شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 106 في كتابه «الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر» (دار الشروق، 1996)، يروي المستشار «طارق البشري» ملمحًا مهمًا في فهم طبيعة ونشأة الحركات الإسلامية المعاصرة، ألا وهو الصراع المبكر الذي دار بين الحركات الدعوية الإصلاحية في أطراف الدولة العثمانية، والدولة الحديثة التي نشأت في المراكز الحضرية كتركيا ومصر خلال فترة الإصلاحات العثمانية وعصر التنظيمات، وخلال حكم محمد علي لمصر. يرى البشري أن إحدى أبرز المشكلات التي واجهت الحركات الإسلامية التجديدية كانت هي مسألة القطيعة بين الفكر والنظم الوافدة من الغرب والتراث الديني والحضاري للمسلمين، وما ترتب على ذلك من الازدواج في بناء المؤسسات والنظم والهيئات في التعليم والقضاء ومؤسسات الحكم والإدارة والاقتصاد. يمسك البشري بطرف الخيط التاريخي للمسألة، ويعود بنا إلى الماضي القريب في القرنين الماضيين، حيث نشأت حركات التجديد الفقهي والفكري كالدعوة الوهابية والسنوسية من جهة، وحركات الإصلاح المؤسسي من جهة أخرى، على امتداد محور السلطة المركزية للدولة العثمانية بين إستانبول والقاهرة من جهة أخرى. يرى البشري أن المنهجية التي سارت عليها الإصلاحات في جهاز الدولة في العالم الإسلامي في الأستانة والقاهرة، لم تهتم بإطلاق حركة تجديد شاملة للمؤسسات المختلفة ولثقافة الأمة، حيث يظهر فيها الجديد انبثاقًا من القديم، وإنما أبقوا القديم على حاله، وأنشؤوا بجانبه مؤسسات جديدة وفق فكر آخر مختلف. يعتقد البشري أن مردّ ذلك يعود لدواعي المنافسة والرغبة في الصمود أمام المد العسكري والسياسي الغربي؛ ولذلك استدعى الخطر الغربي الخارجي أسلوبًا عاجلًا سريًا وعمليًا على المستويات العسكرية والعلمية والتقنية والإدارية، أدى إلى بناء مؤسسات بديلة موازية للمؤسسات التاريخية. يعتقد البشري أيضًا أن الأمور جرت على هذه الشاكلة تجنبًا للصراع مع المؤسسات التقليدية التي ظلت لوقت طويل إحدى ركائز الحكم وإحدى دعامات استقراره، وقد خلق هذا مع مرور الوقت حالة من الصدع على المستويين الثقافي والاجتماعي أدت بنهاية المطاف إلى اغتراب السلطة عن المجتمع وثقافته التقليدية الموروثة. وبنهاية المطاف، تحولت تلك المؤسسات الحديثة التي تم تدشينها لمقاومة الغزو الغربي إلى رؤوس جسور لتلقي النظم ولأفكار الغربية الوافدة، وأداة لاحقًا من أدوات الاستعمار في السيطرة علي المجتمع وتثبيت التبعية. في هذا السياق اصطدمت حركة الإصلاح المؤسسي بحركة الإصلاح الفكري والفقهي، حيث حاربت الأولى الأخيرة وعملت على تصفيتها كما رأينا على سبيل المثال في مسلك السلطان محمود الثاني في إستانبول، وواليه في مصر محمد علي باشا من الحركة الوهابية في نجد في عام 1811. ومن هنا، استمر هذا الصدام بين الحركات الإسلامية والدولة منذ ذلك الوقت، مرورًا بصدام الدولة الأتاتوركية بحركة بديع الزمان النورسي في تركيا التي تعرض صاحبها للنفي والتضييق، وصولاً إلى صدام جماعة الإخوان المسلمين المتكرر مع الدولة المصرية. أدي هذا الازدواج في المجتمعات الإسلامية بين الأبنية التقليدية نظمًا وفكرًا، والتركيبات الاجتماعية التي أفرزتها الدولة القومية الحديثة كفئات العسكريين والبيروقراطيين والمهنيين، إلى خلق مجتمع سياسي منقسم على نفسه، ليس فقط بين متدينين وعلمانيين، ولكن كذلك بين ريف وحضر، وانعكس ذلك نسبيًا لمدة طويلة في فكرة تقسيم مقاعد المجلس التشريعي في مصر إلى فئات وفلاحين بجانب العمال. ويمكننا أن نتتبع آثار هذا الانقسام حتى لحظة اندلاع الربيع العربي التي شهدنا فيها كيف اصطدم المركز مع الأطراف بدءًا من تونس التي اندلعت فيها الحركة الاحتجاجية من سيدي أبو زيد، وصولاً إلى سوريا التي تشكلت محاضن الثورة فيها داخل الريف. قد يعجبك أيضاً ضيوف الشرف: هؤلاء مغاربة تقرأ لهم فى معرض القاهرة للكتاب الجانب الإيماني للعلم الإسلام الأوروبي: تجديد فكري أم شبح يخيم على أوروبا؟ فرص الإصابة بالاكتئاب أعلى في مرضى التوحد شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram معتز ممدوح Follow Author المقالة السابقة السيادة الغذائية للدول العربية: كيف يؤمن العرب غذاءهم؟ المقالة التالية أطراف صناعية لا تكفي: كيف دمرت الحروب أجيالًا من الأطفال؟ قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك بعد بيان أوزيل: كيف ينظر الغربيون إلى المهاجرين؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك العتبة الرضوية والدسوقي: مساجد صنعت تاريخ المدن 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كاثوليك وأرثوذكس وبروتستانت: ما الاختلاف بينهم؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك القيامة اقتربت: أقدم 6 مخطوطات مسيحية أرَّخت لظهور الإسلام 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك التنوير الإسلامي: رحلة إلى «دار الحكمة» العباسية 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك مشاكل حقيقية ومشاكل مزيفة: مقدمة للإجابة عن “سؤال العمل” 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حتى في فرنسا: التمييز الديني ما زال مستمرًا 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الصوفية وعشق النساء: طريقٌ إلى الله 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هل التدين يحمي من الأمراض النفسية؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك تعرف على 3 شخصيات عامة خليجية أوقف تويتر حساباتهم اليوم 28/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.