منذ 15 عامًا تقريبًا كنت أشارك كممثل عن مدرستي الإعدادية في إحدى مسابقات الطلبة المتفوقين بمنطقتي التعليمية. كانت المسابقة أشبه ما يكون بمسابقة فيلم الناظر، المتسابقون -وكان عددنا ثلاثة- على خشبة المسرح وأمامنا الجمهور من المعلمين والموجهين وكثير من الطلاب.

اجتزنا اختبارات اللغة العربية والإنجليزية والرياضيات والعلوم وغيرها بدرجات متقاربة للغاية، حتى جاء وقت اختبار المعلومات العامة. كانت معلومات مثل عاصمة سيريلانكا وارتفاع جبال الألب وعدد فقرات رقبة الزرافة، صعبة للغاية على طلاب في المرحلة الإعدادية. أعلم أنها صعبة عليك الآن أيضًا، ولكن هذا ليس موضوعنا على أية حال.

في الاستراحة اجتمع بنا -الطلاب الثلاثة- الموجه المسؤول عن مسابقة المعلومات العامة خلف الكواليس وأخبرنا بالأسئلة وإجاباتها قبل بدء تلك الفقرة. هو يعلم أننا لن نعرف إجابات الأسئلة إذا سمعناها لأول مرة على المسرح.

بدأت الفقرة، ويا للعجب، كانت أكثر الفقرات سخونة وتفاعلًا وتصفيقًا من المعلمين والطلاب الحاضرين. الطالبان اللذان يتنافسان معي على المسرح يأخذان وقتًا للتفكير في الأسئلة وكأنهما يسمعانها لأول مرة. حتى الموجه يوجه الأسئلة بصرامة وحِدة، وكأن شخصًا آخر كان يقف معنا خلف الكواليس منذ دقائق.

الجميع كان يعلم أن جزء المعلومات العامة بالمسابقة كان مجرد مسرحية هزلية. نحن الطلاب المتنافسون ومندوبو مدارسنا، والموجه واضع الأسئلة، ومدير المنطقة التعليمية، ومنسقو المسابقة. جميع عناصر مشهد تعلم ذلك باتفاق ضمني غير معلن بينهم. الجميع يعلم الحقيقة إلا عنصر واحد فقط: الجمهور الحاضر في المسرح!

صادق أم كاذب؟

منذ أيام طفا على سطح السوشيال ميديا التريند الرياضي الأكبر منذ وقت طويل. فاروق جعفر يصرح أن الحكام الأفارقة كانوا يجلسون معه في الغرف المغلقة قبل مباريات نادي الزمالك المصري بالبطولات الأفريقية ليخيروه إذا ما كان يريد ضربة جزاء أم طرد أحد لاعبي المنافس، و بقية الحديث يعرفها الجميع.

اندهش المحاور من تصريحات جعفر، فشعر ملك النص أن ثمة شيء لم يكن يجب أن يُقال فتوتر فحاول استدراك الأمر فقرر تعميم القاعدة على جميع الأندية المصرية، بل وشكك في نزاهة صعود مصر لمونديال إيطاليا 1990 أيضًا!

هل فاروق جعفر صادق أم كاذب؟ في الحقيقة لا أحد يستطيع أن يجزم بالإجابة. فللأمر احتمالان، أولهما أن ما قاله لاعب الزمالك السابق صحيح 100%، فالاعتراف سيد الأدلة.

أما الاحتمال الثاني هو أن فاروق كعادته حاول أن يضفي هالة من الغموض على حدث تافه قد يكون مرّ به أو سمع عنه من أحد زملائه ذات مرة في مسيرته ولكن الأمر قد كبر منه بشكل لم يتوقعه.

من يتابع فاروق جعفر باستمرار على شاشات الفضائيات يعلم أن له لزمة شهيرة عند الكلام عن أي حدث في تلك الحقبة. تجده ينهي حديثه بشكل مفاجئ في منتصفه وهو يقول: (خلاص بقى) ثم يضع باطن يده اليمنى على وجه يده اليسرى مبتسمًا.

يوحي ذلك للمشاهد بأن هناك شيئًا كبيرًا وغامضًا، ويجعل الجميع يذهب بخياله بعيدًا. لكن في أغلب الظن أن الحدث أتفه من ذلك بكثير ولكنها هالة الغموض التي تعزز من شعور صاحبها بالرضا عن النفس عندما يرى الفضول والاهتمام في أعين الناس.


كابتن / أسامة خليل … لا نصدق فاروق جعفر أبداً

Gepostet von

Mohamed Abdel Hakam

am

Montag, 20. Juli 2020

إن كنت ترى أن هذا الاحتمال الثاني بعيد فقط عليك أن تشاهد هذا المقطع الذي نشره الإعلامي «محمد عبد الحكم» من قناة النيل الإخبارية قبل أسبوع كامل من تصريحات جعفر.

فاروق جعفر تسمع له بس متصدقهوش. ممكن يفرقعلك 20 قنبلة في قعدة كدة بس كلها قنابل هواء. دي طبيعة فاروق جعفر من أيام ما كنا في الكلية.





نجم الكرة المصرية السابق أسامة خليل قبل أسبوع من تصريحات فاروق جعفر المثيرة.

الانشقاق بدون اتفاق

دعنا الآن من إشكالية صدق فاروق جعفر في حديثه من عدمه، لنعد سويًا إلى مشهد الطلاب الثلاثة الذين كانوا على المسرح في إحدى مسابقات منطقتهم التعليمية.

دعنا نتخيل أن أحد الطلاب كان قد قرر قلب الطاولة على الجميع بدون مبرر والإفصاح عما حدث وأن تلك الأسئلة قد تم إخبارهم بها منذ دقائق في الكواليس. في أغلب الظن ستجد جميع الحاضرين يشكك في رواية الطالب. لماذا؟ لأنه قد خرج عن الاتفاق الضمني بينهم دون اتفاق مسبق. عفوًا، هو اتفاق مباشر وصريح وليس ضمنيًا.

الاتفاق الضمني هو ما يحدث بين جميع عناصر اللعبة في مصر. اللاعبون ورؤساء الأندية واتحاد كرة القدم والحكام. الجميع يعلم أننا في مسرحية. اللاعبون يدعون الانتماء وبذل الدم والعرق من أجل الكيان، تمامًا مثل الطالبين اللذين تفاعلا مع الأسئلة وكأنهما يسمعانها لأول مرة.

والحكام كمحكمي المسابقة، ورؤساء الأندية كمندوبي المدارس الذين كانوا على علم بتسريب أسئلة فقرة المعلومات العامة، واتحاد الكرة بالطبع مدير المنطقة التعليمية.

وهذا هو تحديدًا ما جعل أشخاصًا لهم باع طويل من خرق الأخلاقيات والفضائح يهاجمون جعفر بهذا العنف والسرعة.

خرج جعفر عن الاتفاق الضمني غير المعلن بينهم. شعروا أن الخطر قد يطولهم وأن سلسلة الفضائح قد تمتد لتنال من تاريخهم، تاريخهم الذي لم يبقَ لهم غيره قد يستروا به سقطاتهم المتتالية من بعد الاعتزال.

جمهور المسرح أم جمهور المدرج؟

الغريب في الأمر أن كل عناصر اللعبة تعلم أنها في مسرحية، إلا الجمهور. لا زال الجمهور يتفاعل ويصفق ويهتف بعنف غريب، تمامًا كجمهور المسابقة في مسرح المنطقة التعليمية.

قبل ثورة 25 يناير بخمسة أعوام وبعدها بعامين أو ثلاثة، لم يكن القطاع الأعرض من الجمهور على هذا القدر من السطحية وعدم الوعي. صحيح أن لافتات الأولتراس في المدرجات كانت عنيفة أحيانًا، إلا أنها كانت ضريبة مقبولة نوعًا ما أمام وعي هذه النوعية من الجماهير. وعي جعلهم يرفعون من يستحق فوق أعناقهم، وسحق من يحاول خداعهم مهما قال وفعل.

وعي جمهور كرة القدم في إنجلترا سبب رئيسي في جعل البريميرليج الأقوى حول العالم. لا يتم تسليط الضوء على هذا السبب بشكل كافٍ. صحيح أن العنف لم ينتهِ وأحداث العنصرية لم تختفِ، لكن وعي الجماهير بالصواب والخطأ وعدم انخداعهم ببريق كرة القدم شيء يستحق التقدير.





بارني روني المحرر بجريدة الجارديان البريطانية.

في زمن الأولتراس لم يكن أحمد شوبير ليستطيع أن يخدعهم بعشرات الحلقات بمدح صالح سليم بعد أن هاجمه أشد الهجوم في حياته واتهمه بسرقة أموال الأمراء العرب المهداة للنادي والسيوف الذهبية التي أهدوها له. هم يعلمون أن معارك شوبير شخصية بحتة ولا يتورع أن يهاجم أي شخص داخل جدران الجزيرة إذا كان ذلك في مصلحته.

لم يقولوا ما يقوله جمهور السوشيال ميديا الآن: «حب شوبير أو اكرهه براحتك بس هو مبيقدرش يشوف حد بييجي على الأهلي ويسكت».

في زمن الأولتراس لم يكن أي من شرائح جماهير النادي الأبيض من الشباب ليقدر أن يدافع عن مرتضى منصور ولو بشكل غير مباشر وعلى استحياء. لم يكن أي من رموز النادي السابقين ليجرأ أن يوالي المستشار العجوز بهذا الشكل المخزي. كانوا سيخافون من الجمهور أكثر من خوفهم من المستشار.

في زمن الأولتراس لم يكن الجمهور ليقتنع بتلك المسرحيات الهزلية من عناصر المشهد. لم يكن جمهور المسابقة يصفق ويصرخ إعجابًا بأسئلة تم إعداد إجاباتها من قبل، كما يحدث الآن.

وما الحل؟

الوضع في كرة القدم المصرية شديد التعقيد. عناصر المشهد الذين أعدوا أسئلة المعلومات العامة من قبل مسيطرون بشكل مطلق.

الطفل الذي كان عمره 10 سنوات قبل الثورة صار عشرينيًا الآن وصار يصفق ويشجع أيًا من عناصر المسابقة سواء كانت المسابقة حقيقية أو مزيفة؛ لأن من كان يستطيع التفريق قد اختفى من المشهد مجبرًا. من كانوا يفسدون المسرحية وهي لا زالت في مرحلة البروفات إما في السجون أو معتزلون للتشجيع تمامًا.

ما الحل؟ لا أحد يعرف. ولكن يبدو أن في المستقبل القريب لن يكتفي عناصر المسابقة في المنطقة التعليمية بتسريب أسئلة المعلومات العامة فقط. سيسربون اللغة العربية والرياضيات والعلوم … إلخ.

العالم كله صار معترفًا الآن بتحول كرة القدم إلى صناعة، سلعة ثمينة ورائجة. ما فعله فاروق جعفر جعلنا ننتبه في مصر أن الجمهور هو السلعة وليست كرة القدم.