قبل الانتخابات كان هناك بعض التغيرات الإيجابية في السياسة الخارجية التركية نحو الأزمة السورية. هناك الآن إشارات ناشئة بأن الموقف التركي يتقارب ببطء من ذلك الخاص بالولايات المتحدة بشأن التعاون مع الأكراد السوريين

في الصراع

ضد الدولة الإسلامية.


القرار الذي اتُخذ يوم الخميس

بفتح قاعدة انجرليك الجوية التابعة لحلف الناتو للطيران الأمريكي والطائرات بدون طيار، والذي يأتي تماما قبل الهجمات الفعلية لداعش على تركيا والتي أسفرت عن مقتل ضابط صف وإصابة جنديين، هو تطورٌ شديد الأهمية. بالترافق مع ذلك، يؤكد تقديم تأمينا أكثر صرامة على طول الحدود السورية، و

الذي يتضمن

بناء “جدارا هيكليا”، وتعزيز الأسلاك الشائكة، وبناء خنادق إضافية؛ أن أنقرة مستعدة للعمل بشكلٍ أوثق مع حلفائها الغربيين.

لكن السؤال الأكبر هو ما إذا كانت الحكومة القادمة التي ستنتج عن انتخابات يونيو سوف تتحرك وفق تلك الخطوط السياسية أم لا. يسيطر حزب العدالة والتنمية حاليا على 258 مقعدا (من مجموع 550 مقعدا) – أقل بـ18 مقعدا عن الأغلبية البسيطة التي يحتاجها لتشكيل الحكومة منفردا. لدى رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو حتى 28 أغسطس لتشكيل تحالف، وإما سيكون لدى الرئيس رجب طيب اردوغان الحق الدستوري في الدعوة لانتخاباتٍ مبكرة. يستكشف رئيس الوزراء حاليا تلك الإمكانية مع حزب الشعب الجمهوري. إذا فشلت تلك المحادثات، فمن المتوقع أن يحاول مع حزب الحركة القومية. لا يُرى حزب الشعوب الديمقراطي كشريكٍ محتمل.

بالطبع ليست الأزمة السورية هي “الأزمة” الوحيدة التي سيكون على الحكومة الجديدة التأقلم معها. نفَّر نهج تركيا تجاه المنطقة عددا من الدول، والآن من المرجح أن تقود “اتفاقية السلام” الإيرانية مع بلدان خمسة زائد واحد تركيا إلى عزلةٍ أكبر. أدى ذلك الوضع إلى إقصاء الاستثمارات وفقدان الاقتصاد لديناميكيته السابقة. مازالت عملية انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي متوقفة؛ الصراعات في قبرص وأرمينيا مازالت عصية على الحل؛ هناك ايضا “السؤال” الكردي الذي مازال لم يتم “إجابته” بصورةٍ مناسبة. سوف يكون على أحد التحالفات التصدي لتلك القائمة الطويلة من التحديات الاقتصادية وتحديات السياسة الخارجية؛ لذا فإنه من المهم دراسة أيٍ منها سيكون على قدر المهمة أكثر من الآخر.

الشراكة مع القوميين

فيما يتعلق بالعلاقة مع “الغرب”، فإن تحالفا مع حزب الحركة القومية من المرجح ألا يحدث تغيرا كبيرا في سياسة تركيا الخارجية الحالية. يدعم دولت بهجلي، رئيس حزب الحركة القومية، عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي من حيث المبدأ؛ لكن هل سيفي بهذا أم لا هو أمر قابل للمناقشة. فبعد كل شيء، كان الخلاف حول الاتحاد الأوروبي هو الذي دفعه إلى الانسحاب من حكومةٍ ائتلافية عام 2002، الأمر الذي استدعى انتخاباتٍ مبكرة وجلب حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في نهاية العام. بالإضافة إلى ذلك، فإن البرنامج الانتخابي لحزب الحركة القومية ركز أكثر على القوقاز والشرق الأوسط والبلقان. فقط سطرين تم تخصيصهما لمناقشة شؤون الاتحاد الأوروبي.

تشارك حزب العدالة والتنمية مؤخرا موقف حزب الحركة القومية الفاتر تجاه الاتحاد الأوروبي. رغم أن داود أوغلو يؤكد باستمرار على مركزية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لأجندة السياسة الخارجية التركية، فإن حكومته كانت لا مبالية تجاه تطبيق إرشادات الاتحاد الأوروبي للعضوية. على سبيل المثال، فقد كان في فترته كرئيسٍ للوزراء أن شهدت تركيا تبني تشريعا جديدا فرَّغ بالأساس بعض الإصلاحات الليبرالية السابقة المتعلقة بالاتحاد الأوروبي من محتواها. في عهد تحالفٍ لحزبي الحركة القومية والعدالة والتنمية، من المرجح أن يستمر هذا النمط. من الجدير بالتذكر أيضا أن كلا الحزبين سوف ينتهي بهما الأمر للتنافس على نفس قاعدة المصوتين القومية الإسلامية، والتي هي غير مؤيدة عادةً لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. من غير المرجح أن يدفع مثل ذلك التحالف نحو إحياء مفاوضات العضوية مع الاتحاد الأوروبي.

قد يعمل صعود النغمة القومية في غير صالح حل الصراع القبرصي.

يجادل

بهجلي بأن الحل ينبغي أن يقوم على قبول وضع “المنطقتين، المجتمعين، والحكومتين” في الجزيرة. يضع ذلك بهجلي في خلافٍ مع الرئيس التركي لشمال قبرص مصطفى اكينجي، والذي يدعم إعادة توحيد الجزيرة.

أثارت رؤية اكينجي للجزيرة، والتي تتضمن استقلالا أكبر عن تركيا، دوما حنق حزب العدالة والتنمية. لذا فمن غير المرجح أن يعود داود أوغلو إلى دعم إعادة توحيد الجزيرة كما فعل يوما عندما كانت سياسة “صفر مشاكل مع الجيران” الخاصة به في أوجها: في عام 2004، دعم داود أوغلو قرار الأتراك القبرصيين بالتصويت لصالح خطة عنان الخاصة بالأمم المتحدة والتي طُرحت للاستفتاء.

فيما يتعلق بالسؤال الكردي، فإن شراكةً بين حزبي الحركة القومية والعدالة والتنمية ربما “تنهي” الانفتاحة الكردية للخير. تلك “الانفتاحة”، والتي أطلقها أردوغان عام 2012، حاولت صياغة حلا سياسيا للمشاكل الكردية – وهو جهدٌ انتقده بهجلي طويلا. يعارض بهجلي أيضا أي محاولاتٍ

قد تقود إلى

“تفتيت الوحدة الوطنية إلى هوياتٍ عرقية وسياسية وقانونية”. هو مؤمنٌ بأن “الانفتاحة” سوف تقود إلى حكمٍ ذاتي مناطقي لأكراد تركيا، وتحقق خروجا غير مقبول عن الدولة التركية الموحدة.

من المرجح أن يتلقى هذا دعم أردوغان، أيضا. منذ نجاح حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات يوم السابع من يونيو (والذي يُعتقد أنه كلف حزب العدالة والتنمية فوزه)، تبنى اردوغان موقفا أكثر تشددا بشأن القضية الكردية. الآن بما أن القوميين الأكراد الذين تربطهم صلات وثيقة مع حزب العمال الكردستاني، المنظمة الكردية الانفصالية الراديكالية، قد أنهوا الهدنة التي ظلت قائمة منذ عام 2012، فإنه من غير المرجح أن يصبح حزب العدالة والتنمية

قادرا على الاستمرار

في دعم فكرة التسوية السياسية.

الأمر الأكثر إثارة للقلق، أن أيا من الحزبين ليس واضحا بشأن اتجاه السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط. كلاهما يتصور تركيا كزعيمٍ بلا منازع للمنطقة، لكنهما لا يحددان نوع القيادة التي تستطيع تركيا توفيرها. تعيش تركيا في الوقت الراهن حالةً من الصراع العميق مع مصر وإسرائيل وليبيا وسوريا واليمن، و

ليس لديها علاقات دبلوماسية

على مستوى السفراء مع أيٍ منهم. ربما يدعو «بهجلي» إلى تحسين العلاقات مع مصر، نظرا للنفوذ التقليدي للأخيرة في العالم العربي، لكن من غير الواضح كيف سيدير ائتلافٌ لحزب العدالة والتنمية والحركة القومية العلاقات مع الدول الأربع الأخرى.

أما الأمر الأكثر إثارة للقلق على الإطلاق فهو صمت حزب الحركة القومية بشأن الأزمة السورية. فهو يطرح فقط ضرورة الدفاع عن الأمة ضد التهديدات الأمنية، ولكنه يفشل في توضيح كيف ستتعامل قيادته مع الدولة الإسلامية أو ما إذا كان سيتم التعاون مع الأكراد السوريين ضد التنظيم. وبناءً على نفور حزب الحركة القومية من أي هوية سياسية كردية، فإن هذا الائتلاف

قد يصل حتى إلى التدخل عسكريا في سوريا

لمنع تشكيل دولة كردية في المنطقة.

كما تمت الإشارة أعلاه، قد يكون حزب العدالة والتنمية يتبع نهجا تعاونيا تجاه الأكراد السوريين والولايات المتحدة، رغم ذلك لا يزال فصيل داخل الحزب يختلف مع أي شيء

يحيد

عن الخط الذي وضعه «أردوغان» بنفسه. في حال تحقق تحالف بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، فإن تفضيلات هذا الفصيل بعينه قد تسود بشكلٍ جيد ويتراجع عن التغيرات الأخيرة في سياسة تركيا الأمنية.

ملامح شراكة مع حزب الشعب الجمهوري

في كثيرٍ من النواحي، لدى هذا التحالف إمكانية تحويل تركيا إلى خطٍ أكثر براجماتية. أولا وقبل كل شيء، من المتوقع أن يستكشف حزب الشعب الجمهوري سبلا جديدة للتعاون مع «الغرب» وخاصة مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في المقام الأول. في ضوء استطلاعات الرأي الأخيرة، من المرجح أن يقدِّر الجمهور التركي التزاما قويا بهذه المؤسسات. يلعب هذا الموقف أيضا دورا بناءً فيما يتعلق بجهود

رفع مستوى الاتحاد الجمركي

وإحياء مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

يركز حزب الشعب الجمهوري أيضا على إنهاء العزلة التركية المتنامية في المنطقة. ينبغي أن يدفع هذا القيادة إلى التغلب على المأزق الدبلوماسي مع جيرانها – وهي خطوة مهمة ليس من المؤكد أن يتبناها ائتلافٌ بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية.

أولا وقبل كل شيء، سيكون هناك دعوة لوضع حد للتدخل في الشؤون الداخلية لمصر عبر تبني قضية قيادة الإخوان المسلمين، التي أطاح بها الانقلاب العسكري المصري عام 2013. وإذا ما نجح ذلك الأمر، ووصل إلى مستوى إعادة العلاقات الدبلوماسية رفيعة المستوى مع القاهرة، فإن هذا قد يحسن أيضا العلاقات الاقتصادية مع مصر في وقتٍ تتقلص فيه أسواق التصدير التركية. علاوة على ذلك، فمن المتوقع أن يعمل حزب الشعب الجمهوري على “تطبيع” العلاقات مع إسرائيل، والتي دخلت العلاقات معها في حالة

جمودٍ دبلوماسي

منذ حادث مافي مرمرة في يونيو من عام 2010.

وفيما يتعلق بالأزمة السورية، فقد تكون هناك تطوراتٍ إيجابية في الانتظار. وفقا ل

برنامجه الانتخابي

، فإن حزب الشعب الجمهوري “يقف تماما ضد المنظمات الإرهابية التي ترسخ أنفسها على الأراضي التركية”، وهو انتقادٌ واضح للممارسات الرخوة على الحدود من إدارة حزب العدالة والتنمية، خاصةً تجاه الدولة الإسلامية. ذلك الموقف الأكثر صرامة ضد الدولة الإسلامية، الذي يكمل التغيرات الأخيرة في سياسة داود أوغلو بشأن سوريا، يمكن أن يُبقي سياسات تركيا في حالة اتساق وتناغم مع تلك التي يتبناها الحلفاء الغربيين، وتذيب الجليد المتراكم على علاقات تركيا مع واشنطن.

أما بشأن النزاع في قبرص، فإن حزب الشعب الجمهوري يتبنى خطا أكثر تقليدية. يصمم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو على حتمية حصول التقسيم الدائم للجزيرة على اعتراف دوليٍ، بدلا من الجانب اليوناني فقط. كما أنه قوميٌ متعنت فيما يخص قضية المصالحة مع أرمينيا، حيث يشترط أن تتوقف جماعات الضغط الأرمنية عن “مهاجمة” تركيا عبر “التأكيدات المستمرة على الإبادة الجماعية”. لكن بدعم أصواتٍ أكثر اعتدالا في حزب الشعب الجمهوري، قد يكون لدى داود أوغلو فرصة كي يعيد إحياء سياسة “صفر مشاكل مع الجيران” الخاصة به، علاوةً على العثور على صيغة يكسر بها الجمود بشأن الصراع القبرصي (أي إعادة استكشاف خطة عنان الخاصة بالأمم المتحدة)، وتطبيع العلاقات مع أرمينيا.

بينما نمضي قدما للأمام

أعلن أردوغان بوضوح عن تفضيله لما أسماه “إعادة” الانتخابات، والتي ربما يتم إجرائها في شهر نوفمبر المقبل. يأمل أردوغان أن تمكن مثل تلك “الإعادة” حزب العدالة والتنمية من الحصول على ما يكفي من الأصوات لتشكيل حكومة بمفرده. لكن استطلاعات الرأي

تشير إلى أن أي انتخاباتٍ مبكرة

في هذا التوقيت قد لا تغير من شكل الصورة كثيرا. وقد جادل بعض قادة حزب العدالة والتنمية، مثل بولنت أرينج، بأن إجراء انتخابات في نوفمبر سيكون مضيعةً للوقت والمال، و

أن الأفضل

هو احترام إرادة الناخبين كما هي.

في مواجهة هذه الفوضى التي تسود المنطقة، فإن غياب حكومة يكلف تركيا سياسيا واقتصاديا. إن الهجوم الأخير في سروج، فضلا عن الاشتباكات المتكررة عبر الحدود هذا الأسبوع مع الدولة الإسلامية، هي أيضا تذكيرٌ صارخ بالتهديدات المتزايدة للأمن القومي التركي. هناك حاجةٌ إلى حكومةٍ قوية للتصدي لتلك التحديات، وتبدو شراكة بين حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري هي الأكثر قدرة على القيام بذلك.

ومع أجندةٍ خارجية مستعدة لإعادة النظر في سياسة “صفر مشاكل مع الجيران” الخاصة بداود أوغلو والتي كانت ناجحة يوما، ولإدخال تركيا أكثر إلى الحظيرة الغربية، فإنها

سوف تخدم أكثر

الاحتياجات الأمنية لتركيا والجوار. كما سيرسل الاستقرار الإقليمي الكبير الرسالة الصحيحة إلى المستثمرين، ويجذب رأس المال اللازم لإنعاش الاقتصاد وتحقيق معدلات النمو التي كانت يوما موضع حسد من العالم.

سوف يكون على القيادتين الآن أن يعملا بجِد لإثبات قدرتهم على التوصل إلى حلولٍ وسط وتجاوز مصلحتهم الحزبية الضيقة، وهما صفتان من المعروف عدم توافرهما بغزارة في السياسة التركية.


المصدر

*ترجمة فريق موقع راقب