شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 64 بَيْنَا كنتُ في بيتِ الرَّبيع، والْحُسْنِ الْمَنِيع، ببلاد السحر الْمُطْرِب، والأَسْر الْمُعجِب، إذا أنا بها! وإذا هيَ بي! من غيرِ سالفِ إخبار، ولا تَلَهُّفٍ وانتظار، فاستبَدَّتْ بيَ الصُّدَف، وانهالَتْ عَلَيَّ اللُّطَف، حتى وَجدُّتني أقول ولا أدري، ووجدَتْني أدري ولا أقول! قامتْ بين صواحِبِها، وَيْ! كَأَنَّ معنى القِيام إذا ما يَحُلُّ بفَرْعِها يَستَحِيلُ مَيْلًا! قامَتْ تَعْكس فتنةً غيرَ مقصودَةِ البَدَاء، فتنةٌ تنادِي حيثُ لا نِدَاء، تَأْذَنُ لِذَوِي الْأَلْبَاب الساكِنَة، والأَرواح القَارَّة، في زَيْغِ القلوب، وهِيَاجِ الأرواح، كأنَّ العَبِيرَ يُترجم عن أريجها فائحًا: وَيْحَ السكون! كيفَ يتَّسِعُ لكم في حضرتي؟! أم كيف يَضُمُّكُم القَرَارُ في مملكتي! كانتْ وردةٌ! وأيُّ وردةٍ! ليتَها ما كانتْ! أو ليتَها كانتْ ولم أَكُنْ! قَطَعَتْ عَلَيَّ الطريقَ، كغيرها من القُطَّاع، والقُطَّاع أنواع؛ فمنهم مَنْ يَقِفُكَ على نفسه طويلًا، ومنهم من يُذَكِّرُكَ بِمَنْ أَوقَفَتْكَ على نفسِها طويلًا، وصاحبتنا هذي المرة كانتْ من النوع الثاني، فما أَقْسَاهَا! وأَقْسَاهَا! وأَقْسَاهَا! أَحْسَنُ ما في الْحُبِّ أنه يُخاطبُ ما بَقِيَ فيكَ من جَمَالٍ، وأَسْوَأُ ما فيه أنه يُذَكِّرُكَ بما فَقَدْتَهُ منه. تَوَافَقْنَا إذنْ وتَوَاقَفْنا، وظَلْتُ أَبْسِمُ لها، وظَلَّتْ تَصُدُّ عَنِّي، وكنتُ ذَا خِبرةٍ عِشْقِيَّةٍ عريضَةٍ تعلمتُ منها أنها حين تَصُدُّ عنكَ فإنها تَبْسِمُ لك، لكنها تكون غَبِيَّةً في أكثرِ الأحَايِين وتَظَنُّ أنها بذلك قد أعْلَمَتْكَ برغبتِها فيكَ، بعد أن أهانَتْكَ صَرَاحَةً لا كِنَايَةً، فكثير منهُنَّ يظنُّون الرجالَ جميعًا قد تخرَّجُوا في كلية العِشْق مثلُهُن بمجرد الوِلَادة! كثيرٌ من الناس يظنُّ أن نَسَبًا ما بين المرأةِ والوَرْدَة، وأن قُدْرَةً ما تَخُصُّ الوردةَ تمتَلِكُها المرأَة، كأنها روح واحدةٌ حَلَّتْ في جِسْمَين مُتشابهين قَوامًا ومَلْمَسًا ورِقَّة، الوردةِ والمرأةِ، وليس كل ذلك حقًّا؛ فيا للأَسَى! ويا للأسف! لكن في الحق أنَّ كليْهِما قادرٌ على أن يَعبثَ بالمعاني؛ لِتَخْرُجَ حِدَّةُ فَتْكِهَا إلى حُسْنِ سَكِّها وسَبْكِها، وفَنَاءُ استِبدَادِها إلى الغَنَاءِ باستِمْدَادِها، ونَيْلُ تملُّكِها واقتناصِها لك إلى لِينِ تَكَلُّمِها واخْتِصَاصِها! وهكذا دَوَالَيْكَ؛ فَلَا تنفَكُّ تُزَوِّرُ الْمعاني إلا بِقَدْرِ ما يُزَوِّرُ لها الشعراءُ الكلامَ، فهذِي عَمَلُها في المعنَى، وهؤلاءِ عملُهم في اللفظ، ولا حول ولا قوة إلا بالله! قلتُ في نفسي: إذا ما غادَرْتُ تلكَ الوردةَ ماذا سيحصل؟ لماذا أراني مشغُوفًا مشعُوفًا لا أطيقُ أن أكملَ الطريق إلا حينما أطْمَئِنُّ أنها مَعِي؟! وهل حين أطمئنُّ أنها معي ستظلُّ هي الوردةَ؟! أو تُشبِهُ الوردةَ؟! لا أظن.. إن رغبةَ المحبِّ أن يمتلكَ محبوبَتَه رغبةٌ مؤقتةٌ، وهي على التحقيق من قِسم الشهْوَة لا مِن قِسم العَاطِفَة؛ وقد تكون من قِسم الأمراضِ أحيانًا! فالتَّمَلُّكُ طَلَبُ حِيَازَة، وبَسْطُ سُلْطَان، واقتدارٌ على التَّصَرُّف، ونادرًا ما ينتقلُ من مجال الطَّلَبِ والبَسْطِ والاقْتِدَار إلى مجال الحِيَازة والسُّلطانِ والتَّصَرُّف؛ فقيام معنى تملُّكِ المرأةِ في نفس الرَّجُل أعْتَى وأَعْلَى مما يزعمه شيطانُ الرَّجُل للرَّجل أن التملُّك ضمانٌ لَحَبْسِ الجمال على نَفْسِه، وطريقٌ لِمَدِّ أَمَدِ مصاحَبَتِه له، وضرورةٌ لْحُسْنِ الاستمتاع، وكان الشيطانُ كذُوبًا. وردتي يا وردتي! عروسًا أتترُكُكِ بين وصيفاتك، مليكةً بين أميراتِك، جميلةً زاهيةً، ناعمةً مَرضيَّةً، تميدين بالأرضِ ورِجالِها غُرُورًا، وتُخضِعِين أنوار العُيونِ استحواذًا واستقطابًا وبَوَارًا، يا فاتكةً في صورة وردة! حسمتُ بعد رحلةٍ منَ النعيم والعذاب اختياري، ورضيتُ بواعِدِ الرُّنُوِّ، حتى لا ينقلِبَ وَعِيدَ التَّحْمِيج، وتأمَّلْتُ جِسْمَهَا وروحَها من الأعلى إلى الأسفلِ ومن الأسفلِ إلى الأعلَى مُوَدِّعًا لا طَالِبَا، بَلْ مُوَادِعًا لا مُوَاعِدًا، ثم رَحَلْتُ بَعيدًا، لكنها لم تَرْحَلْ من نفسي بَعْد! بَقِيَ من الحضورِ معنى الحضور، أَثَرًا بعدَ عَيْنٍ، وعَبَقًا بعد فَوْحٍ، ورِيًّا بعدَ ظَمَإٍ. وذهبتُ أقولُ مع الشُّعَرَاء: وَمُصْفَرَّةٍ تَخْتَالُ فِي ثَوْبِ نَرْجِسٍ وَتَعْبَقُ عَنْ مِسْكٍ ذَكِيِّ التَّنَفُّسِ لَهَا رِيحُ مَحْبُوبٍ وَقَسْوَةُ قَلْبِهِ وَلَوْنُ مُحِبٍّ حُلَّةَ السُّقْمِ مُكْتَسِي فَصُفْرَتُهَا مِنْ صُفْرَتِي مُسْتَعَارَةٌ وَأَنْفَاسُهَا فِي الطِّيبِ أَنْفَاسُ مُؤْنِسِي وَكَانَ لَهَا ثَوْبٌ مِنَ الزُّغْبِ أَغْبَرٌ عَلَى جِسْمِ مُصْفَرٍ مِنَ التِّبْرِ أَمْلَسِ فَلَمَّا اسْتَتَمَّتْ فِي الْقَضِيبِ شَبَابَهَا وَحَاكَتْ لَهَا الْأَوْرَاقُ أَثْوَابَ سُنْدُسِ مَدَدْتُ يَدِي بِالُّلطْفِ أَبْغِي اجْتِنَاءَهَا لِأَجْعَلَهَا رَيْحَانَتِي وَسْطَ مَجْلِسِي ذَكَرْتُ بِهَا مَنْ لَا أَبُوحُ بِذِكْرِهِ فَأَذْبَلَهَا فِي الْكَفِّ حَرُّ التَّنَفُّسِ مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير. قد يعجبك أيضاً «سابع جار» أو كيف تفزعنا مرآة الواقع؟ كيف تناول القرآن والسنة مسألة «حماية الملكية»؟ لا تدخلوا مصر دونالد ترامب والذين معه: نهاية تحالف متطرف شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram حاتم الأنصاري Follow Author المقالة السابقة وليم شيبرد: خرافة التقدّم في كتابات سيد قطب (1-3) المقالة التالية وافترقنا إذن: فما أجمل الذي حدث بيننا! قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك عن غياب مفهوم العقل في القرآن 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أم الدنيا «وهاتبقى» أفغانستان أو الصومال 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك ثورة 1919: جدليات الشريعة والهوية والاستقلال والحرية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «بروزاك» لن يحمينا للأبد: نزع السحر عن الطب النفسي 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الصياد الذي تناول حبة الفيل الأزرق: عن «موسم صيد الغزلان» 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حين يصبح الحُلم طريقًا للحكم! 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك دولة بلا أعداء 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك المدنية والدينية في المجتمعات الإسلامية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هونج كونج: «أرض معركة» للحرب التجارية باسم الديمقراطية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الوجود الآخر — الحلقة الأولى 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.