شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 57 لايعتبر هذا المقال مجرد تحليل نقدي ولا مجرد احتفال بالمسلسل إذ هو يجمع بين الجزأين؛ لذلك تم نشره بعد انتهاء المسلسل ليكون احتفالا كاملا ونقد كاملا في الوقت نفسه. في 2013 كانت البداية ظهر المخرج تامر محسن لأول مرة في الدراما عبر مسلسل بدون ذكر أسماء تأليف وحيد حامد، وبطولة روبي وأحمد الفيشاوي ومحمد فراج وحورية فرغلي. أما الكاتبة مريم نعوم فكان ظهورها الأكثر بريقا في ذلك العام أيضا من خلال مسلسلي: موجه حارة من إخراج محمد ياسين، وبنت اسمها ذات من إخراج كاملة أبو ذكري (واستكمل الإخراج خيري بشارة)، وبطولة نيلي كريم وباسم سمرة. على الرغم من أن تامر محسن في بدون ذكر أسماء يظهر لأول مرة مع عملاق في كتابة السيناريو كـ وحيد حامد، إلا أنك ستجد شيئا مختلفا عن كل مخرجي الدراما المصرية تقريبا. شيء فريد في تامر محسن يجعلك تشعر أنه المسيطر الأول، المتحكم في كل تفصيلة، بالتدريج ستضيف أنك تتابع مسلسلا لـ وحيد حامد وستضيف اسم تامر محسن بعدها، ثم في نهاية المسلسل ستجد اسم تامر محسن يقال في البداية كعنوان للمسلسل. هناك شيء يبهرني دائما لم أجده سابقا في الدراما أو السينما المصرية، وهو أسلوب اللوحات، أن تكون كل صورة وكل لحظة في مسلسل يمكن أخذها كلوحة فنية بسبب تناسق ألوان كل عناصر الصورة في المسلسل من الإضاءة للملابس للديكورات للميكاج، حتى دخان السجائر. الكل يدمج بدرجات ألوان متناسقة تجعلك تشعر أنك تشاهد لوحات فنية متعاقبة. هذا الأسلوب لم أجده غير مع تامر محسن في بدون ذكر أسماء. ثم إن بدون ذكر أسماء هي التجربة المصرية الأولى التي أرى فيها المخرج يصنع الصورة طبقا لصورة الزمن، فأنت تشاهد مسلسلًا عن الثمانينات بصورة الثمانينات. أما مريم نعوم فستجد عندها فيضا من الإنسانية، دقة في الكتابة. سيناريست يعشق إظهار الإنسان بكل جوانبه. ولأنها تهتم بالقضية النسوية فستجد للمرأة الدور الأهم. برغم تفوق مريم نعوم مع المخرجة كاملة أبو ذكري إلا أنني شعرت أن هناك شيئا ينقص تلك السيناريست. كتبت أثناء عرض مسلسل سجن النسا أنه إذا اجتمعت مريم نعوم مع تامر محسن فسنجد عملا ربما من أفضل الأعمال التي سنراها في حياتنا. بعدها بشهر تقريبا وجدت الخبر الأول عن مسلسل تحت السيطرة، وأظن أن توقعي لم يخب إطلاقا. تحت السيطرة ربما يكون مسلسل تحت السيطرة مسلسلا تقليديا في قصته العامة، فأنت من الحلقات الأولى لا بد أن تتوقع وقوع مريم في الإدمان، ووقوع هانيا وعلي في الإدمان. بالتأكيد توقعت ذلك من أول المسلسل. المسلسل كالحياة؛ قصص تقليدية مختلفة التفاصيل. الأغلب منا حياته تقليدية (بمعنى أن مساراتها ليست كثيرة) ما يفرقها عن غيره هي التفاصيل. وبالتالي لعبت مريم نعوم على التفاصيل، وأجاد تامر محسن إظهار تلك التفاصيل بشكل شديد الجمال. المسلسل يتحدث عن طبقة معينة في المجتمع وهي الطبقة المتوسطة العليا، انتقل لطبقات أخرى أحيانا كما في شخصية عزة تاجرة الهروين التي قدمتها هبة عبد الغني، ولكنه في المجمل ملتزم بالتعبير عن شكل ونمط حياة الطبقة الوسطي العليا بمشاكلها وتناقضتها، وهو ما أجادته الكاتبة بشكل بارع غير مبتذل، لذلك لم يشعر المشاهدون غير المنتمين لهذه الطبقة بضيق أو ابتذال. فالمسلسل في الأساس يعبر عن إنسان يشعرون به. أجادت مريم وتامر محسن إخراج المشاهد من حيز غير المنتمي لهذه الطبقة بمشاكلها، إلى المنتمي بتفاصيل الإنسان. وبالتالي ظهر هذا في تغير مزاج المشاهدين. من البداية التي تكلم فيها البعض عن المسلسل الذي تقول فيه البنت الصغيرة: “sex”، ومستوى المعيشة، وخلافه، إلى اندماج في الشخصيات بمشاكلهم دون الالتفات إلى مستوى الشخصيات الطبقي. أزمة الإدمان أزمة إنسانية، ولكن يظل المسلسل خاصا عن معاناة إنسان تلك الطبقة المتوسطة، فإذا تحدث مسلسل آخر عن إدمان الطبقات الأقل، سنجد فرصًا أقل للتعافي، وتجنٍ قاتل بشكل مضاعف ضد المرأة المتعافية عن الذي قابلته مريم، وسنجد مآس أكثر وضحايا أوسع، هذا في اعتقادي الذي ربما أكون مخطئا فيه. معالجة الإدمان لا أتذكر عملا عالج مشكلة الأدمان بقدر عال من الفهم. دائما الإدمان موضوع صعب وفخ لأي مبدع تناوله دراميا أو سينمائيا. كيف يتم تحليل الإدمان؟ يلجأ بعض الكتاب في تحليل الإدمان إلى المجتمع الذي فقد قيمه وأخلاقه، ويلجا آخرون إلى أصدقاء السوء، أو الثراء والدلال المفرط. كلها أسباب واهية غير مقنعة توقع أي كاتب في فخ النمطية. ما فعله مسلسل تحت السيطرة أنه أخرجنا من تلك المعادلات النمطية: الإدمان ليس من فراغ، وليس له نمط واحد أو أسباب واحدة، الإدمان ليس ابن طبقة معينة، وليس هناك أصدقاء سوء بالمعنى الكلاسيكي. الإدمان حالة سببها الرئيسي اغتراب ما، دافع عدمي يذهب بالجميع في هذا الطريق. حبل مشنقة يربط بدون أن تشعر به. مسلسل تحت السيطرة جعل بعض العائلات تشعر بالرعب، لأن الأمر ليس متعلقا بالأخلاق أو المستوى المادي؛ بل بحالة الاغتراب والبعد والضغوط التي ربما يراها كل أب في أبنائه. ربما نحن جيمعا معرضين للإدمان أو عرضة لأي عاصفة أخرى مميتة غير الإدمان. الإدمان مجرد شكل، مجرد عاصفة، لم يعانِ بعضنا منه. وربما هناك أشياء مميتة أخرى غير الإدمان، أو جزء منها الإدمان، تنبغي مناقشتها في أعمال إبداعية قادمة. اختفاء الخير والشر في اعتقادي الشخصي ليس هناك خير وشر بين الأشخاص العاديين. أنا لا أتكلم عن مجرمين ومرتكبي مجازر؛ بل أتكلم عن أشخاص لديهم أحلام بسيطة ومشروعة مهما علت. عندها تختفي أفكار مثل الشر، وصديق السوء والخير. كلنا نمثل الخير إذا وضعنا مع أشخاص في ظرف معين يساعد على ذلك، وكلنا يكون تأثيرنا سلبيا كصديق السوء إذا كانت الأحوال مختلفة؛ وقد نمارس الدورين، وهو الأعم والأغلب. سلمى، ذلك الشخص الطيب الخير، تحملت زوجها لأنها تحبه، وتحملته أكثر من مرة. سلمى مثال للإخلاص الحقيقي، ربما تشبهها بالملاك، ربما تكون هي فتاة الأحلام بالنسبة للأعم الأغلب من الرجال. سيختلف البعض في التفاصيل مثل: سلمى بحجاب أو بدونه، سلمى بعيون زرق أم سود، ولكن ستكون مجرد تفاصيل صغيرة تختلف من شخص لآخر. وبرغم ذلك سلمى هي التي دمرت حياة مريم. هل نستطيع تجريم سلمى؟ لا، ولن نستطيع كرهها، ولم تستطع مريم كرهها؛ ولكن هذا الفعل ذاته يعتبر فعلا شيطانيا. فهذا الفعل ترتب عليه سلسلة طويلة من الانهيارات لمريم. حاتم، الذي يعتبر مثالا لفارس أغلب النساء. الرجل الرومانسي الذي تفهم أخطاء زوجته في أول الأمر. هو ليس مثالا للذكورية، في أول الأمر يظهر كمتحرر؛ ولكن مع الوقت يتحول حاتم لأقصى شخص كريه متجنٍ شديد القسوة؛ ولكنك في نفس الوقت ربما يصعب عليك كرهه. المسلسل يجعلك في حالة دائمة من التوتر، ترغب في ربط شخصية كي تكمل علاجها. تظل متوترا أغلب الوقت حتى لا ينتكس شريف الذي يعد الرمز الأوضح للصمود. علي وهانيا علي وهانيا متشابهان كثيرا في أزمتهما. الاثنان يمثلان أزمة الاغتراب عن المجتمع والذات والأهل. ليست أزمتهما أنهما شخصين بلا أخلاق (إذا اتفق على معنى معين على الأخلاق)، وليس أن لديهما أصدقاء سوء. الأزمة أزمة وجود مجتمع يعزلهم عنه، ويعزلهم عن فهم ذاتهم. يجعلهم متفوقين دراسيا ولكن لا يعلمون لماذا يتفوقون؟ يظل أبو هانيا في اختفاء دائم لجمع المال لها، ولكن هل المال فقط ما تحتاجه؟ أُم هانيا التي تخاف عليها وتحبها بشكل مرضي. هل الحب يكفي لكي تكون شخصا سويا؟ كل هذه الأشياء التي تبدو ميزة في حياة هانيا هي التي جعلتها تشعر باغترابها عن كل شيء؛ عن دراستها وأهلها ومجتمعها. لديها رغبة طفولية انتقامية في أن تكون بارعة في كل شيء. الجمع بين التفوق الدراسي والتفوق الشهواني (الذين يعدهم المجتمع نقيضين لبعضهما) أو كما قالت: “أحب أكون A في كل حاجة، في الدراسة، والبيت، والحشيش، والـ sex”. أما علي فهو أول من حذر هانيا من الإدمان. كان يشعر أن رجله تنسحب في بحر الرمال وكان يريد إبعادها. وكذلك هو الذي لم يتردد في زواجها وفرح بحملها. باختصار علي كان يحب هانيا. البعض فسر بعض أفعال علي بشكل خاطيء، مثل قوله لها أن أخته غيرها. لم يكن يقصد أن هانيا عاهرة أو نموذج شاذ؛ بل يقصد أن أخته سوية أكثر منهما. لم يكن علي وسياق شخصيته يعبر عن هذا المعنى الذي ظنه البعض من منطلق أنثوي تحقيرا لهانيا؛ بل بالفعل هو تحقير لهما. شعوره أنهما الاثنين ملوثان لا يجب أن يكون أحد مثلهما. ساعد في ذلك حالة التقدم في الإدمان، وعندما تخلى عنها لتاجر الهروين ليغتصبها، كان بدافع الإدمان والذي عبر المشهد الذي يليه عن تفهم الاثنين لحالتهما؛ حتى لجريمة علي التي يجب ألا تغتفر. المسلسل مليء بتفاصيل الشخصيات. مليء بالإنسانية. المسلسل استثنائي في هذا الجانب حتى في نهاياته المفتوحة مثل الحياة. ليس هناك شيء يدل علي نهاية محددة بل مسارات متاحة أمام كل شخصية واحتمالات كثيرة لا نعرفها لأن المسارات والاحتمالات لا تتوقف إلا بموت الإنسان. الإخراج والتمثيل تامر محسن يؤكد للمرة الثانية على التوالي أنه ملك في إظهار التفاصيل. تفاصيل كل شيء. تفاصيل اللحظات السعيدة والحزينة، كل شيء متقن. شكل الممثلين مع مكياجهم مع ملابسهم، وديكورات المكان حولهم، والموسيقى تتناغم مع الصورة بشكل كامل. أما اختياره للممثلين فيكاد يصل للعلامة الكاملة. كل الممثلين أبدعوا، وكل الممثلين اندمجوا وتفهموا الشخصيات برغم تناقضاتها وتعقداتها. نيللي كريم التي تزداد نضجا عاما بعد عام. محمد فراج وإنجي أبو زيد وظافر العابدين، والوجه الجديد جميلة عوض. الكل أبدع تقريبا. المسلسل يقترب من درجة الإتقان الكامل في كل شيء تقريبا. تحت السيطرة ليس مجرد عمل مثير للجدل في فترة معينة بل هو عمل خلق ليستمر في ذاكرة الدراما. قد يعجبك أيضاً «The Killing of A Sacred Deer»: تراجيديا لانثيموس المعاصرة فاروق الفيشاوي: سيد كناريا يودع القفص رواية «1942»: توثيق لكارثة منسية على أرض الصين مسلسل «أحلام سعيدة»: مسلسل رمضاني يرفع شعار لا للخطابية شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram محمد حمدي هاشم Follow Author المقالة السابقة فان جوخ.. جمال قاس وروح معذبة المقالة التالية عن 12 رجلا لم ينفجروا! قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «وﻻد رزق 2»: السينما المصرية وبدلة سمير غانم 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Blade Runner 2049»: بين عالم «سكوت» وعالم «فيلنوف» 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هؤلاء الكتّاب يقدمون لكم دراما رمضان 2019 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Loving Vincent»: مرثيّة فنية تليق بفان جوخ 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هاشتاج MeToo: موجة عالمية انطلقت من هوليوود 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «When Harry Met Sally»: كوميديا إيفرون الرومانسية 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك بعد وفاة حسني مبارك: كيف تقرأ مسلسل «مسيح»؟ 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك عبد الرحيم كمال: الكاتب الذي أنقذ دراما الصعيد 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حصاد سينما 2017: دليلك لأهم أفلام العام 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك Game of Thrones: كيف تخلق عالمًا موازيًا 01/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.