شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 58 فتاة جميلة، صغيرة، ممتلئة بالحياة والحب، نشأت في بيئة مريضة بالفقر الذي يستجلب – ويستوجب – أمراضًا أخرى، كالرذيلة والخيانة والرخص، كانت إحسان في فيلم «القاهرة 30» ضحية مجتمع ظالم أجبرها أن تستسلم لفقرها المدقع وأهلها المستغلين، لم تجد طريقًا للفرار، لا تملك علمًا ولا ثقافة حقيقية، جميلة نعم ولكن كان جمالها هذا وبالاً عليها رغم أنه كان بابًا لرزق وفير لأهلها. إحسان التي جعلها صلاح أبو سيف ومن قبله نجيب محفوظ رمزًا لمصر التي رغمًا عنها تبيع المخلصين، ظنًا منها أنها تنقذ أجيالاً أخرى سوف تأتي لتنهل من الخير، والتي لا زالت تفعل الفعل نفسه منذ الأزل وسوف تظل تفعله إلى الأبد، مصر التي تتخلى عن كل علي وتشارك كل محجوب في آثامه لتنقذ إخوتها الصغار الذين هم بمثابة أبنائها، مصر المسكينة التي ظلمها الجميع وظلمت نفسها، والتي كانت – ولا زالت – مجبرة على كل شيء. مصر هي أمي في الحقيقة فإننا يمكن بعد مرور كل هذه السنوات أن نكتشف أن إحسان لم تكن مصر فقط، انظر حولك، أو انظر في المرآة، سوف ترى إحسان بشكل ما، خاصة إن كنت من الجيل الذي يعيش الآن ربيع شبابه، وبشكل أكثر خصوصية إذا كنت منذ سنوات تبدو لأكثريتنا بعيدة جدًا شاركت في حلم ملون تحول فجأة إلى كابوس مرعب. يومًا ما أنت وأنا وأصدقاؤنا آمنا بكلام رومانسي يشبه ما كان يتغنى به علي ويلقيه على مسامع إحسان في كل يوم، آمنا بنصف فرصة يمكن أن تنتشلنا من الظروف الكابوسية التي نشأنا فيها، ومثل إحسان تمامًا تحملنا الكثير، تحملنا سخرية الكبار واستهزاءهم بشعاراتنا، تحملنا الظروف السيئة أملاً في مستقبل أفضل، تحملنا أن نحلم أحلامًا مؤلمة لأنها كانت بعيدة جدًا، ثم مثل إحسان تمامًا، استسلمنا رغمًا عنا. إحسان التي أجبرتها الظروف فانصاعت لها، مسئوليات هذا الجيل والتي أجبرته أن يفيق من الرومانسية ويتعظ ممن حوله، الجيل الذي تحول كله بقدرة قادر إلى إحسان أخرى، جميلة، بهية، صغيرة، مطعونة في حلمها، ترتدي ملابس جميلة، وتتخلى عن كل شيء نظيف كي تتحمل المسئولية التي ألقاها على عاتقها الجميع، جيل بأكمله يمثل أنه متحقق وسعيد وناجح، كما إحسان تمامًا عندما ارتدت الطربوش ومشيت تتبختر وتحتفل أنهم حصلوا على الوزارة وأنها سوف تبذل جهدها كي يحظى محجوب بمكانة تؤمن له ولها مستقبلاً معقولاً. إحسان المجرمة / المسكينة يمكنك وأنت جالس في مكانك آمنًا تتصفح السوشال ميديا أن تتهم إحسان بأنها كانت مذنبة، ولكن الواقع يختلف، كل شاب في هذا الجيل الذي عاش تجربة إحسان كاملة يعرف أن الحقيقة تختلف عن التنظير الذي تطنطن به وأنت آمن، لست محبوسًا ولست فقيرًا ولا تصارع الحياة كل يوم، لذلك لم يكره أحد إحسان ولكننا جميعًا تعاطفنا معها، تعاطفنا معها لأنها تشبهنا، ولأنها وإن استسلمت إلا أن هناك نقطة في أعمق نقطة في قلبها تعرف الحقيقة. في المشهد الذي ترتدي فيه إحسان ثوبًا جميلاً وخاتمًا ثمينًا وقبعة أرستقراطية وتذهب لعلي كي تطمئن عليه، وتخبره أنها تفعل ما بوسعها كي تنقذ إخوتها من مصيرها، وأنها أرسلتهم بعيدًا كي يتعلموا وينشأوا نظيفين، تبكي إحسان وتقسم لعلي أنها لم تأتِ كي تشمت فيه، وأنها لم تستطع المقاومة أكثر، هذا المشهد بالتحديد هو ما يجعل إحسان تمثل كلاً منا. كانت إحسان في الفيلم هي كل الذين يريدون أن يعيشوا فقط، لم تستطع أن تكون ثورية كعلي، ولم تنحدر للدرك الأسفل وتختار بإرادتها أن تكون محجوب، ولم تكن تملك مقومات النجاة التي يملكها أحمد بدير الصحفي المتعلم الذي يستطيع أن يجد له مكانًا سالكًا وسط تعقيدات الحياة، كانت إحسان هي كل البين بين، ملح الأرض الذين يملأون العالم. اغفر لنفسك أخطاءها أنت تغفر لنفسك عندما تغفر لإحسان، إحسان ليست مصر، إحسان هي أنت، أنت الذي أنقذت نفسك من مصير علي ولم تنحدر لتكون محجوب، أنت شاركت محجوب نعم ولكنك تمد يدك للآخرين كي لا يسقطوا معك، تعمل وتجتهد وتتعلم وتحاول أن تصنع فقاعة آمنة لك ولأبنائك، تخليت عن الرومانسية واعتنقت الواقعية، تخليت عن المعاني المجردة ونزلت إلى أرض الواقع، كففت عن ترديد الشعارات وبدأت في بناء مستقبل شخصي جدًا لا يهمه أبدًا أن يكون الوطن بخير أو لا يكون، أنت تحاول أن تنقذ نفسك وأهلك، تلك رسالة مهمة، لا يستطيع أحد أن يقلل منها بضمير مستريح. مثل إحسان تمامًا، في لحظة تشعر أنك أصبحت ترسًا في آلة ضخمة هدفها أن يظل المعلقون في رقبتك أحياء، وفي لحظة أخرى أنت تكره نفسك لأنك كنت ترغب في أن تكون قويًا وأن تتصدى للظلم والظلام، وفي لحظة ثالثة تجاهد أن تتشبث بها أنت بطل لأنك سحقت رومانسيتك كي تمهد طريقًا لآخرين لم يختاروا أي شيء وأنت أملهم الوحيد وسوف تبذل قصارى جهدك لتحقيق أحلامهم، أنت الذي لم تستطع تحقيق أحلامك الشخصية. إحسان ربما كانت مصر في الفيلم، وربما كانت المصريين، المصريين الذين يقفون في المنتصف تمامًا بين الحلم والواقع، الملطخين بدماء الأحلام المقتولة، حاملين ذنب من تركوهم وراءهم مخذولين، الذين يحاولون الاستفادة بالواقع المتاح مهما كان صعبًا ومهما كان مخزيًا، يؤقلمون أنفسهم أنهم طالما هم هنا والآن فلابد أن يعيشوا، إحسان لم توجه الإهانات لمحجوب بل تعاملت معه بحميمية، لم تنبذ أهلها بل ظلت قريبة منهم، ولكنها كانت تعرف أنها آثمة وكانت تكفر عن ذنوبها في كل لحظة في إخوتها الذين تحاول إنقاذهم، إحسان هي كل مصري لم يستطع تغيير الواقع فقرر أن يعيشه عملاً بمبدأ: إذا لم تستطع المقاومة فاستمتع. قد يعجبك أيضاً رسائل برلين 2020: أسد إيران والحلم الألماني وذعر كورونا خطابات كافكا: هل من الممكن الاستيلاء على فتاة بالكتابة؟ «أنا شهيرة أنا الخائن»: الكليشيهات تنتصر مرة أخرى كيف تقرأ «أورهان باموك»؟ صراع الغرب والشرق في إسطنبول شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram إنجي إبراهيم Follow Author المقالة السابقة فيلم «The Irishman»: خطبة وداع سكورسيزي ورفاقه الطيبين المقالة التالية رواية «1942»: توثيق لكارثة منسية على أرض الصين قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك السيرة الذاتية: 9 من أشهر الأعمال الأدبية لأدباء معاصرين 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك إبداع تحت القمع: 10 أفلام إيرانية تستحق المشاهدة 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Three billboards»: ملحمة الانتقام والعدالة 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك عالم «Marvel» السينمائي: وفخ الطفولية والتكرار 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هل يستطيع الخيال العلمي التنبؤ بالمستقبل؟ 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Nostalgia 2022»: الجانب المظلم للحنين 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك وثالثهم كلبهم: «Truman» يفتتح «بانوراما الفيلم الأوروبي» 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك مسلسل «نسر السين»: فرصة لإعادة النظر في الكوميديا المصرية 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «ريش»: بين البحث عن الفن والبحث مع الشرطة 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الشك الذي أخافني 01/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.