صلة، وأن ما تم نشره من وكالة الأنباء القطرية هو استمرار لتحريف السلطة القطرية للحقائق».

كما أن وكالة الأنباء السعودية قالت إن الاتصال جاء بناء على رغبة قطر وطلبها الحوار مع الدول الأربع حول المطالب.


تغريده تؤدي للاعتقال

وبينما تنهي السعودية الحوار قبل ابتدائه مع قطر بشأن الأزمة الخليجية، قامت السعودية بحملة

اعتقالات لأهم الرموز الدينية في

المملكة على غرار تعاطفهم مع إتمام المصالحة مع قطر.

فقامت السلطات السعودية باعتقال الداعية سلمان العودة بعد قيامة بتدوينه عقب الاتصال القائم بين الأمير تميم وولي العهد محمد بن سلمان قائلاً فيها:

تغريدة سلمان العودة

تغريدة سلمان العودة

كما اعتقل أيضاً الشيخ عوض القرني والداعية علي العمري و20 آخرون. والذي بات واضحاً أن السلطات السعودية تعتقل كل من يخالف توجهها سواء داخلياً أو خارجياً، فمنذ فترة اُعتقل الشيخ الطريفي بسبب مواقفه المنتقدة للسلطة وبعده الشيخ

إبراهيم السكران

الذي حُكم عليه بخمس سنوات بسبب تدوينه أيضاً.


الحراك السلمي يحتج بتغريدة

وبينما يتأجج الصراع بين الدول الخليجية وخاصة السعودية وقطر، صرح

سعود القحطاني

المستشار بالديوان الملكي بمرتبة وزير مغرداً على تويتر قائلاً:

تغريدة سعود القحطاني

تغريدة سعود القحطاني

الأمر الذي جعل الداعيين

لحراك 15 سبتمبر

(حراك الحرمين) يصدرون بياناً يستدلون فيه بقول القحطاني في طلبه للسلطة القطرية بعدم قمع الحراك السلمي. معتبرينه أقر مشروعية الحراك السلمي واعتباره أن قمعه جريمة.

ودعوا خلال بيانهم الناس لمشاركتهم الحراك السلمي ضد السلطة السعودية، معتبرين المواطن السعودي أكثر معاناة من المواطن القطري، حيث تجاوز عدد المعتقلين السياسيين في السعودية الآلاف، مع معاناة الشعب من الفقر والبطالة والحرمان من السكن، وكون السعودية لا تقدم خدمات لمواطنيها مثلما تفعل جارتها قطر.

وعلى ذلك قرروا الحراك السلمي ضد الفساد المالي والإداري والظلم ومشاكل المجتمع، خروجاً من المساجد بعد صلاة الجمعة يوم 24 ذي الحجة الموافق 15 سبتمبر/أيلول. وكأن الثورة التي خافت أن تُصدّر لها عبر الربيع العربي قد أتت إليها، كما أن دعمها للثورات المضادة للربيع العربي لم يكن يمنع وصول الفكرة للمجتمع السعودي.


مُسببات الحراك

حراك 15 سبتمبر في السعودية

حراك 15 سبتمبر في السعودية

ويأتي الحراك كنتيجة لسياسات تتسم بالرعونة وسلطات تمارس القمع الداخلي وسوء إدارة للمواقف الخارجية وتغير شامل طال كافة أجهزة الدولة السعودية وعزل بعض الشخصيات عن الحياة السياسية.

فمنذ وصول الملك سلمان للحكم، لم تتوقف التغيرات الجذرية التي أحدثها في نظام الولاية والتي أوصل بها الأمير محمد بن سلمان لولاية العهد، وباتت سياساته تتجه نحو العدائية وعدم الاستقرار.

فجاءت حرب اليمن كشاهد على عدم تقدير الأمور، فأنشأ التحالف بقيادة السعودية وكانت المواجهة مع الحوثي في اليمن بعاصفة الحزم بقيادة محمد بن سلمان زعماً منها بـ «وضع حد للتدخل الإيراني في الشئون العربية»، الأمر الذي تسبب في أزمة اقتصادية في السعودية، خصوصاً مع انخفاض سعر البترول مما أثار حفيظة شريحة واسعة من المجتمع السعودي.

اقرأ أيضاً:

محمد بن سلمان والصراع على السلطة في السعودية

وتواصلت الحرب في اليمن

بتورط التحالف بقيادة السعودية

بجرائم حرب ضد المدنيين والتي كانت آخرها هجمات 25 أغسطس/آب، والتي قالت فيها السعودية إن قتل المدنيين كان نتيجة خطأ تقني. واعتبرت هيومن رايتس ووتش قوى التحالف بأنها تخفي معلومات كي لا تتورط في خرق قانون الحرب. كما طالبت تحالفات من جمعيات غير حكومية

بتجميد عضوية السعودية

في مجلس حقوق الإنسان جراء الانتهاكات التي سببتها في اليمن.

وتنتقل السعودية من سوء تقدير موقف في اليمن إلى آخر على مستوى السياسة الخارجية، فتخسر حليفا في حرب اليمن، وتنسحب قطر من التحالف، كما جاءت الأزمة بمتاعب للمواطنين السعوديين، ففرقت شمل أسرهم واضطر البعض لترك دراسته عالقة في قطر أو العكس مما جعل الأمر يزداد سوءًا.

ولم تكتف السعودية بالممارسات السياسية غير المدروسة في الخارج بل أيضًا تصادمت مع أطراف الداخل.

فمنذ

تول

ي الملك سلمان لمقاليد الحكم في البلاد، وباتت الصدامية هي سمة الوضع السياسي في المملكة، فبمجرد جلوسه على العرض حتى أصدر ستة مراسم ملكية، مكّن فيهم الجناح السديري من الحكم، الأمر الذي عده البعض شرخاً داخل الأسرة المالكة.

وأتت من بعدها التغيرات الجذرية في الهيكل الإداري لبعض مؤسسات المملكة ونزع صلاحياتها، حيث تم انتزاع صلاحيات هامة من وزارة الداخلية لصالح أجهزة جديدة مثل النيابة العامة وأمن الدولة، واستمرت الصدامات حتى تحولت البيعة لمحمد بن سلمان خلفاً لمحمد بن نايف.

وقد وصلت التغييرات إلى

هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،

فصدر قانون من مجلس الشورى السعودي رقم 9/3 بتقليص اختصاصاتها، فسُحبت منهم صلاحيات «إيقاف الأشخاص، أو مطاردتهم، أو طلب وثائقهم، أو التثبت من هوياتهم، أو متابعتهم»، وأصبحت مهمتهم مقتصرة على إخبار الشرطة أو الجهة الأمنية المختصة.

كما أن الرؤية الاقتصادية لابن سلمان المعروفة برؤية 2030 والتي يتطلع فيها لجعل الاقتصاد لا يعتمد بشكل أساسي على النفط، جعلته يتخذ إجراءات تقشفية طالت طبقات وشرائح كبيرة من المجتمع السعودي مما أثار حفيظتهم.

كل تلك الأسباب تجعل المجتمع السعودي يعيش مشهدا من عدم الاستقرار السياسي، كما أن السياسة التصادمية في الداخل والخارج تجعل الصراع يشتعل سريعاً، وتدفع أطراف المعادلة للتزايد، ويجعل وصول الثورة التي خشيتها السعودية تصل سريعاً وكأنها تُفعّل خاصية التدمير الذاتي.

فاعتقال الرموز المؤثرة دينياً واجتماعياً مع وجود هيمنة في السلطة وفساد في نظام الدولة سواء المالي والإداري، كل ذلك يصب في طريق الثورة وليس في استقرار نظام، من المفترض أنه يريد لنفسه البقاء أمد البشرية.