تدور أحداث مسلسل «يوفوريا – Euphoria» حول مجموعة من المراهقين في المرحلة الثانوية، لكن هذا العمل لا يشبه أيًّا من تلك الأعمال التي تتحدث عن الفئة نفسها، وذلك لأن المُخرج والكاتب «سام ليفنسون»، أراد أن يذهب في هذا العمل إلى أبعد نُقطة يمكنه الذهاب إليها، لم يرد أن يتحدث عن فئة المراهقين بالشكل التقليدي المعروف، بل أراد أن يتحدث عن هذه الفئة بالطريقة التي يتخيلون بها أنفسهم؛ على أي حال لن تمر أكثر من حلقتين حتى تنسى أن العمل يدور حول هذه النقاط بالتحديد، وذلك لأن العمل سيطرح الكثير من الأمور التي ستغرق في تفاصيلها، مثل: العلاقات الإنسانية، والعلاقات العاطفية، المخدرات، اضطرابات الهوية الجندرية؛ والكثير من الأمور الأخرى التي ستُنسيك هذه القصص وهؤلاء الأشخاص وتذهب بك بعيدًا عن المدرسة الثانوية التي تعرفها.


المخدرات: حكاية شديدة الخصوصية

للعمل العديد من الأبطال، وعلى رأس هؤلاء الأبطال تأتي رو والتي تقوم بدورها زيندايا، رو تتعاطى المخدرات حتى وصلت لمرحلة الإدمان، وعلى الرغم من دخولها إلى مصحةٍ لإعادة تأهليها للعيش بدون المخدرات مرةً أخرى، إلا أننا نرى رو تعود لها في بداية المسلسل، ومن بداية المسلسل ونحن نغوص بداخله مع رو نفسها، وذلك حيث تُحكى جُل التفاصيل على لسانها. تعيش رو مع والدتها ليزلي بينت، وأختها جيا بنيت، ويقوم بدورهما على الترتيب: نيكا كينج، وستورم ريد.

مات والد رو وتركها مع والدتها وأختها، وقد أثر موته فيها بشكلٍ كبير حتى عادت للمخدرات مرة أخرى، في هذا الوقت لم يكن لرو أصدقاء غير صديقة طفولتها ليكسي هاورد (مود أباتاو)، وليكسي صديقة مُخلصة، كانت تُحب رو وتدعمها، على الرغم من القرارات الخاطئة والمشاكل التي كانت تُدخل رو فيها نفسها، وأحيانًا كانت لا تتذكر رو صديقتها إلا إذا احتاجت إلى بول نظيف حتى تصيح في وجه والدتها بحُجتهِ مُؤكدةً لها أنها أقلعت عن المخدرات، كانت والدة رو منشغلة بها معظم الوقت، كانت تعيش حياة قاسية، تتعامل فيها مع متعاطية تكون أحيانًا خطرةً على حياتها نفسها، لكنها ابنتها لن تبتعد عنها وتتركها تركها للغريب؛ أما جيا فكانت تكبر وأمامها أفعال أختها التي تحبها، كانت تراها في أعراض الانسحاب، وفي أوقات غضبها، وخطورتها، بل يمكن القول إن رو في قصة أختها تشبه الأب السيئ الذي يفسد طفولة أبنائه بسبب مشاكله وأنانيته.

قصة المسلسل بأكملها هي قصة من الخيال، ومع ذلك فهي قصة شديدة الخصوصية، حاول فيها سام ليفنسون التحدث عن نفسه، وعن إدمانه هو، وذلك من خلال شخصية رو، وعلى الرغم من أنه يسهل فهم كيف تُعبر شخصية رو عن سام، إلا أن سام لم يقف هنا، وذلك حيث يرى أن المسلسل بأكمله تجربة ذاتية تعبر عنه، وللسبب نفسه ترى الممثلة زيندايا أنه لم يكن مُمكنًا أن يخرج يوفوريا من شخصٍ آخر، وهانتر تلعب دور جولز في المسلسل، وهي الفتاة التي انتقلت مؤخرًا إلى الحي الذي تعيش فيه رو، نرى جولز في بداية الأحداث وهي تحاول التأقلم مع الحياة حولها، ثم نرى تطوراتها المُتعددة والتي تجعلها الشخصية الأهم بعد رو.


نيت ومادي: قصة حب تقليدية تحولت إلى كارثة

يعتبر نيت جاكوب والذي يقوم بدوره المُمثل جاكوب إيلوردي من أكثر الشخصيات عُمقًا في يوفوريا؛ نرى في بداية الأحداث علاقة نيت ومادي، علاقة تقليدية وجيدة. يلعب نيت كرة القدم الأمريكية في المدرسة، يرفض والده الخسارة حتى تزداد إنجازات العائلة وألقابها، أما مادي فهي الفتاة الأجمل والأشهر في المدرسة، والتي سنعرف فيما بعد أنها تعمل كمربية أطفال لعائلة غنية، كما تشارك مادي في تشجيع فريق مدرستها. تبدأ مشكلة نيت مع والده، حينما يعرف أنه يمارس الجنس بعيدًا عن عيون زوجته، وهنا لا يقتصر الأمر على خيانتها مع امرأة أخرى، بل كان يستدرج أناسًا مختلفين ليمارسوا معه الجنس، لا يهتم كارل جاكوب بميولهم أو بسنهم، كما كان يقوم بتصوير الأمر بأكمله دون علمهم.

هذه المصائب التي يرتكبها كارل في الخفاء، بدأت تتسرب من الأسطوانات في دُرج مكتبه إلى العلن، خصوصًا بعد نومه مع واحدة من زملاء ابنه في المدرسة؛ هذه المشكلة التي يعتبر الأب هو سببها الأساسي والمُتهم الأول فيها أيضًا نجدها تنال حياة ابنه، خصوصًا أن نيت لا يحب أن تخرج الأمور عن سيطرته، يحب نيت أن يتحكم في كل شيء وأن يتأكد أن هذه الأشياء تسير كما يريد تمامًا، وإذا لم يحدث هذا نجده يتحول إلى شخصية سيكوباتية، يدمر كل ما أمامه حتى تعود الأمور إلى نصابها، والمشكلة التي يضعنا المسلسل أمامها أنه على الرغم من تصرفات نيت المؤذية إلا أننا يمكننا أن نتفهم منشأها بعد التقرب من شخصية والده.

مادي هي صديقة كاسي المُقربة، وكاسي هي شقيقة ليكسي هاورد صديقة رو، تعيش كاسي وليكسي مع أمهما أيضًا، غير أن هذه العائلة لم تفقد الأب بسبب نسج الردى على منزلهم، بل نجد أن الوالد حي يتنفس، لكنه بعيد عن زوجته وبناته، وبعيدٌ عن الدنيا وساكنيها، حتى وهو بينهم؛ على الرغم من الشخصيات المتشابهة لمادي وكاسي والتي لا تهتم بشيء بعيد عن الجنس الآخر، والملابس وما إلى ذلك، إلا أننا نرى أن هناك علاقة صداقة قوية تربط بينهما، في بداية الحلقات ترتبط مادي بنيت جاكوب، وترتبط كاسي بكريس ماكاي، وتعتبر علاقة كاسي بماكاي من العلاقات المُهمة التي ستغير حياة كاسي بشكلٍ جذري، وذلك حيث ستتغير نظرات الآخرين لها من الفتاة التي يستغلها الجميع ويمتلك كل شاب في المدرسة مقطعًا لها على هاتفه إلى الفتاة التي حظيت بحبيب محبوب وله جماهيرية جيدة بسبب لعبه في فريق كرة القدم الأمريكية، غير أن هذه العلاقات ستنقلب في الموسم الثاني، وسنرى قصة الحب وهي تفسد علاقة الصداقة.


كات وإيثان: قصة بريئة لا تناسب أصحابها

تعتبر كات من الشخصيات المثيرة للجدل في المسلسل، وذلك لأنها شخصية هادئة ذات ملامح بريئة، لكن بداخلها ما هو أكثر من ذلك بكثير، ويتضح هذا في الحلقات الأولى حينما تبدأ بتخيل بعض السيناريوهات الجنسية التي لا تشبه حياتها إطلاقًا، كما نرى أيضًا كات وهي تحاول الهروب والتملص من نفسها ومن حقيقتها الظاهرة، وذلك من خلال التواصل مع غرباء على الإنترنت باستعمال قناع يخفي ملامحها، وسرعان ما سيتحول هذا التواصل إلى تجارة ومصدر ربح لكات؛ في الوقت نفسه نرى كات تحاول أن تظهر بشخصية مُختلفة في الواقع وظهر ذلك سريعًا في ملابسها ومساحيق التجميل، وأثناء عيشها هذه الحياة المزدوجة التي ما زالت تكتشفها، نرى إيثان يظهر في حياتها، لكن إيثان لا يملك إلا الوجه الأول من حياة كات، وهو الوجه البريء الهادئ، وهو وجه بعيد ومختلف عن باقي زملائه الذين يحاولون أن يظهروا على غير ذلك، وخلال الحلقات نرى كات وهي تتخبط بين حياتها القديمة واستقرارها مع إيثان، وبين الحياة الجديدة التي تريدها وهروبها من إيثان.

فيزكو: تاجر المُخدرات الذي يحبه الجميع

يعيش فيزكو مع الولد الصغير أشترَي “Ashtray”، الجزء الخارجي من منزلهم هو المتجر الذي يبيعون فيه المياه والحلويات وما إلى ذلك، لكن في داخل المنزل يبيعون المخدرات، على الرغم من صغر سن أشترَي إلا أنه يعرف تفاصيل التجارة، ولا يكتفي ببيع المخدرات فقط، بل نجد لديه معلومات في المجالات غير القانونية بشكلٍ عام، كما نجده يبدأ بشرح العملات الإلكترونية في أحد الحلقات؛ أما فيزكو فعلى الرغم من أنه يبيع المخدرات إلا أنه لا يعامل رو بهذه الثنائية “التاجر والمشتري” بل نجده يعاملها كأخته، ويكرر كثيرًا أنها وصديقتها بمثابة العائلة بالنسبة له، لذلك نراه هو نفسه يشجعها على أن تتوقف عن المخدرات ويرفض في كثيرٍ من الأحيان أن يبيع لها.


بناء القصة وإيقاع الأحداث

كما نرى للمسلسل الكثير من القصص والكثير من الشخصيات، ويحاول المخرج خلال الحلقات أن يحافظ على التوازن بين هذه القصص جميعًا، وإن كان لم يفلح في هذا الأمر في الموسم الثاني فإنه نجح فيه بشكلٍ كبير في الموسم الأول، خصوصًا الحلقة الرابعة، التي كانت تحكي كل شيء وتعرض كل الشخصيات بسلاسة كبيرة، لكن لم يكتفِ سام ليفنسون بتعدد الخطوط الدرامية في العمل وذلك لأنه كان يريد أن يصل لأبعد نُقطة مُمكنة في الأحداث، كان يفكر في الطريقة التي تجعل هذا المشهد يخرج بشكل غير تقليدي، ويجعلنا في الوقت ذاته نتساءل أو نريد معرفة شيء ما حول المشهد، وهذا الأمر نفسه هو ما يجعل التوقف عن مشاهدة المسلسل بعد البدء فيه أمرًا صعبًا، فالمسلسل لا يقوم بتهدئة إيقاعه السردي وتقدم أحداثه إلا قليلًا جدًّا، وفي الغالب يحدث هذا في نهايات الحلقات الصاخبة والمليئة بالأحداث، وكأنه يريد أن يعطي المشاهد حصته من الراحة قبل المغادرة.

لم ينهِ ليفنسون كتابة المسلسل كاملًا قبل تقديمه إلى شبكة “HBO”، لكنه قرر أن يكتب أثناء صناعة العمل، وعند الانتهاء من الموسم الأول، لم ينعزل مع نفسه لكتبة الموسم الثاني، بل كان يكتبه وهو يشارك ويتصل بأعضاء العمل، فكان يتصل بالمُمثلة هانتر شيفر يخبرها أنه سيقوم بتغير قصتها بطريقة معينة، ثم يناقشها حول هذه الفكرة، وكذلك الأمر مع سيدني سويني التي كانت تلعب الجولف مع أصدقائها واتصل بها ليفنسون ليخبرها بالتغير الجذري الذي يريد أن يفعله في شخصيتها، وبمناسبة التغيرات الجذرية في المسلسل فإن المسلسل بأكمله قد تغير جذريًّا من الموسم الأول للموسم الثاني.


الحلقات الخاصة: بداية التغير

بعد الانتهاء من مشاهدة الموسم الأول عرفنا أن المُخرج يعمل على حلقات أخرى، ولكنها حلقات خاصة لا علاقة لها بالموسم الثاني، وبالفعل تم إصدار حلقتين، واحدة عن رو والأخرى عن جولز، صُورت الحلقة الأولى في مكانٍ واحد، وكانت الحلقة عبارة عن مناقشة بين رو وعلي، وعلي هو الشخصية الأكثر حكمةً ولطفًا في المسلسل، وقد تعرف على رو في جلسات المشاركة الخاصة بمدمنين المخدرات، لكن علي لا يذهب إلى هناك لأنه يريد التخلص من المخدرات، بل لأنه مُدمنٌ سابق، أما الآن فهو مُعافى ويعيش حياة جيدة، وإن كانت هناك بعض الأشياء التي ما زالت تلاحقه بسبب أفعاله في الماضي؛ في هذه الحلقة تحديدًا نرى رو وهي تفصح عما في داخلها، ونرى علي وهو يناقشها ويسألها أسئلة ذكية تجعلها تُركز تفكيرها على نقاط معينة، ونرى حوارهم  وكأنه جلسة في عيادة نفسية، والأمر لم يختلف كثيرًا في الحلقة الخاصة الثانية التي كانت جولز بطلتها، والحلقة أيضًا هي حوار بين جولز وطبيبتها النفسية، وفيه نعرف جولز أكثر والمشاكل التي تعانيها، والصراع الذي تعيشه بسبب تحولها الجنسي، وعدم انتظام هرموناتها من سنٍّ صغيرة.


ردود أفعال مؤجلة

الشعور الأول الذي يراودنا بعد الانتهاء من الحلقتين هو التشكيك في أنهما ينتمون لعالم يوفوريا، العالم المُفعم بالألوان، والمليء بالحركة والموسيقى، لأول مرة يصبح الأمر جديًّا وواقعيًّا أكثر من اللازم، والتبرير حينها أنه للسبب نفسه أخرج المخرج الحلقتين من الموسم الثاني، حتى يكمله بشكله الأول، وحينما تم إصدار الموسم الثاني وجدنا الألوان قد عادت والموسيقى قد عادت لكن فلسفة المسلسل قد تغيرت بالكامل، أو دعونا لا نستعمل لفظ تغيرت، يمكن القول إن المخرج قدم لنا العديد من الأفعال في الموسم الأول لكنه قرر تأجيل عرض ردود الأفعال إلى الموسم الثاني، وهذا الأمر أربك الكثير من المشاهدين، ورأى الكثيرون أن المخدرات أصبحت مُغرية في أعينهم بطريقةً ما، لكن هذا الأمر بأكمله انقلب في الموسم الثاني، وهنا بدأنا نرى تغيرًا حقيقيًّا، وظهرت العديد من الشهادات لأشخاص ابتعدوا عن المخدرات بسبب المسلسل.


حفلة ليلية صاخبة على موسيقى لابرينث

لكن في كل الأحوال المسلسل ليس واعظًا ولا ينتظر منه أن يكون كذلك، ويمكن أن يكون الأمر في حقيقته غير الفقرة السابقة قليلًا، فبالرغم من أن المخرج يريد أن يقدم تجربة شخصية، ويعرض أضرار المخدرات، وكيف تؤثر على المتعاطي نفسه، وعلى الأشخاص من حوله، سواء عائلته أو أصدقاؤه، إلا أن المُخرج كان يملك رؤية مُعينة عند كتابة الموسم الأول، وهي أنه يريد جعل المُسلسل يملك روح الحفلات التي تُقام في الثانية بعد منتصف الليل.

حفلة صاخبة، وجميع من فيها ثملون، الموسيقى عالية، والألوان كثيرة، وهناك حالة مُختلفة عن الصباح، حالة يمكن أن نُسميها يوفوريا، بكل ما يعنيه المصطلح؛ وهذا بالفعل ما حدث، تم تقديم أحداث كثيرة ومتصاعدة، ورأينا تُحفةً فنية في مُعالجة الألوان، واستغلال مساحات التصوير، هذا بالطبع غير موسيقى لابرينث التي نقلت المُسلسل بأكمله إلى مكانٍ آخر، بل نرى أن المُسلسل كان سيخرج بطريقة مُختلفة تمامًا لولا هذه الموسيقى، ويقول لابرينث أن المسلسل أعطاه الحرية التي يحتاجها الفنان، وجعله يعبر عن نفسه بالشكل الذي يريده وبطرقٍ مُتعددة، ونرى هذه التنقلات والاختلافات بوضوح بين مقطوعاتٍ كلاسيكية، وأخرى مُعاصرة، وأوركسترات، والكثير من الأشياء الأخرى التي تُعتبر إضافة حقيقية للعمل.


العودة للمنزل

انتهى الحفل الصاخب بنهاية الحلقة الثامنة من الموسم الأول، وكان أمام المُخرج طريقان، إما أن يُكمل بالطريقة التي اختارها سابقًا، وإما أن يُجرب شيئًا جديدًا وقد قرر أن يجرب شيئًا جديدًا، هذه المرة يقول ليفنسون إنه يمكننا أن نتخيل الموسم الثاني وكأنه الساعة الخامسة صباحًا، الحفلة الليلية قد انتهت، الجميع مُتعب الآن، المشاكل قد حدثت ليلًا، والبعض لن يتذكر ماذا حدث لكن بالرغم من الصخب المصاحب لهم من المساء، وبالرغم من كل شيء فالجميع يريد أن يذهب للمنزل ليستريح، وهذا الوصف هو بالضبط روح الموسم الثاني، أحداث هادئة وواقعية وقاسية، وتُعتبر ردات فعل لما حدث في الموسم الأول، أما رو فقد قرر المُخرج أن يعطيها كل ما تريده في الحلقة الأولى من الموسم الثاني، لم تكن تريد أكثر من جولز والمخدرات، فأعطاها الاثنان، وأوصلها إلى أعلى نُقطة يمكن أن تصل إليها، ثم ركلها بقسوة نحو الهاوية؛ ويجب هنا ذكر أن الحلقة الأولى بدأت بحفل رأس السنة، وكان ليفنسون يُفكر في العد التنازلي الذي يحدث فيه قبل منتصف الليل، كان يحاول أن يجعل الحلقة نفسها وكأنها تجسيد لعملية العد، لنصل في النهاية إلى رقم واحد، ثم تحدث المفاجأة.


قصص أشخاص يجب أن تروى: عن خلق التعاطف

المُسلسل في المقام الأول يدور حول مجموعة من المراهقين، يحاولون فهم العالم من حولهم، العالم الذي يشعرون أنه أكبر منهم بكثير، يقول ليفنسون إن حلقة الكرنفال (الحلقة الرابعة في الموسم الأول) هي محاولة لتجسيد ما يشعر به المراهقون، هذه الحلقة تحديدًا كانت مليئة بالحركة، والألعاب، وزوايا وطرق مُختلفة للتصوير، وقد استأجر صناع العمل ملاهي والكثير من الألعاب ونقلوها لموقع التصوير، هذه الحلقة بعد أن تنتهي ستشعر أنك في حاجة لأخذ نفس عميق لتستريح من الركض لمدة ساعة، هذا الركض وهذه الألوان والتداخلات، وهذا الجموح والأفعال غير المحسوبة، هي ما يريد المُخرج توصيله عن هذه المرحلة من مراحل المُراهقة.

تقول زيندايا أن يوفوريا لم يُصنع ليُخبرنا ما هو الصواب وما هو الخطأ، بل ليخبرنا عن الأشخاص حولنا، ومن الفهم الحقيقي لهؤلاء الأشخاص سينبثق التعاطف في نفوسنا، وهذا ما نراه في المسلسل بالفعل، محاولات عميقة لفهم الأشخاص، والذهاب أبعد  مما سنراه حينما نصادفهم في الشوارع، ففي النهاية لن يستطيع أحد أن يقول إن زيندايا مُدمنة مُخدرات ويصمت، ولا يستطيع أحد أن يقول إن فيزكو هو تاجر مُخدرات ويصمت، لأننا بعد مشاهدة العمل سندرك أن هؤلاء الأشخاص لهم أبعاد أخرى، وحيوات مُختلفة مثلنا تمامًا.

يمكننا أن نفكر أن معرفة حياة الأشخاص حولنا بشكلٍ عميق هي حل كافٍ للتعاطف معهم، وهذا ما يصوره لنا بالطريقة والفلسفة نفسها الفيلم الألماني «حياة الآخرين»، فهذا الفيلم أيضًا يدور حول التعاطف مع الآخرين عند فهمهم عن قرب، لم يكتفِ يوفوريا بعرض حياة الآخرين من خلال مشاهد المسلسل، بل قام في الموسم الثاني بصناعة مستوى آخر لقراءة حياة الآخرين وذلك من خلال ليكسي؛ الشخصية الثانوية التي توهجت في الحلقات الأخيرة من الموسم الثاني، وذلك من خلال عرضها للمسرحية التي قدمتها لمدرستها، هذه المسرحية تدور حول الأشخاص في حياتها وهم: رو، جولز، كاسي، مادي، نيت، فيزكو، ووالدتها، وغيرهم. وهذه المسرحية التي كتبتها ليكسي من خلال مراقبة تفاصيل الحيوات التي تراها، جعلت أصحاب الحيوات نفسها يرون أنفسهم، وهنا رأينا التعاطف الذي يمكن أن يظهر حينما يراقب الإنسان حياته هو نفسه من قرب، حينما يعرف أنه مر بالكثير، لذلك يستحق العطف بدلًا من اللوم والقسوة.

في النهاية يمكن القول إن مُسلسل يوفوريا مُسلسل متفرد، لا نرى مثله كثيرًا، وعلى الرغم من أنه دخل في فئة مسلسلات المدارس الثانوي، إلا أنه استطاع أن يقدم لنا أكثر مما رأيناه في هذه الفئة، ولا يمكن بالطبع اعتبار المسلسل يدور حول هذه المرحلة فقط، وذلك بسبب المُعضلات والأمور الكُبرى التي يحاول معالجتها، بطرق مقبولة عادةً، هذا غير الإخراج والمونتاج والسينماتوجرافي ومعالجة الألوان والموسيقى، هذه العناصر التي خلقت للعمل حالة مُميزة ونادرة، بل جعلت مُشاهدة العمل نفسه حالة من حالات اليوفوريا.