سمعت هذه القصة عن سمكة. تذهب إلى سمكة أكبر سنًا وتقول: «أحاول العثور على هذا الشيء الذي يسمونه المحيط». ردت عليها السمكة الكبيرة في تعجب: «المحيط؟ هذا ما أنتِ فيه الآن». لتندهش السمكة الصغيرة «هذا!! هذا هو مجرد ماء. ما أريده هو المحيط!».





أحد أهم الحوارات في

فيلم «Soul»


قبل أن تنتهي أحداث فيلم «Soul»، الذي أنتج عام 2020، حكت «دوروثيا ويليامز»، إحدى الشخصيات المحورية في الفيلم، هذه القصة عن السمكة الصغيرة التي ظلت تبحث عن شيء كبير بالنسبة لها يسمى «المحيط». في إجابة عن الفراغ الذي شعر به البطل «جو جاردنر» بعدما حقق أحد أهم أحلامه.

كان لي الحظ في مشاهدة ذلك الفيلم في نفس الفترة تقريبًا التي صعد فيها المدير الفني الأرجنتيني «ماوريسيو بوتشيتينو» منصات التتويج لأول مرة في تاريخه التدريبي. بعدما أصبح مدربًا لفريق باريس سان جيرمان. الآن يمكننا أن نكتشف قصة المدرب الذي عاش حياته بالكامل كسمكة صغيرة تبحث عن المحيط، وهو الآن في المحيط فعلًا، فهل يشعر بتغير؟

محيط سباقات السرعة

وصل العملاق الباريسي لنهائي دوري أبطال أوروبا في نسخة 2019/2020، ولسوء الحظ، واجهوا نسخة متوحشة من بايرن ميونخ في آخر مباراة، في آخر خطوة قبل أهم حلم تعيشه إدارة النادي القطرية في كل صباح، وفي مطلع كل موسم. والذي يمكن من أجله التضحية بكل شيء، حتى المدرب الذي تمكن من بلوغ تلك الخطوة.

عقب انتهاء تلك النسخة، صدر

التقرير الفني من الاتحاد الأوروبي

لكرة القدم، والذي يلخص عدة أرقام تخص البطولة. كان على رأسها، أسرع سباقات عدو خاضها لاعبو هذه النسخة. والتي يمكن أن تكتشف منها كم يوفر باريس سان جيرمان «محيطًا» واسعًا مناسبًا للركض.

تلاحظ في تصنيف

أفضل 10 أرقام قياسية

في السرعة خلال هذه البطولة، أن للفريق الفرنسي التواجد في 8 مرات من أصل 10. مرة واحدة على رأس القائمة، بسباق خاضه المهاجم الشاب، «كيليان مبابي»، بعدما ركض بسرعة 33.98 كيلو متر/ساعة، والمرات السبع الأخرى كانوا ضد دفاعاتهم.

حيث نجح 7 لاعبين في الدخول لقائمة أفضل 10 أرقام قياسية في سرعة الركض بدوري أبطال أوروبا عام 2020، بفضل الضعف الدفاعي، أو ثغرة ما في دفاعات فريق باريس سان جيرمان. وثغرة أخرى في عقول لاعبيه، أولًا، دعنا نتحدث عن تلك الواضحة.


كيفية صنع «جوارديولا» في المنزل

لا يخفى على أحد أن مدرب باريس سان جيرمان السابق، «توماس توخيل» يشبه في كثير من أفكاره وفلسفته، المدرب الإسباني «بيب جوارديولا»، لكن الأكيد أن كليهما لا يتشابهان في اختيار طريقة الضغط.

يفضل مانشستر سيتي، أو أي فريق يتولى قيادته بيب، توجيه الخصم الحامل للكرة إلى منطقة معينة من الملعب، هي المفضلة للضغط، وتختلف تلك المنطقة في كل مرة باختلاف الخصم، فأحدهم يفقد الكرة بسهولة عند قلبي الدفاع، فيتم تركيز الضغط لتوجيه دفة اللعب إلى هناك، والآخر يخسرها عند الظهير الأيسر..إلخ.

لكن في سياسة توخيل، فهو

يفضل الضغط الفردي

، رجل ضد رجل «Man to man»، يفسر ذلك نسبيًا سبب استخدامه للبرازيلي «ماركينيوس» في وسط الملعب، حيث يتواجد في أغلب الأحيان ثنائي وسط ملعب باريس سان جيرمان خلف ثنائي ارتكاز الخصم، وذلك لإراحة ثلاثي المقدمة من عملية الضغط المجهدة لسبب واضح، سنزيد توضيحه فيما بعد.

يواجه ذلك الضغط الفردي مشاكل عدة أهمها، أنه يطلب من لاعبي الخط الدفاعي التقدم لمناطق متقدمة للغاية في عملية الضغط على مهاجمي الخصم عند خروجهم من منطقة الجزاء. يظهر ذلك بوضوح أكثر في متوسط تمركز لاعبي باريس والصادر في نفس التقرير الفني من الاتحاد الأوروبي.

باريس سان جيرمان، دوري أبطال أوروبا، توماس توخيل، ماوريسيو بوتشيتينو،
متوسط تمركز لاعبي باريس سان جيرمان في دوري أبطال أوروبا 2019/2020

يمكنك اكتشاف الفارق في

متوسط تمركز لاعبي الفريق الفرنسي

بين فترات حيازة الكرة والظاهرة باللون الأخضر تقريبًا، وبين فترات خسارتهم للكرة والظاهرة باللون الأبيض.

ولو اتفقنا على أن الكرة تنقسم إلى 4 محاور، الدفاع، والهجوم، والتحول من الدفاع إلى الهجوم، والتحول من الهجوم إلى الدفاع، فإننا نتفق ضمنيًا أن فريق باريس خاسر لنصف هذه المحاور بالضبط، على الأقل.

يترك ظهيرا الطرف بالأخص مساحات شاسعة من خلفهم لا يمكن بأي حال من الأحوال تغطيتها من قبل متوسطي الميدان، المشاركين بالأصل في عملية الضغط الفردي المتقدم، ولا ثنائي قلبي الدفاع. بالتالي هي فرصة سانحة للغاية لسباقات عدو يخوضها مهاجمو الخصوم. الغريب الآن، أن بوتشيتينو يقوم بطريقة مشابهة في الضغط تقريبًا.

أثرياء بأكياس من الرمل

يكمن التشابه بين النسختين تحديدًا في تحرك ظهيري الطرف لتقديم جزء من الضغط في المناطق المتقدمة من الملعب. يمكن أن نأخذ مباراة أياكس ضد توتنهام في نصف نهائي نسخة 2018/2019 كمثال، واسمح لنا أن نتغاضى عن المباراة النهائية ضد ليفربول، لأنها كانت واحدة من أسوأ مباريات المدرب الأرجنتيني، تحديدًا على مستوى الضغط.

باريس سان جيرمان، دوري أبطال أوروبا، توماس توخيل، ماوريسيو بوتشيتينو،
جانب من عملية ضغط ظهيري الطرف في توتنهام تحت ولاية ماوريسيو بوتشيتينو

تُظهر الخريطة الحرارية لضغط لاعبي توتنهام حركة ضغط مكثفة على طرفي الملعب، بالأخص في نص ملعب الخصم، مع ذلك لا يمكن إهمال وجود جانب من الضغط أسفل تلك المنطقة في النص الدفاعي لتوتنهام، وهذا الفارق بين لاعبي توتنهام ولاعبي باريس سان جيرمان، فارق ذهني على ما يبدو.

يشير

معدل المساحة التي يغطيها لاعبو

بي أس جي خلال مباريات بطولة 2019/2020 إلى 104 كيلو متر في كل مباراة، وهو المعدل الأقل بين 32 فريق شاركوا في هذه النسخة من البطولة. هذا يؤكد أن لاعبي الفريق إما أنهم لا يقومون بنص المهمة، يعني يدافعون ولا يخرجون للهجوم، أو يهاجمون ولا يعودون للدفاع، أو أن بعضهم لا يشارك في جزء كبير من العمليتين.

تلك هي الثغرة الموجودة في عقول لاعبي باريس سان جيرمان، والتي فشل توخيل في القضاء عليها. عندما تحدث توخيل عن فلسفته في كرة القدم، لم يجد أفضل من الحديث عن برشلونة وجوارديولا. ومع ذلك، فهو

لا يفضل لاعبين لأمثال إنييستا وبوسكيتس

.

لكنه في الوقت نفسه معجب بتواضع وتفاني هؤلاء النجوم الكبار، الذين لا يعتبرون أنفسهم أفضل من أن يركضوا أميالًا إضافية على أرض الملعب لتطبيق الضغط العكسي المعتاد لاستعادة الكرة. لا نحتاج هنا للتأكيد على فشل المدرب الألماني في إيجاد تلك الميزة في باريس. لكن هل تعرف آخر معدل قام به لاعبي بوتشيتينو في نفس البطولة؟


حقق توتنهام ما معدله 112.816 كم

، وكانوا سادس أكثر فريق ينجح في تغطية مساحات خلال مباريات البطولة نسخة 2018/2019. ولا يوجد دليل واحد على أن الأرجنتيني قادر على كسر تلك النظرية في عقول لاعبي النادي الفرنسي. لأنها أشياء تحدث بسهولة في المحيطات، والتي لم يعتد عليها الأرجنتيني.


أهلًا بك في المحيط

عاش توتنهام وساوثهامبتون سنوات من المجد في ظل إدارة الأرجنتيني، تعدلت فيها نظرة العالم لتلك الفرق تحت ولايته، وبات يُنظر لهم كفرق متنافسة فعلًا. وهو ما لا يحتاجه فريق باريس سان جيرمان، لكن كل ما في فرنسا كان يفتقده ماوريسيو بوتشيتنو.

فريق كبير، قادر على الصرف، بطموح أكبر من المنافسة فقط على الألقاب المحلية، ومزيد من الألقاب وارتقاء سلم المجد، وها هو ذا، الأرجنتيني داخل المحيط بأقدامه، فهل يكتشف فجأة أن المحيط ما هو إلا مجرد مياه عادية تمامًا، بل أقل سوءًا في فرنسا.

في ليلة إقالة توخيل من باريس،

تساءل مستاءً

إذا ما كان مدربًا، مسؤول عن كرة القدم، أم أنه وزير للرياضة؟ ما انفك يؤكد الألماني على غياب كرة القدم بمعانيه الطبيعية عن هذا النادي. ففيه يأخذ «نيمار» أجازات وقتما يُحب، بالطريقة التي يحب،

ينظم الحفلات

ويكسر الحجر الصحي… إلخ.

وفق ما يراه محلل جريدة جارديان الإنجليزية، «

جوناثان ليو

»، فإن مهمة بوتش في باريس أن يجد طريقة لتسخير لاعبين من غير المرجح أن يكونوا مستعدين للتضحية بأنفسهم من أجله ومن أجل الفريق ومن أجل كرة القدم في الأساس.