تحذير: هذا التقرير يحتوي على حرق لبعض أحداث المسلسل في أجزائه المتعددة.

عندما تلعب لعبة العروش، إما أن تكسب أو تموت، لا يوجد اختيار وسط.





سيرسي لانستر، إحدى شخصيات المسلسل


6 مليون دولار

هي تكلفة إنتاج الحلقة الواحدة في مسلسل لعبة العروش الذي يعد من أشهر المسلسلات التلفزيونية التي ظهرت في التاريخ؛ مما يجعل تكلفة الموسم الواحد حوالي 60 مليون دولار أو أكثر من 600 مليون جنية مصري، أي أكثر من

نصف

تكلفة إنتاج كافة المسلسلات المصرية في رمضان 2015 مجتمعة. هذا مع الأخذ في الاعتبار أن الموسم الواحد من المسلسل يبلغ

10 حلقات

فقط. لعبة العروش هو

ثالث

أضخم مسلسل من ناحية الإنتاج في تاريخ السينما، يأتي قبله فقط «الأصدقاء» و«روما».

هذه التكلفة الضخمة يقابلها بالتأكيد خطة شاملة في جني الأرباح، فشبكة «HBO»،

المملوكة

لشركة هوم بوكس أوفيس Home Box Office، لن تقوم بصرف مثل هذه الأرقام الكبيرة، بدون التأكد من جني أرباح أسطورية في مقابل كل دولار منها. هذه الخطة

تتلخص

أساسا في الزيادة في عدد المشتركين في شبكة HBO. ولكي ندرك حجم الأرباح الناتج عن هذه العملية، يكفي أن نذكر أن الشبكة قد

حققت دخلا

يبلغ 1.3 مليار دولار في الربع الأخير من سنة 2013 وحدها؛ مما جعل الدخل السنوى يصل إلى حوالي 5 مليارات دولار، وبعد حساب التكاليف (ومنها تكاليف إنتاج مسلسلات مثل لعبة العروش) بلغ إجمالي الأرباح السنوية حوالي 1.7 مليار دولار.

بالإضافة لاشتراكات المشاهدين في الشبكة، فإن الشبكة تملك كافة حقوق المسلسل، وهو ما يعني أرباحا إضافية تتعلق بكافة المنتجات التي تتعلق بشخصيات المسلسل (ألعاب، وملابس، إلخ)، فضلا عن مكاسب أخرى حققها ناشر كتب السلسلة التي أخذ عنها المسلسل، سلسلة «قصة النار والثلج»، والتي وصلت الأربع الأولى منها إلى

الأكثر مبيعا

في فترات عرض الموسم الأول من المسلسل. كما أن هناك جزءا من التكلفة يتم دفعه من قبل مؤسسة «شاشة أيرلندا الشمالية» وهي مؤسسة حكومية ساهمت في تمويل المسلسل بحوالي 15 مليون دولار في خلال الأربع مواسم الأولى، حيث يتم تصوير المسلسل في أيرلندا (بالإضافة لخمس دول أخرى منهم المغرب)، وهو ما أعاد بالربح على منطقة التصوير بما يزيد 100 مليون دولار.

هذه الأرباح لن تتحقق بدون نسب مشاهدات خيالية، وهو

ما حدث بالفعل

، فالمسلسل قد بدأ بحوالي 2 مليون مشاهد للحلقة الواحدة في الموسم الأول ليرتفع إلى 4 مليون في الموسم الثاني ليصل إلى 8 مليون مشاهد في الحلقة الأخيرة من الموسم الخامس، كما أنه قد وصل

للمركز الخامس

في المسلسلات الأكثر إثارة للضجة على تويتر، والترتيب

الرابع

في قائمة موقع IMDB للمسلسلات الأعلى تقييما. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كانت نسب المشاهدة الضرورية لتحقيق الأرباح دافعا لتدمير دراما المسلسل فقط من أجل المزيد من الدولارات؟.


جو أسطوري بلا أساطير

الشتاء قادم.





مقولة تتردد على لسان العديد من شخصيات المسلسل

تنانين وموتى يعودون للحياة وسحره في كل مكان وأدوات (سيوف وغيرها) ذات مكانة خاصة وأفراد ذات قدرات غير عادية، مفردات محفوظة لأي أسطورة، وهي مفردات يسيل لها لعاب أي مؤلف، ولكن مسلسل لعبة العروش بالرغم من احتوائه على العديد من هذه العناصر إلا أنه افتقد للأساطير نفسها، فلا وجود للأسطورة كسردية متماسكة في بنية دراما المسلسل وخيوطه الدرامية المتعددة، بل تأتي أحيانا كحلية على الهامش كما رأينا في مشهد من ذاكرة سيرسي حينما قابلت ساحرة تنبأت بمصير أبنائها، ولكن هذا كان في الجزء الخامس (الحلقة الأولى) أي بعد أن عرفنا بالفعل مصير أبنائها طيلة الأجزاء السابقة.

الغريب في الأمر أن سلسلة الكتب التي أخذ عنها المسلسل، لديها بالفعل كم حافل من الأساطير، بل والنظريات التي أخذها القرّاء من الكتب، ولكن للأسف

تم حذف

الكثير من هذه الأساطير في المسلسل. ومن ضمن ما تم حذفه بشكل كبير هو أسطورة «أزور أهاي» والتي تتحدث عن بطل سيولد مجددا بعد غياب 5000 عام لكي يحارب قوى الظلام، وأنه في حال هزيمته سيتدمر العالم كله معه، وقد تناول قرّاء السلسلة هذه الأسطورة بكثير من التحليل والتفسير والتوقعات التي حاولت الوصول لمن هو «أزور أهاي»، حيث يميل معظمهم لاعتبار «جون سنو» هو البطل المنقذ.


إن غياب الأساطير في المسلسل كان عاملا مهما في غياب خط الدراما الرئيس، فالمسلسل ظل طوال خمس مواسم يبحث عن خط درامي رئيس يدور في فلكه ولكنه فشل، مع توالي موت/قتل الأبطال وتدمير الخطوط الدرامية الواحد بعد الآخر. ومع حذف العديد من الأساطير بدت العناصر الأسطورية كما لو كانت منتزعة من سياقها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نشهد وجودا مترددا للموتى الأحياء، فأحيانا يظهرون، ثم يختفون بشكل غريب، حتى أنك تحار في فهم مدى تقدمهم نحو الحائط الكبير من عدمه، بينما كل أحداث المسلسل ومؤامراته المتتالية لا تكترث فيما يبدو بأمر الموتى الأحياء.

حتى عندما يظهر خط درامي يمكن البناء عليه مثل قضية الحرية والعبودية التي نشأت مع اختيار ديناريس تارجيرين المكوث في المدينة لتحكمها، فإنه لم يتم البناء على هذا الخط بل تم إهماله حتى بدا أن قصة ديناريس منفصلة عن بقية سياق السلسلة.


العرش الحديدي: من بؤرة السلسلة لدائرة النسيان

العرش الحديدي من حقي، وكل من يعارض ذلك هو عدوي.





ستانيس براثيون أحد أبطال المسلسل

استمرارا لفقدان خط الدراما الرئيس في المسلسل، فما بدا في بداية المواسم أنه محور الصراع المركزي، والهدف الذي يسعى إليه الجميع، حينما قتل روبرت براثيون، وتسابق الجميع ليحظوا بشرف الجلوس على العرش خلفا له، وكل منهم يحمل حقوقا وادعاءات بحقوق، حتى أصبح لدينا حوالي خمسة ملوك، يحمل كل منهم علما ليقود جيشا من أجل الجلوس على العرش الحديدي.

ولكن مع السعي لإثارة المشاهدين وخلق الحبكات الدرامية المؤثرة والتحولات المثيرة في الأحداث من أجل جذب المزيد من المشاهدات، تمت التضحية بهذا الخط الدرامي الرئيس، فكل من سعى منذ بداية المسلسل للعرش تم قتله بطريقة ما أو بأخرى (والملاحظ أن هناك ملكا ما يتم قتله في كل موسم من السلسلة)، حتى إذا وصلنا للموسم الخامس فإننا نجد أن العرش الحديدي لم يعد له أي أهمية تذكر، بل إن المشاهد يجد أن تومين براثيون، الملك الصغير الذي وصل للعرش بعد مقتل أخيه، جوفري، لا يملك من أمره شيئا، بل إن مؤسسة الملكية نفسها لم تعد تملك من أمرها شيئا ولم يعد هناك من يقودها، بعد مقتل تايون لانستر، يد الملك (الوزير الأول)، وهرب «فاريس»، وزير الاستخبارات، وابتعاد «بيتر بيليش» وزير المالية، واعتقال كل من «سيرسي لانستر» والدة الملك، و«مارجري تايريل»، زوجة الملك.


الفرح الدامي: الجري وراء الإثارة

الزفاف الدامي، هكذا سمّي. لقد دنّس والدر فري كافة المقدسات في ذلك اليوم، فقد تشارك مع عائلة الستارك الخبز والملح، وأعطاهم حقوق الضيافة… الآله سوف تنتقم، وسوف يحترق فري في جهنم السابعة جزاء لفعلته.

مزارع من شخصيات المسلسل

لا يذكر مسلسلة لعبة العروش إلا ويذكر الزفاف الدامي، ذلك الحدث الدرامي الأبرز في المسلسل ككل، والذي يمكن التأريخ في المسلسل بما قبله وما بعده. بالرغم من وصول الحدث لقمة الإثارة الدرامية، أوصلت كتاب الحلقة

لترشيحات

إيمي للكتابة الدرامية المتميزة للمسلسلات التلفزيونية

لسنة 2013

، وتحقيق معدلات مشاهدة وصلت إلى ما يزيد عن

6.3 مليون

مشاهدة، بالرغم من كل هذا فإن هذا الحدث الدرامي قد قضى على واحد من أهم خطوط الدراما الرئيسية في المسلسل، إن لم يكن أهمهم، وهو سعي روب ستارك للثأر لأبيه، وتطور هذا السعي لتوجه انفصالي للشمال عن الممالك السبع. هذا الخط الدرامي الذي يحمل في داخله عمقا نفسيا شخصيا (متعلق بالطريقة المشينة التي قتل بها نيد ستارك) وعمقا سياسيا (متعلق بالتوجه نحو الانفصال) وعمقا تاريخيا (سواء على مستوى تواصل الخط طوال الثلاثة مواسم الأولى من السلسلة، أو على مستوى تاريخ أحداث السلسلة كما كتبت في الكتب) وغير ذلك؛ مما كان يمكن البناء عليه في تماسك دراما المسلسل، إلا أنه تم التغاضي عن كل هذا في سبيل السعي نحو الإثارة الجماهيرية، التي تحققت بالفعل لدرجة تسجيل ردود أفعال المشاهدين أثناء مشاهدتهم للزفاف الدامي.



الدين والسياسة: مزيد من الاستغلال من أجل الأرباح

ربما الآلة بحاجة إلى سيوفها الخاصة.





«سيرسي لانستر» أحد شخصيات المسلسل

يمكن ملاحظة تأثير الأرباح على دراما المسلسل من خلال تصاعد الحديث عن الدين والسياسة ضمن إطار حلقات المسلسل، فبعد أن كان هذا الخط ضعيفا للغاية ويكاد ينحصر في ما تقوم به الساحرة الحمراء المرافقة لستانس براثيون، نجد أنه وطوال الموسم الخامس فإن المسلسل كله قد تحول للحديث عن هذا الخط، فبين ديناريس تايجيرين التي تواجه تقاليد المجتمع في ميرين، إلى الساحرة الحمراء وأفعالها وكشف المزيد عن تفاصيل عبادة إله النور، وصولا إلى التصاعد الغريب لطائفة السبارو المتشددين دينيا في العاصمة. هذا التصاعد لخط الدين والسياسة بدا غريبا للغاية، فالسلسلة طوال المواسم الأربعة الأولى لم تتطرق لهذه المساحة بشيء، ثم فجأة تم إقحام هذا الخط في صلب الصراع الدرامي في المسلسل، وهو ما أنتج موسما يعد الأضعف في السلسلة، نظرا لحاجة صناع المسلسل لوقت طويل لبناء خط درامي جديد بالكلية.


شخصيات المسلسل: الموت مصير الجميع

من أهم إشكالات الدراما في السلسلة هي التطور الدرامي الخاص بالشخصيات المختلفة.


تيرين لانستير: القزم الذي علا فوق أطول الرجال

كل الأقزام أولاد زنا في نظر آبائهم.





تيرين لانستير، أحد شخصيات المسلسل

الاستثناء الأهم في إشكالات التطور الدرامي لشخصيات المسلسل، تيرين لانستر، فهو أحد أكثر الشخصيات شهرة في المسلسل، ويعد

من أفضل

الشخصيات التي كتبها جورج مارتن (مؤلف السلسلة)، إن لم يكن

أفضلها

على الإطلاق، بالإضافة لكونه

الشخصية المفضلة

للمؤلف ذاته. ربما لكل هذه الأسباب يعد تيرين هو الشخصية الأكثر تصديقا من قبل الجمهور، لأنه يحوي بداخله الكثير من التفاصيل الإنسانية، التي لا تعد بالضرورة خيرة، وإنما هي تتراوح بين الخير والشر، أي أنها إنسانية تماما. هذه الكثرة من التفاصيل هي التي جعلت المشاهدين يحبونه، فهو ليس خيرا يمشي على قدمين، مثلما كان نيد ستارك مثلا، ولا هو شر مطبق وشيطان في صورة إنسان، كما نجد في جوفري براثيون، بل هو إنسان طبيعي، لديه نقاط قوة وضعف، لحظات انتصار ولحظات انكسار، لديه أزماته، ولكنه غير مستسلم لها مثل سانسا ستارك، بل يواجهها بكل ما أوتي من قوة.



جوفري/فايسرس/رامزي: تنوعت الشخصيات والسادية واحدة

من الإشكالات الرئيسية في دراما المسلسل هو ذلك التشابه الذي يحدث أحيانا بين شخصيات المسلسل المختلفة، ويعد ثلاثي جوفري براثيون وفايسرس تايجيرين ورامزي بولتون مثالا جيدا على ذلك، فنجد أن الثلاثة يتمتعون بالسادية، وكل منهم يسعى لإيذاء من حوله، إما لتحقيق مصلحة ما، أو مجرد الحصول على متعة ذاتية. وربما باستثناء رامزي، نجد أن جوفري وفايسرس هم شخصيات ضعيفة من داخلها، لا تقوى على مواجهة خصومها، وتعتمد فقط على سلطانها من أجل تعذيب الآخرين وإيذائهم. هذا التشابه في بنية الشخصيات أضعف من قوة التنوع الكبير في أبطال السلسلة كما وكيفا.


أين ذهب بران ستارك؟

إن أحلامي مختلفة.





بران ستارك، أحد شخصيات المسلسل

من الأمور التي ضعّفت دراما المسلسل، هو كثرة الخطوط الدرامية الثنائية التي لا يوجد لها مبرر كاف، سوى إيجاد مساحة لمزيد من الحبكات الدرامية والإثارة. يبرز هنا بران ستارك كحالة نموذجية، فلا يوجد سبب درامي كاف لتضخم خطه الدرامي بهذا الشكل، بل إن حذف الخط تماما لم يكن ليؤثر على تطور المسلسل، وهو ما حدث بالفعل في الموسم الخامس، الذي اختفى فيه بران وكأنه غير موجود أصلا، والعجيب أنه لم يتم تبرير سبب هذا الاختفاء طوال الموسم.

نفس الأمر يمكن تكراره مع سام ورفيقته، أريا ستارك والهاوند، وأيضا يمكن الحديث عن حالة بران؛ تلك الفتاة الضخمة التي دانت بالولاء لكاتلن ستارك، والتي تظهر في أحيان وتختفي في أحيان، بحيث يبدو وجودها وكأنه مجرد أداة تستخدم حين الاحتياج وحسب ولكن دون مبرر حقيقي لاستمرارها حتى الآن، فضلا عن ارتباطها غير المبرر بكاتلن، بالرغم من قصر فترة معرفتهما.


عائلة ستارك: كنتم خير عائلة أخرجت في السلسلة

دائما وأبدا، يجب أن يتواجد أحد من عائلة ستارك في وينترفيل





أحد الأقوال المتكررة في السلسلة

الارتباط الدائم بين عائلة ستارك والخير، يعد من الأمور غير المفهومة في المسلسل، فجميع شخصيات العائلة هي شخصيات طيبة، تسعى للخير، مثالية، ذات مبادئ. بحيث يبدون وكأنهم جنس منفصل من البشر في ظل ذلك العالم المليء بالذئاب البشرية وشياطين الإنس. كما أن الاستمرار في الاهتمام بما يحدث لهم هو انحياز غير مبرر في دراما السلسلة، فهم تقريبا العائلة الوحيدة التي نتابع ما يحدث لكل أفرادها بشكل تفصيلي، بالرغم من أنه لا يبدو أن هناك أفقا ما لخطوطهم الدرامية مرتبطا بخطوط المسلسل الرئيسية.


الجزء السادس: هل تستطع لعبة العروش إنقاذ درامتها؟


مع إصدار الإعلان الترويجي الأول، ثم حذفه

نتاج

احتوائه على كشف لأحداث تتعلق بجون سنو فيما يبدو، ثم إصدار الإعلان الترويجي الثاني، نجد أن هناك عددا من المؤشرات التي تقول بأن هناك سعي لإعادة الاعتبار للدراما، فربما يشهد الموسم الجديد عددا من المشاهد التاريخية flashback مما يعني إعادة ترميم أو بناء لخطوط درامية جديدة تدعم دراما المسلسل التي ترهلت بعد تدمير الكثير من الخطوط الأساسية، كما أن هناك بناء على خط السياسة والدين فما يبدو بحدوث الصراع المتوقع بين سيرسي لانستر وطائفة السبارو، وأخيرا هناك احتمالية لعودة جون سنو مما قد يحيي نظرية «أزور أهاي» مرة أخرى، خاصة مع اقتراب جيش الموتى الأحياء كما يبدو.

ترى هل يستطيع الموسم السادس أن يقوم بإنقاذ دراما السلسلة؟، هذا ما سنعرفه خلال الساعات القليلة المقبلة.