ماذا يتبادر لذهنك، عزيزي القارئ، عند سماع اسم «روبرت ليفاندوفسكي»؟

ربما تذكر أهدافه الأربعة في شباك ريال مدريد إبان فترته مع دورتموند، أو أهدافه الخمسة التي سجلها بقميص بايرن ميونخ خلال تسع دقائق فقط، أو ربما ثنائيته القوية مع «ماركو رويس» سابقًا، وتقارنها بتلك التي يشكلها رفقة «توماس مولر» في الوقت الحالي.المهم أن اسم ليفاندوفسكي يرتبط دومًا بتسجيل الأهداف وإزعاج الخصوم!

لا عجب في ذلك، يكفي أن ندرك فقط أن القناص البولندي كان على موعد مع حصد جائزة

هدّاف البوندزليجا للمرة الثالثة

الأسبوع الماضي، ليكتب بذلك ليفاندوفسكي لنفسه تاريخًا من ذهب بعد أن احتل المركز السابع في قائمة الهدافين التاريخيين للمسابقة الألمانية، وبات يفصله 40 هدفًا فقط عن كسر رقم مدربه الحالي وأسطورة هجوم بورسيا مونشنجلادباخ السابق «يوب هاينكس»!

خلال الأسبوع ذاته، خرج

رئيس النادي البافاري «كارل هاينتس رومنيجيه»

ليطمئن أنصاره على مصير ليفاندوفسكي في ميونخ، خصوصًا بعد أن ربطت عدد من التقارير اسمه بالرحيل باتجاه إسبانيا أو إنجلترا خلال الصيف المقبل، لكن رومنيجيه أكد للجميع أن المهاجم صاحب الـ29 عامًا سيواصل مسيرته المشتعلة في البوندزليجا خلال الموسم المقبل.

لكن مسيرة روبرت، التي يود رومنيجيه أن تستمر بين جدران قلعة ميونخ، لم يكن من المخطط لها أن تعرف الطريق للملاعب الألمانية أصلًا، بل إن واحدة من أغرب الوقائع في سوق انتقالات اللاعبين هي ما تسببت في تحوّل ليفا للاعب بالبوندزليجا، ولولاها لكان روبرت مجرد لاعب في أحد أندية دوري القسم الثاني الإنجليزي، وربما لم يكن ليسجل في شباك الريال، أو يذهل العالم بعد هدفه الخامس في فولفسبرج، أو يزامل رويس ومولر.

هذه الواقعة هي انفجار بركان إيافيالايوكل الأيسلندي!


فتى وارسو النحيل

نشأ الصغير ليفا في أسرة رياضية؛ والده كان بطلًا بولنديًا في رياضة الجودو، ووالدته مارست الكرة الطائرة. في المقابل اختار روبرت رياضة أخرى، حيث أحب البولندي الذي ولد بالعاصمة وارسو ممارسة كرة القدم.

مشكلة البولندي الوحيدة كانت بنيته الجسمانية الضئيلة. روبرت كان نحيلًا جدًا، وهو ما أعتُبِر نقطة ضعف في نظر مدربيه خاصة أثناء الالتحامات البدنية التي يفرضها عليه مركزه في الملعب كمهاجم.

لكن جسده النحيف لم يعقه عن تسجيل الأهداف، حيث انضم للنادي المحلي لخ بوزنان قبل الالتحاق بكتيبة منتخب بولندا تحت 21 عامًا، هناك جذب ليفا الأنظار للمرة الأولى، وظهرت موهبته الواعدة داخل منطقة الجزاء، وبدأ الاهتمام به من كشافي المواهب يتصاعد.

تقول

صحيفة ديلي ميل

إن المدرب الإنجليزي «توني موبراي» كان من أوائل من سعوا للحصول على خدمات ليفاندوفسكي، حيث شغل موبراي في هذه الأثناء منصب مدرب نادي ويست بروم ثم سيلتيك، وقد حاول التفاوض مع إدارة بوزنان أكثر من مرة بشأن ليفا، إلا أن إدارة النادي البولندي رفضت بيع المهاجم الواعد بالمبلغ المعروض آنذاك، كما فضّل روبرت البقاء لعام آخر داخل بولندا قبل الخروج لخوض تجربته الاحترافية الأولي.


بركان يعرقل بلاكبيرن

كان خروج ليفا من الدوري البولندي باتجاه أحد الدوريات الكبرى مسألة وقت لا أكثر، السؤال تمحوّر آنذاك حول النادي الذي سيدخل في مفاوضات مع إدارة بوزنان للحصول على المهاجم الشاب، خصوصًا وأن النادي البولندي كان قد رصد مبلغًا يقارب الأربعة ملايين يورو للتخلي عن روبرت!

نادي بلاكبيرن روفيرز الإنجليزي كان على رأس هؤلاء المهتمين بليفا، مدرب الفريق آنذاك

«سام ألاردايس»

أراد الحصول على موافقة البولندي بالانضمام لبلاكبيرن قبل نهاية موسم 2009/2010، خصوصًا بعد أن تزايدت أعداد الأندية المهتمة بروبرت كلما تألق.

العقبة الأولى التي حالت بين ألاردايس وبين اتمام الصفقة كان عدم اقتناع رئيس بلاكبيرن

«جون ويليامز»

بجدوي دفع أربعة ملايين يورو من أجل الحصول على لاعب شاب بلا تاريخ أو ضمانة نجاح، لذلك سعى سام لخطب ود ليفاندوفسكي حتى تكون رغبته باللعب لبلاكبيرن عاملًا مساعدًا في الضغط على بوزنان وتقليص القيمة المالية المطلوبة.

نقلت

صحيفة الميرور

تصريحات على لسان روبرت جاء فيها أن سام ألأردايس قام بالسفر إلى بولندا لأجل لقاء المهاجم الشاب وإقناعه بفرص اللعب في إنجلترا، فأُعجِب ليفا بشخصية سام الذي بدا متحمسًا للعمل معه، ووعده بتطوير إمكانياته التهديفية أكثر، كما دعاه للسفر لإنجلترا من أجل زيارة مقر نادي بلاكبيرن والتعرف على طبيعة الأجواء التنافسية من خلال مشاهدة مباراة بلاكبيرن التي ستجمعه مع إيفرتون في شهر أبريل عام 2010.

أراد روبرت استكشاف الأمور على الطبيعة، فقام بحجز مقعد في إحدى الرحلات المتجهة إلى إنجلترا في الموعد المحدد مع سام، لكن حدثت المفاجأة التي ستقلب مسيرته رأسًا على عقب!

ليفا كان بصدد التوقيع لصالح الروفيرز بعد أن حزم حقائبه وتوجه إلى المطار، لكن هناك فوجئ بأن الرحلة المتجهة من بولندا إلى إنجلترا ألغيت بعد أن اندلع

بركان في أيسلندا

مخلفًا سحابًا هائلًا من الرماد الذي أعاق حركة الملاحة وألغيت على إثره رحلة إنجلترا، وبقي ليفا في بولندا، وتعطلت الصفقة إلى الأبد.


حسرة ألاردايس

لا أستطيع نسيان الأمر، بل أفكر فيه كلما رأيت روبرت يلعب، وأشعر بالندم





تصريح «سام ألاردايس».

استمرت آثار البركان الأيسلندي قرابة الـ6 أشهر، ولم يتمكن سام من تخفيض قيمة الصفقة، واكتفى بالتعاقد مع المهاجم نيكولا كالينيتش.

في الوقت ذاته كان كبير كشافي نادي بورسيا دورتموند «سفين ميسلنتات» يُطلع مدرب الفريق «يورجن كلوب» على إحصائيات روبرت ليفاندوفسكي، ويقدم له التقرير تلو الآخر عن مزاياه وعيوبه، بينما يدرس كلوب وفريقه التدريبي مدى ملاءمة إمكانيات المهاجم لأسلوب لعب الـ«gegenpressing» الذي اعتمده المدرب الألماني في صفوف دورتموند.

اتخذ كلوب وميسلنتات القرار سريعًا، ومنحا إدارة النادي الألماني الضوء الأخضر للتفاوض مع النادي البولندي. وافق ليفا من دون تردد على الانضمام لأسود فيستفاليا خاصة بعدما علم بتاريخ كلوب مع صناعة النجوم، وتأكد أنه لا يوجد براكين في الطريق بين بولندا وألمانيا.

كان ليفا عنصرًا في الفريق الذهبي لدورتموند الذي حصد البوندزليجا لموسمين متتاليين، وظفر بالثنائية المحلية، وصعد لنهائي دوري أبطال أوروبا، لكن موسم 2013/2014 تحديدًا هو الذي شهد انفجار روبرت للمرة الأولى بعد أن فاز بلقب هدّاف البوندزليجا، وحجز لنفسه مقعدًا دائمًا بين كبار مهاجمي العالم منذ ذلك الوقت.

انتقل ليفاندوفسكي لبايرن ميونخ قبل بداية موسم 2014/2015، ليواصل البولندي مسيرته المحلية المبهرة، وينجح في اقتناص لقب الهدّاف بقميص البافاري للموسم الثاني في إنجاز كبير.


في مقابل كل هذا المجد الذي حققه ليفا في ألمانيا، فإن الوضع كان مختلفًا تمامًا مع بلاكبيرن وسام ألاردايس، فقد هبط بلاكبيرن وودع منافسات الكبار، بينما لم تكتب لسام ألاردايس تجربة نجاح تدريبية من وقتها إلى الأن.

سام يؤكد بين الحين والأخر أنه لا يستطيع نسيان كيف أفلت روبرت ليفاندوفسكي من بين أصابعه، ويعتقد أنه كان يستطيع صناعة تجربة جيدة معه في منافسات الدوري الإنجليزي، بينما يرى آخرون أن روبرت لم يكن ليصل إلى مثل تلك المستويات التي يقدمها مع ألاردايس.

الأكيد أن سام لا يعرف من يلوم بعد أن خسر روبرت ليفاندوفسكي، لأنك ببساطة لا تستطيع أن تلوم البركان لأنه اندلع، لكن من الأولى هنا أن تلوم سوء طالعك.