شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 67 بعد أشهر طويلة من الأخذ والرد، والتقدم ثم الإحجام، أعلن «جيرالد دارمانان» ، وزير الداخلية الفرنسي، عن اعتماد لجنة برلمانية خاصة لقانون «احترام مبادئ الجمهورية الفرنسية»، والذي تم طرحه مُسبقاً من طرف الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» تحت مسمى «قانون محاربة الانعزال الإسلامي»، في انتظار أن يُطرح أمام الجمعية العمومية في شهر فبراير/شباط الجاري، بهدف إدخاله حيز التنفيذ. القانون الذي يهدف إلى إنهاء تواجد إسلامي يهدد علمانية الدولة الفرنسية، لن يكون سوى تقنين للخطوات التي تقوم بها الدولة الفرنسية في الوقت الحالي، من إغلاق للمساجد والجمعيات الإسلامية وطرد للأئمة والناشطين المسلمين. بالتوازي مع ذلك تحاول فرنسا طرح نسخة نهائية مُنقحة من «إسلام» لا يتعارض بحال مع العقيدة العلمانية للدولة، ومن أهم محاور هذا «الإسلام الجديد»، تكوين أئمة يدينون بالولاء لفرنسا ويلعبون دور باعة الحليب منزوع الدسم لتدجين الرأي العام المسلم في البلاد. لن يكون ماكرون في حاجة للبحث طويلاً خارج الصندوق عن نموذج لهذه الأئمة، لن تكون حكومته في حاجة لاختراع هذا النموذج، لأنه في الواقع يوجد نموذج جاهز، يمكن وصفه بالممتاز فكرياً، إذ يكفي فرنسا إعادة استنساخه ثم تعميمه على مساجد البلاد. يتعلق الأمر بـ «حسن الشلغومي»، إمام فرنسا المنافح عن علمانيتها، والرافع لراية إخضاع الشريعة لحكم الإليزيه. خلال هذه المقال، سنتعرف عن حسن الشلغومي… تاريخه وأهدافه وأطروحاته ودوره الكبير في «الإسلام الجديد» الذي تريد فرنسا اختراعه. المستجير بعلمانية فرنسا من علمانية «بن علي» في السابع من يناير/كانون الثاني 2015، عرفت العاصمة الفرنسية باريس هجوماً مسلحاً على مقر جريدة «شارلي إيبدو» الساخرة. كان الهجوم استنكاراً «مُسلحاً» هذه المرة للرسوم الكاريكاتورية التي تتناول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالسخرية. كان التنديد بهذا الهجوم عاماً في فرنسا من طرف جميع التيارات السياسية وجميع العقائد الدينية في البلاد، وتعبيراً عن ذلك التنديد خرجت حشود المحتجين في الشوارع تصرخ بصوت واحد «Je suis Charlie»، وحتى تكتمل صورة «الوطن الجامع للجميع» كان من الضروري وجود عمامة بيضاء «مُسلمة» تنوب عن المسلمين وتؤكد أنهم هم أيضاً مع شارلي وحرية التعبير، حتى وإن كان ذلك على حساب المس بمقدساتهم . هذه العمامة الإسلامية لم تكن سوى «حسن الشلغومي»، إمام مسجد «درانسي» بالضاحية الشمالية للعاصمة الفرنسية، المعروف بآرائه الغريبة والشاذة التي تصل في أحيان كثيرة حد التطرف العلماني. يعتبر الشلغومي الإمام الأشهر في فرنسا، الضيف الدائم على بلاتوهات التوك شو، والناطق الرسمي باسم الإسلام على التراب الفرنسي بتعيين مباشر غير رسمي من الدولة الفرنسية. لم تكن رحلة وصول حسن الشلغومي إلى كرسي «إمامة» إسلام فرنسا بالسهلة، بل كانت محفوفة بالمخاطر، بالأسئلة والشبهات والشك المخابراتي، كانت البداية عام 1992 حينما فر من تونس «بن علي» بسبب حساسية هذا الأخير مع أي مظهر من مظاهر التدين. الخطوة الأولى كانت نحو سوريا، التي ما لبث أن تركها نحو الجزائر ثم تركيا فالهند وباكستان. كان مقام الشلغومي بالدول الأربع الأولى قصيراً، قبل أن يستقر بـ «لاهور» بباكستان لثلاثة أعوام ونصف، حيث تعرّف عن قرب على جماعة «التبليغ والدعوة» التي ستساعده على فتح أبواب «التصدر الدعوي» عندما سيصل إلى ضواحي باريس عام 1996. استفاد الشلغومي من انتشار جماعة التبليغ والدعوة ونشاطها الكبير داخل الأحياء العربية المهمشة بالعاصمة الفرنسية باريس، كان الشباب يرغب في أي خطاب دعوي يساعدهم على مواجهة مشاكلهم الاجتماعية والثقافية والسياسية. لعب التيار التبليغي هذا الدور بامتياز في حين لم تكن التيارات السلفية قد نشرت ظلالها على هذه الأحياء. عقد الإمام التونسي جلسات دعوية في المراكز الإسلامية حينها، لكن نوع الخطاب لم يكن يرق السلطات الفرنسية ذات الخصومة الشديدة والعميقة مع الخطاب الإسلامي أياً كان توجهه، وذلك لما فيه من تحد لأيديولوجية الدولة العدائية مع الأديان بشكل عام من جهة، وسهولة انتشار هذا الخطاب وسط الشباب العربي المسلم الغاضب من أوضاع التهميش والفقر والقمع السياسي والمجتمعي من جهة أخرى. في عام 2004 بدأت الاستخبارات الفرنسية في تشديد مراقبتها للشلغومي، بسبب خطابه الإسلامي الذي يشجع فيه على الجهاد للرجال ولبس الحجاب والنقاب للنساء، ليَصدُر قرار من وزارة الداخلية الفرنسية بطرد الشلغومي من البلاد، لكن هذا القرار لم يُنفَّذ بعد تدخل «تهامي بريز»، القيادي في اتحاد المنظمات الإسلامية المُقرَّب من جماعة الإخوان المسلمين . ورغم تراجع السلطات الفرنسية عن طرده من البلاد، إلا أن الشلغومي سيخسر عمله بمطار شارل ديغول عام 2006 بسبب نفس الشبهات المتعلقة بخطابه الإسلامي، وبعد ذلك بعام سيتم وضع الطابع الأحمر على جواز سفره لمنعه من الدخول للولايات المتحدة الأمريكية بصفة نهائية، وفي عام 2008 تم طرده من مسجد «بوبيني» الذي كان ينشط فيه، جاء ذلك توازياً مع طرده من عمله الجديد بأحد محلات البيتزا. الصهيونية هي الحل ضاقت الدنيا بالداعية التونسي الفار من نار بن علي، ففي فرنسا تعد تهمة «الإسلامي» سُبّة تلتصق بصاحبها أبداً، فلا تفارقه إلا قتيلاً أو مسجوناً أو مطروداً إلى بلده الأصلي، حيث تستلمه المخابرات المحلية وتواصل معه رحلة إلى الجحيم. كان الشلغومي يدرك أن مقامه في فرنسا ولو «متشرداً» دون مسكن أو عمل ما كان ليستمر طويلاً، إذ إن قرار الطرد ثانياً قد يخرج في أية لحظة بعد أن فلت منه بمعجزة في المرة الأولى. مع ضيق الوقت، لم يكن للشلغومي رفاهية تغيير خطابه الديني ومحاولة كسب رضا الدولة الفرنسية، ما كان الوقت ليسعفه على كل حال، فكان الحل المثالي هو البحث عن قنبلة إعلامية يُعلن بها الداعية التونسي عن نفسه من جديد، ولم يكن هنالك قنبلة أكثر فعالية من دعم إسرائيل، العدو الأول للعالم العربي والإسلامي. فخلال عمليات «الرصاص المصبوب» التي كانت تقوم بها دولة الاحتلال خلال حربها على غزة عام 2009، زار الشلغومي الأراضي المحتلة مُعلناً دعمه لجيش الاحتلال ضد المقاومة الإسلامية (حماس) على اعتبارها حركة إرهابية تستهدف «المواطنين الإسرائيليين» الأبرياء. كان الشلغومي يحتاج لتسويق هذا الدعم لإسرائيل داخل فرنسا، حتى يحظى بحماية اللوبيات اليهودية داخل البلاد، وهو ما كان، إذ سرعان ما خرج عبر وسائل الإعلام الفرنسية لمطالبة السلطات بمنع جميع المظاهرات التي عرفتها شوارع البلاد دعماً لفلسطين واستنكاراً للحرب غير العادلة على غزة. جرت بعد ذلك الخطة كما أرادها الشلغومي، إذ بدأ ظهوره الإعلامي على الساحة يؤتي ثماره. قدّمه الإعلام الفرنسي المُتعطش لأي نموذج إسلامي شبيه بالداعية التونسي على أنه «إمام مسجد درانسي» بضواحي باريس، في حين أن الإمام الحقيقي هو الشيخ «نور الدين» من جزر القمر الذي خلف سلفه الشيخ «حذيفة» من مصر، إلا أن الشلغومي أبلغ عن نور الدين للسلطات مُتهماً إياه بالإسلامي الذي ليس لديه أوراق إقامة، ولم يكن الإمام الوحيد الذي رحل بل صحبه مكتب تسيير المسجد لتخوف أعضائه من اتهامهم بالإسلاموية ومتابعتهم من طرف السلطات. عدو الإسلاميين وفخر يهود فرنسا في سبيل خدمة مشروعه «التنويري» أسس الشلغومي منتدى أئمة فرنسا، الذي هدف إلى تكوين أئمة يحترمون «إسلام فرنسا»، ويتحدثون الفرنسية لمخاطبة الشباب الفرنسي المسلم، رغم أن الشلغومي نفسه لا يتحدث الفرنسية بطلاقة وتعج مواقع التواصل الاجتماعي بفيديوهات كوميدية له وهو يتحدث الفرنسية ، إذ لا يستطيع تركيب جملة واحدة مفيدة وسليمة من الأخطاء اللغوية. لكن على كل حال تمكن «إمام مسجد درانسي» رغم عدم أهليته العلمية ولا اللغوية من الحصول على تمويل مهم لجمعيته من طرف عدد من المنظمات اليهودية الشهيرة، أبرزها «المجلس التمثيلي للديانة اليهودية»، وهي المنظمة اليهودية الأهم في فرنسا، وكذلك مؤسسة «بناي بريث الدولية»، ثم أخيراً وليس آخراً مؤسسة «روتشيلد» الشهيرة، بجانب تمويل إماراتي لدعم خطوات منتدى أئمة فرنسا. ركز الشلغومي جهوده على محاربة «الإسلاميين» الظلاميين الذين يريدون اختطاف فرنسا وخلق مجتمع موازٍ، فهاجم المتشبثين بالمظاهر الإسلامية كالحجاب، مُعتبراً إياه أداة ذكورية للهيمنة على النساء ، ودافع عن «شارلي إيبدو» بعد رسومها الساخرة من الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وشن نيرانه على الجالية الإسلامية التي لا تريد الاندماج في المجتمع الفرنسي، مُعلناً فخره في ذات الوقت بعلاقاته القوية بالجالية اليهودية في فرنسا . هذا الخط العلماني المتطرف جعل الشلغومي يربط علاقات جديدة مع نظام بن علي ، عبر صهره «صخر الماطري»، الذي موَّل الشلغومي لتأسيس إذاعة إسلامية، ما جعل الإمام التونسي يخرج للثناء على نظام بن علي مُهاجماً حركة النهضة التي تحاول أسلمة تونس، داعياً الدول الغربية إلى الضرب بيد من حديد لمواجهة الإسلاميين، تماماً مثلما يفعل هو، إذ كان يُبلِّغ السلطات التونسية بأسماء المصلين التونسيين الذين يواظبون على الصلاة بمسجد درانسي. هذا الخط الذي اختاره الشلغومي لنفسه جعل منه الوجه الإسلامي الأشهر في فرنسا، والنموذج المثالي الذي يكيل له الإعلام الفرنسي المدائح، خصوصاً إعلام اليمين المتطرف الذي يجد في الإمام التونسي روح الفارس المغوار الذي يحارب ظلامية الإسلام لصالح نور اللائكية الفرنسية. خاتمة رغم ضحالته المعرفية ولغته الضعيفة وعدم اعتراف أغلب مسلمي فرنسا بإمامته التي تفرضها وسائل الإعلام المحلية، إلا أن حسن الشلغومي، «إمام فرنسا العلمانية»، يبقى من أخطر الشخصيات الإسلامية في البلاد، إذ إنه بفتوى منه، يمكن لفرنسا مواصلة التضييق على المسلمين ومنعهم من أساسيات دينهم كالصلاة أو الحجاب أو الأكل الحلال. فساكن قصر الإليزيه لا يبحث عن السند والمتن والمدرسة الفقهية للمفتي، بقدر ما يبحث شخص ذي عمامة بيضاء يُبرِّر به قراراته المتطرفة في مواجهة المسلمين. مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير. قد يعجبك أيضاً فيلم «The Killing of Sacred Deer»:كابوس داخل نفس مثقلة بالكآبة كورونا: هل تحتاج الديمقراطية إلى بيريسترويكا؟ أوقاف الخديوي إسماعيل على التعليم والهوية ومواجهة التغريب هل نحن في عهد المملكة العربية السعودية؟ شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram المهدي الزايداوي Follow Author المقالة السابقة هل يمكن لقراءة الشعر أن تُغيِّر حياتك؟ المقالة التالية جدلية الفقه والقانون في تشريعات الأوقاف المعاصرة قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك كتاب «فكر بنفسك! عشرون تطبيقًا للفلسفة»: عن شجاعة التفكير 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الحرية بين التسالم والتغالب الاجتماعيين 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الصراع والتغيير في العالم العربي: السبل والآفاق (1/ 2) 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الضيف — قصة قصيرة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كم مرة سقطت الخلافة الإسلامية؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك تلك المقبرة – الحلقة الثالثة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «قوم يا مصري»: العامية في مواجهة الاستعمار 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الحرية في اللسان العربي 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أثر الفراشة: لا يرى.. ولا يزول! 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك احتجاجات السودان والخلافات الداخلية في النظام 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.