محتوى مترجم
المصدر

فورين بوليسي
التاريخ
2016/03/14
الكاتب
سرديا بوبوفيتش، رفائيل ميمون

هل تنجح الوسائل السلمية في مواجهة أحد أعنف التنظيمات في التاريخ الحديث؟ منذ وقوع هجمات باريس، دار التساؤل حول كيفية التعامل الأفضل مع التنظيمات الشمولية كتنظيم الدولة الإسلامية داعش في أذهان الجميع. حاول الخبراء وصناع القرار التوسط في عقد اتفاق لوقف إطلاق النار في الحرب السورية، ناقشوا توسيع العمليات العسكرية، بل وفكروا حتى في إرسال قوات برية. إلا أنه كما يحدث في الكثير من الأحيان، خلت المناقشات من طرح

احتمالية

المقاومة السلمية.تحتاج جميع الحكومات الاستبدادية أو القوى المحتلة، وحتى أكثرها قسوة، إلى قبول الشعوب التي تنوي حكمها. يتجلى ذلك الإذعان من خلال الطاعة، الدعم السلبي، أو التعاون النشط مع القواعد، القوانين والمعايير التي سنها الحاكم.

كتب

جين شارب، أحد المنظرين الأوائل للسلمية الاستراتيجية: «لا يستطيع الحكام، من تلقاء أنفسهم، جمع الضرائب، إنفاذ القوانين والقواعد القمعية، الإبقاء على انتظام حركة القطارات، إعداد الميزانيات الوطنية، إدارة حركة المرور، إدارة المرافئ، طباعة الأموال، إصلاح الطرق، الحفاظ على إمدادات الأسواق من الغذاء، صناعة الصلب، بناء الصواريخ، تدريب الشرطة والجيش، إصدار طوابع البريد أو حتى حلب بقرة». إن رفض المحليون الانصياع، لن يستطيع الحكام الحكم. وعلى عكس الاعتقاد الشائع القائل بأن الشعب يعتمد على حسن نية الحاكم، يعتمد الحاكم في الواقع على قبول الشعب لتنفيذ مشروعه السياسي.لا يعد تنظيم الدولة الإسلامية استثناءً عن تلك القاعدة في مسعاه لتأسيس دولة قائمة على التفسير الوحشي للشريعة؛ فدون الدعم المحلي، أو حتى السلبي منه، لن يتمكن النظام من الصمود. يتجلى الدليل على ذلك في عجز التنظيم عن التوسع خارج المناطق العربية السنية. منذ الغزو الأمريكي للعراق وبدء الحرب الأهلية في سوريا، تعرض الشعبان للتهميش السياسي والإهانة؛ وفي أسوأ الأحوال، مثلا أهدافًا للعنف الوحشي والتطهير العرقي. وقد أدت جهود التنظيم لتوفير بعض الأمن والخدمات العامة الأساسية لهؤلاء السكان إلى تمكينه من الحصول على دعم العشائر المحلية وكسب

بعض

الشرعية الشعبية.ولكن في المواقع التي لم يتعرض سكانها المحليين لتلك المظالم، عجز التنظيم عن إقناعهم بقبول حكمه، وبالتالي، لم يتمكن التنظيم من حكم تلك المناطق بشكل دائم. باختصار، حتى داعش يعتمد على القبول من جانب الشعب الذي يحكمه، وبناء على ذلك فإن التنظيم معرض لمواجهة عصيانه.لا تتغير وصفة زعزعة استقرار أي نظام قمعي – سواء أكان محتلًا أجنبيًا، نظامًا استبداديًا، أو منظمةً هجينة كداعش. ينبغي على النشطاء تحديد الأساليب والاستراتيجيات التي ستنتج بشكل فعال تحولات في الولائات بعيدًا عن النظام، والتي ستحول المعارضين الصامتين إلى منشقين ناشطين، وستضعف قبضة الحكام على السلطة عبر إشاعة الفوضى والانشقاق.إذن فكيف ستبدو الحملة السلمية ضد داعش؟ كيف تضرب التنظيم في مواطن ضعفه؟ تتمثل أول خطوة في أي حملة للمقاومة السلمية في مواجهة الخطاب الذي يمكن الحاكم المستبد من اجتذاب دعم الشعب. ويمكن حشده لاتخاذ خطوات ضد الحاكم فقط بعد تعرض الشعب لانتهاكات النظام، وبعد انكسار فكرة عدم قهره.مثلت الدعاية عنصرًا أساسيًا في نجاح داعش، سواء في تجنيد داعمين جدد «خصوصًا من الخارج»، ضمان الدعم المستمر من جانب الشعوب التي يحكمها، أو استمرار خوف وإذعان المنشقين المحتملين. فبدلًا من التركيز المبالغ فيه على العنف وتقوية دعاية الدولة الإسلامية، ينبغي على الإعلام العربي والعالمي التركيز على المقاومة التي تتعدد أمثلتها، على الإنترنت وعلى أرض الواقع؛ فرغم القمع،

يخبر

الصحفيون في الرقة العالم بشأن الحياة في عاصمة الدولة الإسلامية، بل

وطبعوا

مجلات لمجابهة دعاية التنظيم. كما مثلت السخيرة من التنظيم عبر

مقاطع الفيديو


والصور المعدلة

وسيلة فعالة للسخرية من التنظيم وكسر صورته الدالة على القوة الشديدة التي لا تعرف الخوف، الموجهة للشباب الأجانب. يتعين احتضان التنظيمات والنشطاء العديدين الذي يقاتلون التنظيم على ساحة الدعاية الفكرية وإعطائهم الظهور الذي يستحقونه.أما فيما وراء معركة الخطابات، يمكن للاعتراف بقوة السلمية من قبل الإعلام والحكومات إلهام السكان المحليين لينظموا صفوفهم ضد الدولة الإسلامية. كما أن إمكانية نجاح المقاومة المدنية ضد داعش كبيرة. فالتنظيم يعتمد على آلاف المقاتلين للدفاع عن أراضيه، وعلى مئات آلاف الموظفين المدنيين لجمع الضرائب، استمرار النظام القضائي، محطات الطاقة، ونظم الصرف الصحي في أراضيه، وعلى آلاف العمال، المزارعين والمهندسين

لتوليد الإرادات

من حقوله للقمح والشعير، مناجم الفوسفات، مصانع الكيماويات، وحقول البترول. ودون تعاونهم، سينهار المشروع السياسي للدولة الإسلامية بكل بساطة.إذن فالتحدي يكمن في صياغة وسائل للمقاومة دون تعريض حياة المقاوم للخطر. بالتأكيد تمثل المظاهرات والإضرابات العامة وسائل مطروحة. وهناك عدد من الطرق المعروفة والمنخفضة المخاطر للاحتجاج، مثل إبطاء سير العمل، التخريب غير العنيف، أو تنمية مؤسسات سرية موازية، مثل توفير البدائل للإعلام، للمدارس وللمؤسسات الدينية. يمكن للنشطاء أيضًا تشجيع التهرب الضريبي، بما أن الضرائب تمثل

مصدرًا رئيسيًا

للدخل بالنسبة للتنظيم، وتنمية شبكات دعمٍ للمنشقين.ولكن استنباط التكتيكات الآمنة يتوقف على النشطاء أنفسهم؛ فهم على دراية كافية بالموقف على الأرض والأعمال الداخلية للمنظمات والمصانع التي يشتغلون بها. يتوجب على النشطاء العمل، ليس فقط لمنع داعش من كسب الأموال التي يحتاجها للإبقاء على دوران ماكينة الدولة، بل أيضًا لرفع تكلفة إحتلاله للأراضي إلى أقصى حد ممكن. أنجحت تلك الوسائل إلى درجة كبيرة حملات العصيان المدني ضد الاحتلال النازي في الدنمارك، النرويج، وهولندا؛ حيث أجبرت

أعمال التحدي والتعطيل

– بما في ذلك التخريب، إبطاء سير العمل والمقاطعات الاجتماعية والسياسية – المحتل على تحويل الموارد من جبهات القتال إلى الداخل للحفاظ على النظام.في جنوب أفريقيا، رغم القمع واسع النطاق والعنف الشديد من جانب الدولة، لم تتمكن حكومة الفصل العنصري من قمع

مقاطعة المستهلكين

لشركات البيض – ما دفع أصحاب الشركات البيض إلى دعوة الحكومة لقبول مطالب السود بجنوب أفريقيا. بالتأكيد يمنع التهديد بالتعرض للعنف المواطنين من فعل أشياء كثيرة، ولكنه لن يجبرهم على شراء منتجات من متاجر محددة. وعلى غرار ذلك، يمكن للتكتيكات المدروسة جيدًا بهدف عدم التعاون أن تجعل الأراضي الواقعة تحت حكم الدولة الإسلامية صعبة المراس على الحاكم.رغم أن المقاومة المدنية تعد في المقام الأول شأنًا محليًا، يمكن للجهات الخارجية أيضًا أن تساهم في حملة سلمية منسقة ضد داعش. أولًا، يمكنها تشجيع الانشقاقات، على سبيل المثال عبر إتاحة وظائف أفضل في الخارج للعاملين. كما يصعب استبدال الفنيين ذوي المهارات العالية الذين يشغلون مصانع الكيماويات والمنشآت النفطية، ويمكن إتاحة وظائف أعلى أجرًا لهم في شركاتٍ أجنبية. كما سيكون للانشاقات واسعة النطاق – سواء من المقاتلين، الموظفين المدنيين أو العمال – أثرٌ مدمرٌ على قدرة التنظيم على كسب العائدات، وهي أقل تدميرًا بكثير بالمقارنة بالضربات الجوية.ثانيًا، كما رأينا، للإعلام دورٌ حاسمٌ ليلعبه. فالإعلان عن أعمال التحدي يعد محوريًا لإظهار أن المقاومة ممكنة. ويمكن لوسائل الإعلام الخارجية أيضًا أن تقدم للنشطاء معلومات هامة حول أساليب المقاومة التي جُربت في المدن الأخرى، وما نجح منها وما لم ينجح.أخيرًا، تستطيع المنظمات الدولية أن تدرب النشطاء على وسائل العمل السلمي، التواصل الاستراتيجي، والتعبئة الجماهيرية. يتطلب حشد العامة والإقدام على الأعمال السلمية، خصوصًا تحت الأوضاع القمعية، المعرفة والمهارة. ورغم أن الموارد اللازمة لتعلم تلك الأمور

متاحة

على الإنترنت، تعد برامج التدريب أكثر فاعلية بكثير، وقد

أثبتت قدرتها الحاسمة

في الماضي، سواء في صربيا، جورجيا أو في أنحاء العالم العربي. ويمكن عقد تلك الورش التدريبية داخل البلاد، في الدول المجاورة، أو حتى عبر الإنترنت عندما يكون سفر النشطاء مستحيلًا بحكم الأوضاع الراهنة. في مواجهة الدولة الإسلامية، يشير الوضع على الأرض، ومحدودية الوصول إلى الانترنت، إلى أن الحل الأكثر أمانًا هو جلب النشطاء إلى تركيا أو “المناطق المحررة” في سوريا والعراق.كانت دعاية داعش فعالة للغاية. لقد أقنع التنظيم العالم بقسوته الشديدة، وأنه يمكن هزمه فقط عبر الحملات المسلحة الضخمة. ولكن ذلك لا يمثل سوى أسطورة تحتفظ بها جميع الحكومات الاستبدادية. كجميع القوى الحاكمة، يعتمد التنظيم على قبول الشعب الذي يعتزم حكمه. والأكثر أهمية أن هذا القبول يمكن سحبه. يستطيع النشطاء الملتزمين، الذين يفكرون ويتصرفون على أسس استراتيجية، تحويل السكان المحليين ضد الدولة الإسلامية، وتفكيك مصادر قوته بشكل فعال.