شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 67 مع أنه عالم مليء بالكتابة واليوميات والسرد والتعليقات، ومع أنه يضم بين جنباته العديد من الشخصيات من مختلف الجنسيات والأفكار والأعمار، ومع أنه يحوي الكثير من الجدل والموضوعات الشائكة والحوارات الساخنة، فإنه لم يلفت انتباه الروائيين ولم يتوقفوا لرصد خطورة دوره، ولم يلتفت أحدٌ إلى التركيز عليه لتوثيق عالمه واستخدامه في بناءٍ روائيٍ محكم، ربما يكون قد جاء بشكلٍ عارض في عددٍ من الأعمال الروائية والدرامية، ولكن يبقى عالمًا ثريًا يتيح للكتّاب التوقف عنده بشكل خاص ومفصّل. إنه «فيسبوك» الذي يصطلح على التعبير عنه إعلاميًا بجملة «مواقع التواصل الاجتماعي»، لكي يضم معه مواقع أخرى مثل «تويتر»، و«إنستجرام»، وغيرها، ذلك الموقع الذي أصبحنا نقضي فيه أيامنا ونمارس فيه حياتنا بشكل يومي، أراد «شريف صالح» أن يبني من خلاله عالمًا روائيًا مختلفًا، بافتراض بدا مفرطًا في التشاؤم وجانحًا إلى الخيال، وهو (ماذا تفعل لو انهارت صفحتك إلى الأبد؟!) هذا ما حدث لـ«الفيسبوك».. ففي التاسعة مساء أمس انهارت الأيقونات والبروفايلات وألبومات الصور. «يوم القيامة الافتراضي» كما أطلق عليه المستخدمون، فجأة اختفى كل شيء تحت سيل الإعلانات. نقاط زرقاء كثيرة راحت تتحرّك فوقها أيقونة بحجم فراشة، تشبه امرأة عارية، وقد حذّر خبراء أمن المعلومات من أيقونة تلك المرأة الزرقاء، لأنها تحمل فيروسًا بالغ الخطورة. ينطلق «شريف صالح» في روايته الأولى «حارس الفيسبوك» من هذه الفرضية في محاولة لرصد تجليات تأثرنا بذلك الموقع الإلكتروني الذي أصبح حياة موازية وأبعاده، وذلك من خلال عددٍ من الحكايات والشخصيات التي تمتلك حساباتٍ على «فيسبوك»، وتتعرّف على الناس والعالم من خلاله، علاقات متشابكة ومترابطة وقائمة على أسس كلها «افتراضية/إلكترونية»، أشخاص يبدؤون علاقاتهم بـ«لايك» و«كومينت»، لتتطوّر إلى محادثات خاصة على «الشات»، وينهونها -إذا أرادوا- بـ«أنفريند» و«بلوك». تلك المفردات والعبارات التي أصبحت جزءًا من قاموس حياتنا اليومية تدخل إلى عالم الرواية وبين تفاصيل حياة أبطالها بكل يسرٍ وسهولة، يفاجأ القارئ بقصةٍ وحكاية تدور عن عالمه الذي يعرف كثيرًا من تفاصيله، وربما عرف أشخاصًا كثيرين يشبهون أبطاله الذين يستغلون ذلك الموقع وما فيه من خصوصية وأسرار لابتزاز الآخرين أو التربح من خلالهم، تمر عليه تلك الأحداث وتتعاقب، ولكن لا يدرك تمامًا متى حدث ما يحدث ولا كيف حدث. بناء روائي مختلف يفاجأ القارئ في البداية بفصول الرواية التي تبدأ من آخرها، وتسير عكسيًا (من الفصل الأخير «تقرير موقع فايرس فصل 36» إلى الفصل الأول «في نهاية الرواية» الذي يحمل عنوان «يوم القيامة الافتراضي»)، والمفاجأة التالية أن الفصول تبدو متصلةً منفصلة، ويبدو أن كتابة «شريف صالح» للقصة القصيرة واحترافه فيها قد أتاح له فرصة تلك الكتابة المختلفة، والتي أراها جديدة في عالم الرواية. فالفصول فعلًا يمكن أن تقرأ من الصفحة الأولى إلى الأخيرة (بالترتيب العادي)، أو تقرأها من الفصل الأخير (الذي يحمل رقم 1) إلى الفصل الأول (رقم 36)، دون أن يخل ذلك ببناء الرواية أو أحداثها، فليس هناك بناء تراتبي صارم للحكايات التي يأتي سردها في الرواية، بل على العكس يمكن أن تفهم الأحداث بترتيب غير ترتيب ورودها في الرواية، بالإضافة إلى أن كل أحداث الرواية تدور في مدى زمني قصير نسبيًا (من التاسعة مساءً حتى التاسعة صباحًا)، يدور فيها الكاتب بين شخصيات روايته، راصدًا ردود أفعالهم بعد ذلك الحدث الفارق. اقرأ أيضًا: من ضيق الواقع إلى رحابة الخيال: قراءة في قصص «شريف صالح» نتعرّف في الرواية على «عبد الرحمن» وزوجته «هدى» وعلاقتهما الشائكة التي يهددها ويؤثر عليها ما يفعلانه على «فيسبوك»، حيث نكتشف أيضًا علاقة غير سوية تجمع بين «عبد الرحمن» و«مهلبية»، تلك الفتاة اللعوب التي تحاول أن تورطه في قضية كبيرة، ويتفق معها «زيزو» صاحب السايبر. من جهة أخرى نجد الفنان التشكيلي «أحمد علوي»، الذي تعمل «هدى» مديرة أعمال له، وتعرفه على صديقتها «منال» وصديقها «اليهودي» الذي سيعتبره البعض خطرًا على الأمن القومي للبلاد، مما يجعله في حيرة من أمره وأمر علاقتها به، في الوقت الذي تفكّر فيه هي نفسها في علاقاتها تلك، ويجعلها انهيار موقع «فيسبوك» تفكّر في استرجاع ذكرياتها مرة أخرى! قديمًا باع «فاوست» روحه للشيطان مقابل إكسير السعادة والخلود، الآن الناس تبيع نفسها لـ«الفيسبوك» بلا مقابل.. تبحلق إلى ما لا نهاية في شاشة مشوّشة بالصور وبذاءات. كلام وأكاذيب تحاك في المقاهي، في محطات الباص ثم يعاد تضخيمها وتجميعها على «الوول». آلاف اللصوص يطلقون على أنفسهم «رجال الأعمال»، آلاف يزعمون أنهم «شعراء» و«إعلاميون»، لا أحد يعترف بحقيقة ذاته.. لا أحد يكتفي بدوره، بل يرغب في لعب كل الأدوار، فهل البشر مصابون بهوس ارتداء أقنعةٍ لا تخصهم.. أم هم عاجزون عن مواجهة حقيقة أنفسهم؟! كان هذا جزءًا من رسالة الشاعر «علي نجيب» لزوار صفحته على «فيسبوك»، كتبها وأخذ يراقب ردود أفعال أصدقائه الافتراضيين عليها، بالتزامن مع تلك الحالة التي أصبحت تهدد ذلك «العالم الافتراضي» كله، وبدا أنها فرصة جيدة لكي يستعيد الجميع التفكير في علاقاتهم التي غدت «إلكترونية» غير واقعية، حتى أن «الحب» و«الشعر» أصبحا إلكترونيين! لا يغرق «شريف صالح» قارئه ولا روايته في تفاصيل تكنولوجية معقدة، ولا يجنح بالفكرة إلى أبعادٍ مغوية بالكتابة والتفاصيل الكثيرة التي قد تستدعيها تلك الفكرة وذلك العالم، ولكنه يلجأ إلى العرض المكثف للموقف والشخصيات والأفكار، حتى أن شخصيات الرواية تأتي بشكل عرضي غير مفصّل، ولكنه عرضٌ متقن، يجعل القارئ يتعرّف عليهم بسرعة، ويدرك دوافعهم وأفكارهم وحالاتهم النفسية، وهو ما برع فيه «شريف صالح»، في طريقة بناء الشخصيات من خلال كلمات بسيطة معبّرة ومواقف عابرة ولكنها مؤثرة في الوقت نفسه، فالرواية التي تدور حول خمس شخصيات رئيسية مختلفة تقريبًا، يتم تناولهم والحديث عنهم بشكل موجز لا يجعل القارئ يمل من التعرف عليهم، ولكنه يكاد يكون قد عرفهم فعلًا. هكذا تعرض الرواية القضية وتطوف حول الحكايات، لا تقدّم حلًا لمشكلة أو إجابة عن أسئلة، ولكنها تغوص في أعماق المجتمع ومشكلاته كاشفة عن عديد من مظاهر تفكيره السطحي الذي قاده للانسياق وراء ذلك العالم الافتراضي، كما توضح من جانب آخر قوة الرأسمالية وعدم اعتدادها الكبير بما قد تجره على العالم من مشكلات ومصائب، فهاهي إدارة «الفيسبوك» ترد على الملايين بشكل صارم وبثقةٍ تبدو غريبة بأن «لا تقلقوا كل شيء سيكون على ما يرام». اطمئنوا تمامًا على كلماتكم وتدويناتكم وصوركم العزيزة على قلوبكم، كل ما تقومون به يتم إيداعه تلقائيًا في Storage Cloud، وهي تشبه علبة ذكريات عملاقة تتسع للبشرية كلها. وسوف يتم استعادة أي ذكريات تهمكم فور معالجة الخلل التقني. تجدر الإشارة إلى أن «حارس الفيسبوك» صدرت في معرض الكتاب الماضي في القاهرة، ولكنها لفتت الأنظار مرة أخرى مع تلك « الهجمة الإلكترونية» التي «حدثت بالفعل»، والتي شهدها العالم في أوروبا وآسيا، حيث تعرض نحو 75 ألف موقع لهجوم سيطر على عدد من المواقع الإلكترونية لأماكن حيوية في العالم، شملت مستشفيات وعيادات أطباء ومنظومات إسعافية وغيرها. وهو ما يؤكد أن تعرض «فيسبوك» للقرصنة أو الهجوم الإلكتروني أمر ليس بعيد المنال، وأن على كل مستخدم أن يحتاط لذلك جيدًا، وأن يبدؤوا -ولو الآن- في استعادة علاقتهم الحقيقية بالناس عوضًا عن العلاقات الافتراضية تلك التي لا تصمد كثيرًا أمام «هاكرز أو فايرس»! قد يعجبك أيضاً بتعليمات شرطة المهرجانات: هل يغير صمت «شاكوش» المجتمع؟ رياض السنباطي: من «بلبل المنصورة» إلى أحسن موسيقي في العالم فيلم «سعاد»: أو كيف تبدو الإسكندرية لفتاة من الشرقية؟ «Darkest Hour»: في السينما فقط يتفق «ناصر» و«تشرشل» شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram إبراهيم عادل Follow Author المقالة السابقة رفقاء الليل – الحلقة الرابعة المقالة التالية رفقاء الليل – الحلقة الخامسة قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك كيف تقرأ نجيب محفوظ (1/2): رحلة الواقعية المصرية 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف استخدم جون كيو و«سالي حافظ» سلاح الرحمة لإنقاذ أحبائهما؟ 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك ويجز: صوت جيل جديد يواجه ضغط الرقابة والأهالي 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Widows»: عن النجاة في عالم يغرق 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك دريد لحام: لم أفقد حلمي في العمل مع عادل إمام 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك رواية «حفلة التيس»: أن تحرس التاريخ من كذب الرواة 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الفيلم الوثائقي «مسكون»: مرثية لبيوت سوريا 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كتاب «في أثر عنايات الزيات»: استحضار الحياة من الموت 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك خالد الكمار: الفوز بجائزة الدولة التشجيعية صدمة لي 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك رواية «كل الأشياء»: الأدب في مواجهة السياسة 03/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.