ربما لن تتعرف عليه أثناء تفقدك للصور الخاصة بمنتخب الكاميرون ومديره الفني الهولندي، لا تحاول أن تعيد النظر فأنت تبحث عن الشخص الخطأ كما يبدو. هو ليس بغريب على المشهد؛ لذا لا تحاول أن تبحث عن رجل أشقر بشعر أصفر كما هي عادة مدربي أفريقيا من الأجانب. إنه «كلارينس سيدورف» الهولندي الأسمر مفتول العضلات والذي يشبه كثيرًا لاعبي الكاميرون أنفسهم حتى في تلك الضحكة الصافية التي تظهر أسنانًا بيضاء مشرقة للغاية.يبدو مظهر سيدورف أفريقيًا للغاية، لكنه عندما يلعب كرة القدم يصبح أقرب للاعبي أمريكا الجنوبية. لم يعتمد على تكوينه الجسدي أثناء ممارسته لكرة القدم بل هو عقل مدبر ومهارة فائقة. وعندما يتحدث عن الكرة تجده مدربًا قديرًا مشبعًا بالتكتيكات والعقلية الأوروبية، ليبقى هو المزيج المميز من كل شيء في عالم كرة القدم.يشبه سيدورف تلك الصور التي نتوقف عندها جميعًا كدلالة على جمال اختلاط الصفات التي لا تختلط في العادة. يشبه طفلاً أسمر بعيون زرقاء أو فتاة آسيوية بشعر أشقر. نعم هكذا هو سيدورف، فبينما كانت كنية رفيقه الهولندي إدغار دافيدز «كلب البيتبول» فكنية سيدورف كانت البروفيسور. دعنا نقترب من ذلك المزيج المميز المسمى كلارينس سيدورف ونتعرف عليه.


أفريقيا – سورينام: الفرصة التي لن تتكرر

ولد كلارينس سيدورف في سورينام، تلك البلد التي لا يلتفت إليها أحد في شمال أمريكا الجنوبية، مثلها مثل تلك المناطق تم اكتشافها عن طريق المستكشفين الأوروبيين. بعد العديد من النزاعات انتهى الأمر بكون سورينام مستعمرة هولندية. تعاملت هولندا مع سورينام على كونها مستعمرة للعبيد، حيث

جلبت الآلاف من أفريقيا كعبيد

للعمل في زراعة البن والكاكاو. إلا أن هؤلاء الأفارقه تمردوا على كل ذلك واستطاعوا أن يهربوا داخل الغابات وينالوا حريتهم.ربما لذلك يبدو كلارينس ذا وجه مألوف إذا ما أحيط بوجوه الأفارقة، لكن ليس شكلًا فقط. عرف كلارينس صغيرًا قيمة أن تنال فرصة وحيدة لن تعوض لكي تصبح في وضع أفضل، تمامًا مثلما فعل جدوده في السابق.هاجر سيدورف صحبة والده إلى هولندا وهو لم يكمل عامه الثاني، وتربى سيدورف في أسرة تؤمن بالفرص. الأمس كان التمرد على الهولنديين فرصة واليوم الهجرة بينهم فرصة أخرى. كان على الجميع أن يعمل بجهد فالفرصة هنا أصعب من تمرد الجدود.أن تبدأ دومًا السباق متأخرًا بخطوة عن منافسيك هو أمر قد يحبطك في المرة الأولى، لكن مع الوقت ستعتاد بذل ضعف المجهود اللازم لكي تفوز بالسباق، ستخسر مرات عدة، ستقترب من الانتصار دون أن تدركه، لكن بمجرد فوزك بالسباق للمرة الأولى لن يستطيع أحد أن يهزمك مجددًا.هكذا تعامل سيدورف مع موهبته التي ظهرت واضحة تمامًا للجميع. هذا الولد سيصبح لاعب كرة قدم، لكنه كان يملك تصميمًا مثيرًا أن يصبح أفضل. وفي تلك المرحلة كان الأفضل في هولندا هو فريق أياكس أمستردام بالطبع.التحق سيدورف بفريق أياكس أمستردام وهو في سن صغيرة، ثم بدأ التطور بشكل مذهل. ففي عمر الخامسة عشر رفض عرضًا من العملاق ريال مدريد بعد أن تشاور مع أسرته. والمثير هنا أنه بعد سنة واحدة شارك بالفعل في الفريق الأول لأياكس أمستردام. كان عمره 16 عامًا و211 يومًا فقط، ليصبح أصغر لاعب يشارك في فريق أياكس الأول على الإطلاق.ربما كل ذلك وهب سيدورف عنصر القوة والمثابرة والذي لم يكتفِ به سيدورف أبدًا.


سيدورف ردًا

على سؤال ساخر إذا ما كان يشرب أهل سورينام ماءً خاصًا ليمتلكوا لاعبين بقوة سيدورف وإدجار دافيدز


المهارة التي تليق بالبرازيل

تألق سيدورف رفقة أياكس لمدة ثلاثة مواسم ثم قرر أن يرحل خارج هولندا عبر فريق سامبدوريا الإيطالي. لم ينتظر ريال مدريد كثيرًا ليستقدم تلك الموهبة التي وضع عينه عليها منذ سنوات. وبعد موسم وحيد مع سامبدوريا رحل كلارينس ليلتحق بصفوف فريق العاصمة الإسبانية لثلاثة مواسم. عاد بعدها إلى إيطاليا عبر بوابة الإنتر والذي فرط فيه بعد ثلاثة مواسم أخرى للغريم ميلان حيث بقي سيدورف يدافع عن ألوان الروسونيري لعشرة أعوام.جال سيدورف في ملاعب أوروبا ليبهر الجميع. شغل كل مراكز خط الوسط بلا استثناء معتمدًا على مهاراته وقوته البدنية. قدرة هائلة على الاحتفاظ بالكرة تحت الضغط ودقة مميزة في التمرير. لم ينقضِ موسم على سيدورف دون التسجيل فهو يجيد التصويب بكلتا قدميه.استطاع سيدورف أن يحقق دوري أبطال أوروبا أربع مرات مع ثلاثة فرق مختلفة «أياكس 94-95 وريال مدريد 97-98 والميلان 2002-2003 و 2007-2007» كأول لاعب كرة قدم يستطيع تحقيق ذلك الرقم الصعب.ربما كل ذلك تاريخ يحفظه الجميع عن سيدورف، لكن محطته الأخيرة مع الكرة تبدو ملهمة كثيرًا. فبعد انقضاء الموسم العاشر لسيدورف رفقة فريق أي سي ميلان حصل على بعض العروض التي تبدو مناسبة للاعب على وشك الاعتزال مثل اللعب في أمريكا أو موسم أخير مع فريق الوسط ويستهام الإنجليزي، لكن كان هناك عرض أخير لا يقدم إلا لسيدورف، لقد عرض عليه أن يلعب في الدوري البرازيلي رفقة فريق بوتافوجو.استطاع سيدورف وهو في السادسة والثلاثين أن يحيي فريق بوتافوجو العريق. ربما لم يحقق الكثير من الألقاب لكنه كان محور الفريق وتحسن أداء الفريق كثيرًا من خلاله. كان بوتافوغو يقبع في المركز السابع متواضعًا، لكن مع الوقت كان تأثير سيدورف واضحًا ليراه الجميع، الأمر الذي

دفع الصحافة البرازيلية بتشبيهه بـ جارنشيا

، البرازيلي الأكثر مهارة في التاريخ، وكان ذلك ليس كل شيء.


العقلية الأوروبية والمدرب الواعد

هناك الكثير منا، لكن أجدادنا العظام هم الذين شربوا الماء «الخاص»! نحن فقط المحظوظون الذين جنينا الفوائد.


يروي سيدورف بنفسه قصة عن تعرضه للعنف العنصري

، تلك القصص التي عادة تنتهي بأزمة بين اللاعب وزميله أو بين اللاعب والجماهير. تلتقط الكاميرات مئات المشاهد المشابهة للاعب يصرخ في وجه الجماهير أو لا يتمالك نفسه ويبدأ في ضرب زميل له، لكن سيدورف يتمتع بعقلية متفتحة للغاية. فبعد تعرضه لحادث عنصري من قبل أحد لاعبي الفريق الخصم تحدث بعد المباراة ببيان رسمي، ليس ليوضح أنه إذا تعامل اللاعبون مع بعضهم البعض بمثل هذه الطريقة، فما هي الرسالة التي نرسلها إلى العالم الخارجي؟إلا أنه يقر بأنه لقن هذا اللاعب درسًا لا ينسى حيث اقتربت زوجة اللاعب وأطفاله من سيدورف لالتقاط بعض الصور معه بعد المباراة. يضيف سيدورف في النهاية:

يمكنك أن تتخيل مدى الحرج الذي كان شعر به ، لم أقل أي شيء، لقد التفت إليه وأعطيته يدي.

أما عن كونه مدربًا واعدًا فالحديث هنا ينتقل للسيد برونو دي ميشيليس عالم النفس السابق في نادي ميلان والذي يعتبر شخصية سيدورف تتضمن مدرب كرة قدم أكثر من كونه لاعبًا فهو يقول:

لقد تحدثت معه فوجدت اللاعب بنسبة 10% والمدرب بنسبة 70% والمدير العام بنسبة 20 %. لم أرَ مثل هذه الشخصية القوية أبدًا. في كرة القدم إذا طلب المدير من اللاعبين التغوط في الملعب، فإن اللاعبين سيفعلون ذلك بلا شك. لكن سيدورف سيقول: بالتأكيد يا سيدي، ولكن ما هو اللون الذي يجب أن يكون عليه هذا الغائط؟

ربما لم يتمكن سيدورف من كتابة التاريخ كمدرب للميلان، لكن الجميع يعلم أن عوامل النجاح كانت شحيحة للغاية في تلك الفترة. وينتظر الجميع أن يسطع نجم سيدورف في عالم التدريب خاصة وهو يخوض مغامرة في أدغال أفريقيا مع فريق الكاميرون الذي ينتظره الجميع.

ربما ذلك هو مزيج سيدورف الذي لم يتوافر لأحد، مزيج أنتج لنا واحدًا من أهم لاعبي كرة القدم عبر التاريخ والذي ربما لن يتكرر مرة ثانية.