منذ أيام قليلة استحوذت جولات العودة بربع نهائي دوري أبطال أفريقيا على مشهد الرياضة العربية. فمن مصر وإلى تونس، وفي المغرب وحتى الجزائر، ترقبت الجماهير نتائج الفرق التي ستتنافس على حجز مقعد في المربع الذهبي لأميرة البطولات الأفريقية.

تأهلت 3 أندية عربية من أصل خمسة مشاركة في دور الـ8؛ وهم الأهلي والترجي ووفاق سطيف. فيما ودّع النجم الساحلي وحامل اللقب الوداد البيضاوي في مفاجأة كبيرة، ليؤكد ذلك التواجد العربي الكثيف للعام الثاني على عودة أندية شمال أفريقيا لواجهة المنافسات القارية.

في الوقت ذاته، لا يمكن إغفال حظوظ الطرف غير العربي الوحيد المتواجد بالمربع الذهبي: فريق الأول من أغسطس الأنجولي، خصوصًا بعد أن قدم مسيرة أكثر من رائعة خلال البطولة، كان آخر فصولها إقصاء العملاق الكونغولي مازيمبي.

سيصطدم الفريق الأنجولي بكتيبة الترجي، فيما سيستضيف الأهلي نظيره وفاق سطيف مطلع الشهر القادم بجولة الذهاب، ومن المؤكد أن تحمل المباراتان قدرًا كبيرًا من الأهمية، ولعلهما تحددان مبكرًا طرفي النهائي.

في هذا التقرير، نستعرض الحالة الفنية للفرق الأربعة، ونقاط الضعف والقوة التي ستنعكس على حظوظهم في الظفر بلقب بطل القارة.


الأهلي المصري: لذلك أتينا بباتريس كارتيرون

حين تعاقد الأهلي مع المدرب الفرنسي «باتريس كارتيرون»، كان الهدف من ذلك أوضح ما يكون.

فلا يزال الأهلي يفرض سيطرته المحلية وتحديدًا على البطولة الأهم: الدوري، ولم يكن يحتاج لانتداب مدرب أجنبي خصيصًا لخوض غمار منافساته، بل يحتاجه لمهمة أخرى وهي قيادة الكتيبة الحمراء نحو منصة تتويج البطولة الأفريقية التي ضل رفاق «وليد سليمان» الطريق إليها منذ عام 2013.

لكن لماذا كارتيرون؟ ببساطة لأن الفرنسي يعرف الأجواء الأفريقية جيدًا، وسبق أن حقق إنجازات كبيرة في القارة السمراء، يأتي في مقدمتها الفوز بدوري الأبطال مع مازيمبي، وتحقيق برونزية كأس الأمم مع منتخب مالي، لذا رأت إدارة الأهلي الاستفادة من خبراته فأعلنت التعاقد معه في يونيو/حزيران الماضي.

حل كارتيرون على مهمة معقدة للغاية؛ إذ كان الأهلي يمتلك آنذاك نقطة وحيدة فقط من أول جولتين في سباق دور المجموعات، وهو ما يعني ضرورة تحقيق الفوز بالجولات القادمة للحفاظ على حظوظ الفريق.

كان باتريس يعلم بأن الحيز الزمني الضيق بين قرار تعيينه وبين الجولة الثالثة لن يسعفه لإحداث تغييرات شاملة بالفريق، ولذلك أبقى على الرسم التكتيكي 4/2/3/1، مع الحفاظ على أغلب العناصر الأساسية باستثناء دخول المدافع الوافد الذي طلبه «ساليف كوليبالي».

تحسنت الحالة الهجومية للمارد الأحمر مع كارتيرون، خصوصًا في الكرات الثابتة والعرضية التي باتت سلاح الأهلي الأول بعد رحيل صانع الألعاب «عبد الله السعيد» وعدم قدرة «ناصر ماهر» على الاختراق من العمق بكفاءة كبيرة إلى الآن، فيما عاد «وليد أزارو» للتألق وساهم في تسجيل 6 أهداف بآخر 6 مباريات بالبطولة، كما نجح ثنائي الخبرة «وليد سليمان، وأحمد فتحي» في استرداد مستوياتهما.

لكن الأهم من كل ذلك هو عودة شخصية الأهلي، إذ لم يتعرض الفريق لهزيمة واحدة منذ تولى كارتيرون المسئولية، بل بدا قادرًا على الفوز داخل وخارج القاهرة رغم أي ظروف معاكسة.

في المقابل يعاني الأهلي من شبح الغيابات والإصابات الذي ضرب الفريق، البداية كانت مع رحيل السعيد، ثم مع إصابة الجناح المتألق «جونيور أجاي»، لكنها امتدت لتشمل أيضًا كلاً من «عمرو السولية، وسعد سمير، ومحمد نجيب»، وهذا الأمر يهدد مسيرة الأهلي في البطولة خصوصًا مع تذبذب مستويات من دخلوا مكانهم.

حظوظ الشياطين الحمر في البطولة حاضرة، لكنها ترتبط باستمرار تماسك الفريق فنيًا، ومنح الخصم أقل عدد من الثغرات الدفاعية.


وفاق سطيف: مرتدة رشيد طاوسي

تبدو الأجواء في ملعب 8 مايو خلال مباريات وفاق سطيف مألوفة لمتابعي شمال أفريقيا؛ المدرجات ممتلئة عن آخرها، الهتافات لا تتوقف، وفريق يلعب على انتزاع الفوز.

يقود الوفاق المدرب المغربي «رشيد طاوسي» منذ يوليو/تموز، ويعتمد رشيد على أسلوب لعب 4/3/3، إذ يقود خط هجومه اللاعب المزعج «الحبيب بوقلمونة» صاحب الإمكانيات البدنية التي تؤهله للفوز بالكرات الثنائية، فيما يلعب خلفه اللاعب المهاري «عبد المؤمن جابو» في الرواق الأيمن، والسريع «حسام غشة».

في الجزائر، يسعى دومًا طاوسي للخروج فائزًا، ويعتمد على الكرات العرضية مستفيدًا من فاعلية وتغوّل الطرفين وقوة بوقلمونة ومساندة لاعبي وسط الملعب، كما يرتد الفريق سريعًا في الحالة الدفاعية لغلق المساحات على الخصوم.

أما في الخارج، فإن رفاق «جابو» يلجأون للتمترس في وسط الملعب، والاعتماد على الكرات الطولية مستفيدين من قدرات مهاجمهم في الالتحام، بالإضافة إلى الكرات المرتدة السريعة في المساحات الفارغة.

أضاف المدرب طاوسي كثيرًا من الصلابة لفريقه منذ أتى، وحقق مفاجأة كبرى عندما أطاح بالوداد مبكرًا، لكنه سيكون أمام اختبار صعب عندما يحل ضيفًا على الأهلي يوم الثلاثاء القادم، ولا بد أن ما يشغله الآن هو معالجة عيوب فريقه.

هذه العيوب التي تتلخص في انهيار خط دفاعه مع الضغوط المستمرة خصوصًا أثناء العرضيات أو التسديد من خارج المنطقة، وقد ظهرت تلك العيوب جليًا خلال مواجهات الفريق الجزائري سواء دور المجموعات أمام مازيمبي والدفاع الجديدي، أو أمام الوداد بالمغرب.

ترى هل ينجح وليد أزارو في إرباك دفاعات الوفاق، أم تتمكن مرتدة طاوسي من هز شباك الشناوي؟


https://www.youtube.com/watch?v=Oh-jxjjr4xc&t=467s


الأول من أغسطس: الحصان الأسود


تصريح

مدرب فريق الأول من أغسطس زورن مانوجلوفيتش بعد مباراة زيسكو يونايتد.

لم نكن نعرف الكثير عن فريق الأول من أغسطس قبل هذا العام، إذ

لم يسبق للفريق الأنجولي

الفوز بأي بطولة أفريقية، بل كان ظهوره هذا العام بدور المجموعات هو الظهور الثاني بتاريخه بعد عام 1997، وقد اقتصرت إنجازاته على البطولات المحلية فقط.

لكن ذلك تغيّر بالتعاقد مع المدرب الصربي «زورن مانوجلوفيتش» هذا العام، حيث أظهر الفريق شخصية قوية بالمواجهات الأفريقية.

بدأ الأمر عندما نجح الفريق بالتأهل لدور المجموعات، ليتم تصنيفه بالمركز الرابع أي أقل فرق المجموعة حظوظًا في التأهل، لكنهم فاجأوا الجميع بتعادل مع النجم الساحلي في مباراتهم الأولى.

إن كنت تظن أن ذلك هو أكبر مفاجأتهم، فإليك التالي: خلال مباراتهم مع فريق زيسكو الزامبي على ملعب 11 نوفمبر بأنجولا، تمكن أبناء مانجلوفيتش من قلب الطاولة والفوز 2/1 بعد أن كانوا متأخرين بهدف، ثم عادوا من جديد للتعادل 1/1 مع النجم على الملعب الأولمبي بسوسة الذي شهد خسارة عمالقة القارة.

تأهلوا من المجموعة بعدما احتلوا المركز الثاني، لتصدمهم القرعة بمواجهة غير متكافئة مع مازيمبي: أحد أبرز المرشحين للبطولة، ليظن الكل عند تلك اللحظة بأن مشوارهم انتهى، لكنهم حققوا الصعب وأطاحوا ببطل الكونغو في ملعبه ووسط جمهوره المرعب بعد التعادل 1/1، مسيرة مدهشة لأبناء مانوجلوفيتش، فكيف تمكنوا من تحقيق كل ذلك؟

أول ما يميز فريق الأول من أغسطس أنهم مجموعة حالمة تمتلك دوافع كبيرة، اللاعبون يقاتلون لأجل مدربهم الصربي الذي نجح في تنظيمهم، حيث يلعب مانجلوفيتش بتشكيل 4/2/3/1، ويعتمد في الشق الهجومي على أمرين؛ التسديد من خارج المنطقة، وتمركز لاعبيه أثناء الكرات العرضية. أهم لاعبي زورن هم الثلاثي النيجيري المحترف في خط الوسط وفي مقدمتهم صانع الألعاب «أكنفينوا إبوكون».

يعيب الفريق الأنجولي نقص الخبرة الذي بدا واضحًا في عملية إنهاء الهجمات برعونة خلال أكثر من مواجهة، بالإضافة إلى الأخطاء الساذجة التي يرتكبها ثنائي قلب الدفاع خصوصًا عند الاختراق من العمق.

تبدو حظوظ الفريق الأنجولي أمام الترجي ضئيلة للغاية، لذا يصعب توقع رؤيتهم بالنهائي، لكن إن فعلوها فسيكون الأمر معجزة بلا مبالغة.


الترجي: أحلام خالد بن يحيى

لاعبو فريقي يصنعون مجدًا للكرة الأنجولية، والفوز بتلك المباراة دليل على ذلك.

نظريًا، يبدو فريق الترجي التونسي الأكثر حظًا في الظفر باللقب، ليس لأن طريقه في العبور للنهائي أسهل من مهمة الأهلي أو الوفاق، ولكن لأن الكتيبة التونسية هي الأكثر تكاملًا وجاهزية.

يقود الترجي المدرب «خالد بن يحيى» الذي جددت إدارة النادي الثقة فيه بعد الخسارة من الأهلي بدور المجموعات، وقد أثبت بن يحيى أنه جدير بالثقة بعد تخطي عقبة النجم الساحلي بربع نهائي البطولة.

يعتمد خالد على أسلوب لعب 4/2/3/1 كالأهلي وأول أغسطس، ويحظى المدرب بمجموعة من اللاعبين الملائمين جدًا لهذا الرسم التكتيكي خصوصًا في خط الهجوم والوسط.

إذ يعتمد في مركز المهاجم على «طه ياسين الخنيسي»، ومن خلفه يلعب الثنائي «يوسف بلايلي، وأنيس البدري»، وهذا الثلاثي الهجومي يمتاز بالرشاقة والمهارة والقدرة على اختراق الدفاعات بسهولة. يلعب خلفهم على دائرة الميدان «فرانك كوم، وكوليبالي»، وهذا الثنائي الأفريقي يؤدي وظائفه الهجومية والدفاعية بكفاءة جيدة.

كما تتنوع محاولات الترجي في مهاجمة الخصوم، إذ يتمكن لاعبوه من تشكيل خطورة عبر العرضيات والكرات الثابتة، بالإضافة إلى اختراق العمق عن طريق المهارة الفردية أو نقل الكرة من لاعب للاعب بجماعية، وكذلك الهجمات المرتدة الخاطفة.

لكن ماذا عن الدفاع؟ في الحقيقة لا يمتلك الترجي خط دفاع مثالي، ففي حراسة المرمى يلعب «معز بن شريفية، أو رامي الجريدي»، وكلاهما ليس بحارس ممتاز. أما قلوب الدفاع فأحيانًا يرتكبون أخطاء في الرقابة والتغطية تتسبب في أخطاء بمرماهم، وذلك ربما يفسر لماذا يستقبل الترجي دومًا أهدافًا على ملعبه برادس، فقد تكررت تلك الأخطاء خلال مباراة الأهلي وتاونشيب والنجم أيضًا.


https://www.youtube.com/watch?v=dlDKFUAxDMM&t=106s

في فبراير/شباط الماضي وبعد انتدابه لتدريب الترجي، صرح خالد بن يحيى لـ

جريدة الصباح التونسية

بأنه يعرف جيدًا ظروف مهمته الحالية، وأن أولويته ستكون التركيز على مباريات دوري أبطال أفريقيا، وها هو يقود أبناء باب سويقة للخطوة قبل الأخيرة، فهل يحقق بن يحيى أحلامه، أم تطير البطولة للجزائر أو القاهرة؟