ضجة هائلة شهِدناها في الأيام الماضية، تتناسب مع ما يحمله اسم السرطان من وقعٍ مُفزع في نفوس الجميع، وكذلك مع الانتشار الهائل لتعاطي أدوية الحموضة بكافة صور تعاطيها (الأقراص – الفوارات … )، وعلى رأسِها بالطبع الدواءُ الغنيّ عن التعريف الزانتاك، ومجموعته الدوائية من مضادات مستقبلات الهيستامين.

يتحدث الكثيرون الآن بشكلٍ قاطع عن أن العلماء اكتشفوا أن الزانتاك ضارٌّ بالصحة ويسبب السرطان. ليست المرة الأولى التي نسقط فيها ضحايا مبالغات العناوين الرئيسة في المواقع الإخبارية، وميلها إلى التهويل لجذب أنظار القرّاء، ومضاعفة أعداد القراءات، وأيضًا غياب الوعي على نطاقٍ واسع بلغة العلم ومدلولاتها، فما القصة؟

بيانٌ صادم ..


بدأت القصة ببيانٍ

أصدرته هيئة الغذاء والدواء الأمريكية FDA منذ أيامٍ قليلة يتحدث عن العثور على شوائب غير صحية في بعض عينات

مادة «الرانيتيدين»

وهي المادة الفعالة في الزانتاك وأخواته. تحتوي تلك الشوائب المذكورة على مادة شديدة الخطورة، تعرف اختصارًا في الأوساط الطبية باسم

NMDA

، وهي مادة متطايرة، تستخدم في المعامل لإحداث التحولات السرطانية في أنسجة بعض حيوانات التجارب، من أجل أهدافٍ بحثية، وهي من الملوثات العرَضية التي توجد في بعض منتجات المطاط.

أما الأخطر فيما يتعلق بالـ NMDA، فهو أنها قد تتكون في طعامنا، عند قلي بعض اللحوم والأسماك المحفوظة، بمادة نيتريت الصوديوم. كذلك توجد في بعض أنواع الأجبان، والمشروبات الكحولية.

أما «الرانيتيدين» فيعتبر من أكثر مضادات الحموضة استخدامًا حول العالم، حيث يقلل من إنتاج خلايا المعدة لحامض الهيدروليك، عن طريق منع عمل مادة الهستامين على مستقبلاتها في المعدة، وهي أهم المواد الهرمونية المسئولة طبيعيًا عن تحفيز إفراز الحامض المعدي، ليساهم في عملية هضم الطعام. يقلل استخدام «الرانيتيدين» من الشعور الحارق المميز لارتفاع الحامضية المعدية، خاصة لدى المرضى المصابين

بالفعل بقرح المعدة

، وهي مناطق خالية من الطبقة المبطنة التي تحمي جدار المعدة من الحامضية اللازمة لعملية الهضم.

ليست هذه المرة الأولى التي تصدر فيها هيئة الغذاء والدواء الأمريكية تحذيراتٍ مشابهة.

ففي مارس/ آذار الماضي

، حذّرت من العثور على بعض الشوائب من مادة مسرطِنة شبيهة بالـ NMDA، تعرف اختصارًا باسم NMBA، وذلك في بعض خطوط إنتاج دواءٍ للضغط يعرف باسم «لوزارتان» من مجموعة مضادات مستقبلات الأنجيوتنسين ARBs، وسُحِبَت على إثر ذلك من السوق كميات من هذا المنتَج، خاصة في الهند.

كم جرعة من الزانتاك تكفي لحدوث السرطان؟

امتلأ الفضاء العام، ووسائل التواصل الاجتماعي بمثل تلك التساؤلات المُغرِقَة في المبالغة، والتي أصبحت تصِم الزانتاك وغيره بأنها أدوية مسرطِنة – ولذلك الوصف أثرٌ نفسي سلبيٌ للغاية خاصة في الأوساط الشعبية المصرية – بعد صدور بيان هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، والتي تغفل قضيتيْن أساسيّتيْن:

الأولى: عملية حدوث التحول السرطاني لخلايا طبيعية في جسم الإنسان، هي عملية تحتاج إلى وقتٍ طويلٍ، سنواتٍ أو عقود، يحدث فيها تعرض مكثف أو على الأقل شبه مستمر للمواد المسببة للسرطان. وهناك عوامل وراثية، وبيئية، تسهل حدوث أو عدم حدوث مثل ذلك التحول. إذن فالأمر ليس بهذه البساطة، وأن مجرد التعرض لجرعاتٍ متفرقة على فتراتٍ بعيدة من هذا الدواء أو ذاك، سيسبب السرطان فورًا.

الثانية: أن هيئة الدواء والغذاء الأمريكية، قد نصَّت صراحةً في بيانها، على أن عينات «الرانيتيدين» احتوت كميات قليلة من مادة الـ NMDA المسرطِنة. لا أدعو بالطبع لإهمال التحذير الأخير، وهو لواحدةٍ من أبرز الهيئات العلمية والبحثية في العالم، إنما أدعو لوضعه في السياق السليم، دون إفراطٍ أو تفريط، فالمبالغات في أي اتجاه لا تفيد لا صحة الإنسان، ولا تحفز وعيًا طبيًا رشيدًا.

والحل؟

بوضوح شديد،

ذكرت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية

أنها لا تدعو المستخدمين للتوقف التام عن تعاطي الزانتاك، ومشتقاته، خاصة من يعانون من مرض الحموضة بشكلٍ مستمر، ويتعاطون تلك المجموعة الدوائية كعلاج دائمٍ أو شبه دائم، إلا لو خشيَ هؤلاء من تبعات القضية الحالية، وأرادوا التوقف عن تعاطيها، فعليهم الرجوع للطبيب المعالج، لاختيار البديل الأنسب لكل حالة. في المقابل، تدعو المنظمة من يتعاطون الزانتاك وأخواته، لتخفيف أعراض الحموضة، دون روشتة طبية لازمة over the counter، باللجوء لبدائل السيطرة على الحموضة الأخرى سوى تلك المجموعة، طالما تحقق الغرض المنشود، وذلك لحين معالجة القضية الحالية.

من جهتنا، لا يوجد ما يثبت أو ينفي بشكلٍ قاطع أن الأدوية المحلية المحتوية على مادة «الرانيتيدين» في مصر والعالم العربي، تحتوي على نفس تلك الشوائب المسرطنة. وإلى أن تتكشف الرؤية لدينا، فالنصيحة هي اللجوء أولاً للوسائل الطبيعية في محاربة الحموضة، وتخفيف آثارها، مثل تقسيم الوجبات الغذائية، وتجنب العشاء المتأخر، والثقيل، وكذلك التقليل من الأطعمة الحارة، والمُتبَّلة، وكثيفة الدهون .. إلخ من الأطعمة التي تثير الحموضة.

اقرأ أيضًا:

الحموضة .. كيف نهزم نارَ الليل وألم الصباح؟

وفي حالة عدم كفاية الوسائل غير الدوائية، والاضطرار إلى تعاطي عقاقير علاج الحموضة، فهناك مجموعات أخرى يمكن اللجوء لها، مثل

مضادات مضخة الهيدروجين PPIs

، وهي أكثر فعالية، وإن كانت أعلى ثمنًا، وهناك

الأملاح المضادة للحموضة antacids

، وهناك أيضًا الأدوية المحتوية على «الفاموتيدين» – من أشهرها في مصر الفاموتاك، والأنتودين – وهو شقيق الرانيتيدين في نفس مجموعة مضادات الهستامين، لكن لم يرد ذكره في بيان الـ FDA.