شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 85 شاهدت فيلم «فرانتز» (2016)، وكنت متوقع أن يفاجئني صاحب فيلم «في المنزل» (2012) بالمزيد من القصص غير التقليدية، ربما فيلم آخر يسرد قصة بها شيء من الغرابة وبسرد جديد كما سبق وأن فعل، لكني تفاجأت بفيلم كلاسيكي من فرانسوا أوزون. بمعنى آخر، ماذا يمكن أن يقدم لك فيلم أبيض وأسود ويسرد قصة كلاسيكية كفرانتز؟ القصة بين عالمين ربما التصوير في فيلم فرانتز ليس بالمبهر، لكن في الحقيقة لقد تم رسم المشاهد بعناية ورقة جعلا المشاهد تبدو جميلة فعلاً، وبالإضافة لاختيار تلك الكادرات الجميلة الهادئة، والتي تنساب برفق، اختار المخرج أن يركز بتنويعات اللون على عالمين يتناولهما في فيلمه، فليس كل الفيلم بالأبيض والأسود، هناك مشاهد ملونة، لحظات خارج الزمن العادي، فالعالم الأول العادي يتم سرده بالأبيض والأسود، لأنه واقعٌ حزينٌ ومفجع، فقط، لا نشعر به في تلك اللحظات التي يتملكنا فيها الشعور بالخفة.. لحظات خارج الزمن، لم لا وبإمكاننا أن نشعر بأننا للحظات لسنا من هذا العالم، لسنا من هذا الطين الذي خلف كل هذا البؤس والقتل والدمار، لحظات كهذه تبدأ مثلاً ما أن نشرع في العزف،الموسيقى تغادر بنا خارج الإطار الضيق للعالم، ربما أيضاً نزهة صغيرة مع حبيبة أمام بحيرة هادئة، وأيضاً ذكريات لأيام هي الأجمل مع صديق راحل. إن كانت هذه اللحظات، والخفة ، هي ما نبحث عنه في خلال وجودنا، نقتنص لحظات مماثلة، فإننا لا نعرف ماذا يريد بالظبط أدريان بنظراته القلقة الحائرة دوماً إنه يبجث عن خلاص ما، هذا ما نستنتجه من زيارته لأهل صديقه فرانتز. هكذا نفهم من بداية الفيلم، إنها ألمانيا مابعد الحرب العالمية الأولى، انتصر الفرنسيون على الألمان، وكلاهما مُني بخسائر لن تُعوض أبداً في الأرواح. إننا نرى الغضب والسخط الألماني من الفرنسيين، لكن ما يشفع لأدريان الفرنسي زيارته لألمانيا، هو الزهور التي يودعها على قبر صديقه. براعة السرد الكلاسيكي تتابع الأحداث المرسومة بعناية، وتُسرد بسلاسة أيضاً تُحسب للمخرج البارع فرانسوا أوزون، بدون تعقيد، وبتوظيف جيد للموسيقى تغلف مشاهد يبرع فيها ممثلو الفيلم ،قصة كلاسيكية تخلو من لحظات الملل، ليس بها تشوش في خط السرد. ولكن أليست الروايات الكلاسيكية دوماً ما تخبئ لنا مفاجئة ما؟ بالفعل، فإننا نلاحظ نظرات أدريان وقلقه الدائمين،نخمن أنه بالتأكيد يخبئ سراً ما، يحفزنا له المخرج بتركيزه من حينٍ لآخر على تعبيرات وجه، وتصل الأحداث إلى ذروة درامية حينما نواجه الحقيقة/الأبيض والأسود: ماذا لو أن كل هذه اللحظات خارج الزمن ما هي إلا خيالنا فقط، ما نتمنى لو أنه كان؟ يسرد أدريان أمام قبر فرانتز ولخطيبته آن (التي برعت في أداء دورها الفنانة بولا بير) طقس اعترافه، يسرد الأحداث كما كانت سابقاً ملونة، قبل أن يأتي هذا التذبذب اللاحق ما بين الأبيض/أسود والألوان، ويعترف بارتكابه الجريمة التي حملته كل هذا القدر من الأسى والشعور بالإثم اللذين دفعاه إلى المجيئ إلى بلدة فرانتز من البداية، ومن وقتها اصطبغت كل حياته بهذا اللون الأحادي. إن أدريان في الحقيقة لم يسبق له أن قابل فرانتز، ليس هذا فحسب بل إن أدريان هو شخص جاء يبحث عن خلاص لعذابه، نفسه التي تعذبه لأنه هو من قتل فرانتز. أحياناً ما نسأل نفسنا إذا ما كان الاعتراف يخلصنا من إحساسنا بالإثم؛ فبعدما يعترف لها أدريان، يتبين لنا أنه فقط حَمّلها شعوراً يجعل الحياة لا تحتمل بعده، خاصة وأنها تُخفي عن والدي فرانتز ما صارت الآن تعرفه، لذا فإننا نتساءل بعدها إن كان من الأفضل لنا أن نظل مخدوعين بدلاً من معرفة الحقيقة وما لها من ثقل يصل بنا إلا نقطة اللاعودة؟ لكن دوستويفسكي يخبرنا أن ما يحمله الإنسان بداخله من قلق، وتساؤل، وشعور بالإثم كاف أن يتجاوز نقطة التساؤل بخصوص جدوى الاعتراف سعياً وراء خلاص لا يأتي أبداً على ما يبدو. ولاحقاً، تسلك آنا مسلك أدريان في مشاهده خارج الزمن، وتتخيل أيضاً مشاهد ملونة. ينقل لها الأمل شعوراً بأن الأمور يجب أن تعطى فرصة أخرى، ننقاد مجدداً وراء أمل نتمسك به كما تفعل آنا، أوزون يستعد لأن يأخذنا في رحلة أخرى، وبدون أن أحرق الأحداث على من لم يشاهد الفيلم بعد، فإن المخرج، وهو كاتب السيناريو، يصل بنا مجدداً إلى نقطة لا عودة، بما يثبت أنه قادر دوماً على شد انتباه المشاهد، وأن يجعله مندمجاً مع الأحداث، عبر إغرائه بالأمل. نجاح البساطة كانت لوحة أدريان المفضلة هي لوحة الانتحار 1877 لمانيه، لوحة تعبر عما يشعر ويرغب به أدريان، وهو يعيش حياة المعذب، يعيش حياة لا قرار له فيها، تعكس تذبذبه ما بين عالمين، وهو ما استطاع المخرج أن يوصله لنا ببراعة حينما لجأ إلى حيلة استعمال اللونين. يتذكر أدريان اللوحة دوماً فهي خلاصه المنشود، الذي يسعى خلفه، لكنه لا يقدم عليه إطلاقاً. في النهاية فيلم فرانتز هو فيلم يلعن الحرب بدمارها وخسائرها التي لا تتمثل فقط في الخسائر المادية وفداحة دمويتها، بل أيضاً الخراب الكبير الذي يتغلغل في نفس الناجين منها، عبر قصة بسيطة عن الغفران والحب ومحاولة الإستمرار في الحياة التي تقتل فينا البراءة. فيلم لا يتطرق كثيراً إلى مشاهد الحرب لكن ينقل إلينا جانباً من نتائجها، ويُلح -بنبرة تحمل قدراً كبيراً من العزاء- على الرغبة في الحياة،عبر فيلم يحمل اسم إحدى ضحاياها. مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير. قد يعجبك أيضاً رواية «برجوازي صغير»: الحلقة الثالثة سوق السرد: انتشار الرواية عبر الترجمة ومفاعيله التمركز حول الإخوان: مرة أخرى! مقالة في تحرير الإرادة شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram أحمد تامر Follow Author المقالة السابقة أم الدنيا «وهاتبقى» أفغانستان أو الصومال المقالة التالية الحب في أروقة الفلاسفة قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك هل درس الغرب عقيدة «الولاء والبراء» على شيخٍ متعصب؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك قراءة في ضوء «تسريبات الإخوان» الأخيرة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هل حققت درع الفرات أهدافها؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك المجتمع وأيديولوجيا القمع: العثمانية تهزم الكمالية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك سنوات الخديعة والدماء على لسان ضباط الحملة الفرنسية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك نصوص دينية صارت معايير نقدية عند العرب 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أسطورة الدعم السياسي لمذهب أهل السنة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك المسألة المعرفية: بين بربرية التخصص ووهم الموسوعية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك صحابة في خزانة ثيابي! 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حسين – ماكمهون، سايكس – بيكو، روتشيلد-بلفور 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.