شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 111 غاص قلبي وأنا أمشي بين الحُطام، قدماي ثقيلتان، جسدي منهك من أثر السير الطويل، أمشي في بالطو أبيض بأكمام واسعة، قفازات بيضاء سميكة، أضع على فمي وأنفي كمامة، وتتدلى من رقبتي السماعة الطبية برأسها الفضي. حطام حطام، بنايات كاملة لم يعد لها وجود، بيوت، مدارس، حدائق، محال، دكاكين صغيرة، تطل متشحة بسوادها كالأشباح. ورائحة الموت الكئيبة تملأ جو المكان. أفكر أن الأرض تحت قدميّ تحوي عشرات الموتى فأجزع، وألتفت إلى رئيس القافلة الطبية، أسأله متى نصل المستشفى فيقول إنه قريب. لكني لم أكن أرى أية مبانٍ قائمة سليمة. ويصيبني الشك في وجود أحياء سنعالجهم هناك. رأيته صدفة فاستغربت، كان يجلس مُربِعا قدميه، ويدفن رأسه بين كفيه الصغيرين، يبدو كجزء من الحطام. يضع أمامه ملاءة كبيرة مفرودة وعليها أشياء كثيرة. أترك الفرقة وأقترب منه فأرى ما على الملاءة، “حلة ألامونيا” كبيرة بيدين من عاج وغطاء زجاجي مشروخ، طقم أكواب بعضها مكسور، صينية بلاستيك زرقاء كالحة، سنارة سمك قصيرة وطعمان موضوعان في علبة صغيرة، سنادات صغيرة لعجلة أطفال، علبة سجائر مفتوحة، ثياب كثيرة بمقاسات مختلفة، مكومة فوق بعضها، زجاجات فارغة، ألعاب أطفال رخيصة، نظارة طبية بذراع واحدة وعدساتها مكسورة، برواز كبير مشطور لنصفين، ساعة حائط تسير عقاربها عكس الاتجاه، موقد صغير وعلبة كبريت. أجلس إلى جواره، أضع يدي على كتفه وأقول له أنني طبيب من البلد الفُلانية فيهز رأسه ولا يتكلم، أسأله عن الأشياء، يتردد قبل أن يقول بصوت مبحوح: هاي اغراضنا . – حاجه أهلك يعني؟ – اه .. اغراضنا – وهما فين؟ تدمع عيناه ويغمغم بكلام غير مفهوم، ثم يشير إلى كتلة الملابس المكومة ويقول: هاي اواعيهم . ألاحظ للمرة الأولى أن الثياب ملطخة ببقع حمراء داكنة، فأربت على كتفه وأقول له إنهم أحياء عند ربهم. يقول:اخوي … اخوي كمان مات ، كان بجاهد .. يُطرق قليلا ثم يكمل: أنا اللي .. أنا اللي دفنتهم كلهم. يصمت كلانا وقد عجز لساني عن مواساته حتى، لكن فضولي دفعني لأسأله: انت فضلت ازاي؟ – بعرفش ،قصفو البيت ومحسيتش بشيء بعدها, وصحيت بالمستشفى ولما سالت عنهم حكولي كلهم ماتوا. أربت على كتفه مجددا وأنا أبكي، وهو يبكي. أنظر إلى الأشياء وأنا لم أفهم بعد لماذا يضعها هكذا. أسمع صوت رئيس القافلة فجأة وهو ينادي اسمي عبر مكبر للصوت فأنتفض، أختلس نظرة إلى الساعة فأدرك أن الوقت قد سرقني. أعتدل وأقبل الولد بين عينيه وعلى رأسه وأمضي. لكنه يستوقفني، يشير إلى الأشياء ويقول: ما بدك تشتري شيء ؟ * من المجموعة القصصية بعنوان (برواز مشطور) والتى تصدر قريب عن دار (مدارات) للأبحاث والنشر قد يعجبك أيضاً «بوب ديلان»: في يده جيتار وفي فمه هارمونيكا فيلم «House of Gucci»: ملحمة لا تهم صناعها المخرج «عمر عبد العزيز»: القاهرة مدينة لم تعد تشبهنا تَنصُّت – الحلقة الثالثة شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram عمر سليم Follow Author المقالة السابقة The Hateful Eight – داعش الأمريكية المقالة التالية The Social Network: الحقيقة وراء مؤسس «فيسبوك» قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك حكايات مومياء الثلوج – الحلقة السادسة والأخيرة 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أربع حكايات سينمائية عن الملل 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أهم 5 أفلام مصرية في عام 2020 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أهم 12 إصدار أدبي في معرض القاهرة للكتاب 2018 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حديث الصباح والمساء: بين رؤية محسن زايد ونجيب محفوظ 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Drive My Car»: الرحلة السينمائية الأجمل في 2021 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك ماذا يعرف صناع المسرح الآن عن الجمهور؟ 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك المرض النفسي و«الحياة في مكان آخر» 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك ساليري من فيلم «Amadeus»: قابيل يقتل هابيل كل يوم 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك المدن العربية في الأدب: نحو تحليل معماري للرواية 03/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.