شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 220 تحتلُّ مقامات آل البيت مكانة كبيرة في قلوب المصريين، فهم وإن فاتتهم صُحبة النبي فلم يفوّتوا فرصة أبدًا لمُصاحبة مَن صاحبه. بعضهم يلجأ إليها داعيًا أو سائلاً أو سائحًا أو باحثًا عن الراحة في كنفِ آخر ذرية المصطفى. وجوه خاشعة وعقول متبتلة ومشاعر جيّاشة تطوف بالمقام لا تحفل بأي شيء إلا بالساكن وراء المقصورة، تكاد أعينهم لا ترى قبابًا ولا أبوابًا. وبالرغم من ذلك اعتبر المصريون أن إكرام الضيافة لا يقتصر على الترحيب به حيًّا وإنما بعِمارة بيته ميتًا، فتباروا على مدار عقود على زخرفة مراقد آل البيت والعناية ببنائها. هذا السلوك قامت به الدولة المصرية على مدار تاريخها بغضِّ النظر عن جنسية حاكميها، من المماليك حتى العثمانيين ومن صلاح الدين الأيوبي إلى عبد الناصر. وكان الشعر هو الوسيلة البارزة للاحتفاء بأصحاب المقامات على جدران وأسقف مراقدهم الأخيرة. بعض المزارات اكتفَتْ ببيت شعر واحد وغيرها ازدحمت جدرانها بالكتابة، لكنها في النهاية قدّمت لنا ثروة معرفية هائلة معبّرة عن زمان رسمِها وأحواله، كان علينا أن نرصدها جميعًا ونبحث وراء كل حرفٍ فيها. المشهد الحسيني: كعبة مصر قال حسن عبد الوهاب في كتابه «تاريخ المساجد الأثرية»، إن الروايات التاريخية حكت لنا أن رأس الحسين نُقل من عسقلان إلى القاهرة يوم الأحد 8 جمادي الآخر سنة 548هـ (1153م)، ولما وصل مصر حُمل في سرداب بقصر الزمرد، ثم دُفن في قبة المشهد الذي أنشئ له خصيصًا في العام الذي تلاه مباشرة. ويكشف المقريزي سبب هذا الانتقال في خططه، أن قائد جيوش الفاطميين الصالح بن طلائع بن رزيك نقل الرأس إلى مصر لمَّا خاف عليها من الفرنج، في خلافة الخليفة الفاطمي الفائز بنصر الله، حيث بنى جامعًا خارج باب زويلة ليدفنه فيها أسماه مسجد الصالح طلائع، لكن الرأس عندما كانت في طريقه إليه خرج عليه أهل هذه المنطقة ومنعوه من إكمال المسيرة قائلين «لا يكون ذلك إلا عندنا» فبنوا له هذا المكان، وظهر مسجد الحسين إلى النور لأول مرة عام 549هـ. عاين الرحالة الشهير بن جبير المشهد الحسيني في عهد الدولة الأيوبية، خلال رحلته من الأندلس إلى مكة للحج سنة 578هـ (1182م)، ونقل وصفًا تفصيليًا في كتابه الشهير «الرحلة» قال فيه: «ما أظن في الوجود كله مصنعًا أحفل منه، ولا مرأى من البناء أعجب ولا أبدع منه»، ويصف مستقر رأس الحسين الأخير بأنه «تابوت فضة مدفون تحت الأرض، بُني عليه بنيان يقصر الوصف عنه، مجلل بأنواع الديباج، محفوف بأمثال العمد الكبار شمعًا أبيض». في العام 1156هـ (1743م) طُلب من شيخ الأزهر وقتها الإمام عبد الله الشبراوي (1091 – 1171هـ) أن ينظم أبياتًا من الشعر لتُكتب على باب الإمام الحسين، وأخرى على المقصورة، فكتب: يا كرام الأنام يا آله طه :: ما على من يهتم فيكم ملام بابكم كعبة الهدى وحماكم :: منهل فيه للأنام ازدحام باب فضل لما سما أرّخوه :: من دنا نحو بابكم لا يُضام رضي الله عنكم آل طه :: وصلاة منّي لكم وسلام وفي سنة 1175هـ (1761م) جدّده الأمير عبد الرحمن كتدخا، وأثبت تاريخ عمارته على عتب رخامي نصه: مسجد للحسين أصل المعالي :: لا يضاهيه في البقاع علاء فيه فضل الرحمن للعبد نادى :: زر وأرّخ لك الهنا والرضاء واشتهر كتدخا بحبه للعمارة، فأنشأ القناطر والدور والأسبلة، واعتنى بالمساجد والأضرحة، وما زال اسمه مسطورًا على بعضٍ منها حتى الآن، وسنقابله كثيرًا في رحلة تتبُّع عمارة مراقد آل البيت. يقول علي باشا مبارك في الجزء الرابع من كتابه «الخطط التوفيقية»، إن القبة باقية على بنائها القديم حتى الآن، وهي كبيرة كروية منقوش باطنها بالذهب، وجدرانها من الحجر الجيد مكسوة بالرخام الملون، وعلى الضريح مقصورة من النحاس الأصفر. وتضيف سعاد ماهر في كتابها «مساجد مصر وأولياؤها الصالحون»، أن أجزاء القبة مزخرفة بنقوش زيتية غاية في الدقة، تشبه إلى حدٍّ كبير نقوش قبة الإمام الشافعي، وفوق المحراب نُقشت قصيدة بماء الذهب كتبها الخطاط البلخي سنة 1187هـ، مطلعها: ألا إن تقوى الله خير البضائع :: ومن لازم التقوى فليس بضائع أما الأجزاء العليا من مربع القبة فهي مزخرفة بنقوش زيتية مذهبة ترجع إلى القرن الثاني هشر الهجري، وكُتب في الزوايا ما يلي: ركن هذا المقام جنة عدن :: من أتاه يفوز بالمأمول ركن هذا المقام ركن سديد :: نال فيه الداعون حُسن القبول ركن هذا المقام كعبة مصر :: زاد مجدًا بالسيد بن البتول ركن هذا المقام حاز فخارا :: بالإمام الحسين سبط الرسول الأجزاء العليا من مربع قبة مقام الإمام الحسين وتضيف: للقبّة 4 أبواب، باب بجوار المحراب كُتب عليه بخطٍ ثلث مذهب: «الشفاء في تربته والإجابة تحت قبته والأئمة من ذريته (حديث شريف)» (لم يرد هذا الحديث في كتب السنة، وإنما ورد في كتاب «وسائل الشيعة»)، أما الباب الآخر الذي يؤدي إلى غرفة الآثار فكُتب عليه: «قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى، ومن يقترف حسنة نزد له حسنًا، إن الله غفور شكور (سورة الشورى: الآية 23)». جميع جدران القبة مكسوة بالرخم الملون بارتفاع قامتين، وفوق ذلك ألواح من الخشب محفور بها نقوش زيتية متعددة الألوان، وبأعلى النقوش كُتبت قصيدة الإمام ابن جابر الأندلسي المشهورة، والتي امتدح فيها النبي مستخدمًا جميع أسماء سور القرآن الكريم، وعارض ابن جابر في قصيدته هذه عدة شعراء ألّفوا قصائد مدح، أشهرها قصيدة البردة للبصيرى. ومطلعها: في ﻛﻞّ ﻓﺎﺗﺤــــــﺔ ﻟﻠﻘﻮﻝ ﻣﻌﺘﺒﺮﺓ :: ﺣﻖ ﺍﻟﺜﻨــﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺒﻌﻮﺙ ﺑﺎﻟﺒﻘـﺮَﻩ ﻓﻲ ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ ﻗِﺪﻣًﺎ ﺷﺎﻉ ﻣﺒﻌﺜﻪ :: ﺭﺟﺎﻟﻬﻢ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﺳﺘﻮﺿﺤﻮﺍ ﺧﺒَﺮَﻩ ﻗﺪ ﻣﺪّ ﻟﻠﻨـــــﺎﺱ ﻣﻦ ﻧﻌﻤﺎﻩ ﻣﺎﺋﺪﺓ :: ﻋﻤّﺖ ﻓﻠﻴﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ ﻣﻘﺘﺼﺮَﻩ ﺃﻋﺮﺍﻑ ﻧﻌﻤﺎﻩ ﻣﺎ ﺣﻞ ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﺑﻬﺎ :: ﺇﻻ ﻭﺃﻧﻔــــــــﺎﻝ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﺠﻮﺩ ﻣﺒﺘــﺪﺭَﻩ وتعلوها قصيدة أخرى قيل إنها نُسبت للحسين نفسه، مطلعها: خيرة الله من الخلق أبي بعد جدي وأنا ابن الخيرتين عبد الله غلامًا ناشئًا وقريشًا يعبدون الوثنين يعبدون اللات والعزى معًا وعلى قام نحو القبلتين والدي شمس وأمي قمر وأنا الكوكب وابن النيرين فضة قد صيغت من ذهب وأنا الفضة وابن الذهبين من له جد جدي المصطفى أحمد المختار نور الظلمتين من له أم كأمي فاطمة بضعة المختار قرة كل عين من له أب كأبي حيدر قاتل الكفار في يوم حنين هازم الكفار في هجماته وشجاع حامل للرايتين من له عم كعمي جعفر ذي الجناحين أصيل النسبين من له أخ كأخي حسن طيب الأخلاق مرضى الفرقتين نحن أصحاب العبا خمستنا قد ملأنا شرقها والمغربين وغدا جبريل سادسنا ولنا الكعبة وثم الحرمين أمة المختار قروا أعينًا وغدا تسقون من كف الحسين عن أخيه الحسن الأعلى رووا نظمه والمدح حق الحسنين وفوق القصيدتين شريط من الخشب يُحيط بالقبة كُتب عليه سورة الفتح من القرآن الكريم. وخارج الضريح أتى لقاؤنا الأول مع الشيخ صلاح الدين القوصي، بقصيدة مقتطفة من ديوانه «الأسير» (1964م)، وسيتكرر لاحقًا ببعض المراقد، وثبّت الرجل لافتة تحوي قصيدة طويلة مطلعها: هزَّ المقام مشاعري وكياني :: وارتجّ من فرط الخشوع لساني من أين أبدأ سيدي بمقالتي :: وبأي أسلوبٍ أصوغ بياني قصيدة مقتطفة من ديوان «الأسير» للشيخ (صلاح الدين القوصي) الشيخ القوصي وُلد في مدينة منفلوط بمحافظة أسيوط عام 1940م، ويزعم أن نسبه ينتهي إلى الإمام الحسين، ووفقًا لهذا الزعم تكون هذه القصيدة هدية متواضعة من الحفيد إلى الجد. وألّف الرجل 20 ديوانًا جميعها في مدح آل البيت، سنتعرف عليها لاحقًا خلال جولتنا على بقية الأضرحة. السيدة زينب: يا زائريها قفوا وابتهلوا تحكي سعاد ماهر في كتابها «مساجد مصر وأولياؤها الصالحون»، أن السيدة زينب واحدة من النساء البارزات اللائي لعبن دورًا كبيرًا في مسرح الأحداث السياسية الإسلامية، بعدما اقترن اِسمها بواحدة من أهم معارك التاريخ الإسلامي وهي موقعة كربلاء. هي ابنة الإمام علي ابن أبي طالب وفاطمة ابنة الرسول، وجِدِّتها لأمها خديجة بنت خويلد أول مَن آمن بالنبي من النساء. وُلدتْ في السنة السادسة من الهجرة، ومنحها الرسول هذا اللقب إحياء لذكرى ابنته زينب التي قُتلت على هامش غزوة بدر. تزوجت من «قطب السخاء» ابن عمها عبد الله بن جعفر، وأنجبت منه 3 أبناء: جعفر وعلي وعون، وابنتين هما أم كلثوم وأم عبد الله. ساندت أخاها الحسين في ثورته الوليدة على رغبة بني أمية في الاستئثار بالحُكم، ورحلت معه إلى العراق حيث قُتل أمام عينيها في كربلاء، وسيقت أسيرة إلى عبد الله بن زياد في الكوفة ثم إلى يزيد بن معاوية في دمشق. منعها بنو أمية من العيش في المدينة خوفًا من التفاف الناس حولها، فطلب منها والي المدينة الخروج فرحلت إلى مصر ووصلتها في شعبان سنة 61هـ، حيث استقبلها جموع المصريين بالترحاب؛ إلا أن مقامها لم يطل بينهم، فتُوفيت بعد عامٍ واحد ودُفنت في دارها. جامع السيدة زينب كان يُعرف قديمًا بِاسم «قنطرة السباع»، وخضع لعدة تجديدات وترميمات على يدي الوالي العثماني علي باشا ثم الأمير عبد الرحمن كتدخا وأخيرًا وزارة الأوقاف المصرية. جامع السيدة زينب من الداخل ويحكي الدكتور مجدي باسلوم في كتاب «موسوعة آل البيت»، أن الرحالة الكوهيني الفارسي الأندلسي زار القاهرة 14 محرم سنة 396هـ وزار المقام، ووصفها قائلاً: نزلنا إليه في مدرج وعاينَّا الضريح، ورأينا أعلاه قبّة من الجص، وفي الحجرة 3 محاريب عليها نقوش متقنة، أما الباب فتعلوه آيات قرآنية «البسملة» و«وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا». بينما يروي علي مبارك في الجزء الخامس من كتابه «الخطط التوفيقية»، أن أحد أبواب «الجامع الزينبي» ثُبِّت فوقها لوح رخم أزرق منقوش عليه بماء الذهب بيتًا شعريًا يقول: بقاع بها صح الحديث مؤرخًا :: بإسناده خير البقاع المساجد ويضيف باسلوم: أن القبة لها 3 أبواب، كُتب على الباب المواجه للميدان (المخصص حاليًا لدخول السيدات): قف توسّل بباب بنت علي :: بخضوع وسل إله السماء تحظ بالعزِّ والقبول وأرِّخ :: باب أخت الحسين باب العلاء وكُتب على الباب المُطل على المسجد: رفعوا لزينب بنت طه قبة :: علياء محكمة البناء مشيدة نور القبول يقول في تأريخها :: باب الرضى والعدل باب السيدة أما الباب الأخير فهو معروف بِاسم «الفرج»، نُقش أعلاه: بابٌ لبنت المصطفى صفوته :: يدخل مَن يشاء في رحمته كماله بزينب ارَّخه :: توفيق باني العِز في دولته أما عن القبة ذاتها، فلها بابان مُصفَّحان بالنحاس، كُتب على واحدٍ منهما: إن رمت في شدة آل النبي تجد :: بنت الرضا زينبا أخت الحسين حمى والآخر نُقش عليه: نور بنت النبيِ زينب يعلو :: مسجدًا فيه قبرها والمزار قد بناه الوزير صدر المعالي :: يوسف وهو للعلا مختار من مليك الملوك سلطان كل :: في بني عثمان إليه يُشار صاحب النصر والفتوح سليم :: نصر الله جيشه حيث ساروا وكذا خسرو محمد باشا :: من به عز مصر والأقطار دا جلال كلما قلت أرّخ :: مسجد مُشرق به أسرار والشطر الأول من البيت الأخير يكشف عن عادة شِعرية درج عليها النقّاشون قديمًا، وهي استخدام مجموع ترتيب أحرف كلمات الأبيات في الأبجدية للإعلان عن تاريخ الحدث. وهنا مثلاً تؤرّخ هذه الأبيات للتجديدات التي جرتْ للمسجد على أيدي العثمانيين بكلماتٍ مجموع أرقام حروفها (107+ 645 + 7+ 462 =1216هـ)، وهو العام الذي تم تجديدها فيه على يد الوالي العثماني يوسف باشا. وفي الطرقة الصغيرة التي تقود إلى المقام حُفرت أبيات: ضريح بني الزهراء يعلو به القدر :: ويمحي عن الزوّار في بابه الوزر ضريح به قد شرفت مصر وارتقت :: كما شرف الأكوان جدّهم الطهر فطف واسمع وارج للقبول فإنه :: مقام على الأعداد شدّ به الأزر عليهم رضا الرحمن في كل طرفة :: يدوم دوامًا لا يغيره الدهر وفي نهاية الطُرقة هناك باب من الخشب المُدعَّم بالفضة أعلاه لوح رخام مكتوب عليه: وزينب وردة الزهراء بنت علي :: أخت الحسين لها بين الورى شان قالت لنا بلسان الشُكر واصفة :: نسل الرسول الذي حياه قرآن أما المقصورة فمنقوش عليها: يا سيدة زينب يا بنت فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مدد سنة 1210 (تاريخ القيام بأحد التجديدات القديمة). ومن فوقها، منقوش على السقف بالزخرفة آيات سورة الفتح وسورة الحشر، ودوائر تشتمل على سورة الإخلاص وأسماء بعض الصحابة. وشباكان من النحاس كُتب على أحدهما: «رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، إنه حميد مجيد»، وعلى الثاني: «إنما يُريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهركم تطهيرًا». وشباكان آخران مكتوب عليهما بيتان من أقوال الإمام الشافعي، هما: يا آل رسول الله حبكمو :: فرض من الله في القرآن أنزله يكفيكمو في عظيم الفخر أنكمو :: من لم يصل عليك لا خلاق له عند باب الطرقة بين المشهد والجامع لوح رخام، وُضع في عهد الخديوِ محمد سعيد باشا 1276هـ، منقوش فيه: يا زائريها قفوا بالباب وابتهلوا :: بنت الرسول هذا القطر مصباح السيدة سكينة: تصبُّ المواهب كلها هي السيدة آمنة بنت الحسين، وُلدت سنة 47هـ وسُميت بِاسم جدتها أم النبي، ثم منحتها أمها لقبها الشهير «سكينة». كانت ضمن الركب الذي رافق الحسين في كربلاء، حيث أُسرت وسيقت إلى الخليفة يزيد بن معاوية في دمشق، وبعدها سمح لها بالإقامة في المدينة. اختلف المؤرخون في صحة وجود جثمانها بضريحها الكائن في حي الخليفة بالقاهرة، فتباينت الروايات التي تناولت سبب قدومها لمصر، منها أنها أُبعدتْ إليها كما حدث مع عمتها السيدة زينب، أو أن الأصبغ بن عبد العزيز والي مصر خطبها من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان فحُملت إليه، لكن الخليفة بعدها حسده وكتب إليه «أن تأخذ ولاية مصر أو سكينة» فتراجع الأصبغ عن الزواج بها. فيما تقول سعاد ماهر، إن هذا المقام قد يكون من «أضرحة الرؤية»، والتي كان الناس يلجأون إليها في أوقات المحن والحروب، فيلتمسون رؤية من أحد الصالحين لإقامة مسجد لأحد آل البيت بمكان قريب حتى لو لم يكن مدفونًا فيه. ويرجع المسجد الموجود حاليًا إلى عهد عبد الرحمن كتدخا سنة 1175هـ، ثم جدّدته بعدها وزارة الأوقاف المصرية بالقرن الثالث عشر الهجري. مقام السيدة سكينة ويروي علي مبارك في الجزء الخامس من «الخطط التوفيقية»، أن هذا المشهد له 3 أبواب مكتوب على وجه أحدها: حرم به بنت الحسين مُؤرخ :: بسكينة تصب المواهب كلها (542 + 492 + 85 + 56 = 1175هـ) وعلى واجهة الآخر: ذا مسجد يا آل طه مؤرخ :: شمس هدى بنت الحسين سكينته (400+ 19 + 452 + 159+ 145 = 1175هـ) والباب الثالث الذي يفتح على درب الأكراد مكتوب عليه: لك مظهر بنت الحسين مؤرخ :: لج ههنا التابوت فيه سكينة (33+ 61+ 840+ 95+ 145= 1174هـ) ويشتمل المقام على 6 أعمدة من الرخام، وبداخله مقصورة كبيرة من النحاس الأصفر من إنشاء المرحوم عباس باشا الأول، وعلى باب المقصورة بيتان منقوشان هما: مقصورة أتقنت لله صنعتها :: تتوجب الشكر عند الله والناس تذيع همة منشيها مؤرخة :: من بعض طيب حسان لعباس (90+ 872 + 21 + 120 + 163 = 1266هـ) وبجوار المقصورة تم تثبيت لافتة من أشعار صلاح الدين القوصي، مُقتطفة من ديوانه «الطليق» (أكتوبر 1996م)، يقول مطلعها: هذي السكينة بنت مولانا الحسين :: سبط النبي المصطفى طه الأمين نور النبوة شعَّ من روضٍ لها :: فيه السكينة في وقار المُخبتين لما أتيتُ وقلتُ: ألف تحية :: منّي على بنت الكرام الأكرمين السيدة عائشة: الدعاء فيها يُجاب هي ابنة جعفر الصادق حفيد الإمام علي بن أبي طالب، وأخت الإمام موسى الكاظم. ظلَّ المقام حتى القرن السادس مزارًا بسيطًا، عبارة عن حجرة مربعة تُزيّن سقفها قبّة فيها بعض المقرنصات، حتى أنشأ صلاح الدين الأيوبي مدرسة بجوار القبة. تهدَّم البناء القديم بفِعل عوامل الزمن، وأعاد بناءه الأمير عبد الرحمن كتخدا. يروي الإمام أبو الحسن السخاوي في كتابه «تحفة الأحباب»، أنه زار قبرها قديمًا وكان على بابها لوح رخامي مكتوب عليه: هذا قبر السيدة الشريفة عائشة من أولاد جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي كرّم الله تعالى وجهه، تُوفيت سنة خمس وأربعين ومائة من الهجرة. ويقول حسن عبد الوهاب في كتابه «تاريخ المساجد الأثرية»، إن المسجد له بابان، كُتب على أحدهما ما نصّه: مسجد أمه التقى فتراه :: كبدور تهدى بها الأبرار وعباد الرحمن قد أرّخوه :: تتلالا بحيه الأنوار فيما كُتب على الثاني: بمقام عائشة المقاصد أرّخت :: سل بنت جعفر الوجيه الصادق أما المقام نفسه فهو مقصورة خشبية مُرصَّعة بالصدف والعاج تعلوها قبّة مكتوب على بابها لعائشة نور مضيء وبهجة :: وقبتها فيها الدعاء يُجاب السيدة نفيسة: مهبط الأسرار هي ابنة الإمام الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الإمام الحسن بن علي. وُلدت بمكة سنة 145هـ، وتربت في المدينة. يحكي المقريزي، أنها سافرت إلى مصر في رمضان من سنة 193هـ، بصُحبة زوجها إسحق المؤتمن بن جعفر الصادق. وأعدَّ أهل مصر لهم مراسم استقبال عظيمة بدأت من العريش وحتى دخولها البلاد. أقامت السيدة نفيسة بمصر سبع سنين، بدرب السبائع بين مدينتي القطائع والعسكر، وتُوفيت سنة 208هـ، فدُفنت في منزلها، وقيل إنها حفرت قبرها بيدها وقرأت فيها 170 ختمة قرآن. ويضيف المقريزي، أن أول مَن بنى ضريحًا لها هو عبد الله بن السري والي مصر في عهد الدولة الأموية، ثم أعيد بناء الضريح في عهد الدولة الفاطمية وأقيمت عليه قبة ودُوِّن تاريخ هذه العمارة على لوحة رخامية وُضعت على باب الضريح 482هـ. وبعهد الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله تصدّعت القبة فجدّدها وكسَى المحراب بالرخام، وكان ذلك سنة 582هـ. أما المسجد فلقد أمر بإنشائه الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة 714هـ. مسجد السيدة نفيسة وفي العام 1173هـ، عمّر الأمير عبد الرحمن كتدخا المشهد وبنى الضريح على هيئته الموجودة الآن، وكتب على باب الضريح بالذهب على الرخام هذين البيتين: عرش الحقائق مهبط الأسرار :: قبر النفيسة بنت ذوي الأنوار حسن بن زيد بن الحسن نجل الإمام :: علي ابن عم المصطفى المختار ويقول الجبرتي في الجزء الثاني من كتابه «عجائب الآثار في التراجم والأخبار»، إن هذين البيتين من تأليف الشيخ محمد النفراوي. كما كُتِبَ على باب القبة: عبد الرحمن لعفو قد تُرجى :: قد بناها روضى للزائرين فلذا أرّختها يا زائريها :: ادخلوها بسلام آمنين وجوار المقام، ثبّت صلاح الدين القوصي قصيدة مُقتطفة من ديوانه «الطليق»، يقول مطلعها: لُذ بِابنة السبط الحسن :: زوج الإمام المؤتمن بنفيسة العلم العلي :: مقامها في كل شأن قصيدة مُقتطفة من ديوان «الطليق» للشيخ (صلاح الدين القوصي) معلقة جوار مقام السيدة نفسية قد يعجبك أيضاً الكونت دي مونت كريستو: أوديسا العصر الحديث الجنسانية الصناعية: كيف قُهرت المرأة العاملة المصرية؟ كتاب «لا تطلق النار على الكلب»: محاولة لتعديل سلوك الآخرين كيف نهزم «الديدلاين»؟ شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram أحمد متاريك Follow Author المقالة السابقة العلاج النفسي الوجودي: المرض النفسي والبحث عن المعنى المقالة التالية «المسيرة الطويلة»: كيف أصبحت الصين شيوعية؟ قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك قتل النبي محمد وأنقذ القدس: كيف غيَّر بعوض الملاريا من... 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك إشكالية تاريخ مصر الحديث (2/1): مصر ما قبل الحملة الفرنسية 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك بالدستور والقانون: تيران وصنافير مصريتان ولو كره البائعون 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك البهافريدية: جماعة حاربت العباسيين بالإسلام الزرادشتي 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كذا يفعل السادة 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك جمال عبد الناصر ومواجهة الهزيمة «بدون فلسفة» 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك 14 مشهدا مهدوا للتدخل العسكرى المصرى فى ليبيا 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك واشنطن بوست: لماذا تعتبر الجزيرتان أهم من مليارات الخليج؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك مصير مصر بين أربع قوى سياسية وأربعة تواريخ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حذف المناهج: كيف تصنع أجيالًا من المواطنين الشرفاء؟ 28/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.