علينا أن نتعلم العيش معًا كإخوة، أو الفناء معًا كأغبياء

تلخِّص هذه الجملة -التي قالها «مارتن لوثر كينج» حالة التمييز العنصري التي عانى منه السود في الولايات المتحدة منذ استقدامهم من أفريقيا للعمل كعبيد. فلقد عانت الولايات المتحدة منذ استقلالها من ظاهرة العنصرية والتمييز العرقي، وأعطى القانون الأمريكي امتيازات وحقوق للأميركيين البيض دون سواهم سواء من المواطنين الأصليين أو ذوى البشرة، واستمرت حالة التفرقة تتزايد مع مرور الوقت حتى وصلت إلى ذروتها خلال النصف الثاني من القرن الماضي.كل هذه الظروف ساعدت على ظهور عدد من الشخصيات والحركات التي طالبت بإنهاء سياسات التمييز العنصري العرقي، ويعتبر إحدى أشهر هذه الشخصيات «مالكوم إكس» أو «مالك شباز» الذي امتازت تجربته في محاربة العنصرية بالطابع الديني مما جعلها مختلفة عن باقي تجارب مناهضة العنصرية وأشهرها تجربة نيسلون مانديلا في جنوب أفريقيا.وحتى بعد أن تم حظر التمييز العنصري الرسمي وأصبح غير مقبول اجتماعيا؛ ظلت السياسة العنصرية ظاهرة رئيسية واتخذت أشكالًا أكثر حداثة، وهو ما دفع الكثير من منظمات الإنسان الدولية والأمريكية إلى القول بأن التمييز العنصري يتخلل جميع نواحي الحياة في الولايات المتحدة.


أمة الإسلام

أحسب أنه ما من أمريكي أسود قد غاص عميقا في الوحل كما فعلت، وما من أسود كان أشد جهلا مني ولا تألم أكثر مني وبلته الحشرجة التي ابتلتني ولكن النور الوضّاء الصافي لا يتلألأ إلا بعد ليل عميق شديد الحلوك. والفرح الأكبر لا يتفجر في جوانب النفس إلا بعد أعظم المصائب ويجب على الإنسان أن يكون قد عرف العبودية والسجن لينعم بالحرية

بهذه الكلمات وصف مالكوم إكس حياته المليئة بالأحداث والمتناقضات والتي جعلت من تجربته نموذجا فريدا في مقاومة التمييز العرقي.المتأمل في حياة مالكم أكس يجد أنها مرت بمرحلتين محوريتين، فبدءًا من وفاة والده القس على يد مجموعة من المتشددين البيض بسبب نشاطه في السياسي، إلى جانب ضياع حلمه أن يصبح محاميا بسبب المعوقات التي تمنع عن أصحاب البشرة السوداء دخول الجامعات، الأمر الذي دفعه إلى حياة الجريمة والتشرد وانتهت به في السجن.وتعتبر فترة تواجده بالسجن المرحلة المحورية الأولى في حياة هذا المناضل، بدأ ذلك عندما تأثر بأحد السجناء ويدعى بيمبي الذي كان يتكلم عن الدين والعدل ودعاه إلى استخدام عقله والاستفادة من مكتبة السجن مما أتاح لـ«مالكوم» تنمية قدراته الفكرية واللغوية.وفي هذه الإثناء، بدأت تظهر دعوة «أمة الإسلام» على يد «الليجا محمد» لنصرة الأمريكيين السود وتتخذ هذه الحركة من الإسلام غطاءً لها، ووصلت هذه الدعوة إلى «مالكوم» داخل السجن على يد إخوته، الذين امتثل مالكوم لرغبتهم وانضم إلى الجماعة.

الليجا محمد

الليجا محمد

وتجدر الإشارة هنا إلى أن «أمة الإسلام» اعتمدت أسلوبا عنصريا لمناهضة التفوق الأبيض، فقد آمنت هذه الجماعة بأن البيض ليسوا إلا شياطين تحكم الأرض وأن الله هو إله للسود وحسب، وأن الإسلام دين للسود، وأن الزنجي تعلم من المسيحية أن يكره نفسه.على هذه الأسس –التي لاقت ارتياحا في نفس مالكوم بسبب تجاربه السابقة- اعتنق مالكوم الإسلام بل وأصبح ناشطا دخل السجن يدعو إلى زملائه المسجونين إلى اعتناق الإسلام والانضمام للجماعة، حتى صدر قرار بالإفراج عنه.بعد أن خرج مالكوم من السجن اتجه إلى توطيد علاقته بالليجا محمد وبدأ يدعو الشباب السود إلى هذه الحركة فتأثر به كثيرون، وتدرج مالكوم ضمن الجماعة إلى أن أصبح الداعية الأول ثم تقلد منصب المتحدث الرسمي للحركة.ومن شدة تأثره وإيمانه بأفكار الجماعة عمد إلى تغيير اسمه مالكوم ليتل إلى مالكوم إكس وفسر ذلك قائلا «إن إكس ترمز لما كنت عليه وما قد أصبحت، كما يعني ـ في الرياضيات ـ المجهول وغير معلوم الأصل».ولقد انتهج مالكوم خلال تواجده بمنظمة أمة الإسلام العنف لتحقيق أهدافه، وعزى هذا الاتجاه الحياة التي عاشها في صباه، ودعا إلى الانسحاب من المجتمع الأمريكي مجتمع الشيطان، واقترح أن ينفصل السود ويرجعوا إلى وطنهم الأم وألا يقبلوا أبدا الاندماج في المجتمع الأمريكي ثم طالب بولاية خاصة للسود يشكلون فيها مجتمعهم بعيدا عن البيض.من هنا يأتي الاختلاف الرئيسي بين «مالكوم إكس ومارتن لوثر كينج»، فقد اتبع الثاني مبدأ اللاعنف وسعى إلى خلق تساوٍ بين الجميع في حقوقهم تحت ظل مجتمع واحد، أما مالكوم فكان هدفه القطيعة الكاملة مع البيض.


إسلام اللاعنصريةقدم مالكوم استقالته من أمة الإسلام إثر خلاف نشب مع الليجا محمد بسبب مخالفة مالكوم التعليمات والتعليق على مقتل الرئيس الأميركي جون كينيدي، وقام بتأسيس منظمة منشقة أسماها مؤسسة المسجد الإسلامي، ثم ذهب في رحلة لأداء فريضة الحج.خروج مالكوم من الجماعة وقيامه برحلة الحج كان بمثابة ولادة ثانية له عقب الأولى داخل السجن، فقد بدأ يبصر الأشياء على حقيقتها بعيدًا عن ذاك التعصب الأعمى.أدرك مالكوم خلال الحج أن الإسلام ليس دين الرجل الأسود فقط بل هو دين كل البشرية وأدرك ضلال المذهب العنصري الذي كان يعتنقه ويدعو إليه، وكنتيجة لهذه الرحلة غير مالكوم اسمه إلى الحاج مالك الشباز.غيرت الصورة التي رآها في الحج مفاهيم مالكوم بإنشاء أمة مسلمة تتكون من السود والبيض معًا، وبعد عودته أعلن براءته من مبادئ حركة أمة الإسلام العنصرية وحاول إقناع زعيمها إليجاه محمد بأخطائه بل ودعاه لزيارة الكعبة ولكنه غضب بشدة واعتبره منشقًا عن الحركة وطرده منها، فشكّل مالك جماعة جديدة سماها جماعة أهل السنة، مما أشعل الفتنة بينه وبين إليجا بعد اتهام مالكوم إليجاه بالزنى.وبدأ يدعو إلى الإسلام الذي يقضي على جميع أشكال العنصرية ونادى بأخوّة بني الإنسان بغض النظر عن اللون، بتنامي الخلافات أعطت المنظمة أوامرها بقتل مالكوم إكس، وهو ما نجحت فيه حيث تم اغتيال مالكوم أثناء القائه محاضرة في نيويورك تم القبض على القتلة الذين اعترفوا أنهم من رجال منظمة أمة الإسلام.كانت وفاة مالكوم إكس نقطة تحول كبيرة سواء على المستوى الرسمى او داخل حركة أمة الإسلام، فقد ترك الكثيرون الحركة وانضموا إلى جماعة أهل السنة، كما تغيرت أفكار الجماعة بعد رحيل إليجا محمد وتولية ابنه والاس محمد الذي غير اسمها إلى «البلاليين»، كذلك فبعد شهر واحد من حادث الاغتيال أقر الرئيس الأمريكي جونسون مرسومًا قانونيًا ينص على حقوق التصويت للسود وأنهى الاستخدام الرسمي لكلمة «نجرو».


هل انتهى حقا عصر العنصرية فى أمريكا؟ظن الكثيرون أن الولايات المتحدة تخلصت من العنصرية نهائيا بعد تنصيب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، ليصبح أول رئيس من أصل أفريقي، لكن تصاعدت الحوادث العنصرية ضد السود سواء من جانب الشرطة الأمريكية أو المواطنين البيض.وتشير الإحصائيات أن عدد الضحايا نتيجة الاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة تجاه المواطنين السود وصل إلى 1000 قتيل بنهاية 2014، وهو ما جعل الولايات المتحدة تحتل المركز الاول عالميا في الدول الأكثر عنصرية في العالم.فنجد ان هيئة الإذاعة الوطنية أعلنت أن رجال شرطة في ولاية فلوريدا يستخدمون صور لأمريكيين أفارقة كأهداف للتدرب على الرماية وإطلاق النار.كذلك فقد فجرت حادثة مقتل الشاب والتر سكوت في ولاية كارولينا الجنوبية علي يد شرطي أبيض متعصب يُدعى مايكل سلاجر سلسلة من المظاهرات والاحتجاجات، خاصة انها أعادت إلى الأذهان حادث إطلاق شرطي النار على المواطن مايكل براون ست مرات وذلك إثر سرقته لعلبة سجائر من إحدى المتاجر حينها.أما الحادثة الأبرز كانت مقتل فريدي جراي بينما كان محتجزا لدى الشرطة في مدينة بالتيمور بعد أن أصيب بغيبوبة في الحجز، أدت إلى وفاته وسط اتهامات بالتقصير والإهمال بسبب دوافع عنصرية، كما وجهت لهم تهم الاعتداء والضرب المبرح لجراي، حيث أصيب بجراح خطيرة أثناء احتجازه قد تكون عجلت من وفاته بجانب الغيبوبة.على إثر ذلك تظاهر الآلاف في مدن نيويورك وبالتيمور وواشنطن وبوسطن احتجاجا على استهداف الشرطة للسود، واشتعلت الأحداث في بالتيمور خاصة بعد ضبط أكثر من 60 متظاهرًا مما أدى إلى إعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجول الليلي.واتسعت دائرة العنصرية لتشمل المواطنين، بعد أن لقى تسعة أشخاص مصرعهم في هجوم مسلح داخل كنيسة بولاية كارولينا الجنوبية على يد شاب ابيض اعترف أنه كان سعى لإشعال حرب عنصرية في الولايات المتحدة.على ذلك، يؤكد الخبراء أن الخطر الحقيقي الذي واجه أمن الولايات المتحدة ليس مكافحة الإرهاب ولكن الجرائم العنصرية التي انتشرت بشكل كبير مؤخرا، مما يهدد بحدوث حالات أخرى وانتفاضة عنيفة للموطنين السود.