فين اللي يجمعوا عليك أهل النية… آآه يا الصينية… دوك اللي يونسوك.





من أغنية «الصينية»، غناء حمزة نمرة وفريق أوتوستراد الأردني

بصينية شاي منعنع ساخن وروائح عطر فاخرة وقفطان مغربي أصيل يكون «الونس» على الطريقة المغربية، وبذلك الأسلوب يستقبل المغاربة ضيفوهم وسط أجواء مليئة بالود والترحيب والحميمية.

تحكي «ريم طه» لــ«إضاءات»، وهي مصرية ومديرة حضانة دولية، سافرت المغرب كمتطوعة لإعطاء دروس لأطفال مغاربة في اللغة الإنجليزية:

منذ 3 سنوات، وأثناء عملي في المغرب، قابلت فتاة مغربية، حين علمت أنني أجلس بمفردي في شقة، صممت أن أزورها لقضاء يوم مع أسرتها والتعرف على والدتها. لكن اليوم تتطور وأصبح أسبوعين، فلم تسمح لي والدتها بالذهاب والجلوس وحدي. كانت ضيافتهم سخية جدًا، لا أنسى المأكولات المغربية الأصيلة التي قُدمت لي من مسمن ورفيسة وكسكس وبسطيلة وطجين الفراخ وحوت (سمك) والشباكية والفقاس. كان جواً عائلياً بامتياز… سافرنا سويًا وتعرفت على أقاربهم وزرت بصحبتهم أماكن سياحية في غاية الجمال… كانت أيامًا سعيدة لا تُنسى حتى أننا منذ ذلك الحين ما زلنا على تواصل.



بيت الضياف: عنوان الكرم المغربي

لا يستطيع أي المغربي التخلي عنه، وحتى عندما يقرر إدخال لمسة عصرية على منزله، فإنه يترك بالضرورة مكانًا للصالون، مهما كان صغيراً… فهو يحظى بقيمة معنوية ومادية… ومرتبط بالكرم عند المغاربة وباستقبال الضيوف… فحضور الضيف في مخيلة المغربي حاضر باستمرار، ويُخصص له أجمل مكان في المنزل ولو على حساب حرمان الأسرة منه.





الأنثروبولوجي «عبد العاطي لحلو»

منذ اللحظة الأولى التي يستضيفك فيها مغربي إلى بيته ويُدخلك إلى صالونه الخاص، تستشعر قدر من الفخامة والأصالة في التصميم والألوان، يعود تاريخه إلى العهد الأندلسي في القرن الرابع عشر الميلادي. فقد حمل المسلمون العائدون من الأندلس إلى المغرب آنذاك كل التراث الحضاري الإسلامي والعربي الموجود هناك، والذي كان من بينه الصالون الأندلسي.

فبات تحفة من الديكور موجودة في كل بيت مغربي أيًا كانت حالته المادية. وقد صُمم خصيصًا لاستيعاب أعداد كبيرة من الضيوف لتكون جلسة الشاي فيه بمثابة «لمة حميمية» يجلسون فيها بكل ارتياح. فبينما تمتلئ المقاعد الطويلة بالوسائد الملونة، تتناثر على الأرض مباشرة مقاعد انفرادية على شكل دائري. وفي منتصف الصالون طاولة واحدة وعلى جوانبه عدة طاولات صغيرة لتقريب المأكولات والمشروبات إلى جميع الضيوف.


في الماضي، كان «بيت الضيافة»

جزءًا من جهاز العروس تتكلف أسرتها مهمة إعداده. تختاره العروس بعناية وذوق، وقد تستغرق في سبيل تحضيره عدة سنوات. كان يُصنع من قماش الخريب وثوب البهجة المعروف باسم «بنشريف» نسبة إلى أسرة بنشريف التي تفنّنت في نسج تلك الأثواب التقليدية في مدينة فاس. ومع بداية الستينيات، نسجت إحدى الشركات نوعًا جديدًا من القماش سمته «الطلامط» في مدينة الدار البيضاء، وظلت تستعمله لأكثر من عقد من الزمان، حتى ظهرت شركات أخرى منافسة.

بيد أن الصالون المغربي في السابق لم يكن يُخصص له غرفة أو مكان محدد ليميزه عن بقية أجزاء الدار، فكانت الدار المغربية لا تعرف التخصيص والتقسيم. لكن في الوقت الحاضر، بات يأخذ شكل الصالون المفتوح على صالة البيت.

ولعل أهمية ذلك الصالون تتعدى مجرد كونها قطعًا من الأثاث إلى ما هو أبعد من ذلك، ليصبح جزءًا مهمًا من الثقافة المغربية. يظهر ذلك في دراسة أعدتها الوزارة المكلفة بالصناعة التقليدية، حول استهلاك المغاربة للمنسوجات التقليدية، والتي أوضحت أن نحو 70% من

الأسر المغربية

تمتلك صالونًا مغربيًا تبلغ تكلفته في المتوسط حوالي 9531 درهمًا، ويتم تجديده كل أربع سنوات على أقصى تقدير.


عادات وتقاليد الضيافة عند المغاربة

مثل مغربي

للضيافة المغربية عاداتها وتقاليدها التي لا تقتصر على المضيف فقط بل وتشمل الضيف كذلك، ومن أشهر تلك العادات:

حليب وتمر

إذا حللت ضيفًا عند مغربي للمرة الأولى، فعلى الأغلب سيكون أول ما سيقدمه لك حليبًا وتمرًا، للتعبير عن عنايته بك وفرحته بقدومك. فالحليب والتمر معروفان كتقليد مغربي أصيل، وهما حاضران بقوة في الثقافة المغربية عند استقبال الضيوف. كما يُقدمان لعائلة الزوج في مناسبة الخطوبة أو العرس، ويُقدمان للعروس عند دخولها بيت الزوجية في إناء يسمى «الكدحة» أو «أجيرة»، وكذلك يُقدمان لكبار الضيوف وممثلي الدول في الزيارات والاستقبالات الرسمية.

أما بالنسبة لطريقة التقديم، فيتم تنسيم أفخر أنواع التمر بماء الزهر المقطر،

وشقّ التمرة من منتصفها

وإخراج نواها وحشوها باللوز أو الجوز، ثم يُرتب في صحن كبير على شكل هرم أو قبة إلى جانب كؤوس من الحليب، فيبدأ الضيف بأخذ التمرة ويتبعها بشرب الحليب.

صينية الشاي والحلوى

كانت جلسة الشاي ولا تزال تقليدًا مهمًا تحرص العائلات المغربية عليه بعد وجبة الغذاء أو قبل العشاء، ويحتاج إلى جلسة خاصة عند اسقبال الضيوف. يتولى مهمة إعداده رب الأسرة أو الجد. أما في المناسبات

يختار الأقارب من بينهم الشخص

الأكثر تأثيرًا في العائلة لإعداده.

وتتمثل طريقة تحضيره في غلي الماء ووضع حبات الشاي في الإبريق وصب الماء المغلي عليها، ثم وضع الإبريق مرة أخرى على نار هادئة من خمس إلى عشر دقائق حسب رغبة الشخص في الحصول على شاي خفيف أو ثقيل، ثم يُضاف إليه النعناع ويُحلى بالسكر.

وقد يقدم مصحوبًا ببعض الفواكه الجافة أو المملّحات إلى جانب أطباق من الحلوى والتي من أبرزها «كعب الغزال أو قرن الغزال والتي تكون محشية باللوز، وحلوى غريبة، والفقاص، والشباكية». تعد تلك الأطباق ذات صيت واسع

ومن أشهر ما تمتاز به المغرب

، وتُقدم بشكل رئيسي عند استقبال الضيوف، كما يتم تناولها بكثرة خلال شهر رمضان.

أكلات مغربية أصيلة


احتل المطبخ المغربي المرتبة الأولى

عربيًا وأفريقيًا والمرتبة الثانية عالميًا، لانفتاحه على الثقافات الأخرى والأعراق المتنوعة من المطبخ الأمازيغي والمغربي وصولاً إلى المطبخ الشرقي والأوروبي. ولعل أكثر ما يميز الأكلات المغربية التوابل التي على رأسها الزعفران، المعروف بجودته العالية، فضلاً عن بقية التوابل الأخرى مثل: الفلفل الأسود، والكمون، والكركم، والزنجبيل، والبابريكيا.

زاعت شهرة الأكلات المغربية، بزيادة أعداد السياح والضيوف العرب للمغرب، وتلقيهم واجب الضيافة على أكمل وجه. فكان يقدم على الموائد المغربية كل ما لذ وطاب من الأطباق المغربية الأصيلة كـالطاجين بأنواعه المتعددة، والكسكس الذي صار مرتبطاً بيوم الجمعة، حيث تجتمع العائلة حول مائدة الغداء والتي لا بد أن يكون ضمنها ذلك الطبق، وأكلة «الرفيسة» التي غالبًا ما

تُزيّن بالزبيب

واللوز والبيض المسلوق. فضلاً عن الطنجية التي يتم تحضيرها بكثرة في مراكش خصوصًا.

وفي البوادي المغربية، قد يقوم المضيف كنوع من إظهار الكرم والسخاء أمام ضيفه بنحر أضحية سواءً كانت شاة أو كبشًا أو ديكًا. أما أكلة المدفونة، فتُعرف مدينة الريصاني بتقديمها، وتتمثل تلك الأكلة في فطيرة محشوة باللوز والبيض المسلوق وكُلى العجل ولحم العجل ومكونات أخرى، ويتم تقديمها ساخنة إلى جانب الشاي.

هدايا الضيف

اعتاد الضيف في المغرب عند زيارته أحد معارفه أن يحضر برفقته هدية، حتى باتت الهدية تقليدًا مهمًا ورئيسيًا تختلف حسب حالة الضيف المادية. فبعض المغاربة يجلبون قوالب السكر من البقال كهدية للضيف، إذ يشاع لدى المغاربة أن بياض السكر رمز للسلام وحلاوته تمحي الضغائن وتنقي القلوب وتقوي العلاقات بين الأهل والأحباء.

وفي بعض المناسبات كالزفاف والعقيقة أو أعياد الميلاد، فمن الواجب على الضيف إحضار بعض الهدايا الرمزية للمضيف لتهنئته، مثل الأغطية أو ملابس الأطفال.

وقد يقدم

الضيف مبلغًا رمزيًا في تلك المناسبات يُسمى بـ«الزرورة» والتي قد يوزعها على أطفال المضيف حسب نوع المناسبة.

أما في حالة إذا ما استعصى على الضيف إحضار هدية معه لصعوبة وضعه المادي وضيق ذات اليد، فحتى لا يشعر بالحرج قد يحضر الحليب والزبادي كهدية لضيفه على أقل تقدير.


هل صار كرم الضيافة عبئًا في الوقت الحالي؟

الضيف ما يتشرط… ومول الدار ما يفرط.

ميزانية أسبوع كافية لتحمير الوجه!

عملية الكرم في ظل ظروف اقتصادية صعبة وغلاء مستمر، معادلة صعبة في كل زمان ومكان. وما كان بإمكان المضيف تقديمه في الماضي، لم يعد مع غلاء المعيشة ممكنًا بنفس الكم والكيفية. فقد يضطر المضيف للاستدانة أو حرمان أسرته وأطفاله من متطلبات عيش رئيسية لإتمام عملية الكرم خاصة في ظل

ارتفاع اسعار المواد الغذائية

.

تحكي سيدة (ع.ب)، أنها بالرغم من مساعدتها لزوجها في مصاريف البيت، فإنها لا تزال تحسب ألف حساب لزيارة الضيف. فمن أجل إكرام الضيف قد تقتطع من مصروف البيت وتحرم أبناءها من متطلبات يرغبون فيها، مقابل أن تكون جاهزة لمقابلة ضيفها. وفي حالة عدم توفر ما يكفي من مال، قد تستدين من زميلتها في العمل، وبالفعل حدث ذلك معها مرتين. وكما أوضحت، فإن «ما يقوله الضيف بعد الخروج من منزلي هام جدًا بالنسبة لي».

بينما تسرد الحاجة رقية كم سعادتها عندما يأتي لها ضيف، وتقول «أنا شخصيًا لا أتضايق من أي ضيف يطرق بابي ولا أهتم أبدًا بالوقت الذي جاء فيه، لأني سأكون بسيطة في التعامل معه، ولن أكلف نفسي فوق طاقتها وأعمل بالمثل القائل: «الجود بالموجود»، فلطالما قمت بتحضير وجبات بسيطة وقدمتها لضيوفي مع القهوة وسط أجواء تطبعها المحبة والود، أما الفطور أو العشاء فيكون وفق ما يوجد بالثلاجة».

أما السيد علي، وهو رب أسرة،

فكرم الضيافة

بالنسبة له «يسري في دمه»، وفي مقابل ابتسامة واحدة من ضيفه فهو مستعد للتضحية بقوت أولاده. فيقول: «أنا من بيئة ريفية تهتم بهذا الجانب كثيرًا، فالضيف يبقى ملكًا رغم الغلاء الفاحش، لهذا أفعل كل ما في وسعي لاستضافته بطريقة تفرحه وتجعله في راحة نفسية تامة حتى لو كلفني ذلك مصروف البيت والأولاد».

لكن الظروف قد تكون قاسية لدرجة قد لا تمكن المضيف من إحضار أي شيء حتى القهوة أو الشاي، فيقول ياسين: «كثيرًا ما يتعذر عليّ تقديم فنجان قهوة ساخن وأرفض شرح ظروفي للجميع، لكن ذلك الشخص سيظن أنني بخيل أرفض إكرامه، ومع هذا أستلف من الجيران أحيانًا، لكن الله غالب، الوقت صعيب».