استطاع رئيس اتحاد كُرة القدم بدولة مدغشقر أحمد أحمد أن يُزيح الكاميروني عيسى حياتو من رئاسة الاتحاد الأفريقي لكرة القدم « CAF » بعد قرابة الثلاثة العقود تربع خلالها الأخير على عرش القارة بلا تزحزح. وذلك بعد أن تمكن من الحصول على أغلبية أصوات الاتحادات التي لها حق التصويت في رئاسة الكاف، بفارق 14 صوتًا.

تولى عيسى حياتو منصب رئيس الكاف في العاشر من مارس عام 1988 بعد تصويت تم إجراؤه في المغرب، واستمر لسبع فتراتٍ انتخابية مسئولًا عن الكُرة الأفريقية. وتخلل تلك الفترة توليه منصب رئيس الفيفا بشكلٍ مؤقت بعد استقالة الرئيس السابق، جوزيف بلاتر، الذي أُدين في العديد من قضايا الفساد والرشوة.

رحيل حياتو عن منصبه نال العديد من التكهنات حول صعوبة حدوث ذلك بمحض انتخاباتٍ عادية، حيث كان أغلب الظن يُشير إلى اقتراب فوزه بالدورة الثامنة على التوالي، لكن خسارته لصالح المدغشقري رماه البعض إلى ضرورة وجود دور مؤثر لرئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم الجديد «فيفا» جياني إنفانتينو في ذلك؛ حيث كان حياتو هو العنصر البارز الوحيد المُتبقي من الحرس القديم للرئيس السابق للاتحاد الدولي.

وبالرغم من أن هناك بعض النجاحات الشحيحة عاشتها القارة على المستوى الكروي خلال فترة تولي حياتو لزمام الأمور في الاتحاد، كزيادة عدد المنتخبات الأفريقية المشاركة في بطولة كأس العالم، فإن أغلب التقارير التي وردت عن تلك الفترة تؤكد أن حقبة عيسى داخل أروقة الكاف لا تخلو من الفساد، حتى ولو لم يُدان فيه بقضايا رسمية بعد.


بزوغ النجم الكاميروني

رفض حياتو منذ صغره أن ينخرط في أروقة السياسة كما فعل الأغلب في عائلته، وقرر أن يتجه لكرة القدم وأن يسلك السلك الإداري بها، على الرغم من كونه لاعبًا لكرة السلة؛ مُعللًا ذلك بأن الشغف هو ما دفعه لهذا، حتى ولو وصف في عائلته بالفضيحة، على حد قوله.

عمل في بداية حياته بالتدريس الرياضي بمدرسة في مدينة «ياوندي» التي تقتصر فقط على أبناء الأثرياء في الكاميرون. واتجه بعدها للعمل الإداري الرياضي، في السبعينيات، وبات السكرتير العام للاتحاد الكاميروني لكرة القدم قبل أن يُصبح رئيسًا له في عام 1986.

واحتاج حياتو لعامين فقط من توليه منصب رئيس الاتحاد الكاميروني، ليُصبح رئيسًا لاتحاد الكُرة في القارة أجمع. وبشكلٍ سريع، شعر مواطنوه بفضل وجوده في هذا المنصب، وذلك للازدهار الذي طرأ على الفريق الوطني لدولة الكاميرون، والذي ظهر جليًا في بطولة كأس العالم 1990 بإيطاليا. حيث تمكن منتخب الأسود من الوصول إلى مرحلة ربع النهائي من البطولة بقيادة «روجيه ميلا»، وبأداءٍ لا غبار عليه.


كشف الغُبار

في العام نفسه الذي ظهر فيها المنتخب الكاميروني بهذا الأداء كانت خطوات حياتو الأولى داخل صرح الاتحاد الدولي لكرة القدم قد رُسمت. وتمكن من الظفر بعضوية اللجنة التنفيذية بالاتحاد واستطاع -بشكلٍ سريعٍ أيضًا- أن يُصبح أحد أهم رجال الاتحاد الدولي وترأس العديد من اللجان خلال هذه الفترة.

ولا شك أن التطورات السريعة في حياة عيسى العملية تجذب العديد من الشكوك من حوله، حيث يصعب على أحد الوصول لهذه المناصب بهذه السرعة بنمط تقليدي، أو بالأحرى قانوني. لكن عدم وجود أي أدلة تُدين الكاميروني منع كُل المشككين من محاولة الخوض في هذه الأمور حتى عام 2010 الذي كان بداية كشف الغبار عن فساد الكاف.


الفساد في حقوق البث

في نوفمبر عام 2010 أظهرت الشبكة الإخبارية البريطانية «بي بي سي» تقريرًا يُفيد تورط حياتو بمشاركة اثنين آخرين، في قضايا رشوة خلال فترة التسعينيات من أجل تسهيل إبرام عقود خاصة بعمليات البث، وذكر التقرير أنه حصل حينها على 10 آلاف دولار مقابل دوره في هذه العملية.

التقرير الذي حمل اسم «أسرار الفيفا القذرة» قد أكد أن رجال بلاتر، ريكاردو تيكسيرا وعيسى حياتو ونيكولاس ليوز، قد حصلوا على أموال من إحدى شركات التسويق من أجل تمرير حصول هذه الشركة على حقوق بث كأس العالم لسنة 90. والعجيب في الأمر أن حياتو لم ينفِ حصوله على المبلغ، ولكنه أوضح أنه تم وضعه في حساب الاتحاد وليس حسابه الشخصي، وهو ما اعتقد البعض أنه تأكيدٌ للتهمة عليه.


http://gty.im/477690548

كما أنه خلال فترة تولي عيسى لزمام الأمور بالاتحاد الأفريقي شهدت عمليات بث البطولات الأفريقية العديد من اللغط والجدل، لا سيما عملية منحه شركة «لاغاردير سبورتس» الفرنسية لحقوق البث لثماني سنوات متتالية منذ عام 2008 وحتى عام 2016، وإعادة المنح للفترة من 2017 حتى عام 2028.

ومن خلال البيان الصادر عن جهاز حماية المنافسة المصري فإن عملية البيع، أو بالأحرى المنح، التي تمت بين الاتحاد الأفريقي والشركة الفرنسية لمدة تصل إلى 20 عامًا كانت دون تمكين للشركات الأُخرى الراغبة في الحصول على هذا الحق ولا حتى بفرصة للمنافسة عبر مزايدة علنية، وهو ما جعل النائب العام المصري يطلب التحقيق مع الرئيس الكاميروني للاتحاد والأمين العام للاتحاد ذاته، بتهمة مخالفة قانون المنافسة المصري.


رشاوى التصويت لكأس العالم

عمليات البث لم تكن وحدها هي شواهد الفساد على عيسى حياتو، حيث ناله العديد من الشكوك والادعاءات بشأن التصويت الأفريقي لصالح الاتحاد القطري والروسي من أجل إعطائهم حقوق تنظيم كأس العالم لعامي 2022 و2018 -على الترتيب-. وأشار موقع « ستار أفريكا » المتخصص في شئون الكرة الأفريقية، أن العديد من التقارير أشارت إلى أنه كان من المحتمل أن يتم اعتقال عيسى حياتو بمجرد وصوله إلى سويسرا لحضور الجمعية العامة للفيفا التي عقدت يومي 28 و29 مايو لعام 2015.

وحسب بعض المعطيات آنذاك، فإن الشرطة السويسرية التي قامت باعتقال نحو 10 مسئولين كبار في الاتحاد الدولي لكرة القدم بطلب من القضاء الأمريكي الذي وجه إليهم اتهامات بالفساد؛ قد سعت لاعتقال حياتو للتحقيق معه للاشتباه في تورطه في الحصول على رشاوى فيما يتعلق بتنظيم مونديال 2022 وعملية التصويت، حيث أشارت التقارير إلى وجود إثباتات على تسلم حياتو لمبلغ يتجاوز المليون دولار مقابل التصويت لصالح قطر.

هذا بالإضافة إلى الجدل الكبير الذي أثير حول منح جنوب أفريقيا حق تنظيم كأس العالم في سنة 2010، حيث حصل حينها الاتحاد المصري لكرة القدم الذي كان أحد المتقدمين للحصول على حق التنظيم على صفر في عدد الأصوات، وهو ما يؤكد أن هناك عملية غير سليمة حدثت أطاحت بصوت مصر الذي من المفترض أن يُمنح نفسها.

وعلى الرغم من عدم إدانة حياتو من قبل لجنة الأخلاق بالفيفا خلال عملياتها الموسعة الأخيرة في عام 2015، لكن كل اللغط الذي ذُكر فيما سبق كان بمثابة نقاط سوداء في ثوب عيسى حياتو كرئيس للاتحاد الأفريقي، وبالإضافة إلى مشاكله الأخيرة مع العديد من الاتحادات الكروية داخل القارة، والتي أكدت أن الرئيس الكاميروني بات يتحرك من أجل مصالحه الشخصية فقط دون النظر لأي مصالح أخرى؛ لا سيما بعدما قامت الجمعية العمومية بالكاف بسحب حق تنظيم كأس الأمم الأفريقية للشباب من دولة مدغشقر بعد التأكد من ترشح رئيس الاتحاد بالدولة في مواجهة حياتو، وهو ما لا يدع مجالًا للشك في قرارات حياتو الأخيرة.

وعليه؛ فإن رحيل حياتو، وإن كان صعبًا، لكنه ضروري من أجل أمل جديد في تحسن الأحوال داخل القارة السمراء، حتى ولو على المستوى الكروي فقط.


المراجع




  1. صحيفة الجارديان البريطانية.

  2. شبكة BBC News الإخبارية.