شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 181 تكتسب القراءة أهمية مضاعفة حينما يصبح المرء وحيدًا أو معزولًا، حينها تتحول لنافذة يتنفس من خلالها القارئ، ويجد فيها بعضًا من أثير الحياة التي يفتقدها. لذا تتحقق أعلى نسب القراءة غالبًا لمن يعيشون أو يسافرون بمفردهم، المحبوسون في السجون، وبالطبع الذين يقضون فترة خدمتهم العسكرية، خصوصًا إن لم يختاروها. «روالد دال» كاتب بريطاني شهير، عرف بحكاياته الخيالية المليئة بالإثارة والمفاجآت والسخرية، ويعرفه غالبية جمهور السينما بكونه مؤلف حكاية «ويلي وانكا ومصنع الشوكولاتة»، التي تم تحويلها لأفلام سينمائية وتليفزيونية أكثر من مرة، آخرها في الفيلم الذي تم إنتاجه في عام 2005، وقام ببطولته الممثل الأمريكي «جوني ديب». لسيرة هذا الكاتب البريطاني وقع مختلف على أذني الآن بعد أن مررت بحكاية غير متوقعة ارتبطت باسمه خلال شهر فبراير/شباط الماضي، حينها كنت أقضي أيام التدريب الأولى لعام التجنيد الإجباري، كنت في عنبر مليء بالجنود الأطباء، لا تربطني بهم أي معرفة سابقة، أصدقائي كلهم في عنابر أخرى، ولا وجوه مألوفة في هذا العنبر، اللهم إلا زميلًا واحدًا هادئ الطباع التقيته صدفة، وشاركني العمل لفترة قصيرة بأحد المستشفيات. كنت منعزلًا كما لم يحدث منذ أمد طويل، لا أحاديث مشتركة، الوقت طويل للغاية ولا شيء يحدث، لم يكن بحوزتي أي شيء يمكن قراءته، كما كانت ماكينات الحلاقة بالأمواس هي أكثر الأجهزة تطورًا في هذا المكان، أصبحت منطويًا للغاية في هذه الأجواء. تغير كل شيء عندما تشجع هذا الزميل ومرر لي مجموعة قصصية مكتوبة بالإنجليزية كانت مستقرة على سرير يسكنه شاب مصاب بالإنفلونزا منذ وصولي، لم تلتقط أذني اسم هذا الشاب صاحب الكتاب في المرة الأولى، تلقفت المجموعة القصصية وأكلتها أكلًا في ثلاث ليال، كانت بعنوان «Tales Of The Unexpected»، أو «حكايات غير متوقعة»، للكاتب البريطاني روالد دال. وفي اليوم التالي حينما أعدتها لصاحبها -الذي لم يكن قد شفي من الزكام بعد- لم أكن أعرف أن هذه الصدفة ستكون بداية لصداقة غير متوقعة أتمنى الآن أن تستمر طويلًا. «مايكل» هو اسم هذا الشاب. مجند طبيب من الإسكندرية. تفاجأ مايكل حينما أخبرته أن المجموعة القصصية أعجبتني؛ «مكنتش متخيل إنها ممكن تعجب حد هنا!»، هكذا رد. أكثر ما يميز قصص دال القصيرة أنها مليئة بالتواءات الحبكة، التواءات محكمة الصنع تمر بسلاسة فيصدقها القارئ حتى لو انقلبت الأحداث بسببها رأسًا على عقب. وجدت قصة «Lamb To The Slaughter»، أو «الحمل إلى المذبح» هي الأكثر تشويقًا وإمتاعًا في المجموعة كلها، وهي قصة تحكي عن زوجة تستقبل زوجها الذي تحبه وبشدة، في المطبخ عقب عودته من العمل. تجتهد في إرضائه بكل السبل الممكنة، وتجهز في نفس الوقت وجبة غذاء لذيذة يتكون طبقها الرئيسي من فخذ حمل مطبوخ، وذلك حين يفاجئها الزوج بأنه سيتركها. لا يخبرنا دال بالتفاصيل، يركز الحكي فقط على مشاعر الزوجة، وبحركة تلقائية ودون تفكير تلتقط الزوجة فخذ الحمل وتهوي بها على رأس زوجها فيموت مباشرة، تتمالك نفسها وتضع الفخذ في إناء وتتركه في الفرن. تخرج لشراء بعض الخضروات ثم تعود وحينها تصرخ بشدة حينما تجد زوجها مقتولًا. يحضر رجال الشرطة، ونعرف عقب ذلك أنهم زملاء القتيل. تنتهي الحكاية، عقب ساعات من التحقيق وعدم الوصول لأداة الجريمة، برجال الشرطة وهم يلتهمون الفخذ المشوي بناء على طلب الزوجة إكرامًا لها، ولأن زوجها كان سيرغب في أن يأكل زملاؤه في منزله عقب يوم عمل طويل! عقب حديثنا عن هذه الحكاية البديعة والغريبة، سألت مايكل عن سبب ذكر «مهرجان كان السينمائي» كثيرًا بينه وبين زملاء العنبر، ليفاجئني أنه حضر دورة العام الماضي! هناك، بعيدًا جدًا عما نحن فيه الآن، على شاطئ مدينة كان في فرنسا. ظللنا بعدها لأيام في حديث متواصل عن السينما، عن الأفلام وعن الكتابة عنها، عن ذكريات كل منا في دور السينما ومهرجاناتها، من القاهرة للجونة لكان للبانوراما الأوروبية، عن صناع السينما المفضلين لدينا، عن مقالاتي السينمائية التي تفاجأت أنه قرأ بعضها، تحدثنا عن «أصغر فارهادي»، و«عباس كياروستامي»، و«داود عبد السيد»، و«يوسف شاهين». عن «جان لوك جودار»، و«فرانسو تروفو». وحينما سألني هل كنت تتوقع أن تتحدث عن أشياء كهذه هنا، أجبته «طبعًا لا». بدأ روالد دال الكتابة في الإسكندرية أيضًا. هذه مفاجأة أخرى. اكتشفت أن هذا الرجل كان جنديًا في الجيش البريطاني، ثم أصبح طيارًا أثناء الحرب العالمية الثانية، وأثناء معارك شمال أفريقيا سقطت طائرته الحربية في ليبيا، ونقل إلى الإسكندرية لإجراء عملية جراحية، ليبقى هناك لما يزيد على الخمسة الشهور، منعزلًا في غرفته في المستشفى الملكي، حينها بدأ الكتابة. وحينما غادر، قرر ترك العسكرية واحتراف الكتابة، ليصبح بعدها واحدًا من أهم كتاب الخيال والفانتازيا الإنجليز، ولتصل مجموعته القصصية في النهاية ليدي من خلال شاب سكندري آخر، داخل معسكر للجيش أيضًا، صدفة عجيبة وحكاية غير متوقعة بالفعل. قد يعجبك أيضاً ألف ليلة وليلة: شهريار وشهرزاد في ذاكرة الدراما المصرية مسلسل «She-Hulk»: كل ما يجب تجنبه عند كتابة شخصية نسائية مارتن سكورسيزي: الإغواء الأخير لهوليوود «يوم للستات»: فكرة جميلة تستحق فيلما أكثر جمالا شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram حسام فهمي Follow Author المقالة السابقة سينما «ويس أندرسون»: الحياة لمّا تنتهِ بعد المقالة التالية «هنا الوردة»: الهروب لعالم الخيال عن مواجهة الواقع قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك فن الشارع بين الدولة والمجتمع 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك بيلي وايلدر: كيف تصنع الجريمة والكوميديا بالعظمة نفسها؟ 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك المخرج حاتم علي: صاحب العين الثالثة 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كريستيان بيل: العزف على آلة الجسد 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «هدوء نسبي»: خطوة أخيرة قبل الأبوكاليبس 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك انطباعات أولية في الدراما الرمضانية: التمثيل 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هذا هو التراث الإسلامي في أدب الخيال العلمي والتأملي 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم Fantastic Beasts2: حرب الدم النقي في عالم السحرة 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف يرانا الآخر: 8 أفلام ألمانية تتحدث عن المهاجرين 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حوار مفتوح مع أبطال «الشيخ جاكسون» من مهرجان الجونة 03/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.