شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 49 خلال النصف الأول من القرن العشرين، شهدت مصر حياة سياسية شديدة الثراء، ليس على المستوى الحزبي والنيابي وحسب، بل كذلك على مستوى الحركات السرية والمسلحة التي شهدت انتشارًا واسعًا أيضًا، حيث تمتعت العديد من الجماعات والأحزاب السياسية في ذلك الوقت بأذرع سرية مسلحة، كحركة «اليد السوداء» وحركة «القمصان الزرقاء» اللتين كانتا يتبعان حزب الوفد، وجماعة «القمصان الخضراء» التي كانت تتبع لحركة مصر الفتاة، فضلاً في هذا السياق عن «النظام الخاص» لجماعة الإخوان المسلمين. لعبت تلك الحركات والتنظيمات دورًا كبيرًا في مقاومة الاستعمار البريطاني وفي الحياة السياسية المصرية. أحد تلك التنظيمات في هذا الإطار على سبيل المثال، تنظيم سري نعرفه جميعًا، حدّد ملامح النظام السياسي في مصر منذ 1952 وحتى يومنا هذا، هو تنظيم «الضباط الأحرار». صورة لعرض تمثيلي لاغتيال السير لي ستاك، سردار الجيش المصري في السودان الجمعيات السرية بعد ثورة 1919 خلال أقل من عام واحد بعد اندلاع ثورة 1919، تألفت في مصر تسع جمعيات سرية. لا يوجد تاريخيًا ما يؤكّد أنها كانت جميعًا خاضعة لإشراف الجهاز السري التابع للجنة حزب الوفد المركزية، وهي [1] : 1. جمعية اليد السوداء: كانت تلك الجمعية تحت رئاسة المحامي عبد الحليم البيلي وأبو شادي بك ومصطفي القاياتي ومحمود أبو العيون وعدد من الطلبة، وكانت تلك الجمعية ترسل خطابات التهديد إلى السياسيين «الرجعيين» كوهبة باشا، رئيس وزراء مصر من 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1919 حتى 20 مايو/آيار 1920 الذي أرسلت إليه الجمعية خطاب تهديد مكتوب بالحبر الأحمر القاني وعليه علامة اليد السوداء ومدفع وكلمة الفدائيين. استوحى مؤسسو تلك الجمعية اسم «اليد السوداء» على ما يبدو، من تنظيم سري تأسس في عام 1911 في صربيا من قبل الضباط السريين الذين قتلوا الملك ألكسندر الأول وزوجته في بلغراد سنة 1903، وهي الجمعية ذاتها التي كان ينتسب إليها الطالب الصربي غافريلو برينسيب الذي تسبّب اغتياله لولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند مع زوجته أثناء زيارتهما لسراييفو في 28 يونيو/حزيران 1914 في اندلاع الحرب العالمية الأولى. أحد مؤسسي تلك الجمعية كان طالبًا يُدعى سيد باشا ، درس بمدرسة المعلمين، وانضم مع زملائه إلى جماعة ثورية عقب القبض على سعد زغلول. بسبب صداقة سيد مع عدد من عمال السكة الحديد، استخدم الأخير ورش ومصانع السكة الحديد في تصنيع قنابل بدائية. شكَّل سيد لجنة برفقة أحمد عبد الحي كيرة، وفكروا في زيادة الأسلحة عن طريق تصنيع القنابل كيميائيًا، فأحضروا كتابًا باللغة الانجليزية، وعكفوا على دراسته وترجمته، ثم أحضروا المواد اللازمة لتصنيع أول قنبلة في ثورة 1919، وقاموا بصناعة تصميم لجسم القنبلة، وقاموا بعمل تجارب ناجحة لها في إحدى المزارع في منطقة شبرا. 2. لجنة الدفاع الوطني: كان أكثر أعضاء تلك الجمعية من أعضاء اليد السوداء. غرض تلك الجمعية كان تهييج الرأي العام ضد الحكومة، وتحريض الشعب على ممارسة العنف ضد السلطة. 3. اللجنة المستعجلة: كان غرض تلك الجمعية إثارة الرأي العام، وكانت تتلقى المساعدة المالية من عبد الرحمن فهمي بك. وكان يرأسها حسن نافع وإبراهيم عبد الهادي. 4. المصري الحر: استمدت تلك الجمعية تمويلها من عبد الرحمن فهمي، وقد ذكر الرافعي أنها كانت تصدر جريدة سرية باسم «المصري الحر»، ولها مطبعة سرية خاصة. وكان الناس كما يذكر الأخير يتلقفون نشراتها بلهف ويتبادلون الإطلاع عليها، وقد أصدر الجنرال الإنجليزي بلفن حكمًا عرفيًا يعد ذلك الأمر جريمة، وأي شخص توجد في حيازته نشرة أو نوع من هذه النشرات يعد مرتكبًا أيضًا لجريمة ضد الأحكام العرفية. 5. الشعلة: وكان يرأسها مرقس حنا بك ونجيب غالي باشا. 6. المدارس العليا: وأغلب أعضائها من الطلبة، وقد ضبطت ورقة مسطَّر فيها قانون هذه الجمعية وهو يتضمن الالتزام بالعمل السري، وأن الأعضاء يشتغلون بإصدار المنشورات والحث على الإضراب، وأن الجمعية مستمرة إلى أن يخرج آخر عسكري إنجليزي من مصر. ومن أعمالها السعي في الاطلاع على أسرار الحكومة، وتهديد الخونة. وكانت جمعية المدارس العليا تدوِّن كشفًا بأسماء التجار الانجليز بقصد مقاطعتهم. 7. جمعية الانتقام: تألفت تلك الجمعية عقب عودة لجنة ملنر من مصر في 17 يناير/كانون الثاني 1920. وانقسمت إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول كان يختص بتوزيع المنشورات، وقد كتب هذا القسم رسائل إلى اللورد ملنر والسير فالنتين تشيرول والوزراء، وكانت تطبع المنشورات في مطبعة تسمى مطبعة أبي العزائم؛ والقسم الثاني، هو قسم المسدسات، وكان لديه مسدسات أمريكية الصنع، ومسدسات من نوع كان يسمى «الجبل الأسود»؛ أما القسم الثالث، فهو قسم القنابل، وكان برئاسة حسني الشنتناوي ومعه حلمي الجيار وآخرون. وكانت القنابل تصنع في عزبة بالقرب من الجيزة. 8. جمعية مجلس العشرة. 9. جمعية الخمسين. جمعية التضامن الأخوي جمعية سرية أخرى أشار إليها الدكتور محمد الجوادي في كتابه «في ضوء القمر.. مذكرات قادة العمل الوطني السري والاغتيالات السياسية 1910-1925»، حيث يذكر الأخير أن إبراهيم الوردانى الذي قام باغتيال رجل الدولة والسياسي الشهير بطرس غالي عام 1910، كان عضواً في جمعية سرية تسمى «جمعية التضامن الأخوى» . الصيدلي الشاب «إبراهيم الورداني» الذي قام بقتل السياسي المصري «بطرس غالي» بعد تورط الأخير في محاكمة دنشواي يقول «الجوادي» إن جمعية التضامن الأخوى التي تكوّنت في الربع الأول من القرن العشرين من عدد من الشباب قامت بعدة محاولات لاغتيال مجموعة من السياسيين المصريين والبريطانيين بهدف تحرير الوطن، كان منهم الخديو عباس حلمي الثاني، والمعتمد البريطاني اللورد كيتشنر، ورئيس الوزراء محمد سعيد، غير أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، ولم ينجحوا بالفعل إلا فى عملية اغتيال السير لي ستاك، سردار الجيش المصري في السودان عام 1924، وهو الحادث الذي تسبّب وقتها في تقديم سعد زغلول لاستقالته من منصبه كرئيس وزارة بعد عام واحد على توليه المنصب. ويصف «الجوادي» طقوس انضمام الأعضاء الجدد إلى جمعية التضامن الأخوي السرية بقوله: كان العضو الجديد يؤدي البيعة فى مكان مجهول يذهب إليه وهو معصوب العينين، ويظل كذلك وهو يجيب عن أسئلة توجَّه إليه، ثم يضع يده على المصحف والسيف ويقسم على الإخلاص والسرية، وإلا كان جزاؤه الإعدام، وبعد خروجه من المكان المجهول تُرفع العصابة عن عينيه. وهي طقوس يقول «الجوادى» إنها تشبه إلى حد كبير طقوس الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت لاحقًا. أصحاب القمصان الملونة في دراسته التي نشرتها المجلة التاريخية المصرية في عددها الحادي والعشرين الصادر عام 1974، تحت عنوان «أصحاب القمصان الملونة فى مصر : 1933 – 1937»، يقول د. يونان لبيب رزق إن الحياة السياسية المصرية عرفت لنحو أربع سنوات ممتدة بين نهاية عام 1933 ونهاية عام 1937 ظاهرة لافتة تتمثل في تشكل جماعات من الشباب المصريين على أنماط شبه عسكرية، كجمعية أصحاب القمصان الخضراء التي أسستها جمعية مصر الفتاة، وأصحاب القمصان الزرقاء التي كونها الوفد بين صفوف أعضائه من الشباب. [2] مصدر تفرُّد تلك الظاهرة بحسب رزق ِأنه لأول مرة في تاريخ مصر المعاصر وربما لآخر مرة قبل عام 1952، تتشكّل مثل هذه التنظيمات شبه العسكرية على نحو علني، على خلاف ما جرى قبل ذلك أثناء ثورة 1919، وما جرى بعد ذلك خلال الأربعينات ومطلع خمسينات القرن الماضي. كان ظهور تلك الجماعات يتسق تمامًا مع التغييرات السياسية العالمية وتأثير هذه التغييرات الواسع على طبيعة حركة السياسة المصرية، حيث شهدت العشرينات نجاحًا كبيرًا أحرزه أصحاب القمصان السوداء في إيطاليا بزحفهم الشهير على روما في 1922، وتمكينهم للحزب الفاشي الذي ينتمون إليه من الحصول على السلطة هناك. حركة «القمصان السود» الفاشية في إيطاليا تسيطر على محطة سكك حديدية عام 1922 كان أصحاب «القمصان الخضراء» التابعون لحركة مصر الفتاة هم الأكثر تأثرًا بالفاشية من غيرهم في هذا الإطار، حيث عملت الطبيعة الديمقراطية والليبرالية لحزب الوفد الذي كان ينتمي إليه أصحاب «القمصان الزرقاء» على كبح تلك الحركة شبه العسكرية من الانزلاق نحو الفاشية. جدير بالذكر أن أول دعوة لتشكيل جماعة أصحاب «القمصان الخضراء» صدرت لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول عام 1933 في جريدة «الصرخة»، وتضمنت تلك الدعوة الأهداف التي تسعى إليها حركة مصر الفتاة من وراء تأسيس تلك الجماعة، وهي أن تلبس الشباب زيًا موحدًا وأن تعوّدهم على النظام والطاعة، وأن تجعل لهم شعارًا واضحًا وغاية محددة، وأن ترسي لهم مثلًا أعلى يحاولون الوصول إليه. في عددها الصادر في الأسبوع التالي، تتحدث مجلة «الصرخة» عن الهيكل التنظيمي العام للجماعة وتقول إنه يتشكل من 6 درجات، وهي: 1. «القَسَم» وهو الوحدة البنائية الأولى في جسد الجماعة، ويضم 12 «مجاهدًا» بحسب ما تذكر الجريدة. 2. «الكتيبة» وتتكون من أربعة أقسام من الأقسام المشار إليها آنفًا. 3. «الفرقة» وهي تتشكل من أربع كتائب. 4. «اللواء» يضم أربع فرق. 5. «الفيلق» يتكون من أربعة ألوية. 6. «هيئة أركان الجهاد» تتكون من رؤساء الفيالق. في مواجهة تنامي قوة جماعة «أصحاب القمصان الخضراء»، قرر حزب الوفد تأسيس جماعته شبه العسكرية التي عرفت باسم «أصحاب القمصان الزرقاء»، و التي في غضون أسابيع قليلة من نشأتها فاق عدد المنتمين إليها عدد المنتمين إلى «أصحاب القمصان الخضراء»، وبحسب أحد التقديرات بلغ عددهم أكثر من ثمانية آلاف منهم ألفان في القاهرة وأكثر من خمسمائة في الإسكندرية، فيما يتراوح بين خمسة آلاف وستة آلاف في الأقاليم. الحرس الحديدي حركة أصحاب القمصان السود ينسب بعض الكتاب كضابط الاستخبارات الأمريكي مايلز كوبلاند، تأسيس تنظيم «الحرس الحديدي» لـ أربيرت هايم ، الضابط الطبيب، والكادر الألماني النازي النشط، ورئيس محطة الخدمة السرية الخارجية الألمانية في مصر خلال ثلاثينيات القرن العشرين. وقد كان كوبلاند المنافس الاستخباراتي لأربيرت هايم الذي تولّى آنذاك رئاسة محطة الخدمة السرية الخارجية الأمريكية بمصر، حيث وصف كوبلاند تلك الجمعية في كتابه الشهير «لعبة الأمم» بأنها «كانت أهم القواعد الثابتة المؤهلة لدعم وتلبية احتياجات أكبر المحطات الخارجية الألمانية وأهم السواتر الصالحة لتغطية مجمل أنشطة تلك المحطة». إحدى القرائن على صحة ما يذهب إليه أولئك الكتاب هو نشوء مجموعة بنفس الاسم – الحرس الحديدي – في فلسطين كان زي أفرادها نسخة مطابقة للزي الألماني النازي، كما في صورة عارف عبد الرازق أحد قادة المقاومة الفلسطينية عام 1936. وقد تواجدت مجموعة بذات الاسم أيضًا لدى الزعيم الأسباني الراحل فرانشسكو فرانكو الذي كان مدعومًا بقوة من ألمانيا النازية. عارف عبد الرازق أحد قادة المقاومة الفلسطينية عام 1936 قرينة أخرى أيضًا في هذا الإطار هي انخراط الضابط محمد أنور السادات – العضو لاحقًا في تنظيم «الحرس الحديدي»، ورئيس الجمهورية فيما بعد – مع المخابرات النازية الألمانية، في ما عُرف بقضية العوّامة أو قضية (الراقصة حكمت فهمي). واعتقاله حينها جراء هذا التورّط. لكن ما تزال هناك حتى الآن حلقة تاريخية مفقودة بين أربيرت هايم وبين يوسف رشاد طبيب الملك فاروق، الذي ذكر سيد جاد أحد أعضاء التنظيم في مذكراته التي حملت اسم «الحرس الحديدي» أن الملك فاتحه في إنشاء تنظيم من الضباط المخلصين لفاروق، وأن رشاد أجاب بالترحيب وأن الملك أخبره أن ذلك الإخلاص سيقودهم إلى حد القتل، وأنه وافق بعد أن استشار أصدقاءه الضباط الذين يسهرون عنده بشكل منتظم، وكان ليوسف رشاد في ذلك الوقت ستة أصدقاء يدعوهم أحيانًا للسهر في منزله، أربعة منهم من صغار ضباط الجيش والخامس ضابط مطافئ، وقد كلفهم الملك باغتيال مصطفي النحاس زعيم الوفد، وأمين عثمان وزير المالية في حكومة الوفد. [3] المراجع عبد العظيم رمضان، تطور الحركة الوطنية في مصر 1918-1936، الجزء الأول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الثالثة، ص169 يونان لبيب رزق،أصحاب القمصان الملونة فى مصر : 1933 – 1937، المجلة التاريخية المصرية، عدد 21، 1974، ص 195 سيد جاد: الحرس الحديدي.. كيف كان الملك فاروق يتخلص من خصومه؟ (الدار المصرية اللبنانية، ط1، القاهرة، 1993. قد يعجبك أيضاً رحلة تجارية مع الله: العمل الخيري في مصر بين المجتمع والسلطة فن اللامبالاة: محاولة بائسة لإنقاذ التنمية البشرية «ابن البيطار»: الصيدلي الأعظم في العصور الوسطى كتاباته مثيرة للقرف: لماذا كره تولستوي شكسبير؟ شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram معتز ممدوح Follow Author المقالة السابقة ليست إسرائيل وحدها: الفقر يضرب بيوت غزة المقالة التالية القصر يسعى إلى تأميم الصحافة المغربية قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك قبل أن تدمّر نفسك: كيف تقضي إجازة مثالية؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هل «الديمقراطية المباشرة» هي الحل لمشكلاتنا العربية؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك 7 نصائح للانتهاء من مهامك المتأخرة 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك تحرير الكهرباء في مصر؛ لصالح المواطن أم ضده؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك مخطوطة درسدن: كيف نظر شعب «المايا» إلى السماء؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك المطبخ المصري العظيم: رحلتي من الشكشوكة إلى السانتا روزاليا 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك العلاج بالكتابة: دليلك للتغلب على تكاليف العلاج النفسي 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك بنت الشاطىء: محمد إنسانًا 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك تاريخ موجز لمشكلة الأكراد 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك طفلك وتعلم اللغة: متى وكيف ولماذا؟ 28/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.