لا شك أنّ ملايين الأسئلة ترتاد عقل البشر حيال ذاك المخلوق الصغير، سواء مُربّي القطط أو محبيها، أو منْ لم تسنح لهم الفرصة باقتنائها. ينضم الجميع إلى طاولة التساؤلات المتكررة، كيف ترى القطط العالم؟ ولماذا تعاملني «كرة الفراء» تلك باستكبار يليق بها؟

ثم تنتشر التكهنات التي يشنّها «مجتمع
مشمش» عن الكائن الصغير «المغرور» الذي لا يهمه مالكه وكيف أنه يعتبره أداةً
للحصول على الطعام، وتبدأ المقارنات بين الكلب، الحيوان الذكي الوفي، والقطط،
الحيوانات الغبية ذات المعدة الفارغة دائمًا.

تنتشر الآراء حتى تغدو مسلّمات لا جدال عليها، وتسعى لتشويه سُمعة ذلك المخلوق الصغير، غير أن العلم لم يثبت أيًّا من هذا، بل ذهب الأمر إلى أبعد من ذلك وأثبت عكسها. فما حقيقة الأمر؟ وإلى أي مدى وصلت تلك الخرافات؟

الخرافة الأولى: يعاملك القط كأنك قط كبير

من المعلومات التي انتشرت الفترة
السابقة وذاع صيتها حتى ظن البعض أنّها صادرة عن الوسط العلمي، خرافة أن القط ينظر
للإنسان المالك له كأنّه قط مثله، لكن أكبر وأغبى.

في واقع الأمر لا تحظى الدراسات التي تُحلل نظرة القطط إلى الإنسان، بحظٍ وافرٍ من مجمل البحث في سلوك القطط، الذي هو ضحلٌ بدوره، لكن بمقدورنا الوقوف على أصل تلك المعلومة القائلة، إن القط يرانا قطًا مثله.

يقول العالم «جون براشاو» خبير سلوك القطط بجامعة بريستول ومؤلف كتاب

Cat Sense

، إن القطط لا ترى الإنسان كما يفعل الكلب، فالأكيد أن الكلاب تدرك وجود الإنسان بشكل مختلف عن الذي تفعله تجاه أقرانها، والدليل على ذلك أن الكلاب تُغيّر من سلوكها حين ترى إنسانًا، فلا تلعب معه مثلًا بنفس الطريقة التي تتبعها مع الكلاب أمثالها.

على عكس القطط التي لا يبدو أنّها تعرف كثيراً من

طرق التعامل

، فهي تتودد إلى الإنسان بنفس الطريقة التي تسلكها مع بقية القطط، كأن ترفع ذيولها في الهواء، أو تُمسّ جسدها بقدميه، أو حتى تلعقه، كلها أمور تمارسها مع بقية القطط، فإن صحّ القول فالقطط تعامل الإنسان كما تعامل غيرها من القطط ولكن ليس بالضرورة أنّها تراه كقط كبير غبي، بالطبع ترى القطط أن الإنسان أكبر منها، لكنها لا تراه قطًا غبيًّا على الإطلاق، فالقطط لا تتودد إلى القطط الأغبى إذ تراها أقل مكانةً منها.

ربما كل ما في الأمر أن الطبيعة لم
تسنح للقطط باكتساب ما يكفي من أنماط السلوك، إذ تكشف الدراسات القائمة حاليًا أن
القطط تُعامل مالكها بالطريقة التي تُعامل بها القطة الصغيرة أمها، ربما القطط
تعلم أنّك كائن من فصيلة أخرى، لكن لا يسعها التعبير إلا بتلك الطريقة، لأنّه وبكل
بساطة لا يوجد المزيد في جعبتها.

الخرافة الثانية: لا تدرك القطط أسماءها

تعرف القطط كثيراً من الأشياء، لكن هل اسمها من ضمن تلك الأشياء؟

لا يبدو أن القطط تعرف اسمها

بالطريقة التي نتوقعها نحن

، فعلى عكس الكلاب التي تعرف كثيراً من المفردات، حتى ليمكنها التمييز بين أكثر من ألف كلمة، لا تتمكن القطط من ذلك، ولا تزيد العلاقة بينها وبين اسمها عن كونها علاقة ارتباط بصوتٍ ما، الأمر برمته بالنسبة للقط: عندما أسمع هذا الصوت فإنّ شيئًا ما سوف يحدث، يعني إذا ناديت قطك باسمه سوف يعيرك انتباهًا، لكن لو اخترعت آلة لترجمة كلام البشر إلى مواءات ثم سألت قطك عن اسمه فإنه لن يُحرِز جوابًا.

في

بحثٍ نشرته مجلة Nature

عن تجارب أقامها أخصائيون نفسيون حول استجابات الحيوانات الأليفة كالقطط والكلاب نحو المنبهات اللفظية ودرجات الصوت المصاحبة لها، وجدوا أن الكلاب تستجيب بدرجة أكبر كثيرًا للأصوات عالية التردد- مثلًا أصوات النساء أكثر من الرجال- وأنّها تميز العواطف المصاحبة لتلك الأصوات، فنجدها تستجيب لنداء الإنسان إذا خرج صوته ضمن نبرة غضب عمّا لو خرج نفس الصوت بنبرة سعيدة. وقد أجمع مالكو الكلاب أن حيواناتهم تستجيب لأكثر من 30 جملة مختلفة، فيما يبدو أن الكلاب المدربة تستجيب لأكثر من ذلك لعدد ما بين 200 وألف جملة.

لكن حين

يتأتى الأمر للقطط

، يظل مجال البحث تشوبه الشوائب، وآلية إدراكهم للكلمات لا تزال غامضة، ومع قصور المعرفة عن آلية فهمهم للكلمات، اكتفى نفس الباحثون بإجراء تجربة على 78 قطة لاختبار استجابتهم لأسمائهم، فطلبوا من مالكي القطط ومن الغرباء مناداة القطة باسمها، وأظهرت القطط استجاباتٍ لدى سماعها الاسم، سواء من أصحابها أو حتى الغرباء في الشارع، لكن حتى هذه التجربة لا يمكنها إثبات أي شيء حيال فهم القطط للألفاظ، فقد أعلن الباحثون أن استجابة القطة لاسمها لا يعدو كونه استجابة شرطية للحصول على مكافأة طعامًا كانت أو مجرد تربيت على فروها الناعم.

الخرافة الثالثة: يمكن للقطط الرؤية في الظلام

إن حقيقة امتلاك القطط رؤية حادة في الأماكن قليلة الإضاءة لا يمكن إنكارها، فعلى عكس عيون الإنسان التي تعمل أفضل في وضح النهار، يمكن للقطط أن تعمل في بيئة أقل في الإضاءة بنحو السدس تقريبًا مقارنةً بالإنسان وبنفس الكفاءة، لذا فإن القول التاريخي بأنّ القطط مفترسات ليلية هو صحيح تمامًا.

صورة تقارن بين رؤية الإنسان (بالأعلى) ورؤية القط (بالأسفل) لنفس المكان في وجود إضاءة قليلة

ترجع تلك

القدرة الخارقة

للقطط إلى زيادة حساسية القزحية للضوء، فيمكنها الاتساع بدرجة كبيرة إذا تعرضت لكمية قليلة من الضوء، وليست القزحية وحدها هي المسئولة، إذ تمتلك القطط كذلك طبقة من خلايا عاكسة مُتخصصة تعرف باسم

Tapetum Lucidum

أو البساط الشفاف، وهي طبقة تميز العديد من الفقاريات، توجد خلف القرنية وتوفر فرصة ثانية لأي ضوء لم تمتصه القرنية من أجل امتصاصه من جديد، مما يساهم في وضوح الرؤية، وبالمناسبة تلك الطبقة هي نفسها المسئولة عن لمعان عيون القطط في الظلام.

لكن الزعم القائل، إن للقطط القدرة على الرؤية والتفاعل مع

العتمة التامة

هو ضرب من الخيال، فالقطط كباقي الكائنات لا تستطيع الرؤية في الظلام الدامس، بل يلزمها ولو قدر يسير من الضوء حتى تكون صورة عن بيئتها المحيطة، ولا ننسى أن القطط تطوّرت كمفترسات، يهمها أن تدرك الحركة ولا تهتم كثيرًا لتفاصيل البيئة والألوان، الأمر الذي يفسر التباين الواضح بين رؤية الإنسان ورؤية القطط، كما بالصورة الآتية:

صورة تقارن بين رؤية الإنسان (بالأعلى) ورؤية القط (بالأسفل) لنفس المكان في وجود إضاءة قوية

الخرافة الرابعة: القطط لا تشعر بالوحدة

على عكس الشائعات المُتعارف عليها بأن القطط حيوانات لا تشعر بالوحدة، وبأنها توجد بالقرب من مالكها فقط من أجل الحصول على الطعام، تخبرنا البيانات العلمية أن كثيرًا من مُربّي القطط قد اشتكوا من

تغيرات سلوكية

– من متوسطة إلى حادة- في تصرفات قططهم عقب فصلهم عن أصحابهم.

كذلك يبدو نفس الشيء في العيادات
البيطرية، حين يبتعد القط عن صاحبه فترات أطول من تلك التي اعتاد عليها، يبدأ القط
في الانعزال، بل وحتى قد يتقيأ، فكل هذا يصف مدى الاختلاف بين الكلاب كحيوانات
اجتماعية، والقطط كحيوانات لا تُجيد التعبير عن مشاعرها.

ولا ننسى أن القطط تختلف فيما بينها في درجة التعبير الجسدي عن مشاعرها، فالقطط– بشكل عام- لا تحب التواصل الجسدي المستمر، فهذا يحرمها من خصوصية جسدها، لذلك يتفاوت تقبل القطط فيما بينها لفكرة أن تُحمَل طوال الوقت.

ولا تتوقع من قططك جميعًا أن تنتظرك لدى عودتك من الخارج لتتمايل أمامك، فحتى القطط التي تجول حولك كثيرًا سينتهي بها الأمر فجأة قائلة «مهلًا لقد اكتفيت».

خرافات متنوعة

1. هل تشعر القطط بالغيرة؟

تخبرنا

الدراسات

أن الكلاب تشعر بالغيرة وأن القطط لدرجة كبيرة قد تتشابه معها في هذا الأمر، لكن
بالنسبة إلى كلا الحيوانين يكون الأمر لحظيًا ففعل الغيرة غير مقصود في حد ذاته
وإنما يكون طريقة للتعبير عن طلب الاهتمام، فبالرجوع لكائن كالقط ذي ذاكرة محدودة
تُصعّب عليه استرجاع ذكريات الماضي السحيق، تكون الغيرة رد فعل لحظي لا يتذكره
صاحبه، لذا لو وجدت وسيلة لتدخل بها لعقل قطتك بعد تصرفها بغيرة بعدة ثوانٍ، فلن
تجد أنها معترفة بذاك الأمر.

2. القطط تُسبِب العقم

تخبرنا الجدات دومًا عن حكايات القطط وأنّهن

يُسبّبن العقم

، لكن يبدو أن للخرافة وجهًا آخر.

لا تُسبّب القطط العقم، بيد أن
الأمر مرتبط بالإجهاض. تُعرَف القطط بأنها عائل لـطفيلي يُعرف باسم «التوكسوبلازما»،
وذاك الطفيلي لو حدث وانتقل للإنسان فإنه يُسبِّب عدة مضاعفات من بينها الإجهاض
لدى الحوامل.

ولا يمكن أن نعتبر أن القطط هي السبب، فالطفيلي يجيء إلى القطط في ظروف خاصة كأكل الطعام النيء وخلافه، وينتقل إلى الإنسان في ظروف أخرى، كأن يتعامل الإنسان مع فضلات القطط بشكل مباشر، بمعنى أن حفاظك على قطتك واتباع الإجراءات الوقائية لدى التعامل مع فضلاتها كفيلان بإبعاد «التوكسوبلازما» عنك بنسبة تقترب من المئة في المئة، لكن أن تتخلى عن قطتك لخوفك من الإصابة بالتوكسوبلازما أشبه بأن تعتزل البشر لأنهم ينقلون مرض الإيدز!

3. القطط: هل تراودها الأحلام؟

نعم، حتى الآن تخبرنا ملاحظاتنا أن

القطط
تحلم

وفقًا للتفاعلات التي تنجم عنها وهي نائمة، كأن ترفع يديها وتحني ظهورها،
فالقطط ترى الصور في مرحلة النوم العميق، أي أنها تحلم، لكننا لسنا متأكدين بعد من
ماهية تلك الأحلام، وما إن كانت كما نعهدها نحن.

4. هل عبد الفراعنة القطط؟

لا توجد أدلة على أن المصريين القدماء عبدوا الحيوانات، لكن جدران المعابد تعج برسومات القطط التي تشير إلى نظرة المصري القديم للقطط كرموز للقدسية والحماية الإلهية، فكانت جزءًا لا يتجزأ من حياة المصري القديم، وبالنظر إلى

القطط المحنّطة

المكتشفة ضمن مقابر الملوك، نعلم أن القط حمل دورًا في الحياة الأخرى لدى المصري القديم كذلك.

ماذا لو شعر قطك بقلق الانفصال؟

تطوريًا، لا تعتبر القطط مفترسات
فقط بل تعتبر كذلك فرائس، الأمر الذي يُفسّر الخوف الذي يرتابها لدى تغيير مكانها،
فهي تفكر بما سيحل بها لاحقًا، فسواء اقتصر الأمر على تغيير البيئة التي تعيش فيها
أو ابتعاد مالكها عنها، يمكن للقطط أن تُظهِر سلوكيات تُعرِب من خلالها عن قلقها

من هذا
الانفصال

، كالإكثار من المواء، أو الامتناع عن الطعام والشراب في غياب صاحبها،
أو التبول في الأماكن غير المُخصصة، أو المبالغة في الترحيب بمالكها لدى عودته، أو
السلوك العدواني المدمر للذات في غيابه.

إذا كنت تبتعد عن قطتك كثيرًا
وظهرت عليها هذه الأعراض عليك أن تقوم بالتالي:

  • توفير مكان مرتفع يمكن للقطة من خلاله أن تنظر للخارج.
  • كثير من الألعاب.
  • ضع بعض الطعام في الألعاب أو خبّئه في أماكن متفرقة بالمنزل، ودع قطتك تشعر أنها قناص.
  • خصّص بعض الوقت يوميًا للعب مع القطة، حتى ولو كان 10 دقائق.
  • اضبط التلفاز على محطتك المفضلة، أو قم بالاتصال بالمنزل وترك الرسائل المسجلة لها لتسمع صوتك.

إجمالًا، تتعدد الخرافات حول القطط، ويهتم الجميع بمعرفة الحقائق حولهم. صحيح أننا ما زلنا نجهل كثيرًا من الحقائق حولهم، لكن لا تزال الأبحاث جارية، ولا نزال نسعى نحو المعرفة، نسعى أن نعلم كثيرًا عن هذا المخلوق، عن ثلاثة كيلو جرامات من السحر والفراء.