غرائب الملاعب: ما بين قميص كرويف والكلب بيكلز

هناك الكثير من القصص الغريبة التي تجتاح عالم كرة القدم وتفاجئنا عند سماعها أو قراءتها، منها مايتكرر على مسمعنا دائمًا مثل خرافة الأخطبوط بول وتوقعه الصحيح لنتائج المباريات، لكن هناك دائمًا بعض القصص التي لم تسمعها سابقًا، والتي كانت بمثابة التفاصيل الحاسمة في أحداث بالغة الأهمية. من الكلب بيكلز إلى قميص كرويف وورقة الساندويش وأشياء أخرى، إليك أفضل المختارات لغرائب كرة القدم.

بيكيلز: الكلب الذي توَّج إنكلترا بكأس العالم

بعض الأحداث الكروية التي يتم وصفها بأنها هوليودية أو يصحبها أحداث دراماتيكية يكون مسرحها الملعب والمستطيل الأخضر، لكن هناك أحداث أخرى تحدث خارج البقعة الخضراء وتسرق الأضواء منها، قصص يلفها الغموض والغرابة وتستقطب الاهتمام بسبب حساسيتها. في 20 آذار عام 1966 عاشت لندن حالة من الجنون وساد الذعر المملكة المتحدة بعد أن فقدت الدولة المستضيفة لبطولة كأس العالم الكأس الخاص بالبطولة والذي كان يسمى بكأس جول ريميه، حيث تمت سرقة الكأس من أحد المتاحف وتصدرت الحادثة الصفحات الأولى للصحافة العالمية، لتُعتبر آنذاك إحدى أغرب قصص كرة القدم بعد أن تحول كلب يدعى «بيكيلز» إلى بطل قومي بعد عثوره على الكأس.

تفاصيل الحكاية

قُبيل انطلاق مونديال كأس العالم بـ 4 أشهر تلقى الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم طلبًا من أجل عرض الكأس في أحد المعارض الخاصة بالطوابع البريدية القديمة في منطقة ويستمنستر بالقرب من البرلمان الإنجليزي. قرار الموافقة على الطلب كان بحاجة لقبول منظمة الفيفا كونها معنية بالكأس، ووافق ستانلي راوس رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم آنذاك على الطلب ولكن وضع شروطًا خاصة بالمقابل. راوس طلب أن تتم عملية نقل الكأس من قبل شركة أمنية معروفة، ويتم وضع الكأس في صندوق زجاجي محكم الإقفال، ويتم التأمين على الكأس بمبلغ 30 ألف جنيه إسترليني، علمًا أن قيمة الطوابع البريدية في المتحف تقدر بـ 3 ملايين جنيه.

تمت سرقة الكأس في اليوم الثاني من المعرض، وعلى الفور طلب الاتحاد الإنجليزي من الصائغ جورج بيرد أن يصنع نسخة طبق الأصل عن الكأس وبشكل سري تحسبًا للأسوأ، وسار التحقيق ببطء شديد بسبب عدم وجود دلائل حقيقية.

بعد ذلك، تواصل السارق مع الاتحاد الإنجليزي وطالب بفدية مقابل تسليم الكأس مقدارها 30 ألف جنيه إسترليني، وتم القبض عليه خلال محاولة استلامه للفدية وادعى بأنه مجرد وسيط، ولكن الكأس ما زالت مفقودة.

رسالة السارق إدوارد بيتشيلي لرئيس الاتحاد الإنجليزي جو ميرز

بطل الحكاية

حان الوقت لدخول البطل في محور القصة، فبعد مرور أسبوع على سرقة الكأس، دخل ديف كوربيت أحد الأكشاك من أجل إجراء مكالمة هاتفية للاطمئنان على زوجة شقيقه التي رزقت بمولود جديد، بينما كان كلبه بيكيلز في الخارج يركض خلف السيارات، توقف فجأة عند سيارة أحد الجيران، ويقول كوربيت:

توجه كوربيت بعد ذلك إلى أقرب مركز شرطة لتسليم الكأس وسرعان ما تحول للمطلوب رقم واحد، لكن بعد ساعات من التحقيق تمت تبرئته، ثم بدأ دخول عالم النجومية وظهر كوربيت وبيكيلز على شاشات التلفزة وفي الصفحات الأولى للصحف، كما حصل كوربيت على جائزة نقدية. أما بيكيلز لعب دورًا في أحد الأفلام، وحصل على ميدالية. ولن ينسى كوربيت الدعوة التي وجهها المنتخب الإنجليزي الفائز بكأس العالم له ولكلبه، حيث كان بيكيلز ضيف شرف خلال مأدبة لم يتردد فيها بقضاء حاجته في مصعد الفندق ذي النجوم الخمس.

دُفِن بيكيلز في حديقة منزل صاحبه، ولا يزال كوربيت يقطن المنزل ذاته. وفي كل مرة يرى صور المنتخب الإنجليزي متوجًا بالكأس يدرك بأنه لعب دورًا في ذلك ويقول: «أشعر بنوع من الفخر، وأدرك أيضاً بأنني حملتُ الكأس الأصلية».

فيردر بريمن: ورقة الساندويش مكانها المتحف

عند زيارتك للمتاحف بشكل عام تتوقع رؤية بعض التماثيل لأشخاص وضعوا بصمتهم في التاريخ بعد تحقيقهم الإنجازات، والأمر سيان في المتاحف الكروية المليئة بالكؤوس والألقاب والميداليات الذهبية، بالإضافة لبعض القمصان والأحذية للاعبين سطروا أسماءهم بأحرف من ذهب، لكن من غير المتوقع أن ترى لدى زيارتك متحف فيردر بريمن ورقة ساندويش على أطرافها بعض آثار الكاتشب يعود تاريخها لعام 2009، أمر غريب بالفعل لكن سنزيح عنه هذه الغرابة!.

في عام 2009 التقى فريقا هامبورغ وفيردر بريمن في نصف نهائي كأس الاتحاد الأوروبي، وكانت مباراة الذهاب قد انتهت بانتصار هامبورغ بنتيجة 1-0 في أرض خصمه، في لقاء الإياب تقدم هامبورغ بالنتيجة لكن تمكن بريمن من تسجيل هدفين وكان بحاجة لهدف آخر لكي يحسم التأهل نهائيًا ويُريح أعصاب جماهيره، ودامت هذه المعاناة حتى الدقيقة 82 والتي شهدت إعلان الحكم عن ركلة زاوية لصالح فيردر بريمن، وكان السبب في ذلك هو فشل مدافع في إعادة الكرة إلى حارس مرماه بشكل صحيح.

على الرغم من أريحية المدافع وعدم وجود ضغط من مهاجمي بريمن، كان هناك شيء أجبره على ارتكاب هذه الهفوة، حيث ارتطمت الكرة بورقة تستخدم في لف الساندويش رماها أحد من الجماهير سابقًا باتجاه أرض الملعب، بالطبع توقعتم أن هدف الحسم جاء عن طريق ركلة الزاوية وبهذه الطريقة أمن بريمن تأهله إلى المباراة النهائية لملاقاة شاختار. هذا الهدف كان له قيمة كبيرة لأن هامبورغ تمكن بعد ذلك من تقليص النتيجة، ولولا الهدف الذي سجله باومان آنذاك لكان هامبورغ في طريقه إلى النهائي بدلا من بريمن في حال استمرار النتيجة بهدفين لكل فريق.

المدهش أن نادي بريمن اعتبر هذه اللحظة تاريخية لأنها جاءت على حساب غريمه الأزلي في ديربي الشمال،

فقرر النادي الاحتفاظ بورقة الساندويش وعرضها في المتحف الخاص للنادي كتذكار للفرحة

أو ربما لإغاظة جماهير هامبورغ التي تشتاط غضبًا حتى هذه اللحظة بسبب هذه الورقة، لكن فرحة بريمن لم تكتمل في النهائي الذي خسره أمام نادي شاختار ينتيجة 2-1.

يوهان كرويف: الخط الناقص درءًا للفتنة

في الآونة الحالية تعتبر الشركات التجارية بالأموال التي تمتلكها هي المحرك الأساسي والعصب الرئيسي للنشاطات الرياضية والكروية، فالشركات في عصر الأموال والتسويق أصبح لها الكلمة العليا في الكثير من الأحيان بسبب سطوة قوتها المادية، على عكس الوضع السابق فلم يكن للشركات هذه القوة بسبب التباين المهول بين الواقع الحالي والسابق، وبإمكاننا تبرير الأمر ونسبه لحاجة الشركات فيما سبق للأموال وعدم انتشار موضة عقود الرعاية التجارية.

وأحد أهم الأمثلة هي فسخ كوكا كولا لعقد رعاية رونالدينيو بعد ظهوره في أحد المؤتمرات الصحفية وأمامه عبوة بيبسي، لكن مثالنا الآخر يبرز القيمة الكبرى لنجوم اللعبة فيما مضى، ففي أوائل السبعينات سطع نجم يوهان كرويف كأحد أبرز الأسماء في اللعبة، فكان محط اهتمام الجميع بما في ذلك الشركات الرياضية، حيث وقعت شركة بوما للمستلزمات الرياضية عقدًا لرعاية الجناح الهولندي الطائر، والذي كان يرتدي حذاء puma king.

المنتخب الهولندي شارك في مونديال 1974 وكانت شركة أديداس هي راعية المنتخب، لكن كرويف المُمَثل من شركة بوما رفض ارتداء القميص الخاص بشركة أديداس والذي تميزه الخطوط الثلاثة على الكتف، وأعلن عن رفضه الترويج لشركة منافسة، وهذا ما تسبب بمشكلة داخل المنتخب وفي أروقة الشركتين اللتين كان يدور بينهما صراع كبير وسباق محموم لاستقطاب النجوم.

اضطر هذا الأمر الاتحاد الهولندي للتوسط من أجل إجرء اتفاقية خاصة بين الشركتين، أدت لوضع خطين على لباس يوهان كرويف بدلاً من الخطوط الثلاث، وارتدى باقي عناصر المنتخب القميص الخاص بأديداس طوال البطولة. ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، فبعد اعتزال كرويف أنشأ الهولندي شركته الخاصة بالمنتجات الرياضية والتي كانت تحمل اسم «كرويف كلاسيكس»، وأحد منتجاته هو القميص الخاص ذو الخطين. وتلقت شركة كرويف في 2014 رسالة من

أديداس طالبت فيها بالتوقف عن ترويج وبيع القميص

، فرد كرويف:

وبعد ذلك بفترة وجيزة أصدرت المفوضية الأوروبية قرارًا

ينص على ضرورة احترام شركة كرويف لحقوق الملكية الفكرية

ووجوب سحب القميص من المتجر. النجوم سابقًا كانوا يعاملون معاملة خاصة جدًا، أما الآن فليس بإمكان أحدهم القيام بأمر مماثل وإلا سيمنع من مغادرة غرفة الملابس قبل التوجه لأرض الملعب.

بيليه وبوما: لقطة الـ 120 ألف دولار

رغم تحقيق شركة بوما لنجاحات كبيرة في بطولات ألعاب القوى في فترة الستينات من القرن الماضي، إلان أن الشركة أرادت نجاحًا مماثلًا في اللعبة الأشهر عالميًا، وفي تلك الحقبة كان المنتخب البرازيلي في أوج نجاحاته الكروية بقيادة نجمه بيليه، لذلك كانت رغبة بوما واضحة باستهداف المنتخب البرازيلي ورعاية أحد لاعبيه. وفي تلك الفترة كان الصراع بين شركتي وبوما على أشده من أجل استقطاب النجوم لرفع اسم الشركة عالميًا، لكن فيما بخص بيليه كان هناك اتفاق شبه ضمني بين الشركتين بعدم التوقيع مع بيليه بسبب المتطلبات المالية العالية للبرازيلي والتي ستكلف الشركتين الكثير من المال.

لكن مالك شركة بوما رودولف داسلر وابنه آرمين خرقا الاتفاق، حيث قام رودولف بإرسال ابنه آرمين إلى المكسيك عام 1970 التي كانت تستضيف كأس العالم آنذاك، التقى آرمين ببيله

وقدم له حقيبة تحتوي على 120 ألف دولار

لكي يقبل عرضه ووافق بيليه على الفور. لم تكن الخطة تقتصر على الأموال بالنسبة لآرمين، حيث اتفق مع بيليه على تأخير صافرة الحكم قبل بداية مباراة البرازيل أمام البيرو.

قبل إطلاق الحكم لصافرته، طلب منه بيليه التريث قليلاً لربط حذائه، وكانت الخطة تهدف لجذب الكاميرات والتركيز على بيليه وهذا ما حصل بالضبط، الكاميرا الرئيسية موجهة نحو بيليه وحذائه الجديد، وتحقق البرازيل اللقب في نهاية البطولة لترتفع بذلك مبيعات بوما بنسبة 300% بعد الدراما التي كان بطلها بيليه.