لطالما كانت تترات مسلسلات رمضان أحد أهم عوامل الجذب الجماهيري لمشاهدة المسلسلات، هكذا ولسنوات طويلة كانت هذه التترات تجمع في صناعتها بين كبار الشعر العامي والتأليف الموسيقي في مصر، أسماء على شاكلة سيد حجاب وعمار الشريعي، أحمد فؤاد نجم وياسر عبد الرحمن، وصولًا لأشعار الحلاج وموسيقى عمر خيرت.

لكن الوضع قد تغيَّر مؤخرًا، وخصوصًا عقب طغيان المحتوى الإعلاني على المحتوى الفني الذي تعرضه الفضائيات المصرية خلال الشهر الكريم، بحيث أصبح زمن التتر زمنًا ضائعًا بالنسبة للقنوات، يفضلون ملأه بإعلانات مدفوعة الأجر بدلًا من الموسيقى أو الأغاني التي تحملها تترات المقدمة والنهاية، حتى ولو أثر هذا بشكل كبير على شعبية المسلسل.

الآن نشهد عرضًا لمسلسلات لا يصلنا من تتراتها سوى اسم البطل والمخرج والمنتج بالطبع، والمؤلف في بعض الأحيان، وهكذا أصبحت التترات عنصرًا غير رئيسي في صناعة الدراما الرمضانية، بل إننا نفاجأ حاليًا بأن غالبية تترات البداية والنهاية للعديد من المسلسلات غير مرتبطة بعضها ببعض، بل إن بعضها أيضًا لا يرتبط بأي حال من الأحوال بمحتوى المسلسل وموسيقاه التصويرية.

تتبعنا مجموعة من مسلسلات رمضان واستمعنا إلى تتراتها المنسية، واليوم نقدم لكم ملخص هذه الرحلة.


قابيل: القتل بين الأحلام والأوهام


يبدو تتر البداية لمسلسل قابيل وفيًا بشكل مكتمل لمحتوى المسلسل، نحن أمام جرائم قتل غامضة وضابط تختلط لديه أحلام اليقظة بالهلاوس بالأوهام. تبدأ هذه الحالة من الغموض والتشويق منذ تتر البداية وحتى نهاية كل حلقة. يستخدم

خالد الكمار

مزجًا بين آلات غربية تتنوع بين آلات نفخ كالساكسفون وآلات وترية كالكمان، وبين آلات شرقية بالتحديد في منتصف التتر، حيث يمكننا تمييز صوت العود. تكتمل الحالة من خلال قطع سريع في التتر وتكرار لكادرات منعكسة على أسطح زجاجية في أجواء معتمة.

التتر رغم كونه يحمل تشابهًا مع تتر مسلسل «الصياد» الذي ألفه مصطفى الحلواني في عام 2014، فإنه يبدو متفردًا بين تترات هذا العام، كما أنه يخلق برفقة المونتاج والإضاءة عالمًا خاصًّا بالمسلسل، يظل حاضرًا في خلفية الأحداث، حيث يمكننا سماع ظهور خافت للتيمة الرئيسية في موسيقى العمل بين الفينة والأخرى، خصوصًا مع تصاعد الأحداث، وكأن الموسيقى ترافق الموت الذي يحوم في أجواء المسلسل، يظهران سويًّا ويختفيان سويًّا، تمامًا

كما نرى في هذا المشهد

.


علامة استفهام: فرصة سعيدة تخرج من تحت أنقاض بناء متهاوٍ


«علامة استفهام» مسلسل غرائبي من بطولة محمد رجب، وهذا في حدث ذاته حدث غريب، فرجب قد فشل ولمرات عديدة في حمل عمل بشكل منفرد على عاتقه، بالرغم من أنه قدم أداءً جيدًا في بطولته السينمائية الأولى في «ربع دستة أشرار» برفقة ياسمين عبد العزيز والراحل خالد صالح.

بالعودة إلى «علامة استفهام» فإن المسلسل الذي تدور أحداثه في أجواء من الغموض والتشويق، عن رجل محتجز في مصحة نفسية لا نعلم عنه وعن تاريخه الكثير، قد اختار لنفسه أجواء موسيقية لا تقل غرائبية عن حكايته، حيث يغني تتر البداية أحمد شيبة المطرب الشعبي، وتغني تتر النهاية نورا أبو طالب في لحن تتصدره أصوات الكمان والبيانو، ويتخلل أحداث المسلسل موسيقى تصويرية مختلفة تمامًا عن التترين، تعتمد على مفاجأة المشاهد ومحاولة إخافته أو ربما إزعاجه.

على الرغم من كل هذه العشوائية فإننا خرجنا من هذا العمل بفرصة سعيدة، ألا وهي أغنية تتر النهاية التي تغنيها المطربة الشابة نوران أبو طالب ذات الصوت الحنون، الذي يذكرنا للغاية بصوت المطربة الكبيرة هدى عمار.

«فوازير» هو عنوان أغنية النهاية، وهي من أشعار دعاء عبد الوهاب، وألحان نوران أبو طالب وسامر جورج. تنتمي الأغنية لموسيقى الجاز، وهو نوع موسيقي يناسب صوت نوران للغاية، التي يمكننا التنبؤ بأن صوتها وأغنيتها سيحييان لمدة ستتجاوز بالتأكيد الفترة الخاصة بعرض مسلسل علامة استفهام.


الكوميديا: بين الفوازير والمونولوجات


بالنظر إلى مسلسلات هذا العام الكوميدية فإنها تبدو بشكل عام أقل من مثيلاتها في الأعوام السابقة، يمتد نفس الأمر بخصوص التترات، ففي حين برز بشكل خاص في العام الماضي تتر مسلسل «الوصية» من كلمات وألحان أكرم حسني وغنائه برفقة أحمد أمين والمطرب عماد كمال، لا نجد في تترات العام الحالي ما يمكننا مقارنته به. فتتر «الوصية» كان ناجحًا وطازجًا ومبهجًا بشكل منفرد إذا ما عاملناه كمونولوج، وأيضًا بشكل متصل إذا ما اعتبرناه جزءًا من سياق المسلسل.

أما في رمضان 2019 فقد تصدر تتر مسلسل «بدل الحدوتة 3» مشاهدات موقع يوتيوب بأكثر من مليون و200 ألف مشاهدة حتى الآن، وفيه تقدم دنيا سمير غانم ما يشبه الدليل التوضيحي لمسلسلها الجديد المكون من ثلاث حكايات، وذلك على طريقة الفوازير، من ألحان هشام جمال وكلمات أمير طعيمة. دنيا موهوبة بالفعل وتمتلك صوتًا جميلًا، بالإضافة لإجادتها لأداء الاستعراضات، وهو ما يشعر مشاهديها بنوستالجيا فوازير نيللي وشريهان حينما يشاهدون هذا التتر.

بالعودة إلى سياق المونولوجات، فإن أكرم حسني لم يغب عن مسلسلات هذا العام، حيث ظهر من خلال أحد حلقات مسلسل «الواد سيد الشحات» التي قدم من خلالها أغنية

«لا يزال السؤال هي ليه قلبت عيال»

، والتي قام بأدائها الصوتي المطرب عماد كمال، ليؤكد أكرم حسني مرة أخرى نجاح خلطته التي صنعها من قبل في مسلسل الوصية، خلطة الموسيقى الشعبية المألوفة لدى الجمهور، يصاحبها كلمات صغيرة مصوغة بشكل مسجوع، ليضمن أكرم من خلال هذا الظهور الخاطف جرعة من الضحك ربما تكون أكبر من الجرعة التي حصل عليها الجمهور من المسلسل كله.